مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*فتاة مهاجرة-صورة - حاورت الشيطان-اغتيال طبيبة- نعقيب ليلة رعب

اذهب الى الأسفل

*فتاة مهاجرة-صورة - حاورت الشيطان-اغتيال طبيبة- نعقيب ليلة رعب Empty *فتاة مهاجرة-صورة - حاورت الشيطان-اغتيال طبيبة- نعقيب ليلة رعب

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 6:33 pm

فتاة مهاجرة
الأحد 20 ديسمبر الساعة العاشرة صباحاً ...
اليوم أبتدأ موسم الإجازات .. كل ما حولي ملئ بالصمت والبياض .. الثلوج تتساقط بلا انقطاع منذ ثلاثة أيام .. وتراكمت تلال منها أمام النوافذ فحجبت الرؤية ومنعتني من الخروج
لكن فكرة البقاء حبيسة داخل جدران شقتي الضيقة تكاد تصيبني بالجنون ... الإحساس بالوحدة يحبس انفاسي ويملاني بالخوف من مجهول لا أستطيع تحديده .. ولكن ماذا افعل ؟؟ اقرا ؟؟ مللت القراءة .. هل أعود إلى النوم ؟؟ لا أستطيع فقد نمت ما يكفيني لأسبوع كامل .. هل أعيد تنظيف المنزل الذي أعدته بالأمس ؟؟ ربما يكون الحل في مشاهدة فلم جيد مع كوب نسكافيه حار وساندويتش ..
أدرت جهاز التلفزيون و تقرفصت في الكنبة الصغيرة أمامه .. تنقلت بين القنوات ابحث عن شئ يستحق المشاهدة .. كل البرامج مملة .. حديث لا ينتهي عن مشاكل المجتمع الأمريكي الكريه ... برامج أخرى تفوح منها رائحة العفونة .. أفلام معادة ... قررت أن أتحول إلى القمر العربي حتى اسمع لغة افتقدها في تعاملي اليومي هنا .. يبدو ان العرب لم تعد لديهم هموم او مشاكل .. فكل القنوات غناء ورقص وبرامج مسابقات وهمية .. ظللت ابحث عن تلفزيون السودان لكنني لم أجده .. اين ذهب ؟؟ لماذا اختفى وانا في اشد الحوجة اليه ؟؟ برغم بكائي المستمر عند مشاهدة قناة السودان إلا انها تظل عزاء لي في غربتي الاختيارية ... قطعة من وطني تمدني بجرعات من الحنين ..مشاهدة الوجوه الكالحة المتعبة والشوارع المليئة بالغبار تهديني ذكريات صارت بعيدة .. كبعد المسافة بين الخرطوم ونيويورك حيث أقيم منذ ثلاث سنوات .. كلما عصرتني الوحدة بين فكيها .. ارجع إلى الوراء و أتذكر فرحتي باللوتري التي تابعت التقديم اليها باصرار عنيد ولمدة خمس سنوات متتالية منذ ان تخرجت من الجامعة وطوال فترة عملي كمحامية .. وقتها كان الهروب من السودان هاجسي الذي يلازمني ليل ونهار .. كنت اراه سجناً يقوّض احلامي في الانطلاق الى العالم الاول حيث الحياة افضل .. وبين انتظار اللوتري والعمل الدؤوب في احد مكاتب المحاماة المشهورة .. امتلكت حياة اجتماعية ثرية عشتها حتى العمق مع صديقاتي المقربات .. نتبادل الزيارات .. نلهو .. نتناقش .. حتى مشاكل المحاكم استمتعت بها .. لم يكن ينغص علي وقتها سوى سخرية صديقاتي المتواصلة من رغبتي بالهجرة ..
يا بت انتي مجنونة ؟؟ هجرة شنوالعاوزة تهاجريها ؟؟ وبراكي كمان ؟؟ لو حتعرسي وتمشي مع راجلك معليش .. لكن امريكا وبراك ؟؟ دي صعبة شديد "
كنت ارد عليهم بفوقية غزاها طموحي وايماني بحلمي المشروع " انتو بنات تفكيركم محدود وما عندكم طموح .. الظاهر عليكم عاجباكمالدفنة الاحنا فيها دي .. المرتبات الكحيانة الما بتقضينا لربع الشهر .. ظروف الحياة الصعبة .. الجو الزفت .. حتى جو السودان يعكر الدم الشتا يجى كم يوم ويمشي وباقي السنة كلها حر وتراب .. عمركم سمعتوابكتاحة في امريكا ولا الكهرباء قطعت ولا الموية نزلت من المواسير طين ؟؟ عمركم سمعتوابازمة مواصلات ولا ملاريا ؟؟ يا بنات افهموني .. انا ما مهاجرة عشان الم قروش وكلام زي دة .. انا عاوزة نوعية حياة معينة ما بتتوفر في الســودان حتى لو عندي قــروش .. ما سمعتــوا بحاجة اسمهــا ( كواليتي اوف لايف ) ؟؟
ودوما تاتيني نفس الردود المحتجة الغاضبة " يا بت هوي .. والله انتي ما في شئحيغطس حجرك غير فلسفتك الفارغة دي .. بلا كواليتي اوف لايف بلا كلام فارغ .. مالها حياتنا ؟؟ ما هو احنا عايشين زي العجب .. وقبلنا اهلنا عاشوا وقبلهم اهلهم .. لا سمعنا زول مات من الحر ولا اتخنق من التراب .. يا وصال يا اختي السودان دةمافي زيه .. السودان دة بلد المحنة والناس الحلوين .. بلد اللمة ... يا بت بلدنا دي سمحة بترابها وحّرها ومطرتها .. بكرة لو مشيتي بلد السجم والرماد ديك بتعرفي قيمتها وتندمي على انك فارقتيها "
كنت أهزأ بالاحتجاجات ولا اوليها أي اهتمام .. وعند وصول الظرف الابيض المنتفخ على عنواني البريدي اقمت حفل فرح داخل قلبي المتلهف للرحيل .. وبدات المرحلة الاصعب الا وهي اقناع الاهل بالموافقة على سفري والبقاء هناك وحيدة .. كانت فترة عصيبة احسست وكانني في قاعة محكمة مع قاضي صعب المرآس .. وانني ادافع عن قضية عمري .. ذرفت الكثير من الدموع .. واستخدمت كافة الحجج التي تدعم موقفي .. اخيرا كسبت القضية .. اكملت الاجراءات وجئت الى هنا ترافقني آمالي وطموحاتي ... دعاء ابي وخوف امي ...
قبل وصولي اتصل ابي بابن عمتي الذي يقيم هناك منذ ستةعوام ويحمل الجواز الامريكي بعد ان تزوج بامريكية تكبره بعشرة اعوام لقاء مبلغ معين يسدده عقب الحصول على الجواز .. لكن لاسباب غير مفهومة اختار ان يبقى معها وانتج زواجهما طفلين ... اتى لاستقبالي في المطار وهو يحمل فتاة في الثانية من عمرها وصبي في الخامسة.. يحملان لون البن المحروق بملامح افريقية صرفة .. رحب بي واخذني الى منزله حيث الزوجة الغائبة في عملها معظم اليوم .. بينما تفرغ ابن عمتي العزيز لرعاية المنزل والاهتمام بالاطفال .. عندما سالته عن تفسير لهذا الوضع المقلوب اجابني بانه حاول الحصول على عمل اكثر من مرة ليكتشف ان راتبه لا يساوى شيئا امام راتب زوجته الكبير .. لذلك قرر ان يعكس آية القوامة لتكون زوجته هي المتحكمة بسير الامور في المنزل ..
بعد اسبوع من وصولي ...
اتاني ابن عمتي معتذرا بصوت هامس خجل .. وهو يبلغني رغبة زوجته في رحيلي ونظراته تتفادى الالتقاء بعيوني " معليش يا وصال .. انتي اكيد عارفة الناس ديل ما زينا وما بيعرفوا المجاملة كتير .. كل شئ عندهم بحساب .. وانتيشايفة وضعي انا ما شغال والا كنت ساعدتك .. الشئ الوحيد القدرت اعمله ليك اني دبرت ليك سكن مع بنات سودانيات لغاية ما تعرفي راسك من رجليك .. وبكرة الصباح حاوديك ..
في تلك الليلة سمعت جدالهما حول الارباك الذي سببه وحودي لدى الاطفال عندما لمحوني وانا اصلي .. فسالوا الاب الذي شرح لهم معنى الصلاة .. فسالوا الام عن معنى حركاتي الغريبة التي تختلف عن الصلاة المعروفة لديهم .. وبما ان الام المسيحية لم تخبر اطفالها شيئا عن الاسلام فقد صعب عليها شرح الامر على حقيقته .. فاخبرتهم بان والدهم اخطا فهم حركاتي وانها نوع من الرياضة التي اؤديها للمحافظة على وزني ؟؟!! آهـ نسيت ان اخبركم بان الام القوية بمالها وجوازها وسلطة بلدها تاخد الاطفال الى الكنيسة كل احد تحت سمع وبصر الاب الذي اعماه لون الجواز الامريكي الداكن ولون الدولار الاخضر عن رؤية ما يدور حوله ..
في الصباح وعندما كان يساعدني في رفع شنطتي الوحيدة الى السيارة خاطبني وهو ينظر الى الارض " وصال عاوز اطلب منك طلب .. لو سمحتي ما تقولي لزول في السودان انو اولادي بيمشوا الكنيسة
نظرت اليه برثاء " ما تخاف من ناس السودان يا ولد عمتي خاف من الخلق ناس السودان " بعدها ساد الصمت الثقيل حتى وصلنا الى مقر سكني الجديد .. كانت الشقة الضيقة في احد الاحياء القذرة التي يقطنها الزنوج .. تتكون من غرفة يتيمة ملحق بها مطبخ مفتوح وحمام صغير بالكاد يتسع لشخص واحد نحيل .. شريطة ان تظل يداه مضمومتان الى جانب جسده مخافة الاصطدام بالحائط لو رفعهما ... احسست بالصدمة وشعرت بالحسرة على بيتنا الفسيح والحمام الذي يسع عشرة اشخاص سوياً ..كنا ثلاث فتيات في نفس العمر تقريباً بفارق شهور قليلة زيادة او نقصاً ... هن اقدم مني بسنتين وكلتاهما جامعيات .. واحدة تعمل بائعة في سوبر ماركت .. والاخرى نادلة في مطعم .. لحظتها فقط احسست بالخوف مما ينتظرني .. وبرغم انشغالهن الدائم الا انهن تطوعن بمساعدتي في الانتهاء من اجراءات التقديم للحصول على الكرت الاخضر .. أصابتني الدهشة من عدد السودانيين الموجودين هناك .. شباب من نفس الفئة العمرية تقريباً .. سالت نفسي من بقى من هذا الجيل في السودان ؟؟!! ..
بدات رحلة البحث عن عمل .. كل ما حصلت عليه اعمال وضيعة وبراتب قليل .. يبدو ان ارباب العمل قد اتفقوا على استغلال من هم امثالنا لعلمهم بحاجتنا الماسة الى العمل .. اصابني الاحباط فسالت رفيقات السكن .. " طيب وشهادة الجامعة ؟؟ " واتاني الرد مريراً "بليها واشربي مويتها " ..
بعد شهر من وصولي ...
حصلت على عمل في احدى المكتبات .. انحصرت مهمتي في اعادة الكتب الى اماكنها بعد انتهاء وقت دوام المكتبة .. وتسلمت اول راتب لي .. 200 دولار اسبوعياً كدت اطير فرحاً وبسرعة اجريت العملية الحسابية المعتادة .. كم قيمة راتبي بالجنيه السوداني ؟؟ وملاني الزهو عندما اكتشفت ان راتب اسبوع هنا يساوي راتب شهر في السودان .. ونسيت للحظة انني اعيش هنا وليس هناك ...
الاثنين 21 ديسمبر الساعة الخامسة صباحاً ..
خاصمني النوم منذ امس بعد ان سمعت طلقات رصاص متبادلة اعقبها صراخ متالم ثم صمت يوحي بما يحمل .. علمتني التجارب ان اهزم فضولي لمعرفة ما يحدث خارجاً .. فقد يكون الموت هو ثمن فضولي الغير مرغوب فيه .. احس بوحدة رهيبة .. يكاد صدري ينطبق .. انتقل صقيع الخارج الى اعماقي .. التصق لساني بسقف حلقي احتجاجاً على الصمت الذي يلف عالمي منذ يومين .. يا لها من بلد .. جلست امام جهاز التلفزيون الملئ بترنيمات اعياد الميلاد وهو ينقل لي صورة بشر يبتسمون بحبور .. وبدات ابكي وحدتي ووحشتي .. ابكي غبائي الذي جعلني اتخلى عن عالمي الدافئ واسعى وراء سراب حياة افضل .. طموحي الذي حرمني من اهلي وصديقاتي .. هنا لا توجد صداقة .. الكل يركض وراء عمله في محاولة لجمع اكبر كمية من الدولارات .. هنا الدولار هو صديقك وشقيقك .. وكل عائلتك ... هنا قد تصبح جثتك هيكل عظمي قبل ان يكتشف احد موتك .. زادتني هذه الافكار كآبة واستسلمت لنحيب عال وانا اتذكر سخرية صديقاتي في السودان
" وصال يا اختي السودان دةمافي زيه .. السودان دة بلد المحنة والناس الحلوين .. بلد اللمة ... يا بت بلدنا دي سمحة بترابها وحرّها ومطرتها .. بكرة لو مشيتي بلد السجم والرماد ديك بتعرفي قيمتها وتندمي على انك فارقتيها " ..
يا الهي انه ندم مرّ وحارق ...
الاربعاء 23 ديسمبر .. الساعة الثانية عشرة ظهراً ...
قررت الخروج من المنزل حتى لو غرقت في الثلج .. لم اعد استطيع التحمل احتاج الى رؤية كائنات حية تتكلم وتمشي وتضحك او حتى تبكي .. احتاج الى سماع اصوات غير تلك الالية التي تاتيني من التلفزيون الممل .. احتاج الى رفقة بشر ...
كم اكره موسم الاجازات في هذا البلد الجاف لانه يعني انقطاع تواصلي مع العالم الخارجي خصوصا في فصل الشتاء الكئيب حين يلبس الكون كله حلة بيضاء باردة تغطي كل شئ الشوارع ممتلئة بشتى اصناف البشر فغداً يوافق الكريسماس .. كنت انظر بلهفة الى العيون اللامعة والضحكات المتبادلة .. في كل ركن يقف رجل ممتلئ الجسد مرتديا زي بابانويل بلونه الاحمر المميز .. يحمل جرساً صغيرا يقرعه بحماس .. امامه سلة نصف ممتلئة بعطايا المارين .. نساء ورجال يسيرون بحبور .. احسست بالغيرة والحسرة لوحدتي وظللت اسير بلا هدف بحثا عن مكان يؤوي احساسي المتجمد ويبدد ظلام الوحشة من داخلي .. نظرت حولي الى المطاعم والمحلات التي تفننت في تزيين واجهاتها باللونين الاحمر والاخضر .. ليست لي رغبة بالاكل ولا الشراء .. فتابعت طريقي حتى كلت قدماي
اخيراً وجدت مكانا مليئا بالبشر والاصوات .. دخلت وجلست .. وبدات الترانيم ... نعم لقد دخلت الكنيسة لاحس بامان الرفقة ودبيب الحياة ...
الخميس 31 ديسمبر الساعة الحادية عشرة مساء ...
انها ليلة راس السنة ... كنت قد قررت ان لا اقضي هذه الليلة وحيدة مهما كلفني الامر .. اريد رفقة تعينني على نسيان مرارة الايام التي مضت .. وتعطيني القوة لمواجهة الايام القادمات .. احسست بالحزن والاسف لان أي من السودانيين الذين اعرفهم لم يوجه لي دعوة لقضاء الامسية والاحتفال بهذه الليلة .. البنات كل تريد ان تقضي ليلتها مع زوجها او صديقها .. والرجال ليست لديهم مساحة لمخلوقة متحفظة ترفض دخول البارات او الديسكوهات .. ترفض العلاقات السريعة في المقاعد الخلفية للسيارات .. فتاة ما زالت تملك القدرة على قول كلمة لا .. في نظر الكثيرين انا مخلوقة معقدة وجاهلة بمتطلبات الحياة في امريكا .. بمعنى آخر مخلوقة منبوذة ..
لم يعد يهمني مع من اكون .. فقط ارفض ان ابقى وحيدة هذه الليلة ايضاً لذلك قررت قبول دعوة هارولد زميلي في العمل فقد كان ودوداً ويعاملني باحترام كبير .. اعتدنا ان نحتسي القهوة سويا اثناء وقت الاستراحة من العمل .. واحيانا نتناول الوجبات في المطعم القريب من المكتبة .. وجدت في صداقته المتمهلة المراعية ما كنت افتقده .. سوف نذهب الى العشاء في احد المطاعم الصغيرة بعدها الى اكبر ميادين نيويورك حيث وضعت لوحة تحمل ساعة ضخمة لبدء العد التنازلي للعام الجديد ..
الجمعة الاول من يناير الساعة الثانية بعد الظهر ...
استيقظت من النوم على صدى انفاس ناعمة تحفر طريقها داخل اذني نظرت برعب الى وجه هارولد النائم بسكون على كتفي ويده تحيطني بحنان .. كان عقلي مشوشاً ... ماذا حدث ؟؟ كلانا يرتدي ملابسه كاملة مما اشعرني بقليل من الراحة .. ولكن كيف وصلنا الى هنا .. كان هناك عرق في مقدمة راسي ينبض بجنون .. وتذكرت انني احتسيت ثلاث زجاجات بيرة تحت الحاح هارولد ورغبتي في اظهار تفتحي وعصريتي لرفيقي حتى لا اخسر وجوده .. بينما تتصارع الافكار في راسي المتالم فتح هارولد عينان رماديتنان ونظر الى بابتسامة برئية وهو يرى علامات القلق والانزعاج في ملامحي المتشنجة ... فاتت عباراته هامسة متعاطفة
* صباح الخير يا وصال ... سنة جديدة سعيدة ... كانت امسية جميلة وقد استمتعت بها الى اقصى حد ...
ما من داع للقلق .. لم يحدث شئ بيننا .. لقد أصبت بالدوار بعد احتساء البيرة فأحضرتك للمنزل .. طلبت مني البقاء معك لانك كنتي تشعرين بالوحدة وخفت من البقاء بمفردك .. كل ما حدث اننا غرقنا في النوم معا .. انا اكنّ لك الاحترام يا وصال ولن افعل أي شئ بدون اذنك ورغبتك .. لكنني اظند بان علاقتنا سوف تتغير من الان فصاعدا .. وكلانا مستعد للانتقال للخطوة التالية .. سوف اعطيك الوقت اللازم لتقرري ما تريدين ... اعتقد بانك تدركين مدى اعجابي بك ورغبتي في ان تصبحي فتاتي ؟؟...
لقد قررت ما اريد .. يبدو ان السقوط في بئر الانفلات لا يحتاج الى اكثر من ثلاث زجاجات بيرة .. واحساس مرير بالوحدة .. خوف من الصمت .. ورغبة بالكلام ...
بعد خروج هارولد جلست افكر فيما وصلت اليه .. وما كان يمكن ان يحدث .. تذكرت تعليقات الفتيات اللائي كنت انتقد تصرفاتهن بالعيش مع أصدقائهم دون رباط شرعي .. ومصادقة الامريكان والاجناس الاخرى .. تذكرت سخرية فاطمة الفتاة السودانية المتعلمة التي تنحدر من اسرة عريقة وتعيش مع صديقها الزنجي بلا زواج " انتيلسة جديدة وما عارفة الوضع في البلد دي كيف .. لمن تقعدي كم سنة وما تلقي انسان يتزوجك حتعرفي احنا ليه عملنا كدة .. يا وصال في البداية كلنا كنا زيك .. لكن لقينا اننا يا نمشي مع التيار أو نرجع السودان .. المسالة اختيار وكل انسان بيختار حسب ظروفه "
لقد اخترت ..
نهضت بهدوء .. لملمت ثيابي في شنطة صغيرة .. فتحت باب بيتي وخرجت منه دون ان اغلقه ..عبأت صدري بالهواء البارد حتى أحسست بحرقة في رئتي ... ركبت سيارة الاجرة واتجهت الى المطار .. قطعت تذكرة اتجاه واحد الى الخرطوم .. قبل الإقلاع رميت الكرت الاخضر في اقرب سلة زبالة ..
عندما وصلت مطار الخرطوم مزقت الجواز المؤقت بلونه الابيض .. وطلبت حق اللجوء الى بلدي ..

صورة مقابل صورة
طارق فتحي
انطلقت متجهة نحو الهدف .. لم تكن تعلم مصيرها المجهول .. سوى ان صاحبها البرئ أرسلها في مهمة خاصة كانت المهمة هي أن تذهب لـ....... ثم ترسل رفيقتها تبعا لاتفاق مسبق .. ومن هنا بدأت القصة
يدور هذا الحوار بين اثنين .. سوف أرسلها لك ولكن بشرط .. أن تردها بأخرى
أبشر ولا يهمك .. إ نت تامر أمر .. بس لاتنس تدعيلي .. وأرسلها المسكين
وبعد برهة .. هااا وصلت ؟؟
ايوه مشكور ما قصرت
الحوار مضمونه طيب وكلماته جميلة ولكن ما خفي كان أدهى وأمر
وتمت الصفقة .. وانتهت العملية .. وعشرات من خلق الله يشهدون على ذلك
كان من وراء الكواليس رجل يرقب .. رجل قد ارتدى قبعة سوداء .. انف معقوف .. تتدلى على جانبي رأسه جديلتان خبيثتان لئيمتان .. كان يرقب الصفقة .. ابتسم بعد ان تمت ثم أطلق ضحكة هستيرية قال بعدها .. هذا ماكنت أرنو إليه
كانت الصفقة عبارة عن صورة مقابل صورة .. فحش مقابل فحش ..ذل مقابل ذل
ذل يقدمه المسلم للمسلم ..وصاحب القبعة قد أتم مهمته على أكمل وجه
ذل يقدمه المسلم للمسلم ..وصاحب القبعة قد عرف من أين تؤكل الكتف
ذل يقدمه المسلم للمسلم .. وصاحب القبعة يكشر عن أنيابه فرحا مغتبطا
وانطلقت الصورة .. وتكرر المشهد بحذافيره مرة أخرى بين شخصين أخرين وبنفس البضاعة .. نفس الصورة.. الصورة التي أرسلها صاحبنا المسكين في المرة الأولى
ويتكرر المشهد ثالثة ورابعة .. وعاشرة .. وللمرة الألف .. والسلعة هي هي .. سلعة صاحبنا المسكين الذي أرسلها في المرة الأولى
لم يكن يعلم صاحبنا المسكين ان هذه الصورة التي سيحصلها الألوف وربما الملايين ستلقي عليه تبعا من السيئات مالله به عليم
رجل شاهد تلك الصورة بعد سلسلة طويلة من الصفقات .. فارتكب الحرام وغشي المنكر .. وفسد وأفسد
وصاحب الصورة المسكين قد أنهكته الخطايا .. وزادته تلك الصورة إثما وبلايا
وصاحب القبعة السوداء يقول : هذا ماكنت أرنو إليه
والناصح يصرخ
أمتي ما الذي يجري لنا؟؟
رجل شاهد تلك الصورة فطلق زوجته بعد ان اصبحت حياتهما جحيما لا يطاق
وصاحب الصورة المسكين قد أنهكته الخطايا وزادته تلك الصورة إثما وبلايا
وصاحب القبعة السوداء لازال يردد
هذا ماكنت أرنو إليه
والناصح يصرخ
أم تي مالذي يجري لنا؟؟
رجل شاهد تلك الصورة فتبدلت حاله وتغيرت طموحاته وآماله .. وعن الحرام صار بحثه وسؤاله .. بعد أن كان- يوما من الأيام - ذا قدر ورفعة
وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف الى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات
وصاحب القبعة السوداء يردد ويردد .. هذا ماكنت أرنو إليه.. هذا ماكنت أرنو إليه
والناصح يصرخ
أمتي... أمتي.. ما لذي يجري لنا؟؟
وفتاة ضاعت وتاهت .. وفي الحرام صالت وجالت بعد أن كانت ذات قلب برئ وعين هادئة .. كل هذا صار وحدث بعد أن شاهدت الصورة .. صورة صاحبنا الاول
وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف الى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات
وصاحب القبعة السوداء .. يتمتم قائلا
هذا ماكنت أرنو إليه
والناصح يصرخ
أمتي .. أمتي .. مالذي يجري لنا
ويهدم بيت .. ويضيع عرض.. وتزول همم ..وتدمر أمة
وصاحب الصورة المسكين لازال يضيف إلى رصيده من سيئات الغير سيئات وويلات .. وحسرات يوم القيامة وندامات
وصاحب القبعة السوداء يبشر رفاقه
هذا ماكنت أرنو إليه
والناصح يصرخ
أمتي أمتي .. مالذي يجري لنا
وتمر الأيام تلو الأيام .. والساعات تلو الساعات ..والصفقات تلو الصفقات
ويموت صاحب الصورة الأولى من غير توبة .. صاحب الصفقة الأولى .. فيتوسد لحده .. ويرقد في قبره
ولازالت سلسلة الصفقات تجري وتجري.. وتصب على صاحبنا في قبره آثاما تتلوها الاثام .. وذنوبا تتلوها ذنوب
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
نعم والله .. لا خير في لذة من بعدها النار
أخي الحبيب
أعلن مع نفسك التوبة .. وسارع بالرجعة والأوبة
وقل لنفسك
إني أطمح لتغيير الدنيا .. فلماذا تغيرني صورة
من سينقذ الأمة الغرقى إذا كنت أنا نفسي الغريق
وتأمل في مقدار إثم .. بل آثام وآثام .. ستحصلها من تلك الصورة
عد الى الله .. اركن اليه .. اذرف حار الدمعات في الاسحار .. وناج رب السموات والاقطار
عندها .. سينتفض صاحب القبعة السوداء قائلاً
ما لذي يجري لنا؟؟
ويستبشر الناصح
هذا ماكنت أرنو إليه

حاورت الشيطان الرجيم في الليل البهيم
طارق فتحي
فلما سمعت أذان الفجر أردت للذهاب الى المسجد فقال لي : عليك ليل طويل فارقد
قلت : أخاف أن تفوتني الفريضة
قال : الأوقات طويلة عريضة
قلت : أخشى ذهاب صلاة الجماعة
قال : لا تشدد على نفسك في الطاعة
فما قمت حتى طلعت الشمس
فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات فاليوم كله أوقات ، وجلست لآتي بالأذكار ففتح لي دفتر الأفكار
فقلت : أشغلتني عن الدعاء
قال : دعه إلى المساء
وعزمت على المتاب ، فقال : تمتع بالشباب
قلت : أخشى الموت
قال : عمرك لا يفوت
وجئت لأحفظ المثاني قال : روّح نفسك بالأغاني
قلت : هي حرام
قال : لبعض العلماء كلام
قلت : أحاديث التحريم عندي في صحيفة
قال : كلها ضعيفة
ومرت حسناء فغضضت البصر قال : ماذا في النظر ؟
قلت : فيه خطر
قال : تفكر في الجمال فالتفكر حلال
وذهبت إلى البيت العتيق فوقف لي في الطريق فقال : ما سبب هذه السفرة ؟
قلت : لاخذ عمرة
فقال : ركبت الأخطار بسبب هذا الإعتمار وأبواب الخير كثيرة والحسنات غزيرة
قلت : لابد من إصلاح الأحوال
قال : الجنة لا تدخل بالأعمال
فلما ذهبت لألقي نصيحة قال : لا تجر إلى نفسك فضيحة
قلت : هذا نفع العباد
فقال : أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد
قلت : فما رأيك في بعض الأشخاص ؟
قال : أجيبك على العام والخاص
قلت : أحمد بن حنبل ؟
قال : قتلني بقوله عليكم بالسنة والقرآن المنزّل
قلت : فابن تيمية ؟
قال : ضرباته على رأسي باليومية
قلت : فالبخاري ؟
قال : أحرق بكتابه داري
قلت : فالحجاج ؟
قال : ليت في الناس ألف حجاج فلنا بسيرته ابتهاج ونهجه لنا علاج
قلت : فرعون ؟
قال : له منا كل نصر وعون
قلت : فصلاح الدين بطل حطين ؟
قال : دعه فقد مرغنا بالطين
قلت : محمد بن عبدالوهاب ؟
قال : أشعل في صدري بدعوته الإلتهاب وأحرقني بكل شهاب
قلت : أبوجهل ؟
قال : نحن له أخوة وأهل
قلت : فأبو لهب ؟
قال : نحن معه أينما ذهب
قلت : فلينين ؟
قال : ربطناه في النار مع استالين
قلت : فالمجلات الخليعة ؟
قال : هي لنا شريعة
قلت : فالدشوش ؟
قال : نجعل الناس بها كالوحوش
قلت : فالمقاهي ؟
قال : نرحب فيها بكل لاهي
قلت : ما هو ذكركم ؟
قال : الأغاني
قلت : وعملكم ؟
قال : الأماني
قلت : وما رأيكم بالأسواق ؟
قال : علمنا بها خفاق وفيها يجتمع الرفاق
قلت : فحزب البحث الإشتراكي ؟
قال : قاسمته أملاكي وعلمته أورادي وأنساكي
قلت : كيف تضل الناس ؟
قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات
قلت : كيف تضل النساء ؟
قال : بالتبرج والسفور وترك المأمور وارتكاب المحظور
قلت : فكيف تضل العلماء ؟
قال : بحب الظهور والعجب والغرور وحسد يملأ الصدور
قلت : كيف تضل العامة ؟
قال : بالغيبة والنميمة والأحاديث السقيمة وما ليس له قيمة
قلت : فكيف تضل التجار ؟
قال : بالربا في المعاملات ومنع الصدقات والإسراف في النفقات
قلت : فكيف تضل الشباب ؟
قال : بالغزل والهيام والعشق والغرام والاستخفاف بالأحكام وفعل الحرام
قلت : فما رأيك بدولة اليهود (إسرائيل)
قال : إياك والغيبة فإنها مصيبة وإسرائيل دولة حبيبة ومن القلب قريبة
قلت : فأبو نواس ؟
قال : على العين والرأس لنا من شعره اقتباس
قلت : فأهل الحداثة ؟
قال : أخذوا علمهم منا بالوراثة
قلت : فالعلمانية ؟
قال : إيماننا علماني وهم أهل الدجل والأماني ومن سماهم فقد سماني
قلت : فما تقول في واشنطن ؟
قال : خطيبي فيها يرطن وجيشي فيها يقطن وهي لي وطن
قلت : فما رأيك في الدعاة ؟
قال : عذبوني وأتعبوني وبهذلوني وشيبوني يهدمون ما بنيت ويقرءون إذا غنيت ويستعيذون إذا أتيت
قلت : فما تقول في الصحف ؟
قال : نضيع بها أوقات الخلف ونذهب بها أعمار أهل الترف ونأخذ بها الأموال مع الأسف
قلت : فما تقول في هيئة الإذاعة البريطانية ؟
قال : ندخل فيها السم في الدسم ونقاتل بها بين العرب والعجم ونثني بها على المظلوم ومن ظلم
قلت : فما فعلت في الغراب ؟
قال : سلطته على أخيه فقتله ودفنه في التراب حتى غاب
قلت : فما فعلت بقارون ؟
قال : قلت له احفظ الكنوز يا ابن العجوز لتفوز فأنت أحد الرموز
قلت : فماذا قلت لفرعون ؟
قال : قلت له يا عظيم القصر قل أليس لي ملك مصر فسوف يأتيك النصر
قلت : فماذا قلت لشارب الخمر ؟
قال : قلت له اشرب بنت الكروم فإنها تذهب الهموم وتزيل الغموم وباب التوبة معلوم
قلت : فماذا يقتلك ؟
قال : آية الكرسي منها تضيق نفسي ويطول حبسي وفي كل بلاء أمسي
قلت : فما أحب الناس إليك ؟
قال : المغنون والشعراء الغاوون وأهل المعاصي والمجون وكل خبيث مفتون
قلت : فما أبغض الناس إليك ؟
قال : أ
هل المساجد وكل راكع وساجد وزاهد عابد وكل مجاهد
قلت : أعوذ بالله منك فاختفى وغاب كأنما ساخ في التراب وهذا جزاء الكذاب

حقيقة ليلة رعب  
بقلم : طارق فتحي
اسمى وظيفة في الدماغ هو التفكير , هذا ما اثبته العلم اخيراً .
في سن الصبا خطرت على بالي ممارسة بعض التمارين في تنقية النفس والصفاء الروحي . فكتمكنت من استحصال بعض الملكات الفكرية والعقلية لا النقلية في الجلاء السمعي والبصري . وبعد ارهاصات ثلاث سنوات في التجلي والسمو الروحي . ولجت يوماً كوناً آخر ليس موازياً لكوننا هذا بل متداخلا فيه بشكل غريب .
واليكم قصتي التي حدثت معي منذ خمسون عاماً خلت .
كانت لي شقيقة كبرى رحمها الله تشتكي دائما من وجع اسنانها . وذات عصر يوم جميل والعائلة ترتشف الشاي في حديقة المنزل بين الزهور والرياحين . فوجئنا بشقيقتنا تدخل علينا وفي فمها قطعة قطن كبيرة ملوثة بالدماء . وبعد تحيتنا بالاشارة زفت الينا البشارة فعلمنا منها انها اقتلعت ضرسها بشطارة وهي الجبانة بمهارة تخشى الوجع بجدارة فقلنا مازحين معها ما هي العبارة .؟ قالت انتم تعلمون اني كمن لا يعلم ليلة من نهاره وجع ضرسي ورأسي شغل كل اهل الحارة . فقلنا لها اهلا بك يا جارة .
واخذنا نطمئنها جمعينا ونهضت انا من فوري وعملت لها فنجان قهوة سادة لوقف النزيف الفموي بريادة فارتشفته بزيادة . وما ان مضى وقت خفيف حتى توقف النزيف وتم تطهير اثر الضرس بماء دافيء وملح حريف . فتوقف النزيف . توقف النزيف .
بدأت الامور تتحسن وذهب عنها الصداع في هذه الاثناء دخلت علينا الوالدة وهي تعنف شقيقتنا بشدة على فعلتها في قلع ضرسها . قالت لها . كيف تقلعين ضرسك وانت امراءة نفساء .؟ قبل ثلاثة ايام وضعت طفلا .
ما هذا الغباء .؟
لف الصمت الجميع ولم يحر احدنا جواباً لعدم درايتنا في هكذا امور.
واكفهر الجو وحان وقت العشاء للتو ودخل الجميع الدار حيث كان العشاء مبسوطاً على مائدة الطعام في قصعة خبز فوقها لحماً مسموطاً. وبعد سكون هيئة شقيقتي . التفتت الي وقالت اريد منك ان تدعو لي بالشفاء العاجل مما انا فيه . وان لا ارى مكروها يحدث لي . قلت لها تعالي معي وادعي انت لنفسك فيكون ذلك افضل لك .
كان اعتقاد شقيقتي الكبرى فيً اعتقادا كبيراً بأني متحصل على ملكات روحية خاصة من خلال مراقبتها لي اثناء خلواتي مع نفسي خلال الاعوام الماضية وبعد ان اخذنا مقعدينا في غرفة الجلوس حل علينا الناموس كحد الموس فهدئت النفوس واخذنا ندعو معاً بالطمأنينة وبالشفاء وسعادة الدارين الاولى والاخرة . وخطر على بالي ان نسبح لله سبحانه وتعالى كأننا موقنين استجابة دعائنا وعلينا شكر خالقنا على ذلك .
غاليت في التسبيح كثيرا وسرقنا الوقت ونحن على هذه الحالة وبعد مضي ساعة واحده او اثنتان توقفنا عن التسبيح  كون شقيقتي الكبرى متعبة ومجهدة حقاً .
وطيلة فترة تسبيحنا لله تعالى . في يد شقيقتي قدح ماء فارغ تقلبه ذات اليمين وذات الشمال تارة وتارة اخرى تقلبه راساً على عقب بصورة لا ارادية . وهي تردد الادعية والتسابيح , واثناء توقفنا عن التسبيح قالت لي شقيقتي اني عطشى فقلت لها وعلى عجل وبدون تفكير في يدك الكأس فاشربي منه ما شئت . فقدمت كأسها لي فشربت منه القليل وناولته لها ثانيةً وما ان اخذت منه جرعة واحدة حتى رمتني بالكأس وبدون سابق انذار وعلى حين غرة . صرخت مذعورة واغمي عليها .
ساد الهرج والمرج في البيت , سرعان ما افاقت شقيقتي واخذت بالبكاء بشدة فاحتضنتها والدتي وهي ترمقني بنظرات فيها اطنان من العتاب فوقف والدي عند الباب , قال ما هذا الجنون ايها الاولاد
جلسنا جميعاً في غرفة الاستقبال عندها بدأت والدتي تسأل شقيقتي . ما حل بك واصابك يا بنيتي .؟
ما حصل لك حتى صرخت بهذه الشدة العظيمة .؟
ردت عليها شقيقتي بالتالي : اني كنت اسبح لله مع اخي طارق وفي يدي قدح ماء فارغ اقلبه طيلة فترة الذكر والدعاء وعندما توقفنا عن ذلك وانا عطشى جداً . اخبرت اخي بذلك فقال لي اشربي الماء القراح بما في يدك وقدمته اولا ثم اعطاني الكأس وفيه الماء وشربت منه جرعة واحدة وحصل ما حصل .
اذاً من اين اتى الماء في القدح .؟
التفتت والدتي نحوي فقلت لها قبل سؤالها . ان هذا امر هين يحصل للجميع لماذا هذا الرعب الشديد .؟ ان صفاء القلوب لا يخفى على علام الغيوب وقد اسقانا الله من عنده . فاين وجه الغرابة في هذا الامر
لم يناقشني احداً بما تفوهت به وبات الصمت سيد الموقف . الحق اقول لكم كنت طموحاً جداً في هذه المسألة كطموح صبي يافع يجيز كل شي واي شيء من الممكن وغير الممكن .
اردتيت ملابسي على عجل لايصال شقيقتي الى دارها وكانت تسكن غير بعيد عنا يفصلنا عنها شارع طويل ومتنزه كبير وزقاقاً ضيقاً حيث تسكن . وخرجنا انا وهي مسرعين الخطى والساعة تشير الى الحادية عشر ليلاً او ما يزيد عن ذلك الوقت بقليل.
وما ان انعطفنا نحو الشارع الوحيد حتى قلت لشقيقتي تعالي نكمل ما بدأنا به من الدعوات والذكر والتسبيح لله تعالى ونستثمر الوقت للتقرب به الى الله بذكره فوافقتني واخذنا نذكر الله معاً ونحن نسير بهدوء وسكينة وبعد مرور بعض الوقت مررنا بسوق الخضار المقفل وكان على يمين الشارع ويقابله تماما ً مركزاً للشرطة وبجانب بوابة المركز يقف شرطي مدججاً بسلاحه داخل كابينة الحرس المعدة لذلك وما ان اقتربنا اكثر فاكثر حتى شاهدنا العجب العجاب من منظر يحبس الانفاس ويخلب الالباب .
شاهدنا مجموعة من النساء يتحلقن حول شيء ما ملقى على الارض وكن متشحات بالسواد ( العباءة العراقية ) يولولن ويلطمن الخدود وكن ما بين الثمانية او العشرة من النسوة وحالما رأيننا حتى انتبهن لنا واخذوا ينادون على شقيقتي باسمها الصريح وهذا شيء نادر وعجيب قلما يحدث على قارعة الطريق , وبعد ان اشبعوا شقيتي سباً وشتماً بالفاظ غير لائقة ومخدشة للحياء قالت احداهن لها ( ام النزيف اما تخافين الله ترمين بطفلك اللقيط في السوق وعلى قارعة الطريق) . بعد ان امعنا النظر جيداً وعلى ضوء المصابيح الخارجية لمركز الشرطة شاهدنا طفلاً مقمطاً بقماطة بيضاء يقبع بين ارجل النسوة المتحلقات حوله .
فتعجبت من نفسي اشد العجب . كيف يتم سباب شقيقتي في العلن في السوق امام الملاُ وانا لا احرك ساكناً . فقلت لشقيقتي لا تتحركي من مكانك اني ذاهب اليهن لأشبعهن ركلا وتقبيحاً . فردت علي شقيقتي وهي ترتجف من هول ما شاهدت وما سمعت من قبيح الكلام والصفات  
اي اخي هب انك ذهبت اليهن ونهرتهن واشبعتهن ركلا وتقبيحاً حتما ستفلت احداهن من قبضتك وتأتي اليً لتقتلني , واني احببت ان تكون بجانبي كي لا امس بسوء منهن , على الاقل حتى نصل الى مركز الشرطة ونفهم من الحارس ما يجري .
فوافقتها على الفور وكانت الدماء تغلي في عروقي وكنت في حالة من الهيجان مشدود الاعصاب متوتر الهيئة جاحظاً عيناي فاغراً فاهي

بعد ان مررنا من امامهن من على الجانب المقابل المحاذي لمركز الشرطة حمدت الله وشكرته لانهن لم يهجمن علينا وكان سيل جارف من السباب والشتائم تقشعر منه  الابدان تنهال علينا من كل حدب وصوب كاننا انسانيين منبوذين .
السلام عليكم . تحيتي لحارس مركز الشرطة .
(ها حجي خير شنو الموضوع ). رد الحارس.
قلت ما بال النسوة المتحلقات حول طفل لقيط ميت امام السوق في هذا الوقت المتأخر من الليل , يقذفن شقيقتي بابشع الالفاظ والنعوت ويتهمنها بهذه الفعلة الشنيعة . اروم مقابلة ضابط المركز الخفر لاقدم بلاغاً عنهن ومعرفة من اين لهن الاثبات بان هذا اللقيط الميت منسوب الى شقيقتي .
هه .. هه .. هه .. ضحك حارس المركز بسخرية على اجابة طلبي , قال :
حجي ما هذا الذي تقوله .؟
اين هن النسوة اللائي تتحدث عنهن .؟
واين هو الطفل اللقيط الميت .؟
اجبته امامك قبالة السوق فحانت مني التفاته خلفي وانا اشير له باحد سبابتي باتجاههن . فلم ارى شيئاً وكان السوق مقفلاً ويلفه الظلام الا من بصيص ضوء خافت ينعكس على احد المحلات المغلقة من مصابيح السياج الخارجي لمركز الشرطة . فما كان مني الا ان شكرت حارس المركز . وهربت منه مسرعاً وانا لا اعلم ما حصل لي من شدة المتناقضات التي رايتها في دقائق معدودات .
قامت النسوة بسب اختي باقذع الالفاظ علانية في الشارع العام , مرقنا منهم وانا متوتر الحال مشدود الفكر والبال . سألت حارس مركز الشرطة عن الامر فضحك وسخر مني . فلا يوجد ما يدل على صدق كلامي كأن النسوة تبخرنا على حين غفلة مني , فلم اعره انتباها وذهبت عنه مغاضباً .
اخذت بيد شقيقتي حتى تجاوزنا مركز الشرطة بقليل . وانا اسأل شقيقتي اثناء سيرنا الجاد مسرعين الخطى .
هل رايت النسوة اللائي اشبعنك سباباً وشتماً باقذع الالفاظ .؟
فردت عليَ شقيقتي نعم . قلت لها للتأكد من صحة كلامها .
طيب بماذا كانت النسوة يشتمنك . ؟
كررت على مسامعي نفس الالفاظ التي سمعتها . وهذا يعني اننا نحن الاثنان كنا نشاهد ونسمع ما حصل لنا وبالحرف الواحد . تأكدت اني لست مخبولاً او ارى اشباحاً في الظلام .
وقبل ان ينعطف الشارع الطويل بنا يساراً شاهدت سيارة حمل كبيرة يجلس على محركها رجل كبير في السن ممسكا مصباحا يدويا بيده  وباليد الاخرى رافعاً غطاء المحرك . وهو اب لاحد زملاء اخي الكبير في المدرسة يدعى ( خليل ) . فقلت في سري هذه فرصتي الذهبية لأعرف منه ما حصل في السوق انه امر جلل لا بد ان يكون قد انتشر في المحلة كلها .
السلام عليكم عمي ابو خليل . وعليكم السلام .
( حجي منو انت ) فعرفته بنفسي فلم يعرفني فقلت له ما قصة الطفل اللقيط اليوم في السوق . قال حجي اي طفل لقيط  , قلت له قبل دقائق معدودات كان هناك طفلا لقيطا ميتاً مرمي في الشارع قبالة السوق ومركز الشرطة . فرد علي ابو خليل
( حجي الله يخليك روح لشغلك خليني اصلح سيارتي ) .
فذهبت مغاضباً مخاصماً ابو خليل .
مال بنا الشارع يسارا حتى وصلنا الى المتنزه الكبير في المنطقة وكان المكان يلفه الظلام ونسجت حوله بعض الاساطير المخيفة كنا نسمعها من الكبار اثناء طفولتنا البريئة التي تصدق اي شيء . وكان صوت الريح يعصف باوراق الاشجار الباسقة ذات الاغصان الكثة وتزمجر الرياح بين الفينة والاخرى حتى ليخيل اليك انك تسمع همسات تلاحقك وانفاس تلهب قفاك وشيء ما يجرك نحو عالم غامض مجهول ويرسم العقل علامات تجعلك ترى ما لا يجب ان تراه وتحلق بك عاليا نحو متاهات الظلال بعيداً عن الضلال . مما يجعلنا كل هذا الامر ان نسمع خفقات دقات قلوبنا بكل وضوح .
طريق المتنزه قصيرا نسبياً اذ لا يتعدى بضع العشرات من الامتار وهناك عمود انارة يتيم في مقابل الدور السكنية يلقي بضوء خافت اصفر على قارعة الطريق وبالكاد نرى ما تلمسه اقدامنا ونسير على هدي هذا النور الضعيف . تعجلت المسير خوفاُ على شقيقتي وما ان ولجنا امتار قليلة في خضم هذا البحر من الظلام والسكون حتى انتصب فجأة امامنا ثلاثة من الرجال لا تبدوا ملامحهم جيدة حجبوا بظهورهم بصيص الضوء هذا . وكلما اقتربنا منهم اكثر كانت هيئاتهم تكبر وتتضخم اكثر حتى انهم سدوا الافق . فنحيت شقيقتي جانباً وقررت المواجهة معهم .
قلت في سري ( يا قاتل .. يا مقتول ) وفي الحالتين انا الفائز .
وما ان وصلت اليهم حتى قدمت رجلاً واخرت الثانية واتخذت وضعية الملاكم المدافع عن نفسه . كي لا اطرح ارضاً بسهولة فهم ثلاثة وانا لوحدي وهكذا تم الامر فوقفت في منتصف الشارع تماما قبالة الرجل الذي في الوسط واغمضت عيني استعداداً للحظة الدفاع عن النفس وانا اضرب بكل ما اوتيت من قوة وفورة الشباب بيميني وشمالي .
( طوط .. طاط .. طيط ..) افقت على منبه سيارة تقف خلفي تماماً . ترجل منها السائق وقال
( حجي هاي شبيك ليش واكف بهذا الشكل وسط الشارع وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل )
تحتاج للمساعدة اوصلكم لمكان ما .؟
شكرته وذهب عنا مسرعاً  وما هي الا دقائق معدودات حتى وصلنا الى دار شقيقتي . بعد السلام والتحية على الجميع قررت العودة من فوري . لانتقم مما جرى لي .
توقفت اثناء عودتي في المتنزه وبحثت بين الاشجار القريبة من الشارع عليً اجد احداً ما اسأله او اشاهد الرجال الذين هاجمونا ثانية لكنني لم افلح . قفلت عائداً متابعا مسيري الى دارنا وما ان عرجت الى الشارع العام ثانيةً باتجاه سيارة ابو خليل حتى فغرت فاهي وشدني ذهول عجيب وامر غريب لم يحدث لي من قبله مثيل فلم اجد سيارة الحمل الكبيرة الطويلة ولا ابو خليل .
قلت في سري لعله اصلحها وذهب بها ليجربها . الافضل ان اذهب الى دار ولده خليل وانه سوف يحل لي جميع الاشكالات التي مررت بها تلك التي لم اجد لها تفسيرا عقلانياً اومنطقياً . وعلى الاخص ان داره مشرفة على السوق ولابد ان سمع هو او اهله بموضوعة الطفل اللقيط .
طرقت الباب حتى كل متني ولما كل متني ظهر لي خليل بشحمه ولحمه فحمدت الله كثيراً وبعد السلام والرد بالايجاب قال لي
( تفضل حجي شنو رايد ) قلت له . الم تعرفني .؟
انت تدرس يوميا مع اخي الكبير في حديقة منزلنا عند عودتكم من المدرسة انت واخي . ضحك خليل ضحكة صفراء وقال
( المهم ماذا تريد مني .؟ )
فاخذت خليل  جانبا بقرب جدار دار جارٍ له واخبرته بكل ما حدث معي بالتفصيل الممل . وبينما كنت احادثه رايت شئياً ملفتاً للنظر وله العجب العجاب من عين بشرية كانت مرسومة على حائط جدار جاره بالطبشور . وكانت هناك امراءة تجلس القرفصاء تحت رسمة العين هذه وقد اخرجت ثديها الايمن لتقلم به فم طفلها الرضيع وكان الطفل يبكي ويصرخ بشدة والمراءة تضع كفها تحت رسمه العين فتسيل الدماء من العين لتملاء كف المراءة وبعد ذلك تسقيه لطفلها حتى تهديء من روعة وصراخه .
في حقيقة الامر كان خليل يتحدث معي ولم اسمع منه كلمة واحدة لا بل ولا حرفاً واحداً مما قاله لهول ما رأيت من افاعيل هذه المراءة .
( حجي هاي شبيك مو دا احجي وياك . وين عينك .؟)
قلت لخليل وانا مازلت انظر للمراءة وهي تقوم بهذا العمل بشكل آلي وروتيني . ان هذه جارتكم امراءة سوء وهذا البيت سيء السمعة . فرد عليَ خليل . وقال نعم هو كذلك . انهم قتلوا ابنتهم سيئة السمعة قبل ما يزيد عن الشهر بقليل .
صاح خليل .
( حجي مدكولي شرايد مني ) فقلت له . لماذا تناديني بالحجي .؟ وانا اصغر منك عمراً ضحك ضحكة مجنونة وقال  
( عمي اغاتي فدوة اروحلك) وقبل ان يكمل خليل جملته سألته عن والده الذي مررت به قبل نصف ساعة تقريباً ولم يعرفني ايضاً , وقال لي نفس ما تقوله انت (حجي) وهو بمقام والدي .
بعد بعض حركات ً التذمر التي قام بها خليل متعمدا قال لي وهو يشيح بوجهه عني . ( اغاتي عمي الحجي والله العظيم ابوية صارله شهر بالبصرة ) فكيف رأيته قبل قليل وبعدها استدار خليل ودخل داره , وانا واقفاً كالصنم او كشخص مسه الجنون . لا الوي على شيء .. فذهبت مسرعا لدارنا . وممرت من امام حارس المركز وتطلعت في المكان فلا وجود له ولا حتى لكابينة الحرس . وكانت الباب الخارجية مقفلة . فاخذني العجب وانا انتبه لنفسي رويدا رويدا ولكني لا زلت تحت تأثير الصدمة .
كانت والدتي تنتظر عودتي لتقفل باب دارنا وما ان رأتني من بعيد مقبلا على الحارة حتى ذهبت مسرعة وارتدت عبائتها . ولما وصلت بقربها قالت ظننتك رجلا كهلا غريبا يمر من امام باب درانا .
وتملكني حينها شعور بالانفجار العظيم . وبالكاد كتمت غضبي والشرر يتطاير من جميع انحاء حسدي واكتفيت بالقول (( حتى انتي يا امي )) . صعدت الى غرفتي بالطابق الثاني . ارتميت على سريري شبه ميت ولا اذكر حينها الا اني صحوت على صوت امي وهي توقظني للافطار الصباحي مع العائلة ؟؟؟
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى