مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* د. شارل العشي هكذا نستكشف النظام الشمسي

اذهب الى الأسفل

* د. شارل العشي هكذا نستكشف النظام الشمسي Empty * د. شارل العشي هكذا نستكشف النظام الشمسي

مُساهمة  طارق فتحي السبت نوفمبر 17, 2012 8:55 am

هو واحد من أهم علماء العرب اليوم في العالم، فهو يقود مختبر الدفع النفاث (Jet Propulsion Laboratory) التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA)، والذي يعمل فيه حوالى 5000 عالم ومهندس.

وهذا المختبر أرسل منذ تأسيسه في منتصف القرن الماضي عشرات المركبات الفضائية لاستكشاف النظام الشمسي. وإذا كان من فضل كبير لهذا المختبر على العلوم فهو أنّه وسّع دائرة المعارف العلمية المتنوعة، وساهم إلى حد كبير في جميع الحقول العلمية والتكنولوجية المختلفة، وفي مركباته الروبوطية التي تجوب النظام الشمسي من أقصاه إلى أقصاه.

شارل العشي يلتقي مع قراء مجلة "علم وعالم" للمرة الثانية عام 2010، بعد أن كنّا قد قابلناه للمرة الأولى في عام 2004. وفي كلتا المقابلتين نرى طموحاته تشبه الفضاء حيث لا حدود بل امتداد إلى ما لا نهاية. إنّه كشعاع الضوء المسافر في الكون، وكسهم الزمن في نسبية آينشتاين لا يعرف إلا السير إلى الأمام.



 حوار: مجدي سعد
س: د.شارل العشي، نجحت عام2004 في إرسال الجوالين سبيريت (Spirit) وأبورتشينيتي (Opportunity) إلى كوكب المريخ، ونجاحك هذا جاء بعد سلسلة من الإخفاقات التي عانى منها مختبر الدفع النفاث (The Jet Propulsion Laboratory) على صعيد إرسال المركبات الاستكشافية إلى الفضاء. وقد نظرت وسائل الإعلام، وأهل الإختصاص إلى هاتين المهمتين وكأن سمعة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA) تعتمد على نجاحهما.

كيف يقَّوّم الدكتور شارل العشي نجاح هاتين المهمتين، وتالياً نجاح مختبر الدفع النفاث منذ توليت إدارته وحتى اليوم؟!

ج: لقد كانت أصداء نجاح مهمتي سبيريت وابورتشينيتي كبيرة جداً في الولايات المتحدة الأميركية. واليوم، وبعد مرور حوالى خمس سنوات على هبوطما فوق سطح المريخ لا يزال هذان الجوالان يقومان بمتابعة استكشاف الكوكب، ولايزال حماس الأجيال الشابة حول هاتين المهمتين كبيراً.

وعندما أقوم بزيارة المدارس تدهشني ردود فعل الطلاب عندما يعرفون أنني مدير مختبر الدفع النفاث المسؤول عن سبيريت وأبورتشينيتي. فأول سؤال يتوجه به الطلاب اليَّ: ماهو وضع سبيريت وأبورتشينيتي على المريخ؟ وقال لي بعض الطلاب أنهم يتحققون من وضع الجوّالين على الإنترنت كل يوم، إذ يزورون موقع مختبر الدفع  النفاث على الشبكة للإطمئنان على وضع الجوالين.

وهنا نلمس جانباً مهماً من مهمتي سبيريت وأبورتشينيتي، وهو أنه خلق جواً مفعماً بالإثارة وحب الاكتشاف في أوساط الأجيال الشابة التي لن تتخصص كلها في حقول العلوم، فمنها من سيذهب للاختصاص بالآداب، أو الفنون أو غيرها، لكن المهم أن هذه الأجيال ستكون على دراية بالتطور الحاصل من حولها.

إنّ نجاحنا لم يقتصر على إرسال الجوالين إلى المريخ، بل نجحنا أيضاً بارسال مركبة الفينيكس (Phoenix) التي هبطت وأدت المطلوب منها بنجاح على القطب الشمالي للمريخ. ونحن الآن بصدد الإعداد لمهمة جديدة تقضي بإرسال جوّال كبير بحجم سيارة بعد سنتين من اليوم. ولقد قمنا ولانزال بمواصلة استكشاف الكواكب الاخرى مثل المشتري، وزحل والآن أتحدث إليك، وهناك 19 مركبة مختلفة لمختبر الدفع النفاث منتشرة في أرجاء النظام الشمسي تستكشف الكون المحيط بنا.

س: ماذا أضاف الجوّالان سبيريت وأبورتشينيتي لمعرفتنا العلمية عن كوكب المريخ؟

ج: سبيريت وأبورتشينيتي هما عبارة عن "عالمي" جيولوجيا جوّالين -إن صح التعبير- قاما بمعاينة مساحات كبيرة نسبياً من سطح المريخ ودرسا الطبيعة الجيولوجية للصخور المريخية. وخلصت تحليلاتنا للبيانات التي أرسلاها إلى أن سطح المريخ كان مغموراً تحت محيط كبير منذ بضعة مليارات من السنين شبيه بمحيطات الأرض، وهذا يعني أنه في الفترة نفسها التي بدأت فيها الحياة في محيطات الأرض كانت توجد محيطات على كوكب المريخ.

إذن السؤال المنطقي الآن هو: إذا كان كوكبا الأرض والمريخ، يمتلكان محيطات في الماضي فلماذا سارت الامور بطريقين مختلفين، حيث تجد هنا على الأرض كوكباً جميلاً عامراً بالحياة ولاتزال محيطاته موجودة، في حين اختفت المحيطات على كوكب المريخ ولا نعرف ما إذا وجدت الحياة عليه ماضياً أو حاضراً. فلماذا إذن تطور الكوكبان بطريقتين مختلفتين؟!

والخطوة المقبلة في استكشافنا للمريخ هي لتبيان وجود مواد عضوية (Organic Material) كإثبات على وجود الحياة في الماضي أو إمكانية وجودها في الحاضر. وإذا تاكدنا أن المريخ لا توجد فيه مواد عضوية، فنريد أن نعرف لماذا تطورت الامور إلى نشوء الحياة على الأرض ولم تتطور في الاتجاه نفسه على المريخ؟

س: هل ساهمت مهمة الفينيكس في تقديم بعض الأجوبة عن مسألة وجود أو عدم وجود مواد عضوية على المريخ؟

ج: قمنا بإرسال فينيكس إلى منطقة قريبة جداً من القطب الشمالي المريخي، حيث قامت بالحفر في الجليد هناك لأننا اعتقدنا بإمكانية وجود بعض المواد المتجمدة في التربة والجليد. وبالفعل وجدنا مواد عضوية تحتوي على مادة الكربون ولكن هذا ليس دليلاً كافياً على تطور الحياة. لذلك فإن الشيء الذي نريد تبيانه هو امكانية وجود مواد عضوية تحتوي على سلاسل طويلة من الكربون.

والجوّال المقبل الذي سنرسله إلى المريخ سيكون مجهزاً بعدد من المختبرات والتقنيات التحليلية (Analytical) القادرة على أخذ وتسخين عينات من سطح المريخ في أفران خاصة ودراستها وتحليلها لمحأولة اكتشاف المواد الضرورية لقيام الحياة.

س: أنت تتكلم عن الجوال الذي سترسلونه بعد سنتين وهو مختبر المريخ العلمي (Mars Science Laboratory)؟

ج: نعم، ومؤخراً، بعد إطلاق مسابقة للشباب لتسمية هذا الجوال تم إختيار إسم "فضّول"  (Curiosity) لأنه يمثّل روحية الاكتشاف. وبشكل عام فإن الأجيال الشابة هي فضولية جداً. لذلك، وتشجيعاً منا لها اخترنا إسم "فضول". والفضول هو الذي يقود الإنسان ليصبح مخترعاً أو عالماً.

وسنقوم بارسال الجوّال "فضّول" حوالى شهر تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2011 ليصل إلى المريخ في صيف عام 2012 وسيكون ذلك حدثاً كبيراً لنا في مختبر الدفع النفاث. وقد صممنا هذا الجوّال الجديد ليكون قادراً على العمل لسنوات عديدة ونعتقد أنه سيبقى صالحاً للعمل لحوالى عقد من الزمن.

س: الجوّال "فضول" كما علمنا، سيكون لديه مصدر نووي - حراري للطاقة، وسيكون قادراً على التجول لمئات الكيلومترات على سطح المريخ، وسيعاين بيئات مختلفة على سطح المريخ؟

ج: هذا صحيح، فالجوّالان سبيريت وأبورتشينيتي كان مصدر طاقتهما من الخلايا الشمسية، وهذا يحدّ من قدرتهما على التجوال في الليل، أضف إلى ذلك تراكم أن الغبار على خلاياهما الشمسية يحّد من الطاقة المتوفرة لهما.

وبما أن الجوال المقبل "فضول" أكبر حجماً ويحتاج إلى طاقة أكبر. قررنا أن نزوده بمفاعل نووي- حراري صغير لتزويده بما يلزم من الطاقة للتجوال على سطح المريخ ليلاً ونهاراً، وأن لا تكون مهمته محدودة بسبب وجود الشمس أو غيابها أو بسبب العواصف الغبارية التي تعيق عمل الخلايا الشمسية المولدة للكهرباء. إذن مصدر الطاقة النووي - الحراري سيفسح بالمجال للجوّال "فضول" بالتجوال لمئات الكيلومترات ما سيزيد من المساحات التي نريد استكشافها وهذا أكثر بكثير مما قمنا به في مهمات الجوّالين السابقين.

والجوّال الجديد سيكون أكبر وأسرع ومزَّود بعجلات أكبر من ما سبقه، لذلك سيكون مدى استكشافه أكبر (Large Exploration Range).

س: ما هي المهمة التي يجب أن تتبع مهمة "فضول"؟ هل تخططون مثلاً لجلب عيّنات من سطح المريخ ليتم دراستها على الأرض؟

ج: نعم، نحن نخطط لهذا في العقد المقبل. والشيء الذي سنقوم به هو إرسال مهمات كل 26 شهراً، أي عندما يكون المريخ قريباً من الأرض.

وبعد أن نرسل الجوال "فضّول" عام 2011 سنقوم بارسال مركبة "مافين" (Maven) لدراسة أعالي الغلاف الجوي المريخي عام 2013، ونخطط لمهمة أميركية - أوروبية مشتركة عام 2016 لإرسال مركبة مدارية لدراسة مكان انبعاث غاز الميثان (Methane) على سطح المريخ، لأن الميثان قد ينتج عن عمليات بيولوجية وإذا استطعنا تحديد الأمكنة التي ينبعث منها، عندها سنكون قادرين عام 2018 على إرسال جوال لمعاينة هذه الأمكنة عن قرب والتقاط عينات وتخزينها على الجوال. وبعد ذلك نفَّكر بإرسال مركبة للهبوط قرب هذا الجوال وأخذ العينات منه والعودة بها إلى الأرض.

كل ذلك يعطيك فكرة عن المنطق الذي يحكم التخطيط لمهمات استكشاف المريخ.

س: غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي للمريخ قد يكون أتياً من مصدرين: الأول نشاط جيولوجي تحت السطح، أو بيولوجي مثل بكتيريا.هل استطعتم بما يتيَّسر من معلومات حتى الآن تحديد مصدر الميثان؟

ج: الجوالات التي سنرسلها في المستقبل ستتيح لنا إجراء الاختبارات والتحليلات لتحديد مصدر الميثان. وستبحث عن مناطق جيولوجية حرارية وعن المواد الموجودة في الصخور حول هذه المناطق، لأن هذه المواد ستعطينا فكرة عما يدور تحت السطح من نشاط حراري أو بركاني إذا وُجد.

لذلك هناك حاجة لإجراء بحث علمي، ومثل أي أبحاث علمية: تسعى للإجابة عن سؤال واحد فتجد نفسك وقد انتهى بكَ الأمر إلى طرح أسئلة جديدة. وهذا هو غاية الاستقصاء العلمي الذي يؤدي إلى اكتساب معرفة أوسع.


س: ينبه علم الأحياء الفضائي (Astrobiology) إلى خطورة إرسال مركبات من الأرض ملوثة ببكتيريا أرضية إلى المريخ. ما هي الإجراءات المتبعة في مختبركم لتجنب هذا الأمر؟

ج: سؤال ممتاز، لأنك إذا أردت البحث عن حياة على كوكب آخر يجب أن تكون حريصاً على عدم أخذ الحياة من كوكبك إلى الكوكب الآخر. لذلك نقوم بتعقيم كل المركبات الذاهبة إلى المريخ.

وعمليات التعقيم تشمل التعقيم الكيميائي، والتعقيم الحراري، حيث نضع المركبات في فرن كبير لتعقيمها، ثم يقوم علماء البيولوجيا في مختبر الدفع النفاث بمعاينة المركبات لنعرف إذا كان هناك أي بكتيريا متبقية عليها.

س: وهل يجب أن يكون هناك حرص عند جلب عينات من المريخ لاحتمال احتوائها على بكتيريا مريخية ممكن أن تلوث بيئة كوكب الأرض؟

ج: بما أننا لا نعرف تفصيلياً خصائص هذه العينات فإننا سنضعها في أوعية مقفلة كلياً وسيتم فتحها لدى وصولها إلى الأرض في مختبرات خاصة. وندرس احتمالاً آخر، وهو عدم جلبها إلى الأرض، بل وضعها على متن محطة الفضاء الدولية لدراستها في مختبرات خاصة نقوم بإرسالها إلى المحطة. وبعد أن نجري دراسات أولية عليها نقرر ما إذا كنا سننزلها إلى الأرض للقيام بأبحاث معمقة عليها في مختبراتنا الأرضية أم لا.

وتخضع عملية التعاطي مع عينات نأتي بها من الفضاء الخارجي لإجراءات وبروتوكولات علمية يطورها علماء مختصون عالميون في الأكاديمية الأميركية للعلوم. لذلك فإن تعاطينا مع هذا الموضوع يتم بشكل دقيق وعميق.

س:البرنامج الذي أطلقه مختبر الدفع النفاث ويدعى "أصول" (Origins) يسعى للبحث عن الحياة في الكون، والبحث عن الحياة في المريخ هو جزء من هذا البرنامج. ما هي الأمكنة الاخرى التي سيدرسها برنامج "أُصول" في النظام الشمسي؟

ج: نحن نعتقد أن أي مكان يوجد عليه ماء، ومصدر للطاقة، ومواد عضوية، هو مكان مرشح لأن تنشأ عليه الحياة وتتطور. لذلك بحثنا في النظام الشمسي عن الأمكنة التي تتوفر فيها الشروط هذه ووجدنا البعض منها.

وعلى أحد أقمار المشتري يوجد قمر ويدعى يوروبا (Europa) نعتقد أنه يمتلك محيطاً من الماء تحت السطح. ونحن نعرف أنه توجد مواد عضوية على سطحه لأننا شاهدناها. لذلك فإن واحدة من المهمات المستقبلية ستكون إرسال مركبة مدارية إلى يوروبا لدراسة سطحه بواسطة نظام راداري (Radar System) وتحديد مدى سماكة الجليد على السطح. وعندما نجد منطقة على السطح تكون سماكة الجليد قليلة، ممكن عندها أن نرسل إليها مسباراً لمعاينتها.

ووجدنا أيضاً حول كوكب زحل أمراً مفاجئاً وهو أن القمر إنسلادوس (Enceladus) الذي يتكون سطحه من الجليد، يوجد على هذا السطح نفاثات تقذف ونتفث الجليد والماء فوق السطح، بسبب الحرارة الموجودة في داخل هذا القمر. وهذا مؤشر على وجود محيط مائي حار تحت السطح ما أدى إلى تشققات في السطح الجليدي، حيث نجد النفاثات تقذف الماء والجليد.

وقد عرفنا أن الماء موجود في أمكنة متعددة في النظام الشمسي إضافة إلى الحرارة التي تأتي معه. وهنا يبرز السؤال: هل يمكن أن يكون هناك نوع من الحياة الميكروبية في هذه الأمكنة؟

س: هل حددتم سبب الحرارة في القمر إنسلادوس؟

ج: نعتقد أن تأثير الجاذبية الهائل لكوكب زحل على القمر إنسلادوس يؤدي إلى نشوء مدَّ (Tide) داخله، والحرارة تأتي من الاحتكاك الذي يولده المدَّ.

س: عندما نذكر المهمة الاستكشافية للمركبة الشهيرة كاسيني التي لا تزال تستكشف كوكب زحل وأقماره، يتبادر إلى أذهاننا جهاز الرادار الذي تحمله كاسيني والذي قمت أنت بتصميمه. لماذا وضعتم هذا الرادار على المركبة وهل حقق الغاية المرجوة منه؟

ج: المرة الأولى التي التقطنا فيها صوراً لأحد أقمار زحل وهو القمر تيتان (Titan)، كانت عندما مرّت المركبة فوياجر(Voyager) قربه منذ 25 سنة، وظهر لنا تيتان محاطاً بالغيوم. وعرفنا أن مادة الميثان (Methane) متوافرة بكثرة عليه وأن الغلاف الجوي لتيتان شبيه بالغلاف الجوي لكوكب الأرض من حيث الضغط الجوي.

كنا متشوقين لمعرفة طبيعة سطح تيتان، وبما أنه كان محاطاً بالغيوم فإن أفضل تقنية لاختراق الغيوم وتصوير السطح هي بواسطة الرادار، لذلك تقدمت باقتراح لإدارة مختبر الدفع النفاث بوضع رادار على مركبة كاسيني، وتمًّ قبول اقتراحي وقمت بعدها بتصميم هذا الرادار.

واليوم عندما تمّر كاسيني بالقرب من تيتان نستخدم هذا الرادار لاختراق حجب الغيوم وتصوير التفاصيل على السطح. وهذه التفاصيل تشبه كثيراً كوكب الأرض حيث نشاهد أنهاراً، وجبالاً، وبحيرات، ومحيطات صغيرة. وإذا قمت بعرض صورة من صور تيتان على أحدهم فإنه سيعتقد أنها صورة للأرض.

والإختلاف بين تيتان والأرض هو أنه مكَّون من الميثان لا من الماء، وتيتان شديد البرودة،  ولو كان فيه ماء فسيكون متجمداً.

ووجدنا، نحن والأوروبيين الذين صمموا المسبار هويغنز الذي هبط على تيتان، أن الأنهار والبحيرات وغيرها  تتكون من الميثان السائل والاسيتيلين وهذا مشابه جداً لمادة الغازولين (البنزين) الذي نضعه في خزانات الوقود بسياراتنا.

إذن هنا لديك قمر يوجد عليه غيوم، وأمطار، وأنهار، وتبَّخر عن سطح المحيطات، وغيره... وهذا يشبه ما يحدث على كوكب الأرض، ومع ذلك فهو مختلف عنها. وهذا مثير من الناحية العلمية لأنك تريد أن تعرف أسباب التشابه والاختلاف بين تيتان والأرض.

س: أنتم تبحثون عن علامات الحياة في النظام الشمسي وذلك من خلال إرسال المركبات والجوالات إلى الكواكب والأقمار. وأنتم أيضاً تسعون إلى اكتشاف الحياة خارج النظام الشمسي من خلال مهمات تعتمد على التلسكوبات المتخصصة مثل كبلر الذي وضعتموه في الفضاء للبحث عن كوكب شبيه بالأرض، أو من خلال تصميم مهمة "الباحث عن الكواكب الأرضية" (Terrestrial Planet Finder) المستقبلية. هل لك أن تحدثنا عن مهمة كبلر(Kepler)؟

ج: واحد من أهم الحقول العلمية في علم الفلك المعاصر هو النظر إلى نجوم اخرى غير شمسنا ومحأولة اكتشاف كواكب حولها، لمحأولة فهم كيفية ولادة الأنظمة الشمسية وتالياً الكيفية التي تكوّن بها نظامنا الشمسي. أضف إلى ذلك معرفة ما إذا كان هناك كواكب شبيهة بأرضنا حول هذه النجوم.

ولأن النجوم في غاية البُعد عنَّا، فأقرب نجم الينا يقع على بُعد حوالى 4 سنوات ضوئية، أي أن الضوء يحتاج إلى 4 سنوات للوصول إليه، فأفضل طريقة إذن لاستكشاف هذه النجوم هو باستخدام تلسكوبات كبيرة وفائقة الحساسية لننظر اليها ونرى ما يمكن أن نتعلمه عنها.

ومهمة كبلر الذي أطلقناه منذ حوالى سنة، مراقبة عشرات آلاف النجوم في وقت واحد، ومحاولة رؤية ما إذا كان ضوء أحد النجوم يخفت بشكل دوري، وهذا مؤشر على وجود كوكب يدور حول هذا النجم. وقد اكتشفنا العديد من حالات خفوت الضوء حول العديد من النجوم، لكننا ننتظر حدوثها بشكل دوري حتى نستطيع القول أن السبب خلفها هو مرور الكواكب أمام هذه النجوم.

وإذا كان الخفوت كبيراً فهذا يعني أن الكوكب الذي يتسبب به ويحجب ضوء نجمه الأم هو كوكب كبير. وقد وصلنا إلى استنتاج من خلال مهمة كبلر وغيرها من المهمات، أنه يوجد عدد كبير من النجوم قد يصل عددها إلى الملايين توجد حولها كواكب.

س: ما هي الخطوة المقبلة لاكتشاف كواكب خارج نظامنا الشمسي؟

ج: ما نريد القيام به لاحقاً هو حجب الضوء الصادر عن نجم معيّن، حتى يتسنى لنا مشاهدة الضوء الخافت المرتد عن سطح أحد الكواكب الذي يدور حول هذا النجم.

س: لقد طورتم في مختبر الدفع النفاث جهازاً لاغيا لضوء النجوم (Nuller)؟

ج: نعم، وهذا الجهاز يلغي الضوء الصادر عن النجم حتى يتسنى للتلسكوب التقاط الضوء الصادر عن الكوكب القريب من النجم. وعندما نفعل ذلك نصبح قادرين على تحليل الضوء الصادر عن الكوكب لمعرفة حجم الكوكب، وما إذا كان لديه غلاف جوي، وإمكانية وجود غيوم في هذا الغلاف الجوي، ومعرفة مكوّنات هذا الغلاف من الغازات مثل الأوكسجين وغيره، وما إذا كان هناك مواد عضوية على هذا الكوكب ام لا.وهذا يساعدنا لمعرفة أوجه الشبه أو الاختلاف بين هذا الكوكب وكوكبنا.

س: ما هي التقنيات المستخدمة في هذا المجال؟

ج: ثمة تقنيات مستخدمة اليوم مثل الكورونوغراف، وللتبسيط أقول: تخيّل الأمر وكأنه نقطة سوداء صغيرة في وسط التلسكوب لتحجب ضوء النجم والابقاء على ضوء الكوكب!

وهناك تقنية اخرى: استخدام تلسكوبين معاً لضم الضوء الملتقط منهما بما يعرف بعملية التداخل الضوئي (Interferometry) بحيث نلغي أمواج الضوء الصادرة عن النجم ونبقي تلك الصادرة عن الكوكب.

س: ماذا يعلمَّنا الضوء الصادر عن الكوكب؟

ج: للضوء ألوان مختلفة وهي ما ندعوها بألوان قوس القزح (Rainbow)، ودراستها تُعلمنا عن القطيرات الموجودة في الغلاف الجوي والتي أدت إلى تشكيل هذه الألوان.

كما أن موجات الضوء تعلمنا عن الحرارة: فكلما إزدادت الحرارة كلما اقترب اللون من الأزرق، وكلما انخفضت الحرارة كلما إتجه اللون إلى الأحمر. إذن تحديد الألوان الموجودة في ضوء احد الكواكب يفيدنا عن حرارة هذا الكوكب وما إذا كانت قريبة من حرارة كوكبنا، وتالياً إمكانية توفر مواد عضوية على هذا الكوكب.

وبامكاننا أيضا النظر إلى الطيف (Spectrum) وهذا يعني دراسة تفاصيل موجات الألوان، وهذا سيحدد لنا أنواع الجزيئات (Molecules) الموجودة على الكوكب الذي نراقبه، فكل جزيء ينبعث منه ضوء مختلف قليلاً عن الجزيئات الاخرى. وهكذا نستطيع، من دراسة الطيف تحديد وجود الأوكسجين (Oxygen)، أو الهيدروجين (Hydrogen)، أو الميثان (Methane). والجهاز الذي يقوم بهذا ندعوه بجهاز قياس الطيف (Spectrometer).

س: أعلنت المؤسسة الوطنية للعلوم الأميركية قبل فترة قصيرة عن امكانية حدوث عاصفة شمسية بحدود العام 2012، وقد تسبب ذلك بإثارة المخأوف حول العالم. ماذا تقول للناس حول هذا الموضوع؟

ج: أقول لهم أن لا داعي للخوف. فالشمس تمرّ بدورة، حيث تكون نشطة في أوقات وأقل نشاطاً في أوقات اخرى. والقلق ليس من تأثير نشاطها على البشر وإنما تأثير ذلك على طبقة الأيونوسفير (Ionosphere) حول الأرض، وهذا قد يؤثر على وسائل الاتصال وغيرها، لكن لا يوجد ضرر مباشر على الناس. وطالما نحن قادرون على توقع هذه الظاهرة والاستعداد لها، فلا داعي للقلق. اما نحن فلدينا قلق على مركباتنا الفضائية المنتشرة في النظام الشمسي لأنها خارج الايونوسفير وقد يؤثر النشاط الشمسي على أنظمتها الالكترونية.

س: نشرت وكالة الفضاء الأوروبية "إيسا" (ESA) تلسكوبين مهمين في الفضاء وهما تلسكوب هرشل وتلسكوب بلاتك. ما هو تقويمك لنشاط إيسا مقارنة بوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA)؟

ج: لوكالة الفضاء الأوروبية قدرات عظيمة شبيهة بتلك المتوفرة في الولايات المتحدة الاميركية، ويقوم بيننا وبينهم تعأون في العديد من المشاريع العلمية، وهذا التعأون يشمل أيضا دولاً اخرى في العالم.

وباعتقادي فإن القدرات التكنولوجية في أوروبا شبيهة جداً بتلك المتوفرة في الولايات المتحدة الاميركية، علماً بأن لدينا موارد أكبر في اميركا إذ أن ميزانية وكالة الفضاء الاميركية تفوق بشكل ملحوظ ميزانية وكالة الفضاء الأوروبية.

لكننا جميعنا، في ناسا وإيسا، نؤمن بأن التعأون فيما بيننا يفيدنا جميعاً. فعلى سبيل المثال، أغلب أجهزة الاستشعار على تلسكوب هرشل وبلانك تمَّ تصميمها وصناعتها في مختبر الدفع النفاث (JPL)، وكنَّا قد تعاوننا وإيسا في مهمة كاسيني لاستكشاف زحل وأقماره، إذ أن المسبار هويغنز الذي استكشف تيتان كان من تصميم وصناعة "إيسا" (ESA). ومستقبلاً سنتعأون في برنامج استكشاف المريخ حيث ستقود إيسا مهمة ونقود نحن اخرى.

لذلك فإننا ننظر إلى علاقتنا بإيسا على أنها تعأونية وليست تنافسية.

س: أنت عضو في الأكاديمية اللبنانية للعلوم، وأنت تزور لبنان من أجل المساهمة في إطلاق البحث العلمي في لبنان. ما هي أهمية إطلاق عجلة البحث العلمي في لبنان والعالم العربي؟

ج: لقد أصبح واضحاً لدينا ولدى الكثيرين أن العلوم والتكنولوجيا تتطور بوتيرة سريعة جداً، وأن المجتمعات التي تمتلك علوماً متقدمة وتوظف مواردها في تطوير البحث العلمي، هي المجتمعات التي ستقود العالم اقتصادياً.

ونحن نعيش في زمن يعتمد فيه الناس على التكنولوجيا، فكل إنسان يحمل هاتفاً خلوياً، ويدخل إلى الإنترنت، وسيشهد الناس تطورات أكثر في التكنولوجيا. لذلك نعتقد أنه توجد قدرات كبيرة في العالم العربي على صعيد المواهب الفكرية وصعيد القدرات المادية. وإذا قامت المؤسسات بتشجيع العلوم والبحث العلمي فإن العالم العربي سيلعب دوراً مهماً في المستقبل بين أمم العالم.

وعملنا في الأكاديمية اللبنانية للعلوم يشبه عمل الأكاديميات العلمية في الولايات المتحدة وأوروبا، ويهدف إلى نشر الوعي بين الناس لأهمية العلوم والهندسة ومن ثم تشجيع الأجيال الشابة للتخصص في هذه الحقول.

ويهمنا أيضا أن نوضح للحكومات والمؤسسات والمرافق الصناعية أهمية العلوم وضرورة الاستثمار في العلوم والبحث العلمي. وأنا شخصياً أعتقد أن العالم العربي يستطيع أن يزيد استثماراته في العلوم، فنحن لدينا نوابغ في الأجيال الشابة من الذين نالوا تعليماً جيداً. وأعتقد أنه بشيء من المساعدة من الحكومات والقطاعات الصناعية ومن الأشخاص فإن تأسيس قدرات اقتصادية وصناعية هو أمر ممكن جداً.

س: لقد تسنى لك اثناء حضور مؤتمر الأكاديمية للعلوم في بيروت لقاء الفعاليات العاملة في الجامعات، ولم يتسن لك مقابلة المسؤولين في القطاع التربوي المدرسي. ماذا تقول للمسؤولين عن مدارسنا في لبنان والعالم العربي؟

ج: هناك أمور عدة، واهمها الإبقاء على الإثارة والشغف وحب الاستكشاف والاختراع عند الطلاب. وتوجيه الطلاب إلى أنهم قادرون على تحقيق أي شيء إذا عملوا بجهد وأن لا شيء مستحيلاً.

واعتقد أن الأجيال الشابة يجب أن يتاح لها إجراء الأبحاث العلمية في جامعات بلادها وليس الاضطرار للسفر أو الهجرة إلى الخارج. لذلك أعتقد أنه تترتب مسؤولية كبيرة على الحكومات وعلى القطاعات الصناعية للاستثمار في حقل البحث العلمي لتوفير الفرص للمواهب الموجودة في العالم العربي.

س: أنت إنسان ترك أثراًً رائعاً على الكبار والصغار في السنوات الماضية، من خلال الإنجازات التي حققتها. ماذا يتوقع شارل العشي أن يحقق أكثر في المستقبل؟

ج: أسعى إلى تأسيس حضور روبوطي دائم (Permanent Robotic Presence) في كل أرجاء النظام الشمسي وهذا واحد من الاشياء المثيرة التي نعمل عليها، وهو شبيه بالحضور الذي أقمناه في القطب الجنوبي حيث يقوم العلماء الآن بزيارة المراكز العلمية هناك لتوسيع معارفهم عن كوكبنا.

وما أتوق أن أراه يتحقق في العقد المقبل هو الإنترنت الفضائية(Interplanetary Internet) حيث ستكون لدينا محطات روبوطية في كل أرجاء النظام الشمسي، ويكون بمقدور أي شخص الاتصال بهذه المحطات وإجراء التجارب العلمية. وبهذا نكون قد أدخلنا النظام الشمسي في حياتنا، بحيث يصبح شأناً عادياً وطبيعياً من حياتنا.

وبعد أن تزداد معارفنا بنظامنا الشمسي فإن الخطوة اللاحقة ستكون دراسة الأنظمة الشمسية الاخرى. وآمل أننا في السنوات العشر المقبلة سننظر ربما إلى آلاف النجوم المجأورة لنا ونلتقط "صوراً عائلية" للأنظمة الشمسية الموجودة حولها. وهذه الأنظمة قد تكون شبيهة أو مختلفة عن نظامنا، وهذا بالتأكيد سيزيد من معرفتنا بكيفية نشوء وتطور نظامنا الشمسي، ماسيشكل ثورة معرفية شبيهة بالتي أحدثها غاليليو غاليلي عندما قال إن الأرض ليست في وسط الكون وأننا لسنا إلا كوكباً صغيراً ندور حول الشمس. ربما يبدو الأمر اليوم عاديا لكن قبل بضع مئات من السنين لم يصدق الناس غاليليو واعتبروه مهرطقاً.

لذلك أعتقد انه في السنوات العشر المقبلة سيكون هناك ثورة معرفية كبيرة، وآمل أن تتابع الأجيال الشابة ذلك وأن تتمنى أن تكون جزءاً من هذه العملية الاستكشافية الكبيرة.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى