مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* البيت المسكون : الجزء 5 - 6

اذهب الى الأسفل

* البيت المسكون : الجزء 5 - 6 Empty * البيت المسكون : الجزء 5 - 6

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 11:50 pm

البيت المسكون  5
طارق فتحي
اودع الدكتور حازم مشفى الامراض العقلية والنفسية , نشات بينه وبين مدير المشفى علاقة متينة بسبب غزارة معلومات الاول واعجاب الاخير به كثيرا استضافه في اليوم الاول لوجوده بينهم الى بيته , بينما الكل على مائدة الطعام بانتظار ربة البيت زوجة مدير المشفى للجلوس معهم ليبدأ الجميع بتناول طعامهم . فاذا بها تدخل عليهم حاملة طبق الفاكهة لتضعها وسط المائدة , ما ان وقع نظرها على الدكتور حازم حتى ارجفت وسقط الصحن منها وتبعثرت محتوياته .
يا الهي .؟ ما هذا الذي اراه .! بروفسور حازم استاذي في مادة الفلسفة في بيتنا .؟ يا مرحبا . يا مرحبا . اهلا وسهلا بك بروفسور . انه لشرف كبير لنا  ان تحضر معنا لتناول طعام الغداء. اخذت الدهشة الجميع  والاولاد عدلوا من جلستهم ليجعلوها اكثر اتزانا واحتراما وكفوا عن حركاتهم الصبيانية ومشاكسة بعضهم البعض , خيم الذهول على الجميع وهم يرون والدتهم الدكتورة في علم الاجتماع وهي تنحني بكل وقار لتقبل يد البروفسور حازم ,
التفت مدير المشفى لضيفه وسأله هل تعرف تلميذتك ( نوال عبد الحميد ) اجابه بالنفي وحياءا منه اوعز الامر الى حالة الزهايمر التي تنتابه في الفترة الاخيرة ماسحة القسم الاعظم من ذكرياته من مخيلته . عبثا حاولت الدكتورة نوال تذكيره بمواقف مرت بها مع البروفسور خلال السنوات الاربعة التي قضتها في الدراسات العليا . الا ان كل ذلك لم يجدي نفعاً . انفض الجميع من حول مائدة الطعام . كل الى حال سبيله بينما المدير والبروفسور دخلا مكتب الاول لارتشاف الشاي .
انا آسف جدا بروفسور حازم عليك ان تعود معي للمشفى ريثما ارتب اموري لاخراجك من هناك . هذا ما قاله المدير وهو يهم بالنهوض اشارة منه للبروف بان حان وقت المغادرة والعودة الى المشفى. ابتسم البروف كعادته فهو دائم الابتسامة بسبب او بدون سبب وبدلا من الخروج من باب الصالة عطف على باب المطبخ الداخلي ليلقي التحية على دكتورة نوال ويشكرها على ضيافتها بعد ان امتدح طعامها كثيرا .
خاطب مدير المشفى مرؤسيه وصولا الى الوزير شارحا الحالة الخاصة للبروف وحصل من الوزير اذنا بميت البروف في منزل مدير المشفى بشكل مؤقت ريثما يتم فحصه من قبل لجنة مختصة بحسب منهاج المشفى الشهري لزيارة اعضاء اللجنة , ليخرجوا من يخرج ويبقوا على الباقين بموجب تقارير الفحص الطبية والنفسية وغيرها من الاختبارات في هذا المجال.
مر الاسبوع الاول من تواجد البروف بين عاائلة مدير المشفى واحبه الجميع لدماثة خلقه وحسن اخلاقه . واصبح الاستاذ المفضل لدى الاولاد في تدريس مواد منهاجهم الدراسية على اختلاف مشاربها وانواعها . وجعل كل من في البيت اكثر انضباطا وسلوكا من ذي قبل كانه نعمة منً الله بها على هذه العائلة بوجوده معهم .
لاحظ مدير المشفى ان لا احدا من عائلة البروف اتي لزيارته في المشفى . بدأت تحرياته حول الامر. ما سبب عزوف عائلته عن زيارته وعلى الاخص زوجته .؟ عمل تحرياته الرسمية وحصل على معلومات خطيرة جدا من الدوائر ذات العلاقة في هكذا امور . كانت تلك الدوائر المختصة تجيب عن استفسارات واسئلة مدير المشفى بكل شفافية وجدية بواسطة كتب سرية في مغلفات كتب على ظهرها عبارة ( شخصي وسري للغاية ) مختومة بالشمع الاحمر .
عمل مدير المشفى ارشيفا خاصاً للبروف استعدادا لعرضه على اللجنة حين زيارتها لمشفاه وفحص مرضاه. مر اسبوعاً آخر. والحالة ذاتها يتواجد البروف في غرفة المدير نهارا ويبيت في بيته مساءا حتى صباح اليوم التالي . استدرجه المدير ليتكلم عن شخصيته في البيت وكيف يرى زوجته واولاده من وجهة نظره الشخصية كأب واستاذ في الوقت عينه . اطنب البروف في مدح عائلته كثيرا وكان الكلام مركزا بشكل كبير حول زوجته الانسانه الرائعة الدكتورة المتفانية في عملها الاكاديمي وتربية اولادنا والاعتناء به شخصياً , كان الحديث عاما ولم يتطرق البروف لخصوصياته كثيراً .
ولما حادثه عن رؤيته لاشباح او اناس غير مرئيين . رد عليه البروف بشكل هادي وطبيعي والابتسامة لا تفارق محياه . شعر المدير بضألة حجمة امام هذا العملاق المارد الذي تجاوز كل اختبارات المدير معه خلال اسبوعين والاغرب منه ذلك الهدوء والرصانه التي كانت بادية عليه بشكل ملفت للنظر مما يدل على علو كعبه ووثوقه من نفسه . كأن لسان حاله يقول ان الذين جلبوني الى المشفى هم المرضى وليس هو كما يدعون . بعدها حصلت المفاجئة الكبرى
انهى كل منهما تحاوره مع الاخر في جلسة اتسمت بالهدوء النسبي فاذا بجهاز الهاتف الارضي للمكتب يرن بشده قاطعا عليهما خلوتهما مع بعضهما البعض . فلينتظروا في الاستعلامات ريثما اتجهز لمقابلتهما . هذا كان رد مدير المشفى على الهاتف عبر الاثير. ارتشف رشفة اخيرة من بقايا الشاي الذي امامه ونهض كمن يريد اللحاق بشيء ما . اتبعه البروف بنفس الحركة . اصطحبه المدير الى غرفة استراحته اجلسه هناك وعاد مسرعا الى مكتبه لا ستقبال ضيفيه .
انا الدكتورة نوال عبد الحميد زوجة الدكتور حازم وهذا اخي الدكتور  فؤاد دكتوراه في فيزياء الكم . اهلا وسهلا .. تفضلا اجلسا من فضلكما . تشرفت بمروركما . ضغط على زر جرس مكتبه برفق وبطيء حتى اتى مرافقه وامره باكرام ضيوفه بما تيسرله من المشروبات . قاطعته الدكتورة نوال بكبرياء وتعفف بسبب وجودها في مثل هذا المكان . قبل المدير المحنك والداهية رفضهما للضيافة بشيء من اللامبالات .
بما اخدمكما ضيفي العزيزين . لندخل مباشرة في الموضوع هذا كان رد الزوجة . نهض مدير المشفى من خلف مكتبه وتوسط طقم الاستقبال الموضوع قبالة المكتب فاصبح قريبا جدا منهما ليستمع بشكل افضل تجنبأ لاخطاء السمع عنده من ناحية ولمراقبة حركات الزوجة اثناء الحديث من ناحية اخرى . حيث لا يخفى عليه هذا الامر من خلال دراسته وتجاربه  في علم النفس الاحيائي وهو تخصص مدير المشفى من خلال ادارته لمشفى الامراض العقلية والنفسية الوحيد الموجود في العاصمة بغداد .
بعد ان اثنت وحمدت زوجة حازم بمدير المشفى وحسن ادارته للنزلاء كما هو واضح من مدة خدمته الطويلة فيه دون الاستغناء عنه ببديل آخر مما يدل على كفائته العالية وحسن ادارته للامر من جميع الوجوه . نهض المدير من فوره متوجها نحو ثلاجة مكتبه فاخرج منها قنينتان من الماء البارد وضعهما امام ضيفيه واردفهما بقدحين فارغين وضع الجميع على الطاولة وهو يلقي السمع لحديث الزوجة دون مقاطعة كلامها واستوى على مقعده منصتا بعناية .
ما ان انهت الزوجة كلامها معه . حتى تدخل اخيها بشرح مسهب اطنب فيه الحديث عن اختصاصه في فيزياء الكم وتجاربه التي تجري في السر والعلانية في بعض الاحيان في الجامعة التي يدرس فيها في احد الدول الغربية . واشاد بمفهوميته ومعلوميته كثيرا حتى قال كلام لا لزوم له وما ان انهى هو الاخر ثرثرته التي لم يستوعب منها مدير المشفى اي شيء يذكر . اطبق الصمت ثانية على الجميع لدقائق معدودات استثمرها الضيفان بشرب الماء والاعتدال في جلستهما . استعدادا لتقبل كلام المدير  .
اهلا ومرحبا بكما . ارى ان ندخل في صلب الموضوع . ما سبب زيارتكما .؟ وانتما لم تطلبا مقابلة البروف حازم حال وصولكما فوراً وكأن امره لا يهمكما . هنا تدخل الاخ الفضولي المتباهي بنفسه احسنت القول سيد ...؟ سيد .. عفوا بما اناديك سيدي .؟ انا الدكتور عصام اختصاص علم نفس واجتماع . تشرفت بك سيد عثمان . الان ساوضح لك الهدف من زيارتنا عفوا دكتور فؤاد .! انا اسمي عصام وليس عثمان . ابتسم الدكتور فؤاد ابتسامة عريضة فيها الشيء الكثير من النرجسية وعلو كعب الانا فيه . لا يهم سيدي عثمان او عصام ما هي الا اسماء دلالة ليس الا .
زوجة الدكتور حازم تريد الحصول على تقرير رسمي من جناب حضرتكم تذكر فيه بصراحة حالته العقلية والنفسية وتاريخ دخوله المشفى . تكلم والانا فيه تتصاعد بوتيرة خرافية احس فيها مدير المشفى بخبثه ومكره وتعاليه عن من معه في المكتب بشكل منفر للطباع البشرية السوية والاعراف الدبلوماسية شيء لا يصدق لا ينم عن خلق سوي . اكدت هذه الهواجس لدى المدير طريقة تعبيره في الكلام وجلسته على حافه مقعده كانه متحفزاً للانقضاض عليه في اي لحظة .
لف الصمت مدير المشفى وهو يلقي السمع ويصغي بشكل جيد مراقبا عن كثب حركات محدثه بشكل تفصيلي ممل . وكيف ان الاخ كان يتصبب عرقاً دونما الحاضرين معه وتلك الحركات التي كان يفعلها بيديه  اثناء حديثه  والمعركة الحامية الوطيس بين اصابع كفيه تشتبك تارة وتبتعد تارة اخرى مع تصبب العرق من وجهه باستمرار وتغير لونه واختناقه ببعض حروفه وغيرها من الحالات النفسية التي خبرها جيدا هذا الحكيم البارع .
طيب لما لا نستمع الى زوجة الدكتور حازم صاحبة الشأن لنرى ماذا تريد حضرتها هي الاخرى . امتعض الاخ قليلا من مدير المشفى ولم يستطيع اخفاء امتعاضه وكرهه لكلام المدير بشكل مستفز بادياً للقاصي والداني . استوعب المدير الموقف وكتمها في سره وتوجه بالحديث نحو السيدة زوجة الدكتور حازم . ليرى ويسمع ردها حول حديث اخيها كاشفة اللثام عن حقيقة زيارتها واخيها . ولماذا لم تبدأ هي بالكلام فاسحة لاخيها ان يثرثر لوحده كل هذه الفترة دون مقاطعته او تصلح له بعضاً من هفواته.
نحن لا نريد ان نطيل عليك سيد بسام بما انك لديك مهام اخرى ونحن نعتذر عن انشغالك بنا والاستماع الينا كل هذا الوقت . دكتورة نوال انا اسمي عصام وليس بسام . الظاهر ذاكرتكم ضعيفة في حفظ الاسماء ضحك الجميع باستثناء الاخ الاناني بقي صامتا كمن يتهكم بالجميع من بعيد. الحقيقة نحن جئنا بصدد التقرير الطبي الذي يثبت ان الدكتور حازم مصاب بلوثة عقلية ونفسية وانه يرى اشياء غير موجودة من مدة طويلة تمتد لسنوات طويلة .
ممكن توضحي اكثر . من تقصدين بنحن.؟ انا واخي .. تمام . ما علاقة اخيك بالتقرير الطبي العلاجي للدكتور حازم . الحقيقة انا لا افهم في هذه الامور فاقترح اخي ان يصطحبني الى هنا وهي المرة الاولى في حياتي ادخل فيها مثل هذا المكان . جيد ارى انكما لم تطلبا مني زيارة الدكتور حازم لمقابلته واشعاره بوجودكما . الزوجة ترد في الحقيقة نحن لا نريد ان نؤلمه كثيرا ونحزنه اكثر مما هو فيه . بتذكرنا سوف يحزن كثيرا . ولي رجاء عندك سيد بصام ان لا تخبره بقدومنا . لا يهم سيد بصام .. سيد عصام .. كلها اسماء دلالية لا اهمية لها . قالها مدير المشفى  وهو يهم بالنهوض من مقعده تهكما بهما وعلى الاخص باخيها المتعجرف .
بعد ان استوى على مقعده خلف مكتبه توجه بالحديث لكليهما وبشكل جاد ورسمي هذه المرة دون مجاملات دبلوماسية . اسمعوا انتما الاثنان , حديثنا هذا سوف يوثق بتقرير لاغراض دراسة حالة الدكتور حازم . انا لا استطيع ان امنحكما اي شيء . بدون ان تأتي اللجنة الرسمية من الوزراة كعادتها في كل شهر للاطلاع على ملف الدكتور حازم ودراسته بتعمق وربما يستغرق اعداد وكتابة التقرير اشهرا قبل البت فيه نهائيا . لكي يكون مستمسكا رسميا عندنا لمعرفة الطريقة التي يتم فيها علاجه .
غادر المدير مكتبه تاركاً اياهما لوحدهما دون حتى كلمة وداع وبعد فترة قصيرة  دخل المرافق عليهما ليصطحبهما الى خارج المكتب باتجاه استعلامات المشفى حيث ركن الاخ الارعن سيارته هناك .
بعد ان انتهت المقابلة بين مدير المشفى وزوجة الدكتور حازم واخيها بالطريقة التي مر ذكرها آنفاً بما يدل على انهما غير مرحباً بهما في هذا المكان . عاد الى مكتبه بعد ان اخبروه بمغادرة ضيوف المكتب , استراح هنيئة وطلب من مرافقيه جلب الدكتور حازم من غرفته الشخصية. التقى الاثنان ولم يمكثا طويلا حتى غادرا الى بيت المدير حيث عائلته لتناول طعام الغداء بالطبق المفضل لديه مع أكلة السمك المسكوف على الفحم التي تجيد عمله جيدا زوجته المصون .
بداهةً لم يخبره المدير بزيارة زوجته واخيها للمشفى ولم يتطرق لحديثهما ولكنه اخذ يلح عليه ببعض الاسئلة حول سلوك عائلته معه في الاونه الاخيرة البنت والاولاد . مضغ لقمته ببطيء ثم اردفه قائلا وزوجتك . تقصًد المدير طرح اسم زوجته بلامبالاة ليرى ردة فعله. لم ينبس الاخير ببنت شفه وضل منغمساً بتناول طعامه وكيف انه اخذه العجب العجاب من وجود امراءة تجيد عمل السمك المسكوف وهو يدمدم بصوت خفيض يا ما حنشوف.
اتضح للمدير انه كان يحادث نفسه طيلة فترة الغداء وهم على مائدة الطعام ولم ينصت له الدكتور حازم اطلاقاً . جلسا على اريكة قريبة منهما لتناول الشاي العراقي الفاخر المعطر بالهيل الذي يحبه جميع العراقيين تقريباً . حضرت زوجة المدير معهم لتناول الشاي تقيماً وتفخيماً لاستاذها البروف حازم . رحب بها الاخير دون ان ينبس ببنت شفة .
توجه المدير لزوجته بالحديث قائلاً قرأت اليوم عن علم جديد لاحد علماء الفيزياء في لندن بعنوان فيزياء الكم او الفيزياء الكمومية انه علم غريب وعجيب لا تحكمه القوانين المادية التي عرفناها منذ نعومة اضفارنا . فيه تجارب اقرب الى الخيال منها الى الحقيقة . اكتشف هذا العلم بداهةً العالم الشهير انشتاين وقام بتجربة اخفاء سفينة بكاملها مع الطاقم واعادتها ثانية في غضون دقائق قليلة . بواسطة ترتداد واطئة اطلقها من جهازه الكبير الذي عمله خصيصاً لهذه التجربة .
ما رأيك دكتور حازم بهذا العلم . هل هو حقيقة ام محض من خيال العالم البرت انشتاين . لقد سمعت تحاوركما ولم اشأ مقاطعتكما . اعلم الشيء الكثير عن هذا العلم الغريب كون اخ زوجتي المقيم في لندن حاصل على شهادة الدكتوراه في الترتداد البطيئة التحث سمعية او صوتية . حدثني عن اسرار هذا العلم كثيرا .
القى المدير السمع وهو شاهد على كل كلمة يتفوه بها الدكتور حازم تابع قائلاً في احد السنوات تم استدعاه من قبل جامعة هارفرد ليقوم مع لجنة من العلماء بتجربة الترتداد الواطئة للسيطرة على عقول بعض البشر لتجنيدهم كجواسيس او يزرعونهم كعملاء في بلدانهم ومنهم رؤساء جمهوريات عربية واجنبية . وشخصيات مهمة في جميع فنون الحياة.
عبث المدير في احد جيوبه الجانبية ليخرج منه آلة تسجيل صغيرة يظهر ان شريط التسجيل فيها قد انتهى وابدله بشريط آخر دون ان يلفت انتباه محدثه الدكتور حازم . انتهى الشريط الثاني والثالث . حتى توقف المتحدث عن الكلام مستأذنا المدير للذهاب الى النوم لغلبة النعاس عليه فاذن له . انصرف المدير الى فراشه ايضاً . القى تحية المساء على زوجته مخاطباً اياها . لقد لمعت فكرة في راسي بخصوص الدكتور حازم سأعمل عليها غداً صباحاً اذا كان لنا في العمر بقية باقية . تصبحين على خير زوجتي الحبيبة .
في صباح اليوم التالي ذهب مباشرةً لمقابلة وزير الصحة بعد ان آخذ منه موعدا مبكرا لضرورات العمل . تم اللقاء بينهم وبعد شرح قصير تفهم الوزير مراد المدير فاوعز بكتاب رسمي مخاطباً وزير التعليم العالي والبحث العلمي يحثه على استقدام احد اعلم واكفأ اساتذة الفيزياء الكمومية ولا ضير ان يكون اثنان او ثلاثة . لامر له علاقة بالامن الوطني العراقي تحت هذا المسمى استطاع مدير المشفى ان يحصل على اثنان من افضل علماء الفيزياء الكمومية في العراق .
في اليوم المحدد والموعد المعين حضر العلماء الى المشفى ظناً منهم انهم سيقومون بتجربة معينه بخصوص هذا العلم الغريب والمدهش في آن واحد . لا يفوت مدير المشفى ان وجه رسالة دعوة لزوجة الدكتور حازم واخيها الدكتور فؤاد للحضور ايضاً في نفس اليوم والموعد . حضر الجميع باستثناء اثنان فقط الدكتور حازم واخ زوجته . تمت التجربة على احد مرضى المشفى امام الحضور بعد حجز الجميع خلف ستارة خاصة مشبعة بمادة هليدات الرصاص لمنع تسريب الترتداد على المجتمعين بحيث تصيب المريض فقط .
كانت التجربة ناجحة مئة بالمئة وتم السيطرة على عقل المريض حتى اخذ يتكلم باللغة الانكليزية التي يجهلها تماماً كونه امي لا يقرأ ولا يكتب . وهو من البادية وليس من اهل الحضر اضافة الى انه بالاساس مخبول العقل لا يفقه من نفسه شيئاً . اخذت اللجنة بشرح التجربة بعد ان تبين ان وزيري الصحة والتعليم العالي حضرا التجربة بأوامر من المخابرات العراقية وبتكليف رسمي من اعلى المستويات في البلد . كون الموضوع يحمل صيغة الامن القومي العراقي .
طلب احد اعضاء وزارة الدفاع بصفة ( وكيل وزير ) شرح التجربة بمفردات بسيطة ليفهما جميع الحاضرين دونما تدليس لاي امر مهما كان يعتقدونه تافها او ليس ذي اهمية . قام العلماء بشرح التجربة بشكل مبسط ومفهوم , ان هذه الترتداد التي غمروا المريض بها تشربت بها كل خلاياه وبالتالي تاثر الدماغ بهذه الموجات التحت صوتية البطيئة وتم من خلالها مسح ذاكرته تماماُ  . الجزء الثاني من التجربة هو عرض تصويري هيلوغرافي امام المريض اي اظهار كائن حيا مجسما ومجسدا بعناية فائقة امام المريض كانه حقيقة واقعة الا انه في الواقع هو محض خيال اي مجرد شبح مجسم بشكل آدمي وكان الشبح استاذا للغة الانكليزية درب المريض على النطق بهذه اللغة ولم يستغرقه الامر سوى ساعتان فقط .

ذهل الجميع للامر . اذ كيف يتم تحويل كائنات خيالية الى كائنات شبه حقيقية من عالم غير مادي غير ملموس غير مرئي الى عالم مرئي ومسموع ويتحاور ويجيب على الاسئلة باستقلالية تامه كانه عقل مجرد عن الجسد . انفض المجلس وتم التوصية بكتمان الامر بدواعي امنية . بعدها اختفى العالمان ولم يسمع عنهما احدا ولم يباشرا بوظيفتيهما في جامعة بغداد كاساتذة متمرسين ومحاضرين .
لم تتسرب التجربة الى وسائل الاعلام ولم يتحدث عنها احداً لغاية يومنا هذا . تم القاء القبض على الدكتور فؤاد اخ زوجة الدكتور حازم في المطار اثناء مغادرته بغداد الى لندن واعترف بانه يقوم بتجارب على الدكتور حازم في السنوات الاخيرة طامعا في ارثه من الاراضي الزراعية التي يمتلكها في اطراف بغداد وكذلك عقاراته في المنصور ومنطقة العيواضية وعقارات في المحمودية واليوسفية اضافة الى مزرعة كبيرة للابقار انشأها بعد تقاعده من وظيفته . كذلك عمل غسيل دماغ لاخته زوجة الدكتور حازم لمساعدته في ايداع زوجها مشفى الامراض العقلية واعترف ان كل خططه وتجاربه نجحت بأمتياز , الا ان ذكاء مدير مشفى الامراض العقلية والنفسية الدكتور عصام كشف اللعبة المخطط لها بعناية منذ سنوات قليلة مضت .غيب الدكتور فؤاد بعدها ولا يعلم احد ماذا جرى له .

البيت المسكون 6
طارق فتحي
بعد وقت غير قصير اخرج الدكتور حازم من مشفى الامراض العقلية والنفسية . بعد ان تم فحصه واستجوابه للتأكد من صحته النفسية وسلامة عقله في ثلاث جلسات استمرت نحو ثلاثة اشهر او ما يزيد عن ذلك بايام قليلة . حصل فيها على حريته التي كادوا يسلبوه اياها . اصر مدير المشفى الدكتور عصام على عمل حفل صغير له في داره بالحاح من زوجته واولاده لتعلقهم الشديد به . وكان له ما اراد , حضر الدكتور حازم بمعية المدير الحفل مساءا وتم استقباله من قبل العائلة بالترحاب والتصفيق الحاد , حيث طبعت زوجة المدير تلميذته السابقة قبلة على وجنته وكذلك فعل الاولاد واخيراً الاب .
توسط الجلسة كالطاووس وهو يشعر بالفخر والخيلاء شارحا لهم كيف تغلب على الامر جميعاً وعلى هذه المؤامرة الدنيئة التي تعرض لها واسرته الجميلة وعلى الاخص زوجته المصون . انصرف المدير لبعض شأنه فتقربت منه زوجته مستفسرة بجدية عن كيف صمد كل هذه المدة امام فحص ومحاكمات اللجنة الرئاسية الخاصة المبعوثة من قبل جهات عليا في البلد .
اجابها الدكتور حازم فيك من يكتم السر ,! قالت بلى , قال هذا ليس انا من صمد امام الجميع بكل قوة وحكمة ورصانة كل هذه المدة . من ذاً الذي فعل ذلك من فضلك .؟ قهقه بصوت منخفض غير مسموع انها جنيتي عزيزتي دكتورة نوال . هي من كانت تلقنني الاجوبة وتهمس في عقلي كيف اتصرف امامكم وامام اللجنة وامام الجميع . حقاً.؟ وهل كانت تظهر لك ايضاً .؟ نعم عزيزتي بكل تأكيد الا انكم لا تستطيعون رؤيتها .
امتقع وجه الدكتورة نوال تلميذته المميزة وابتعتد عنه رويدا رويدا وعلامات الخوف والوجل مرتسمة على محياها تعثرت ببعض المقاعد وحملت اطباق الطعام التي ما زالت ابنتها تأكل فيها . استغرب الاولاد من تصرفات امهم . ماما انه طبقي لماذا ترفعيه من امامي اني لم اكمل طعامي بعد .! نهض الدكتور بنصف قامة . هل اساعدك دكتورة نوال.؟ لا.. لا ..لا .. شكراً. كل هذا ومدير المشفى يراقب المكان عن كثب متربصا بالجميع بعيني خبير وحكيم لا يشق له غبار .
جلس المدير في مكانه المخصص لاكمال طعامه وهو يلاحظ علامات الدهشة والانبهار بادية على الاولاد وهم ينظرون صوبه بنكران لم يعهده فيهم من قبل . ولما وجه السؤال لابناءه . ماذا بكم .؟ ماذا جرى في غيابي .؟ الكل عمل نفسه يكمل طعامه وعينه لم تغادر اطراف الصحون الموضوعة امامهم . اتت الزوجة في هذه الاثناء وجلست بقرب زوجها متملقة له على غير عادتها , يا الهي .؟ لماذا يتصرف الجميع بصورة غير طبيعية اليوم .؟ ماذا جرى لكم بحق الله عليكم .؟ هل مسكم طائف من الجن .؟
هنا ابتسمت الزوجة ابتسامة صفراء ملؤها الخوف والرعب واخذت تهز براسها علامة الايجاب على جملته الاخيرة . مكثت لحظات وهي تهز براسها كالمصروعة . واخيراً نطقت بصوت خفيض باذن زوجها اتبعني الى المطبخ دون ان يشعر بك الدكتور حازم . ماذا.؟ قلت لك اتبعني وحسب . نهضت الزوجة لبعض شؤونها في المطبخ وبعد لحظات لحق بها زوجها مدير المشفى . فاخبرته بالمحاورة التي دارت بينها وبين الدكتور حازم . وان شبحه او جنيته ما زالت معه . كل هذه المدة وبمساعدتها وبمكرها استطاع التغلب عليكم جميعاً ...
انا لا اريده في منزلي بعد اليوم . لقد افسد فرحتنا واحتفائنا به انه مجنون فعلاً ولكنه من النوع العاقل , اطلق المدير ضحكة مدوية , اخذ يداعب زوجته بملامستها في المناطق الحساسة من جسدها في هستريا وحمى الضحك التي انتابته بشكل مفاجيء . وهي تنعته بالمراهق الكبير , وضحك الاثنان معاً . اصبح الاولاد على مائدة الطعام اكثر جنونا من ذي قبل , لما يجري من حولهم من امور غير طبيعية بالمرة , وما يجري امام مسامعهم من الابوين على غير عادتهم ايضاً. نهضت البنت من على مائدة الطعام وهي تعلن للجميع عن ذهابها الى غرفتها كونها لا تستطيع تحمل هذا الجنون الذي حل على الاسرة على حين غفلة
انتهى الجميع من الطعام وذهب الاولاد كل الى حال سبيله مكث الرجلان في الصالة بانتظار الشاي . قدمت الزوجة طقم الشاي وهي تقدم خطوة وتؤخر اخرى حتى تمالكت نفسها اخيرا ونظرت في عيني الدكتور حازم بابتسامه لو اجتمع اهل السماوات والارض من الانس والجن على حل رموزها وفك طلاسمها لما استطاعوا الى ذلك سبيلا وان اتوا بمثلهم ظهيرا.
كان المقرر ان يبيت الدكتور حازم عندهم هذه الليلة , الا ان المدير وتحت وطأت الحاح واصرار زوجته على مغادرته منزلها . فاجأه المدير بانه سيوصله الى داره هذ المساء وزف البشارة لعائلته التي لا تعلم من الامر شيئاً لغاية اللحظة . مد يده لينهض صاحبه من مقعده الغائر فيه , وكان له ما اراد نهضا وغادرا الصالة وكعادته في كل مرة مرق من امام باب المطبخ الداخلي ملقيا التحية على زوجة المدير مادحا اياها طعامها متأسفاً جدا على ازعاجها وارهاقها بسبب حفل الليلة .
لم تتكلم معه ودعته بالاشارة وحسب والخوف يتملكها من رأسها حتى اخمص قدميها . استوى الاثنان على مقعديهما في السيارة وانطلقا الى الشارع باتجاه مدينة المنصور . وهما يضحكان معاَ كصبيين مراهقين او بالغين قد جن جنونهما . التفت المدير تجاه الدكتور حازم وهو مازال يضحك بشدة . دكتور لقد ابرهتني بتمثيلك الرائع واقنعت زوجتي الجبانة بان بك مس من الجنون وان جنيتك ما زالت معك . بحسب المؤامرة التي حكناها معا بغية تخويفها ولقد نجحت الخطة , واستمر الاثنان بالضحك . وعلى غفلة ساد صمت عميق عندما تلفظ الدكتور حازم باخر جملة ( هل عندك شك .؟ )...

مرت الايام والسنين تباعا وعائلة الدكتور حازم على خير ما يرام تزوجت ابنته وغادر احد ابنائه لاكمال دراستة العليا في الدكتوراه خارج البلد ولم يبقى معه سوى زوجته وولده الثاني مازال في مرحلة البكالوريوس في اكاديمية الفنون الجميلة . الهدوء والسعادة القت بظلالها من جديد على البيت المسكون والكل سعيد بما اؤتي من نعم الله عز وجل .
تمت دعوة عائلة الدكتور حازم لحضور حفل زفاف لاحد اقاربه في ناحية الشيخ سعد تجهز للسفر بسيارته الخاصة مصطحبا معه زوجته وولده . وما ان اصبح خارج حدود بغداد حتى توقفت سيارته بدون سبب. ترجل الدكتور وولده منها وعبثا حاولا ايجاد العطل فلم يفلحوا . الطريق امامهم طويلة دفعا السيارة واستدار باتجاه بغداد . وما ان جلس خلف المقود حتى اخذت السيارة تعمل كأن لا شيء فيها .
عاد ثانية واستدار باتجاه منطقة الشيخ سعد قطعت سيارته مسافة قصيرة ثم توقفت ايضاً وبدون سبب تكررت العملية اكثر من مرة . حينها قرر الرجوع الى بغداد حيث دارهما بعد ان انهك التعب والجوع كل افراد العائلة اضافة الى الحر الشديد ومعرقلات الطريق الاخرى من الاتربة واكياس النفايات الفارغة التي كان يقذف بها الهواء الى داخل السيارة . مما سبب امتعاضاً شديداً لزوجته وولده .
وصل الجميع بسلام الى البيت وهم في حالة يرثى لها من التعب والنصب والوجد والجوع طلب طعام سفري من مطعم كباب الشمال الكائن في ركن الشارع الذي يقبع فيه منزله. أخذ الجميع حمامهم وتجهزوا على مائدة الطعام فكانت وجبة دسمة اختزلوا فيها الغداء والعشاء معاً . انفض الجميع كل الى حال سبيله . دخل الدكتور حازم الى مكتبه لبعض شؤونه . وبما انه كان تعباً اخذ غفوة عميقة ملقي براسه على سطح مكتبه .
بعد حلول منتصف الليل بقليل وهو غارقاً في احلامه فاذا بيد تعبث به تحاول ايقاظه من نومته غير المريحة . اجاب زوجته بان تدعه ينام دون ان يفتح عينية ورأسه لازال يلامس سطح مكتبه . شعر بهزه عنيفة نوع ما وغير مألوفة لديه اذ اعتادت زوجته ان توقظه برفق ولطف وبعناية فائقة .
فتح عينية مغاضباً مخاصماً فاذا بها هي جنيته الغير مرئية للجميع . يا الهي .؟ ما هذا .؟انه انت من جديد . ردت عليه انا لا استطيع الابتعاد عنك بسبب عشقي الكبير لك . آسفة على ازعاجك فانا لا استطيع ان اظهر لك في النهار لكثرة ضيوفك وزوارك على غير موعد منك اقتنع الدكتور بكلامها .كيف اذا حضرت حفل زفاف ابن عمي اذاً.؟ ردت عليه انا لم احضر لوحدي فكان معي اولاد عمومتي واحبائنا من بني قومنا وسبب قدومي مع قومي ليشهدوا حفل زواجنا معاً وها نحن متزوجون على طريقة ملتنا منذ 30 عاماً .
نهض الدكتور بنصف قامة مفزوعا محدقا بعينية على رزم كثيرة من المال وسفرة عامرة من الطعام . رفض المال والطعام بشدة قال لها الحمد لله انا عندي من المال ما يكفيني طوال حياتي . وما يكفي لعائلتي بعد مماتي واني رجلا عصاميا اكتفي بالقليل واقنع به وهذا هو سر سعادتي . وبعد محاولات عديدة منها لتقبله المال والطعام ابى الا ان يرفض كليهما ثم اردف قائلا اثنان لا احبهما منذ كنت صغيرا المال والطعام ارفعيهما من على سطح مكتبي من فضلك.
من اجل ذلك انا عشقتك بشكل جنوني بالرغم من وجود الافضل منك . انك رجل ذو مبادئ لم تغيرك الدنيا ابدأ, لو كان شخصاً غيرك لاخذ المال والتهم الطعام .كرر كلامه معها انا اكتفيت بما عندي فضلاً عن زهدي بكل شيء في الحياة. عندها اقتربت منه اكثر فاكثر حتى التصقت به اخذت تداعبه بتقبيله على كل مساحة وجهه المفتوحة . سأتيك بدواءاً منشطاً ليطرد عنك هذا الخمول .لا..لا .انا لم اتناول الدواء منذ سنين , اكره الادوية فهي جميعها لها اثار سلبية على جسم الانسان .
اختفت هنيئة وظهرت وهي ممسكة بكوب كبير فيه عصير ما شرب الذ منه في حياته . واستمر في الكلام معها اتعلمين انا كنت خارج بغداد في احد مشاغلي وكنت ...و ...و .. اعلم عنك كل شيء واعرف كل تحركاتك لا داعي لتخبرني ساخبرك انا . عندما اشتقت اليك كثيرا بعد غيابي هذه السنين الطوال وجدتك متجها لعرس في منطقة الشيخ سعد لحقت بك في منتصف الطريق وقمت بتعطيل سيارتك وكلما توجهتم الى بغداد تعمل سيارتك وعندما تلف وتدور للذهاب الى منطقة الشيخ سعد تعطلت ثانيةً , وكذلك عند ذهابك الى منطقة الدبوني جعلتك تغير فكرتك فقررت التوجه الى مزرعة الرسول ناحية شيخ سعد . لماذا ترفضين ذهابي لزيارة ابناء عمومتي . ؟ انا لا ارفض ذهابك اليهم ببساطه انك لن تغيب عن عيني لحظة واحدة الشيء الوحيد الذي اتأسف عليه هو اني لم اظهر لك بشكل نهائي طيلة السنوات الماضية وجدت فيك تراث القدماء ولذلك انت الافضل لم تتغير منذ 30 عاماً .
بانت تباشير الصباح واشرقت شمس الاصيل على الرجل العليل . تاهبت ونهضت من مكانها مودعة اياه غداً سالقاك يا عمري ...

استمر الحال على هذا المنوال سنين أخرى تأتيه بعد منتصف الليل وتغادره قبيل الفجر بقليل حتى حل عليه العام 2017 المشؤم . اخذت جنيته غير المرئية تطلب منه الكثير من الامور التي لا يرغب فيها . والتغير الطفيف الذي حدث في هذا العام كانت تأتيه لحالها دون ان تصطحب معها احدأ من بني قومها كما كانت تأتي خالية الوفاض ليس كمثل كل مرة . تعلق بها كثيرا وامسى لا يستطيع فراقها .
تغيرت الحال كثيراً اذ كانت ترهقه في الفراش كل ليلة مستنزفة اياه كل قواه البدنية فاضحى نحيل البدن خاملاً كسولاً . اضف الى ذلك في احيان كثيرة تسافر به وتجوب محافظات العراق الشمالية والجنوبية وتأتي به الى داره المسكونة قبيل الفجر بقليل لتغادره على امل اللقاء به قبيل منتف الليلة القادمة وهكذا دواليك استمر الحال لهذا العام مع تغيرات طفيفة حدثت على اخلاق وسلوك الدكتور حازم مما لفت انتباه اقرب الناس اليه زوجته وولده الذي مازال يسكن معه ,
في العادة كان الدكتور يعقد اجتماعات ادبية وثقافية في داره المسكونة في اول يوم جمعة من كل شهر يقدم فيه احد المحاضرين من حملة الشهادات العليا وغيرهم. للحديث عن بعض الظواهر الاجتماعية والادبية والثقافية . حيث كانت الكثير من المحاضرات تتعلق بأسهاب شديد بالنقاط المضيئة من تاريخ العراق الحديث . اذ انه له ولع جنوني وتعلق حد العشق لوطنه العراق وحبيبته بغداد التي لا يكاد يغادرها الا ما ندر . وبعد الانتهاء من الندوة يتم تكريم المحاضر بدرع نحاسي فاخر يحمل اسم مجلسه .
في الحقيقة كان الدكتور يبذل مجهودا كبيرا للتحضير لهذا اليوم من انتقاء الاشخاص الذين تتم دعوتهم كمحاضرين الذين غالباً ما يعتذرون عن الحضور لظروف شخصية او عامه مثل حالة الامن والامان في مثل هذه المناطق من بغداد التي كانت عرضة لعوامل الشغب والفتنة بعد الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003 وما تلاه من احداث شغب وفوضى عارمة هتك نسيج المجتمع مما ادى الى مغادرة اكثر اهل حيه الى خارج البلد . اصبحت اكثر البيوت مهجورة مع فرشها واثاثها احتلت معظمها من قبل الغوغاء ثم ظهرت الابنية العشوائية المقززة للنفس البشرية هنا وهناك في الحدائق الصغيرة والكبيرة بين الاحياء وامتد هذا الامر الى اغلب مناطق بغداد المعمورة .
لا ينكر احدا ما لهذا العام من استقرار نسبي مشوب بالحذر من بعض الاعمال الاجرامية التي تحدث هنا وهناك بأشكال متفرقه وعلى فترات زمنية غير محددة . لاحظ المجلس في احد مرات انعقاده نحولا عاما وضعف بادي للعيان وشحوب واصفرار في وجه الدكتور حازم وهو يقدم للحضور اسم احد المحاضرين من ذوي الاختصاص في تاريخ العراق الحديث وحين تم التعريف به انسحب الدكتور الى موضعه في صدر المجلس وجلس بقرب صديقة الاثيري الطبيب الشهير غسان .
رمقه الطبيب بنظرات فيها الكثير من الانكار جلبت نظراته دكتور حازم فاردفه قائلا كيف الحال عندك دكتور غسان.؟ فاردفه الاخير قائلا لا بل كيف الحال عندك دكتور حازم .؟ ارى انك في حال لا تسر الناظرين ضعف ونحول وشحوب وقتره تعلو الوجه وتقرا من ورقة بيد مرتجفة . اصبتنا جميعا بالذهول اخي وصديقي الحميم .
لا اخفيك سرا لم انم الليل طوال الاشهر القليلة الماضية بسب التأليف وتنسيق الندوات الشهرية وغير ذلك من الامور ابتسم الاثنان وانتهى الحديث على خير . انفض المجلس بتكريم الضيف المحاضر بدرع الابداع مع تصفيق الحاضرين وكامرة التصوير لاحد المتبرعين من الحضور تجوب الوجوه تصور الحدث بغية توثيقه في كتاب الدكتور حازم الجديد بخصوص هذه الندوات . ثم ذهب كل لحال سبيله .
نظر الدكتور الى وجهه في مرأة الحمام وهو ناكرا لصورته وما آلت اليه اموره الصحية وبعد ان تعرى تأكد له انه في حالة هزال وضعف شديدين فتذكر كلام صديقه الطبيب غسان فقرر بداخله ان يعاقب جنيته هذه الليلة لما احدثته من عطب في تفكيره وصحته وبدنه .
تزين على احسن ما يرام وتعطر كثيرا ودلف مكتبه بانتظار عشيقته حيث بات لا يستطيع فراقها ليلة واحدة اصبح مهوساً بها الى حد الجنون . ازفت الساعة وحضرت العروس غير المرئية من جديد . وكانت هذه المرة على غير عادتها متزينة باجمل الحلى والحلل مرتدية فستانا جميلا مفتوحا في اكثر مناطق جسدها الحساسة والمغرية للرجال اضافة الى جمال وجهها اضاف الفستان اليها جمالا أخاذا افقد به الدكتور صوابه ونسي كل التحضيرات والكلام الذي توعد نفسه به لمعاتبتها حين ظهورها وذهبت كل خططه بالانفصال عنها هذه المرة ادراج الرياح فكان الفراش الوثير يجمعهما معاً غارقين في وهم الحب بين جنسين مختلفين بالمادة والروح والعطور تعبق منهما والتحف كل منهما الآخر وغطا في نوم عميق.

البيت المسكون 30 والاخير
طارق فتحي
الدكتور حازم شخصية ذو كاريزما عالية مصاب بانفصام الشخصية المتعددة الاوجه لرؤية مناميه او كابوس ان شئت القول حدث له قبل 30 عاما تحول هذا الكابوس المتكرر الى حقيقة افتراضية تجسدت له على شكل فتاة غاية في الروعة والجمال كانت حلم صباه وشبابه في محلته القديمة . خلال هذه السنوات الطوال اصبح لا يفرق بين الحقيقة والخيال حيث كان التجسيم واضحا كلما تقدم به العمر .
الشيء الوحيد الذي برع فيه الدكتور حازم هو تمثيله باتقان لشخصيته الرزنة والمتزنة امام اهله ومجتمعه واستطاع ان يشق طريقه في الدراسة حتى نال شهادة الدكتوراه واصبح يشار له بالبنان بين اقرانه . بعد تقاعده افتتح صالونا ادبيا ثقافيا في بيته الجديد في المنصور. وتم تقديم نفسه على انه احد وجوه المجتمع العراقي المعاصر وقد نجح في ذلك الى ابعد الحدود.
الشخصيات آنفة الذكر التي مرت عليه من خلال تناول موضوعة البيت المسكون كلها حقيقية الا ان الاسماء كانت مستعارة بالتاكيد . الكبد والحرمان في مجتمع ذكوري قبلي متشدد بالتعاليم والعادات والتقاليد التي ما انزل الله بها من سلطان . جعلته شخصية دراماتيكية جاد في اقواله وافعاله حد الاقناع يحب المرح والمزح والتواضع والتطرق الى مواضيع فترة مراهقته لحد الاسفاف .
هوسه الجنسي اتاه في فترة نشوئه منذ نعومة اضفاره تشتت بين الحلال والحرام والممنوع والمسموح والاهل والعشيرة والحفاظ على الموروث القبلي . نسخ الدكتور نفسه الى اكثر من نسخة . وجعل لكل نسخه من نسخه الكثيرة دورا يؤديه في حياته الواقعية وكان طبيعيا ان يكون لخياله الخصب نسخته الخاصة فكانت حوريته الحسناء محور موضوع البيت المسكون .
الاشباع العاطفي والانجذاب الى الجنس الآخر بهوس غير معقول ومنصبه الوظيفي كاستاذ جامعي مرموق في الاوساط العلمية والثقافية على الاقل في بغداد . وصالونه الادبي والثقافي بين اقرانه ومثقفي البلد جعلا لنفسه ان يتمادى في خياله لحد التجسيم وممارسة الخيال بواقعية غريبة وعجيبة . طالما يستعمل هوسه بعيدا عن اعين الفضوليين وعن الناس بصورة عامة .
هذا الرجل الشجاع والمدهش في آن واحد جعل من الغرابة شيئاً مألوفا ومن العجيبة شيء مسلم بها ما دام ايمانه لا يخرجه عن فطرته السليمة , طرح اوراقه كالفارس المغوار , قال لمجتمعه الذي يحيط به هاكم اقرأوا كتابي . اني مزقت كل اوراقي لتظهروا من بعدي ما خفي في الصدور من امرا ليس فيه سرور لا تخشوا مجتمعكم وناسكم الاقربون بل اخشوا الذي جعل لكل شيئا سببا .
عندما تمتزج الحقيقة مع الخيال في اروع صورها يتكون الهيلوغراف اشباح مجسمة غير مرئية تدركها جميع حواسنا المادية المجسمة اصلاً . فيحصل حينئذ التجسيم لكلا العالمين فيصبح حقيقة واضحة تدركه العقول بانبهار ,قد يبدوا هذا غير مألوفا للبعض ولكنها الحقيقة العلمية المحضة التي توصل اليها العلم اخيراً عند اجتياز عتبة الالفية الثانية .
ترى كم فارسا مغوارا بينه وبين الفتح المبين لحظات ثم يتراجع عن الافصاح عن مكنونات نفسه وبالتالي تجرده عن حلمه وعن الاخرين والجلوس وحيدا منطويا على نفسه حتى يقضي الله امرا كان مفعولا . فيبقى الاولاد والاحفاد لا يعلمون من بعد علم شيئاً كانهم مسهم الخرف وهم في ريعان شبابهم .
من يمتلك الجرأة العظيمة في طرح مكنونات نفسه وما تسول له دخيلته فيكتم غيظه وغبطته عن الاخرين تمشيا مع العادات والتقاليد , علمنا من الدكتور حازم كيف انه تجرد عن اقنعته بكل شجاعة . كم قناعاً تمتلك ايها القاريء العزيز . اخلعوا اقنعتكم لتبركم السماء قبل الارض كونوا ربانيين ولا تكونوا بشريين . اولم تكن لكم قلوبا تفقهون بها ام على القلوب اقفالها .
ملاحظة : آخر ظهور لحورية الدكتور حازم كان في يوم 6-8-2017 من هذا الشهر .؟؟؟

قلنا فيما سبق ان آخر زيارة لجنية الدكتور حازم كانت في 6-8-2017 , حيث اخذت تتوالى زياراتها باستمرار , قلما تغيب عنه اسبوعاً واحداً . ازداد تعلق الدكتور بها الى حد الجنون وهو يعشقها ولا يرى غيرها في الوجود كله . وحلاً لهذا العشق والهيام بها طرحت له فكرة السفر خارج العراق الى بلاد اخرى ليتمتع الاثنان بخصوصيتهما بعيداً عن اعين الفضوليين
لم يستحسن الدكتور فكرتها بل عارضها بشدة كونه يحب بغداد الحبيبة مسقط راسة وشقى عمره واحلامه الوردية . عبثا حاولت ان تثنيه عن فكرته بعدم السفر رغم الاغراءات الكثيرة التي قدمتها له , الا انه ابى واستكبر وتعالى عنها علواً كبيراً . هنا اخذ الجدال منحى آخر اشترطت البقاء معه على ان يطلق زوجته الاولى .
فغر الدكتور حازم فاه وجحظت عيناه وهو يستمع اليها غير مصدق ما تتفوه به , اجابها بالنفي القاطع . انه يحب ويعشق زوجته وام اولاده التي تحملت الكثير خلال السنوات الاربعين المنصرمة من تاريخ زواجهم ولغاية هذا العام . مابك .؟ هذه الليلة تطرحين افكاراً مفاجئة لم يسبق لك ان فكرت فيها من ذي قبل . هناك شيئاً ما تخفينه عني اذا اجبتني بصدق وبصراحة متناهية سوف التمس لك العذر بما قلتيه سابقا ولما تقوليه الان ,
حسناً .!! انت طلبت ذلك بنفسك ومن فمك ادينك , اليوم 7-8-2017 ميلادية الموافق 14- ذي القعدة 1438 هجرية . في هذه الليلة سيكون القمر بدراً كاملا وهو في اول استدارته ويستمر يومي 15 و 16 حتى يبدأ بالتناقص . خلال هذه الايام الثلاثة 14-15-16 يكون القمر بدراً ويكون قد مر بي اربعين عاماً وانا بصبحتك . حيث من الممكن ان اتحول الى انسانة بشرية اذا ما شرقت الشمس علي دون غيابي عنك بشرط ان نكون نحن الاثنان في وضعية الملامسة مجردين من جميع ثيابنا ملتفين بعضنا على بعض في حالة علاقة حميمية كزوج وزوجة .
عندما تلامسني اشعة الشمس وانا على هذه الحال ساتحول الى بشرية انسية بنفس مواصفاتي التي رأيتني بها من قبل وسوف يتمكن الجميع من رؤيتي , اما اذا لم تلامسني سوف تحرقني اشعة الشمس واتفحم بسرعة مذهلة . من اجل ذلك عرضت عليك هذا الكلام الذي لم تسمعه مني من قبل . والخيار لك اما ان تقبل واما ان ترفض فالقرار عائداً لك .
طيب لنفرض جدلاً انك تحولت الى انسية ماذا ساقول لزوجتي وولدي .؟ الامر في غاية البساطة , سبق وان اعلنت في مجلسك الفائت عن حاجتك الى سكرتيرة تدير لك شؤون تهيئة المجلس واستقبال الضيوف واعداد لوازم الضيافة مع ترتيب وتنظيف المكان وتصميم الاثاث بشكل لائق اكثر للاستقبال الضيوف .
فكرة جيدة لم لا .! ولكن علي ان اخصص لك غرفة خاصة تقيمين فيها , وساقدمك الى زوجتي باعتبارك سكرتيرتي الجديدة ,القادمة من الريف العراقي البعيد عن العاصمة العراقية بغداد. وعلى انك احدى طالباتي المجتهدات التي نالت شهادتها العالية مؤخراً . وتقدمت لهذه الوظيفة ريثما تجدين لك عملا مناسبا وبمرتب حكومي يساعدك على مواجهة شظف العيش لك ولاسرتك .
اختمرت الفكرة براس الدكتور حازم ودرس الموضوع من كافة جوانبه بعين الخبير والمحقق ولفارق العمر بينهما استحالة ان تفكر زوجته في موضوع الخيانة لسيرة وسير سلوك زوجها الذي يشهد له القاصي والداني من الاهل والمعارف والاصدقاء والمجتمع المحيط به .
ازداد لهيب الشوق والحب والوله بقلب الدكتور حازم اخذ تارة ينظر الى ساعة يده وتارة اخرى الى الساعة الكبيرة المعلقة على جدار مكتبه منتظرا قرب حلول الفجر الصادق . الذي ما تلبث ان تشرق الشمس بعده بساعة او ما يزيد عن ذلك قليلاً . اخذ حمامه الساخن وتعطر بافخم واطيب العطور والتحف الروب الطويل المفضل لديه . القى نظرة فاحصة على هيئته امام المرآة وهو يكلم نفسه تارة ويغني تارة اخرى ويصفر بين الفينة والاخرى . استعدادا للقادم الجميل والفريد الذي لم يمر به بشراً من قبله ولا من بعده .
اخذ يكلم نفسه بعد شروق الشمس بقليل سوف اصبح اسطورة العصر بلا منازع . وكما كنت وجهاً اكاديمياً واجتماعيا يشار له بالبنان ساصبح من مشاهير العصر . ايظن الجميع ان احالتي الى التقاعد سوف تجعلني اجتر همومي حتى يوافيني الاجل نسياً منسياً . سوف اترك بصمة في هذه الحياة يتحدث بها الناس جيلاً بعد جيل .
نهض من نومته مفزوعاً يتملكه الرعب والعرق يتصبب من جميع انحاء بدنه مغرقاً وسادته على اثر سماعه طرقات قوية على باب مكتبه . نهض سريعا كمن مسه الجنون فتح الباب ليرى زوجته امامه تدعوه الى تناول الشاي معها في الصالة مع الاجبان والكعك المحمص اللذيذ . حثته ان يسرع لان وقت العصر ازف ان يزول . ظل الدكتور حازم محدقاً بعيني زوجته تحت تأثير الصدمة التي كادت ان تأخذ بعقله تماماً . حرك رأسه بالايجاب وعلم يقينا انه بحالة حلم في نهار صيف قائض ...
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى