مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* آداب الخطبة الكفاءة في الزواج _ عدم اختلال الاسرة - عوامل الثبات

اذهب الى الأسفل

*  آداب الخطبة الكفاءة في الزواج _ عدم اختلال الاسرة - عوامل الثبات  Empty * آداب الخطبة الكفاءة في الزواج _ عدم اختلال الاسرة - عوامل الثبات

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 5:02 pm

آداب الخطبة ، الكفاءة في الزواج ، الاستخارة الشرعية
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله لا نحمد غيره و لا نعبد سواه ، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)1 . أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن من هديه عليه الصلاة والسلام قوله في حديث الترمذي : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه ؛ إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض و فساد عريض)2.
من سنن الحياة : أن من صحت بدايته صحت نهايته ومن فسدت بدايته فالشقاء مآله ، وبداياتُ الخطبة ثم الزواج قد تكون على هدى من الله فيُستبشر منها بمآل خير ، و قد تكون على انحرافٍ فعاقبتها مخوفة ؛ وكثير من عوامل الضعف والتضعضع في الأسرة المسلمة بداياته سير خاطئ ؛ لذا فإن فقه الطريق لازم ، والأدب الشرعي وقاية وحفظ دائم ، وله وجب التذكير.
إن أول ما يُطلب هو الدين والخلق الحسن ، و إذا كان المرغوب فيه هو المال و الحسب والجمال والدين فإن الدين هو أولها وأفضلها كما ورد في حديث البخاري (فاظفر بذات الدين تربت يداك)3 و هي كلمة تحريض وحث ، ولا يُفهم من ذلك الإعراض عن باقي الصفات ، ولكن القصد أن الصفات إذا انفردت ووجب اختيارُ واحدة منهن فالدين أفضلهن ،و إذا اجتمعت الصفات كن نوراً على نور .

ورضى الدين و الخلق معاً يشير إلى أمرٍ مهم و هو ضرورة البحث عن الإنسان الملتزم ؛ ديناً [ أي عبادةً ] و خلقاً ، وهناك أمرٌ لا أرى بداً من الإشارة إليه وهو أن قيام الإنسان بالعباداتِ كصلاة وصيام من دون خُلق حسن لا يكفي لاستقرار الحياة و توازنها .. فكم من مصلٍّ في طبعه شراسة وكم من صائم في تصرفاته غلظة و قسوة .. فما لم تكن الزوجة مقاربة له في طباعه معتادة على ما هو فيه كان ذلك سبب فراق وشقاق.
و الأصل في الزواج الديمومة ، وكل أمر يصدعه فيجب البعد عنه ابتداءً ، و يدل على هذا حديث فاطمة بنت قيس من أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن رجلين خطباها هما معاوية و أبا جهم فقال عليه الصلاة و السلام ناصحاً : (أما أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه و أما معاوية فصعلوك لا مال له)4 ..
فما كانت المشكلة مشكلة عبادة و لا صلاة و لا صيام ، و لكن مشكلة تعاملٍ اجتماعي و انسجام أسري ما كان ليحصل بين فاطمة بنت قيس و خطابها فنصحها عليه الصلاة و السلام و بيّن لها أن الأمر فيه بذور اختلاف من البداية و الإقدام عليه مع التباين مما يستدعي الاختلاف اللاحق ، وهذا الموضوع يجرنا إلى موضوع الكفاءة في الزواج ؛ فما هي الكفاءة و ماهو الاعتبار الشرعي لها؟ أما لغةً : فهي المساواة و المماثلة و المناظرة .. و في الزواج هي مقاربة في الأحوال تستدعي دوام الزواج و نجاحه .

أما حكمها الشرعي فيرى الإمام ابن حزم أن أي مسلم كُفء لأية مسلمة ما لم يكن أحدهما زانياً ، واستدل بآيات منها قوله تعالى : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)5 ، ويرى السادة المالكية أن الكفاءة معتبرة بالاستقامة والخلق فلا اعتبار لنسب ولا لصناعة و لا غنى و لا حرفة و لا أي شيء أخر و حالة واحدة تمنع الكفاءة وهي عدم الاستقامة . فلا يكون الفاسق كفئاً لصالحة ولا مَن مالُه حرام و لا من هو كثير الحلف بالطلاق لأنه لا يتقي الله ، واستدلوا بقوله تعالى : (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)6 . و بحديث : إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه .. فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، والكفاءة متعلقة به ، وقد تزوج بلال الحبشي رضي الله عنه أختَ عبد الرحمن بن عوف ، فمن كان دينه و خلقه سليماً لم ينظر فيما عدا ذلك ، وممن ذهب إلى هذا الرأي: عمر بن الخطاب وابن مسعود ومن التابعين ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، ونقل الشوكاني عن الخطابي أن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء الدين و الحرية والنسب والصناعة ( أي الحرفة ) و منهم من اعتبر السلامة من العيوب و اعتبر بعضهم اليسار ،

وكل رأي استدل له أصحابه ؛ فقد خيَّر عليه الصلاة و السلام بَريرةَ لما لم يكن زوجها كُفئاً لها من حيث الحرية7 .. و استدل من اعتبر الحرفة بقوله تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون)8 فلا تزوج ابنة عالم من صاحب حرفة دنيئة ويقاس عليها مثقفة من جاهل و أستاذة جامعة من أمّي وما شاكل هذا. والخلاصة أن الاعتبار الأول في الكفاءة يأتي للدين و الخلق و كل الأمور بعدها إنما تعتبر إن كانت مَظنَّةَ شقاق و خلاف و عدم انسجام .. فليس بممنوع زواج فقيرة من أمير و غنية من عامل بسيط .. إذا وجد الدين و الخلق وتم القبول فإن رأينا أن ذلك يستدعي النزاع فالتوقف أولى .. و من كان عنده في دينه تنطّع و يرى الدين حبساً للمرأة في البيت فلا تخرج إلا إلى القبر! و تزوج امرأة تدَيّنها بسيط فطري غير معقد سمْحٌ فلا يتوقع نجاح هذا الزواج .. ومن كانت طاعته لله وفق الحديث الشريف:

(يسّروا و لا تعسّروا و بشّروا و لا تنفروا)9 و اقترن بامرأة أفهمتها مدرستها أن الرجل لا يكون تقياً إلا إن قام الليل نفلاً و صام النهار تطوعاً و كان له ورد فيه ذكر الله مائة ألف مرة مما لم يأمر به الله و لا رسوله و لا الصحابة ولا التابعين ؛ فلا ترى المرأة في زوجها إلا قليل دين ، وإن كان يجمع الجهاد من أطرافه بالسعي الشديد على أبوين شيخين أو أطفالٍ يغذوهم أو نفسٍ يعفها عن الحرام كما ورد في الحديث فلا تأبه لكل ذلك ما لم تره نسخة من تعاليم مدرستها الفاضلة . أقول : هذا الزواج لا يُظن فيه الاستمرار منذ البداية و بدايته غلطٌ في الفهم و الفقه و الإدراك و مآله الانفصال كما رأينا وسمعنا ونسمع و نرى كل يوم .

و الحقّ يقال أن انحراف الناس في أمور زواجهم أصبح مما لا حد له ؛ فأعراف أهل الجاهلية تسود قطاعاتٍ واسعة من الناس ، وأمور المباهاة و التنافس في حطام الدنيا والتكاثر وحبّ مَحمَدةِ الخلق ولو بالباطل قد جرفت الكثيرين ، والعاقبة غيرُ الحميدةِ آتيةٌ إن بقيتِ النفوس على ذلك الولعِ بالزائل والفاني ، وصدق الهادي صلى الله عليه وآله وسلم : (إذّا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فسادٌ عريض)10. إنني أعلم أيها الناس كثيرين بناتهن مبذولات في الجامعات والطرقات والمسابح و المنتزهات من دون عوض ولا ثمن! بالمجان لوجه الشيطان! فإن جاءهن ساعٍ بالحلال خرج الناس بألف سدٍ يدَّعون عدم الكفاءة .. و هم يكذبون على الله و على الناس فأول شروط الكفاءة التقوى .. أما هم فلا دين ولا خلق ولا تقوى:

عبَّاد مالٍ وعقاراتٍ وأرصدةٍ وسياراتٍ وذهبٍ و [سوليتيرات]11 ومظاهر كاذبة و افتراءات ؛ الشيطان قائدهم و النفاق رائدهم . حياتهم رياء و أسعد ما هم فيه شقاء ، عرضهم مبذول و دينهم ضائع و مروءتهم ساقطة . فما يكون منهم للمجتمع إلا فسادٌ عريض و أذىً شديد و انحلال مدمر و تبرج مقرف وشقشقة ألفاظ ، ولا يقظة منهم و لا تذكر و لا اتعاظ . والذي وجدناه بالتجربة أن من كان صاحب دين و خلق و رُبِّي في بيت كريم فإن السعادة تحفه غنياً كان أو فقيراً ، من أهل المدينة أو الريف ، صاحب جاه أو خامل الذكر .. متعلماً كان أم محدود الثقافة ؛ كما روي عن الحسن البصري أن رجلاً سأله ممن أزوج ابنتي فقال : من كريم الخُلُق فإنه إن أحبَّ زوجته أكرمها و إن لم يحبَّها لم يهنها و سأله آخر : أتاني خاطب لابنتي فقال : أهو موسر من عقلٍ و دين قالوا : نعم ، قال فزوجوه . أما من ربي في بيت لا تربية فيه و لا استقامة .. فإن حاله تكون كما يقول الناس في أمثالهم [عديم وقع بسلة تين] فهو لا يقنع و لا يشبع و لا يليق به المعروف ولو كان أغنى أهل الأرض و أعظمهم جاهاً و نفوذاً ومن شبَّ على شيء شاب عليه. وفي كل الأحوال فإن في الكفاءة التي تعتبرها الشريعة تكريم للمرأة ، وصيانة لها ممن لا يعطيها حقها .. و إلاّ فالرجل لا يشترط له الكفاءة ممن يتزوجها .

وننتقل من الكفاءة إلى الولاية وهما على صلة وثيقة ، وللولاية هدف لا يعرفه كثير من الناس البعيدين عن العلم ، يظنونه تحكماً من دون داعٍ . الأمر ليس كذلك والأصل فيه من أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : (لا نكاح إلا بولي)12. و حديث أحمد و أبي داود و ابن ماجة و الترمذي و قد صححه القرطبي من أنه عليه الصلاة و السلام قال (أيما امرأة نكحت [ أي تزوجت ] بغير إذن وليها فنكاحها باطل)13 . و للأمر استدلالات من كتاب الله ، والسبب في الأمر أن صلة الزوجِ مع عائلة زوجه لا بد له من آثار و امتدادات فإن لم يكن مناسباً لهم كان ذلك مجحفاً بحقهم ولا ينبغي للعواطف أن تسود الموقف .. وكم من فتاة ربتها الروايات الهابطة والأفلام المنحرفة تظن الزواج لحظة متعة طائشة ونزق شباب مراهق ، فتلقي بنفسها بين يدي أول طارق .. وكلما كانت أكثر جهلاً و أقل ديناً كلما انبهرت بكلام معسول يلقيه شاب ظاهره طلب الحلال و باطنه ذئب ماكر فاشترط الشارع موافقة الولي في الأمر .. لأن الزواج في ديننا وشرعنا ليس لقاءً حيوانياً بين ذكر وأنثى كلقاء البهائم في مواسم زواجها ؛ بل هو آصرة تراحم و جسر توادد ووشيجة خيرٍ و ألفة و تعاونٍ وحبٍ ؛ لابين رجل وامرأة فحسب ؛ بل بين عائلتين لا بالمعنى الأسري الضيق بل بالمعنى الاجتماعي الواسع .. فهو دعامة توازن واستقرار ، ومشكاة برٍّ و تقى لكل المجتمع فلا بد أن يحظى بالقبول من كل الأطراف الداخلة فيه .. و أولها الولي ..

و لكن ما الوضع إذا كان الولي مجحفاً أو ظالماً أو متعنتاً ؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث قبل السابق (فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)14 . و يرفع الأمر إليه ... وتحفل السنة الشريفة بوقائع عظيمة عن منع الظلم بدعوى الولاية ؛ وفي الحديث أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم 15.. و في حديث آخر أن فتاة جاءت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقالت  إنَّ أبي زوجني ابنَ أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنعَ بي أبي و لكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء)16 .. ويرى الإمام أبو حنيفة و أبو يوسف أن المرأة العاقلة البالغة لها الحق في مباشرة العقد لنفسها بكراً كانت أو ثيباً ويستحب لها أن تكل عقد زواجها لوليها صوناً لها عن التبذل إذا هي تولت العقد بمحضر الرجال الأجانب عنها ... والدين واسع و القصد التوازن والسلامة .. ومن آداب الخطبة أن يرى الخاطب مخطوبته و له تكرار النظر ثانياً و ثالثاً إن احتاج إليه و يباح له أن ينظر إلى الفتاة التي يريد خطبتها إن كان ناوياً الخطبة فعلاً ..

و يباح له النظر إليها و لو بغير رضاها و هي كذلك . و في حديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان ينظر لخطبته وإن كانت لا تعلم)17 . و كما يعرض الرجل نفسه للزواج فكذلك المرأة إن وجدت تقياً ، و في الصحيح أن أنس رضي الله عنه كان مع ابنته فقال : (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها ؛ قالت يا رسول الله : ألك بي حاجة ؛ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءَها واسوءتاه وا سوءتاه ؛ قال أنس : هي خير منك رغبت في النبي صلى الله عليه و سلم فعرضت عليه نفسها)18 . قال الإمام ابن دقيق العيد : "في الحديث دليل على عرض المرأة نفسها على من ترجى بركته" و قال الحافظ ابن حجر في الحديث : "أن من رغبت في تزويج من هو أعلى منها لا عار عليها أصلاً و لا سيما إن كان هناك غرض صحيح أو قصد صالح إما لفضل ديني في المخطوب ، أو لهوى فيه يخشى من السكوت عنه الوقوع في محذور" .. و رحم الله ابنة شعيب عليه السلام : (قالت إحداهما يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)19 .. وللخاطب أن ينظر إلى الوجه و اليدين بلا خلاف ، وأجاز بعض الأئمة النظر إلى ما هو أكثر من ذلك و في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال :

(إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)20. و يباح نظر المرأة إلى الرجل لقول عمر رضي الله عنه : "لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن" . وكل هذه الأمور إنما هي بشرط وجود التقوى و نية طاعة الله بالزواج ، وإلا فلا يدخلنَّ أحد فاسقاً بيته فإن فعل فلا يلومن إلا نفسه . وتحرم الخِطبة تصريحاً و تلميحاً للمعتدة و المطلقة طلاقاً رجعياً و يحل التعريض لا التصريح للمعتدة من وفاة أو طلاق بائن [ نهائي ] ، قال تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم له من خِطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم )21، و تحرم خطبة إنسان على خِطبة أخيه إلا بإذنه إن كان وُعد . لقوله عليه الصلاة والسلام : (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن به الخاطب)22 .

ومن يَعِدون أكثر من خاطب ويبقون بعضهم احتياطاً ؛ فهم مما لا خلق فيهم ولا مروءة وليسوا على هدى ولا كتاب منير. ومن استشير وجب عليه البيان ؛ فإن كفى التلميح لم يزد وإن لم يكف صرَّح منعاً للإضرار ؛ مع التقوى و عدم دخول أهواء النفس .. و الخطبة إنما هي وعد غير ملزم بالزواج و الانفكاك منه لا يترتب عليه شئ ، و المرأة تبقى أجنبية على الخاطب في فترة الخِطبة لا يحل له منها و لا لها منه شيء ، وفي الصحيح : (لا يَخلونَّ رجل بامرأة إلا و معهما ذو محرم)23 فالمخطوبة لا تحل الخلوة بها . و قد رأينا من تميعت أموره فاستباح ما حرم الله ، و رأينا أمماً فسقت فيأتي الأولاد و الرجل و المرأة في فترة الخطبة فلا يكون من ذلك إلا زيادة الشقاء والبلاء ، ورأينا من تشدد فمنع الخاطب من رؤية مخطوبته ثانية وثالثة لقصد التيقن من بعض الأمور و بوجوده .. و هذا مما لا حرمة فيه فمن الحديث (لا يخلون رجل بامرأة) يستنبط بمفهوم المخالفة كما يقول الأصوليون أن الأمر يجوز بوجود المحارم ؛ فإن كان القصد معروفاً والنية واضحة فلا إشكال .. ورحم الله من اتبع و اقتدى ثم اهتدى .. من عمل صالحاً فلنفسه و من أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ..
عشر قواعد تمنع اختلال الأسرة
الحمد لله (يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون)1، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله رحمة للعالمين أرسله.
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إن الله كان عليكم رقيباً)2.
أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن من كلامه تعالى قولَه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلَنَا وإن الله لمع المحسنين)3، نقل الإمام القرطبي عن أبي سليمان الداراني أن الجهاد في الآية ليس قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين وعظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر ، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المعنى (والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا) ، وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال ، وفي عالم المسلمين يفكر العديدون بكثير من المحاور الضرورية لهم ويُغفلون أهم لوازمها وربما انطلقوا إلى ما لا يطيقون ولا يستطيعون وفرطوا بما يقدرون ويتمكنون.
ما هي نتيجة صراع حضاري ضار يدور على جبهات طاحنة ؛ إن لم تكن مراكز الإمداد والتوجيه والتعبئة والمساندة بل مواقع الفكر والتصور والقيادة والإرشاد في حالة سلامة وعافية!
وكنا قد ذكرنا لكم أن أحد الذين انهمكوا عقوداً في العمل السياسي وعاش تجارب مريرة للمسلمين وشارك في الإعداد والتخطيط والتفكير والتوعية قد خرج بعد ذلك بنتيجة حاسمة وهي أن بناء الأمة المسلمة الراشدة إنما منطلقه الأسرة الصالحة!
لحظة يا صاحبي إن تَغفلِ ألفَ ميلٍ زاد بُعد المنزل
هل فكر واحد منكم بمعادلات الأسرة الصالحة ، أم أن العفوية و المزاجية هي التي تحكم وتقود ، فقه الأسرة المسلمة ينبغي تذكره وحمله والسعي إلى النهوض به ، أين هو موقع الخلل؟ فكروا معي قليلاً ... إن كان الدين دين الله فلماذا تحصل السلبيات؟ الجواب بسيط ، محاكماتنا للأمور فيها أغلوطات ، التصحيح يقوِّم ما اعوج من صحت بدايته صحت نهايته ، أما البداية الخاطئة فعاقبتها لا تحمد بحال.
البداية الصالحة من قوله تعالى (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور )4.
ومن باب تصحيح المحاكمة وتقويم التصورات نقول أنه تسود في الأسرة المسلمة أحياناً أفكار لا بد من مراجعتها نذكر بعض النقاط التي نعتقد أنها من أسباب الاختلالات ، ودرؤها يقي من مصارع عاجلة وإصابات قاتلة ؛ فنقول: إن من أهم العيوب التي تنسف استقرار الأسرة المسلمة مايلي:
1- المرجعية القائمة على المصلحة الخاصة :
ومن الطبيعي أن تلجأ الأسرة عند وجود خلاف داخلها بين زوج وزوجته أو والد وأبنائه إلى استنفار المرجعية الدينية ؛ إن أكثر الحالات التي نصادفها تظهر أن المرجعية يستدعيها غالباً الطرف الأقوى لتدعيم رأيه لا للخضوع للشريعة المطهرة ، وفي حال أن المرجعية الشرعية ستعزز الرأي المخالف له فإنه يتجاهلها أو يحاول الالتفاف عليها قال تعالى: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)5.
2- الخبرات الحياتية الضحلة :
فالمثاليات النظرية التي يعيشها قسم كبير من الناس تؤدي بهم إلى الاعتقاد أن الأمور تجري بطريقة سحرية والواقع أن الحياة مليئة بالمصاعب التي يمكن التغلب عليها بالتفاهم والمودة والصبر والتعاون وإدراك أبعادها الحقيقية ؛ أما الزوجة (النقاقة) أو الزوج الذي يطلب من زوجته حياة مثل نموذج ضحل يظهر في مسلسل تلفزيوني ؛ يعرض الحياة أزهاراً لا أشواك معها فكل ذلك جدير بأن يصدع حياة الأسرة بسبب عدم فهم الحياة وبلوائها ؛ قال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)6 ، وقال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)7.
3- استهلاك القليل الموجود :
فالرصيد المسبق الموجود يحتاج إلى تنمية وإغناء إيماني واقعي أما استنزافه فمن شأنه فتح الثغرات ، وقد نبه الهادي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهمية الاستمداد الدائم في الحديث الصحيح (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)8 ، فالقليل المستمر يرفد ويعين أما الانقطاع فمؤذ ولذا قال السلف رضي الله عنهم (من لم يكن في زيادة فهو في نقصان).
4- التصورات المغلوطة للعلاقات الأسرية :
إن الهدف في الأسرة هو الظفر بنعمة السكينة الإيمانية (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)9 أما تلك التغذية السلبية التي تحصل أحياناُ بتصوير البيت حلبة صراع لا بد أن يحتلها الرجل ولا بد أن تحتاط لها المرأة فهي بصمات نفسياتٍ مقهورة تحاول الامتداد في الأسر الجديدة للعيش في الرغبات النفسية المكبوتة والتي لم تجد لها متنفساً ، وعلى الزوجين تفاديها والخروج منها سواء في العلاقة بينهما أم مع أسرتيهما، ويظل الخلق الإيماني هو المطلوب ؛ قال الهادي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خُلقاً رضي آخر )10.
5- عدم الحسم في السلبيات :
الذين عندهم آفات نفسية ندعو الله لهم بالشفاء والعافية ولكن الدعاء شيء وصد آثارهم المخربة شيء آخر ، ومازلنا نستحي حتى اليوم من وضع الأمور في نصابها.
المرأة الثرثارة ، والرجل الذي يتسلى بأعراض إخوانه ينبغي أن يكون التصرف معهم حاسما ً، فالتي تسأل لتنشر الخبر بأوسع من قدرات شبكات الفضاء عن سبب خصام فلان مع زوجته ينبغي أن يقال لها بحسم : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)11، وأكلة اللحوم والأعراض والفسقة حاملو الأخبار المغلوطة ومحبو نشر الضعف والفواحش لا ينبغي التهاون معهم ؛ قال تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)12، والأخ أو الأخت الذي يأتي أحدهم إلى المسجد فيصلي معنا ثم هم يفرقون بين الرجل وزوجه بألسنتهم وقلوبهم المريضة نقول لهم الآن : (إذ تَلَقَّونهُ بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم)13، وكفانا أيها الأخوة والأخوات مجاملات ومداهنات.
6- العودة إلى الماضي :
ما من شيء أشد تخريباً للعلاقات بين الناس من استدعاء الماضي في كل لحظة توتر أو انفعال ؛ فتغدو العلاقة جحيماً لا يمكن استمراره ، واستدعاء الماضي هو دأب الجهلة والمرضى النفسيين ، وما الحال في إنسان قَصَّرَ أو أساء أو غلط ثم تدارك ذلك ؛ أفنعيره في كل لحظة بما مضى ؛ إن هذا من شأنه تهوين الغلط ثم استدعاء صاحبه لاقتحامه مرة أخرى لأنه يرى أن فعله وتركه سِيَّان فيدعوه ضعفه إلى التهاون به ولذا ورد في الحديث الصحيح أن (الإسلام يجب ما قبله)14، وكذلك التوبة والعهد الصادق والإقلاع عن الغلط ، قال تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)15.
7- غياب فهم الفرق الفردية :
فصاحب العلم والفقه والثقافة يعلم أن النفوس مختلفة فيعطي كل ذي حق حقه ؛ أما من يريد أن يكون كل الناس قالباً واحداً فهذا مما لا يمكن وما كل ما يحبه فلان تحبه زوجه وما كل ما ترغبه الزوجة يرضاه الزوج ، والأمر مع الأبناء كذلك ؛ فمن فهم هذا سعى في البحث عن القواسم المشتركة فتكون له نعم الواحة والمَعين ، أما من يريد حشر كل الناس في رغباته الخاصة فلن يحصد إلا شقاقاً مع الغير أو قمعاً لهم وكلا الأمرين ضرر بين ، وقد قال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يطيقون أتحبون أن يُكذًَّبَ الله ورسوله)16 ، وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قوله: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)17، وقد ذكر أن رجلاً أراد طلاق زوجته عند عمر رضي الله عنه مدعياً أنه لا يحبها فقال عمر: (أوكل البيوت بني على الحب) وفي كلامه إشارة إلى نسبية الحب ؛ فما هو الحب بالضبط؟ الأمر نسبي جداً فلا بد أن يكون هناك جامع أوسع من التقوى والألفة والراحم حتى يقوم البيت ويسعد أهلوه.
8- غياب القدوة العملية :
وقد ذكر عن السلف أن واحدهم كان يوصي مؤدب أبناءه بقوله: (ليكن أول إصلاحكَ لهم إصلاحُكَ لنفسكَ فإن الحسن عندهم ما فعلت والقبيح عندهم ما تركت) فالقدوة العملية أهم بكثير من القدوة اللسانية ، وقد فكرت كثيراً في سبب أن كثرة من الآباء والأمهات من الجيل السابق كانوا مربين عظماء رغم بساطة شديدة عندهم في العلم والثقافة والإمكانيات التربوية ؛ فوجدت أنهم كانوا قدوة عملية لأبنائهم تغني عن ألف فيلسوف تربية نظرية ؛ الأب البسيط الغير متعلم كان صادقاً مع الله فهز صدقه قلوب أبنائه ، والأم التي ما دخلت مدرسة قط كانت خشيتها لله خشية فطرية وتوجهها إليه توجه قلب مخلص فكانت ثمار ذلك في أبنائها وبناتها ؛ الكذب كان رذيلة قبيحة فصار شطارة وإداماً ، وعفة النفس ما كانت تفارق الناس إلا بفراق أرواحهم لأجسادهم فصارت عبئاً وسذاجة وتخلفاً ، والأب الذي يقول لابنه ألف مرة قم إلى الصلاة ؛ لا يدخل إلى نفسه أثراً مثل الأثر الذي يصنعه أب يقوم ابنه في الليل يجول في البيت فيجده في محرابه يصلي ركيعات وقد سالت دموعه على خديه ، وألف وصية بعدم الكذب من الأم لا تأخذ حظها في قلب ابن أو ابنة ما داموا يرون أباهم يكذب على أمهم وأمهم تكذب على أبيهم وعليهم وعلى الجيران ، والمجتمع يكذب بعضه على بعض ، ولحظة صدق عملية تغني عن مئات الكتب والخطب والمواعظ في التحذير من الكذب وصدق الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)18.
9- عدم تمييز الاستثناء من القاعدة
مما يخرب الأفراد والأسر والمجتمعات وهذه فكرةٌ خطيرةٌ جداً ؛ فإذا فشا الكذب أو الرشوة أو الغيبة فما هو الحل؟ لا يوجد حل واضح وجذري ؛ الامتناع الكامل يصبح شبه مستحيل والغالبية من الناس تستبيح الأمر فتلغ فيه كما تشاء ، ومن المهام الأساسية لراعي الأسرة أن يفقهها بمفاسد المجتمع ويذكر لها المحرمات فإذا ذكر الكذب بين ضرره وحرمته ، مع كون راعي الأسرة قدوة عملية في ذلك ثم يبين المواقف الاضطرارية لذلك وكيف أن الضرورة تقدر بقدرها ؛ وإذا انتفت يبقى الحكم على الأصل ؛ وكذا في كل المفاسد ، وهذه الطريقة تجنب الإنسان الإحباط إذا أراد الاستقامة وتجنبه الانهيار في وجه مفاسد المجتمع ، وتجنبه كذلك فقدان التقوى فهو دائماً في حرج لا يستسلم للفساد ، ويحاول دوماً أن يبتعد عنه إلا إن أُكره إكراهاً مُلجِأ ًلا قدرة له على مقاومته فهناك يتعامل مع الأمر من باب الضرورة التي تنتهي بانتهاء أسبابها ويبقى المنكر فوق قلبه مثل ماء فوق شمع بارد لا يمتزج به أبداً مهما مكث فوقه وصدق الهادي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: (وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)19، وقد قال تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)20.
10- الزهد في الأجر وقلة الصبر وعدم معرفة النعمة:
خرج الإمام الزاهد المجاهد المحدث الفقيه عبد الله بن المبارك يوماً مع سرية في المسلمين مرابطة في الثغور في ليلة شديدة البرد ؛ فقال لهم: أترون أحداً يشرِكُنا في الأجر هذه الليلة ؛ فقال أصحابه: ما نظن أحداً يشركنا في الأجر الليلة ، فقال لهم: أنا أخبركم بمن له مثل أجرنا! رجل قام في الليل يتفقد أطفاله الصغار فوجد أحدهم قد انحسر عنه غطاؤه فرد عليه الغِطاء.
اللهم فقهنا في دينك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا خيراً يا عليم (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون)21.
لاستقرار الأسرة لابد من عوامل أهمها مايلي:
1- وجود مرجعية شرعية يخضع لها الجميع.
2- توسيع الخبرات الحياتية وإدراك الواقع.
3- الاستزادة الدائمة من الخير مهما قلت.
4- التصور الصحيح للعلاقات الأسرية.
5- الحسم والجزم مع ناشري وحاملي وموزعي ومعززي السلبيات في المجتمع.
6- نسيان آلام الماضي والاستئناف من جديد.
7- فهم الفروق الفردية واختلاف النفسيات.
8- بناء القدوة العملية.
9- تمييز الاستثناء من القاعدة وتقدير الضرورة بقدرها.
10- معرفة النعمة والحرص عليها.
وأخيرا نذكر بأن :
- المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ولا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وبين أيديكم ألف محور هجرة جهاد ونية فاعملوا لها.

خمس نقاط من عوامل الثبات
الحمد لله (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)1 ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون)2، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نباءي المرسلين)3 عباد الله : اتقوا الله (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون)4 أما بعد :
فإن الله تعالى قص مكابدة نوح في دعوة قومه إلى الله تعالى ثم اعتذاره بأنه قد بلغ الغاية (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا)5 ، وهذا الصبر الطويل لشيخ الأنبياء إنما بناه فقه لسنن الثبات ، وإدراك لفن رفع المعنويات في ظلال الاستعانة والاستمداد من الله تعالى ، وقد ذكرنا في الجمعة السابقة عشرة نقاط مُعينة على الثبات نعيد إيجازها وهي :
1- اعمل قدر طاقتك (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)6.
2- ما تطيقه نفذه بعزيمة (خذوا ما آتيناكم بقوة)7.
3- اهتم بالحقيقة لا بآراء الناس (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)8.
4- عليك اتخاذ الأسباب لا حصول النتائج (ما على الرسول إلا البلاغ)9.
5- عليك بالممكن لا المستحيل (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)10.
6- اعرف واجبك ولا تنظر إلى نقص غيرك (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)11.
7- إن عرفت فالزم (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)12.
8- لا تبن موقفا ولا حكما على الظن (إن الظن لا يغني من الحق شيئا)13.
9- تحرك بمبدئك ولا تقتله بجمودك (يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)14.
10- تواصل دائما مع هدفك (وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا)15.
واليوم نشرح خمس قواعد أخرى :
القاعدة الأولى :
لا تتحسر على ما فات واعمل لما هو آت ؛ قال تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)16. وقال تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون)17، وعن أنس رضي الله عنه قال: (مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه ؛ فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأتته فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك ؛ فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)18. والمقصد أن الإنسان عليه أن يأخذ العبرة مما يجري ويمضي دون أن يعيقه ذلك عن النظر إلى الآتي ، ومن الملاحظ أن كثرة التحسر وإضاعة الأوقات في الحديث عما مضى أصبح ديدن كثير من الناس من دون اعتبار ولا نفع ، ولوك قصص المصائب من دون عظة وبالٌ أوله إهدار الوقت الثمين في اللغو ، ورب رجل أو امرأة وقع واحدهم في مصيبة ؛ فلا يزال الناس يتحدثون عنهما ويتأسفون لما حل بهما دون أن يسارع أحد إلى موقف عملي ينقذ ، أو تدخل فعلي يقي من استمرار عاقبة مدمرة ؛ والعاقل لا يفعل هذا.
إن من التطبيقات التنفيذية لاتخاذ الموقف العملي دون إضاعة الأعمار في الحسرات ما فعله أنس بن النضر رضي الله عنه عندما فاتته المشاركة في غزوة بدر مع رسول الله فقال19: (والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرين الله كيف أصنع ، وقاتل في أحد حتى قتل ووجد في جسده بضع وثمانون أثرا ما بين ضربة ورمية وطعنة حتى ما عرفته أخته إلا ببنانه) ونزلت فيه وفي أمثاله الآية الكريمة : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)20. وعندما كان ينازع وفي رمقه الأخير قال لزيد بن ثابت: )أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيكم شفر يطرف وفاضت عينه(21 فمتى نتعلم إذا فاتنا موقف أن نصمم لنكون في الموقف القادم أهل الثبات والصدق والبذل وأن لا نطيل التحسر على ما مضى بل يحدونا شوق البذل إلى ما سيأتي!!

فحيهلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق فاطو المنازلا
ولا تنتظر في السير رفقة قاعـد ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا 22

إن السقوط المدوي للأندلس وبغداد طال البكاء عليه ولكن لم يحظ حتى اليوم بمؤتمر لدراسة أسبابه والدروس المستفادة منه ، والحمد لله أن القنابل الذرية التي دمرت هيروشيما وناغازاكي لم تسقط فوق بلد عربي وإلا لبقي في نواح عليها شديد إلى يوم الدين! ورحم الله الإمام ابن حزم إذ ابتلي بصحبة الجهال فما أضاع عمره في التأفف والتحسر بل استفاد من ذلك فقال في رسالته المسماة : الأخلاق والسير في مداواة النفوس: (ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة وهي أنه توقد طبعي واحتدم خاطري وحمي فكري وتهيج نشاطي ؛ فكان ذلك سببا إلى تواليف [مؤلفات] لي عظيمة المنفعة ولولا استثارتهم ساكني واقتداحهم كامني ما انبعثت لتلك التواليف).
القاعدة الثانية:
افترض وقوع الأشد تهون العاقبة ؛ قال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)23.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ؛ ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه ..)24 والاستعداد النفسي للأزمات أمر ضروري لمواجهة المصاعب بدءا من الدعوة إلى الله وانتهاء بأصغر أمور الحياة التي تعقدت بشكل مخيف ؛ لما صنعه الناس من هالات حولها. يظن الإنسان في بعض الأوقات أن هناك أمورا لا تقوم الحياة إلا بها ، ويضطر للتنازل عنها فيكتشف بأنه لم يصب بأية مصيبة ، وأن الحياة بقيت سائرة كما هي بل ربما تكون أبهج بعد ارتفاع التكلف المذموم والخدع البراقة الزائفة ؛ تكتشف عائلة كانت تطمح إلى حفل في مكان باهظ التكاليف لإرضاء نزوات اجتماعية ؛ تكتشف أن حفلا صغيرا تحفه الطاعة والرحمة والتيسير أبهج وأجمل ، وتكتشف الفتاة التي كانت لها تصورات لفارس أحلام من ورق ؛ صنعه مجتمع يبني الزيف لا الحقائق .. تكتشف الفتاة أن الدنيا لا تخرب أبدا بنقص رفاهية مادية سمعت عنها أو رأتها عند صديقة أو قريبة ، وأن صاحب خلق ودين خير من كل ما سواه ولو كانوا منتفخي الجيوب بالدراهم والدنانير!! ويكتشف الشاب أمورا أخرى في نسق مواز ويتعلم المجتمع الصالح أن النفاق الاجتماعي يجب أن تهتك أستاره وتفضح زيوفه ، وتوطين النفس على الأشد يهون القبول النفسي له.
تسمع ألف متفلسف يتحدث عن يسر الأمور لدى بعض المجتمعات الغربية فإذا طلبت منه أقل الأمور في التيسير وعدم التكلف أدبر وتولى! وتتحدث ألف متفلسفة عن البساطة لدى بعض الشعوب! فإذا طلبت البساطة منها لم تجد إلا ضحالة في التفكير وتشبثا بكل تعقيدات الحياة. أصبحنا نخاف من أن نعترف بالحقائق وصرنا لا نحب أن ننظر في المرآة كي لا نرى صورتنا على حقيقتها بكل ما فيها من الهلع والجبن لمواجهة سلبيات كثيرة أصبحت تحيط بنا ، ورحم الله من قال: وطن نفسك على ما تكره يقل همك عند حصوله ، ورحم الله من كانت مرضاة ربه همه ومبتغاه.

كالريح أعمارنا مرت وقد ذهبت بالحلو والمر والمكر والحسـن
ياظالـما خال نير الظلم دام بنـا عليك دام وعنا مرت كالوسن

القاعدة الثالثة:
اعرف الواقع ولا تحلق بالأحلام
قال تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا)25. قال الإمام ابن كثير: والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا التمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال أنه هو على الحق يُسمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان.
لقد علم الهادي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمته أن تتعرف وتحفظ أسباب ديمومتها بصلتها الحقة مع الله تعالى ؛ فأخرج الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ؛ احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف)26، وفي رواية الإمام أحمد بسند صحيح: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)27.
ومما ابتليت به الأمة كثرة أحلامها وقلة عملها ، وكأني بها تحتاج إلى ابن الخطاب رضي الله عنه يصدع فيها: أن قومي فاعملي فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ؛ بل إن كثرة ما يتداوله الناس من سير السلف بطريقة مغلوطة قد أدى بهم إلى عقم في التفكير ؛ فقد كانوا رضي الله عنهم بشرا واقعيين ولكن حياتهم بنيت على التقوى فجعلناهم نحن ملائكة كي لا نقتدي بهم وقعدنا! فصلنا في شعورنا بين حبهم والاقتداء بهم! فأكثرنا يحبهم ولكنه نفسيا غير مستعد للاقتداء! طغت علينا المنامية في التفكير ؛ فلا نحن أخذنا عزيمتهم ولا عملنا أعمالهم ، بل وقعنا في شرك نفسي خطير! ظاهره حبهم وباطنه البعد الشديد عنهم! بل تعدى الأمر عندنا إلى ادعاء أن كل نقص فينا فإنما سببه مؤامرة خارجية ، وكل فضيلة تذكر فإنما زمامها وخطامها بأيدينا وكل مكرمة فنحن أربابها ، وإن ذكرت الحرب فنحن أصحاب الحلقة فيها ، وإن ذكر العلم فنحن سادته وإن ذكرت الحضارة فنحن قادتها ، وبتنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا! رحم الله من بنى لنا كل ذلك فأضعناه وعشنا في أحلام اليقظة ؛ فشوهنا ليس فقط حياتنا الحاضرة بل أصبح لتشويهنا مفعول رجعي طال من بنوا قبلنا وهم من الأبرياء ، ورحم الله ابن الملاح إذ يقول في تخميسه لقصيدة ابن الوردي :

من بحسن الثوب أبدى مجده وبجهل قد تعدى حــــده
قل له قولا وأكثر صــده خذ بنصل السيف واترك غمده
واعتبر فضل الفتى دون الحلل

القاعدة الرابعة:
انظر أين ينمو نباتك :
قال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)28.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم ؛ فقلت له: هل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دَخَن! قلت: وما دخنه ؛ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ؛ فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ؛ فقلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: نعم ؛ هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ؛ فقلت يا رسول الله ما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ؛ فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؛ قال: تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)29.
المسلم مثل النبات! لا يقبل أي غذاء يلقى اليه ؛ النبات يلزمه شمس وتراب وهواء وماء ؛ الثمار الطيبة لا تأتي في جو غائم ولا تراب كله حشرات قارضة ولا هواء ملوث ولا ماء مسموم ؛ شمس المؤمن قرآن هاد تربته المغذية إيقان وإيمان ؛ ماء حياته إخاء وتناصح وغفران ؛ هواؤه بر وخير وإحسان ؛ دعوة وبلاغ وأذان مسجد وسجود لله وإذعان ؛ نبتة المؤمن لا تقبل إلا ما اختاره الله لها (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)30 نبتة الإيمان لا تموت ولو تلوثت البيئة ؛ هي الحياة وبدونها يكون الموت ، وحتى في أشد بقاع الصحراء حرارة فإن نبات الإيمان يبقى يحفظ في داخله سر الحياة المؤمن يعض على جذع شجرة الإيمان ؛ يتكور عليها كما تتكور نباتات الصحراء على رطوبة دفينة فيها يحتار في سرها ؛ حتى يدركه الموت وهو على ذلك ؛ من نبت الإيمان في قلبه قولته31 :

فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظـي ومعينـي
سأعيش معتصما بحبل عقيدتـي وأموت مبتسما ليحيا ديني

القاعدة الخامسة :
لا تصادم السنن بل استفد منها واستثمرها :
قال تعالى: (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)32.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)33، وقال الإمام النووي في شرح الحديث : (استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون وتبلغون مقصودكم) ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات ؛ فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ؛ فقال عليه الصلاة والسلام: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ؛ قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله ؛ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)34. فمنع الناس من الجلوس في الطرقات مما لا يمكن ؛ لمصادمته طبيعتهم فعلمنا الهادي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نصدم الأمر بل أن نستثمره ونمسك بزمامه لنقوده إلى الفعل الإيجابي ، وقد فطن الإمام ابن القيم إلى المغزى العميق والدلالات السننية لمثل هذه التوجيهات فقال في كتابه الفوائد: (العارف يدعو الناس إلى الله من دنياهم فتسهل عليهم الإجابة ، والزاهد يدعو الناس إلى الله بترك دنياهم فتشق عليهم الإجابة) ، ومما ذكره أهل التربية أن من طلب أخا بلا عيب بقي بلا أخ ، وأوصى أحد الحكماء بطريقة للعثور على إنسان عاقل لمؤاخاته فقال: أغضب أخاك فإن أنصفك في غضبه فآخه و لم يقل: إن لم يغضب ؛ بل قال: فإن أنصفك في غضبه. فمنع الغضب بالكلية مصادم للفطرة ، ولذا قال تعال: (والكاظمين الغيظ)35 ولم يقل (والفاقدين الغيظ). وفقيه الدعوة الفطن لا يصدم قوانين الحياة وسنن الكون ؛ بل يحتال عليها فيمسك بمعاقدها ، ومن كان يحمل معولا وصادفته صخرة صماء فلا يضيعن الوقت في الطرق عليها وهي صماء صلداء ؛ فإنه بذلك يستنزف قوته وربما حطم معوله ولكن ليحفر التراب الذي حولها فلا بد أن تهوي ، وحتى الدين كله قد يفشل إذا صادم حملته سنن الله في خلقه ؛ فدين الزهاد خرب الاقتصاد ، ودين الرهبان خرب الفطرة ، وفتح أبواب الفساد ، ودين المتنطعين أمات الحيوية في الأمم وقتل أرواح العباد ، ودين المتفرنجين والمتغربين والمبهورين أرضى النزوات وألغى العقول وأطاع الشهوات ، ودين الله الحق هو الفطرة والتوازن والعدل والرحمة والشمول والواقعية والإنسانية والربانية ، وصدق تعالى إذ يقول: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا)36، وصدق تعالى إذ يقول: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)37 وصدق تعالى إذ يقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)38.
اللهم اجعل ديننا التزاما بكتابك وسنة رسولك ؛ اللهم بلغنا رضاك ولا تخزنا يوم نلقاك..
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون..
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى