مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*سورة العصر- بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه-الأسماء الحسنى بعيداً عن الخرافة

اذهب الى الأسفل

*سورة العصر- بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه-الأسماء الحسنى بعيداً عن الخرافة Empty *سورة العصر- بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه-الأسماء الحسنى بعيداً عن الخرافة

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 3:44 pm

سورة العصر
إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.
وإن من كلام ربنا عز وجل قوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)1 قال ابن كثير: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية .. فإنه كاذب في دعواه تلك حتى يتبع الشرع المحمدي في جميع أقواله وأفعاله .. كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)2 أي مردود عليه مرفوض منه.
ونحن نحس في قلوبنا بوجوب الالتزام بدين الله والإقبال عليه عز وجل ، وذلك يحتاج إلى معرفة عميقة وحب دافق فما السبيل إليهما؟ إن كل ذلك مختصر موجز في آية واحدة من كتاب الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)3 وقد نُقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: (لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم) وللإيمان سبل منها التفكر ، ومن أدام الفكرة كان له بكل شيء عبرة ؛ فالنظر في ملكوت السماوات والأرض جالب للإجلال والإعظام لله: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار)4 والنظر في النفس أفق لا يفوت (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)5 وقد ذكرنا مرة أن أحد الصالحين أفاق ليلة فوجد نفسه قد احتلم فأخذ يفكر كيف يخلق الله تعالى الخلق من هذه النطاف الضعيفة وكيف يغدو هذا الماء المهين بقدرة الله شبكة شديدة التعقيد والإعجاز الوظيفي ؛ فأخذته الرعدة والخشية وصار يبكي من جلال الله وعظمته.
لذا أوصى بعض المربين نفسه وتلاميذه بأن يكون لهم في كل يوم دقائق ينصرفون اليها للتفكر العميق فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، والتفكر في الآخرة معين على الرجعة إلى الله فمن كان آخر مثواه في الدنيا التراب يعلم أن الدنيا دار غرور وأن هناك دارا وراءها. قيل لسلمان رضي الله عنه (وليس في بيته إلا رث المتاع): أين متاعك؟ فقال: لنا دار أخرى نُرحل إليها صالح متاعنا! قيل له: ولكنك تحتاج إلى شيء في هذه الدار ؛ فقال رضي الله عنه: صاحب الدار لا يدعنا فيها.
من تفكر في الموت خشي المعاصي وانقطاع العمل ؛ فالتفكر في الموت والآخرة من أبواب زيادة الايمان ، وهو ليس أمرا معنويا فقط بل أمر حسي تراه أمامك كل يوم! أشخاص واحدهم في كامل العافية والصحة والغنى والجاه والنفوذ يصولون ويجولون ؛ فما ثمة إلا أن يقال لواحدهم: هيا ؛ فما يستطيع أن يرفع لقمته إلى فيه وربما خرج بعض أصحابه الغافلين فوقفوا خارج المسجد ينتظرون جنازته6 وكأن الموت سيفوتهم. ولو تفكروا واتعظوا لكانوا مع الزاهد الذي خرج يزور القبور فرأى فتاة وقفت على قبر أبيها وقالت: يا أبتاه بأي عينيك بدأ الدود فسقط الزاهد على الأرض من هول المقال.
إن التفكر في النعم شرط لازم لوجود المحبة ، والنعم كلما اقتربت ازدادت خفاء على الجاهل وأعظم نعمة يتفكر فيها العبد نعمة الإيمان فلولاها لكان من أهل الشقاء والاضطراب ، أما الإيمان فيمده بالسكينة والعزم إذا اضطرب الناس ، ومن النعم العظيمة الكرامة بهذا الإسلام والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم فإن كثيرا من الناس يتبعون ويقتدون في الدنيا بنماذج مختلفة من البشر فيهم الجيد وأكثرهم الرديء وبعضهم يستحيا من النسبة إليه لكثرة انحرافه وسقوطه وظلمه. أما نبيكم صلى الله عليه وسلم فهو الدرة اليتيمة والقدوة العظمى والبحر الذي لا تكدره الدلاء ولا يحيط به ساحل ، ومن تفكر في عظمة نبينا عليه الصلاة والسلام خلقا وقيادة ورأفة وهداية لم تزغ به السبل وعانقه حب الله ورسوله ودخل الإيمان قلبه وحفظ من ابتلاءات الشهوات ، وقد كان لرسول الله من الحب في قلوب أصحابه ما لم ولن يبلغه أحد من البشر قبله ولا بعده.
روى البخاري أن امرأة أتته صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها ؛ فأخذها صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره (أي ارتداها) فقال رجل من القوم: يا رسول الله أكسنيها (أعطني إياها أكتسي بها) فقال الهادي صلى الله عليه وسلم: نعم ؛ فجلس في المجلس ثم رفع فطواها (أي عند انتهاء المجلس) ثم أرسل بها إليه فقال له القوم: ما أحسنت ؛ سألته إياها لقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال الرجل والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت! فهل رأيتم جنديا يحب قائده كما يحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ؛ قال سهل: ومات الرجل فكانت كفنه7.
ومما يزيد المسلم إيمانا تفكره في هذه الشريعة المطهرة فلولا أنها حق لما كان كل هذا التكالب عليها من أهل الباطل ، وما التوحش الذي يحارب به هذا الدين في أرجاء الأرض إلا لكونه حقا ، ولو كان باطلا لائتلف معه طغاة الأرض وفراعينها ؛ فتكون الحرب المجنونة على أهل لا إله إلا الله باب عودة ورجعة للمسلم تهزه وتخرجه من غفلة طويلة..
ومما يزيد الإيمان أيضا مجالس العلم ومجالس الذكر ، والطبع يسرق فمن جلس مجالس الخير سرق طبعه منها ومن جلس مجالس الفساد سرق طبعه منها. يأتيك الشاب يكاد يجن من فتنة الكاسيات العاريات من حوله ، ويأتيك الموظف يكاد يجن من كثرة المرتشين من حوله ، ويأتيك الإنسان المستقيم الذي يكاد يجن لكثرة المحسوبيات والوساطات والقفز من فوق السطوح وأكل الحقوق ، ويأتيك و يأتيك .. وتسألهم فلا تكاد تجد أحداً منهم له مجلس علم يحافظ عليه ، ولا تكاد تجد فيهم من له مجلس ذكر لا يفرط فيه ، ويندر بينهم من سعى إلى أهل الصلاح يغمس نفسه فيهم فيغدو واحدا منهم ، ولو كان كذلك لعلم أن كل أصحاب الانحرافات سيذهلون هم من ثباته وصلابته وعدم اكتراثه بهم أو انصرافه إليهم إلا انصراف من يسقط عليه الذباب فيرده مرة بعد مرة.
ومن جوانب الإيمان التبصر فيما يقود إليه الانحراف وما يقود إليه الصلاح ؛ فانظر ماذا يفعل الفساد بأصحابه فلا يُخرِجُ منهم إلا سارقا أو مرتشيا أو ظالما أو مغرورا أو مدمن خمر أو مخدرات أو منحرف النفس معقدا ظاهره ظرف وسرور وباطنه خراب وقلق وحيرة ، وقد يألف بيوت الدعارة والفساد وقد يموت واحدهم شهيد القيادة الطائشة لسيارة يذهب بها إلى مكان معصية أو شهيد الدولار أو التهريب وكل ذلك ظلمات بعضها فوق بعض.
أما صاحب الصلاح فبستان تملؤه الرياض والزهور فتختار منه أي باقة تشمها ، وأي كوكبة من الجمال تملأ بها ناظريك ، وتستلقي تحت أية خميلة ، ومن أي نبع زلال تستقي ؛ فما ثمة إلا خير في الحياة وطهر وعلو في الممات. وهذه الأرض تضم الصالحين في ترابها فسلوها هل عهدت منهم إلا كل تقي نقي مستقيم طهور وهل مات واحد منهم إلا شهيد حق من الحقوق الضائعة يصول عنه ويجول فربما ذهب به المرض العضال يصيبه لكثرة سعيه في الخير أو التحرق الشديد أو اللوعة على أحوال المسلمين ، وربما ذهب أحدهم شهيد علم يحمله أو فكرة استقامة يدافع عنها أو باطل يصاوله ، وربما نقش الرصاص صدره وهو يدافع عن أوطان سليبة ودين مضطهد وحق ضائع ، وبلاد مستباحة وأعراض مغتصبة ، ودم للمسلمين مسفوح تتواطأ عليه أمم الكفر فيجري كجري الأنهار والموت حق لا بد منه فاختر لنفسك أي ميتة تموت.
هذا غيض من فيض في سبل بناء الإيمان وقد أفضنا الشرح في خطب سابقة أما العمل الصالح (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فربما كان أكثر إشكالا عند الناس ، وربما عللوا ضعفه بغير علته الصحيحة وما ضعف العمل لعدم استطاعة العمل ولكن لضعف الإيمان فالإيمان هو السائق أولا وأخيرا ، ولقد أخبرني أحدهم أن ابنه يتلهى في أيام امتحانه بمباريات كرة القدم وذلك لا ينثني عن فتاة لعوب تلعب به ، وآخر يجن بالسيارات جنونا وحاول كل أب بشتى الطرق أن ينصح ابنه أو يوبخه أو يمنع عنه مصروفه أو.. أو.. وما من حيلة! فما الحيلة مع أولئك الأبناء؟ إن المشكلة هنا ليست مشكلة عمل ؛ المشكلة مشكلة إيمان ؛ فلقد ربيت ابنك ليكون مؤمنا بكرة القدم أو السيارات أو النساء.. أو على الأقل لم تبن فيه الإيمان القوي بالله الذي لا يزاحمه في قلبه شيء ، ولو علمته التفكر والذكر وصحبة أهل الخير ؛ لو علمته الفرق بين دين الله وبين المناهج الأرضية المنحرفة ؛ لو علمته ما الذي يصنعه الفساد بالإنسان وما الذي تبنيه الاستقامة فيه لما رأيت ما رأيت.
عندما يكون عند المؤمن بالله امتحان في مدرسته أو جامعته فيشعر أن كل سطر يمر عليه هو عين العبودية لله.. وأن كل كلمة يقرؤها تجلب له رضى الله تعالى ، وكل صبر له في وجه دواعي الكسل والإهمال فإنما هو جهاد وكل ترويح مباح بين فترتين جادتين من الدراسة فإنما هي رباط ، وكل علامة جيدة وكل مادة يتقنها وكل فهم للأمور يحسنه فإنما هو سلاح يلزم المسلمين ولا يجوز أبدا أن يفرط فيه ؛ وقتها يتحرك الإيمان ؛ فالمشكلة ضعف الإيمان وعندما يصلح الإيمان ينبثق العمل.
الإنسان الذي يدخن يقول لك لا أستطيع تركه ولو اكتمل إيمانه لتركه ولو وقف مع نفسه بتجرد لجزم لك بحرمته ، والذي عود نفسه على مستوى من الغرور والتأفف واحتقار كل ما ينتجه بلده والانبهار بكل شيء مستورد لا يبحث إلا عن المهربات ويشكو ويتذمر ولو كان إيمانه بضرورة العمل لتقوية الصناعة الوطنية مكتملا وتجرد لحظة مع نفسه لعلم أن تسعين بالمائة مما يبحث عنه موجود في السوق ومصنع وطنيا بشكل ممتاز وأن القليل الباقي: ثلاثة أرباعه مما يستغنى عنه ، والربع الباقي لا يغلق الباب دونه لعدم توفره محليا ، ولو أغلق فلن يلومه أحد إن بحث عنه (كدواء ضروري) وليس بحثنا عن التهريب وضرره ؛ بحثنا عن الإيمان ، والتهريب مجرد مثال عابر في الموضوع ، وكفر الناس بأوطانهم هو الذي يجعلهم يشجعون السلبيات وأنا أعلم أن كثيرين من الناس يقولون: يا أخي أنت إنسان طيب القلب ومقاطعتنا لا تجدي شيئا. ألا تعلم أن التهريب يقوم عليه كبار القوم وبعض كبار المسؤولين! وأنا أعلم هذا ولكن هناك خطوات جادة يشكر القائمون عليها لشل عمليات التهريب وعدم استثناء صغير ولا كبير منها ، والأمة أغلى من كل أحد مهما كان وضعه ومركزه ، ولكن بيت القصيد هنا. نحن المسؤولون عن التهريب إن أعنا مروجيه ، ولنفترض أن رجلا لديه من الصلاحيات الواسعة والنفوذ ما يجعله يُدخل إلى البلد ما يشاء وكيف يشاء. هذا الإنسان يخرب اقتصاد الأمة وواجبي أن أحاربه ؛ أنا لا أنتظر الدولة فواجبي الإسلامي قبل أي باعث آخر وسأقاطعه ، ولو شاركني كل الناس في هذا فسأشل حركة الرجل المهرب الخطير صاحب النفوذ ، وأعلم أن البعض سيقولون: نحن في بلد من بلدان العالم الثالث ؛ أين تظننا موجودين ونعيش؟ لا علاقة للموضوع بعالم ثالث ولا رابع ، وفي إحدى الدول الإسلامية ومنذ أكثر من أربعين عاما أخذت شركة كوكاكولا امتيازات التوزيع وهي شركة من شركات الاحتكارات العالمية ولها سوق ضخمة في (إسرائيل). كانت الشركة تحديا معنويا للأمة وأصدر أحد أكبر المراجع الدينية أمرا بالامتناع عن شراء الكوكاكولا! هل تعلمون أيها الاخوة أن الشركة أفلست تماما في ذلك البلد الإسلامي لأن أحدا لم يعد يشتري منها ، وكذلك المهرب الكبير قاطعوه وقاطعوا منتجاته وبضائعه سواء كان هناك توجه من الدولة أم لم يكن ؛ فإن هذه مصلحة وطنية وواجب إسلامي واضح ، والذي يسرق الأمة وينهبها ينبغي على الجميع مقاطعته ويبقى هناك أمر فيما لو كانت هناك ضرورة فعلية لبعض الأمور التي لا يُستغنى عنها فعلا ؛ ونقول :ذلك أمر آخر قد لا يلام فيه الإنسان ولكني أتحدث عن المبهورين الذين يظنون قيمتهم تزداد إذا ارتدوا كساء أو حذاء أو تناولوا غذاء أو دواء أو اقتنوا متاعا أجنبيا لمجرد أنه أجنبي ، ولو كان في أوطانهم ما يغني ويقوم بالكفاية.
المهم أيها الناس: الإيمان الصحيح العميق الواعي هو سبب العمل الصالح ، وبعد توفره قد تعتريه عوائق فكيف التغلب عليها؟ الأمر يحتاج إلى بسط ولكن نختصره الآن بما يلي:
1- لا بد من العلم الشرعي الصحيح ؛ فمن كان جاهلا فربما اتجه بطاقته العملية التنفيذية إلى أمور ثانوية أو تنطع في دين الله أو تهاون ببعض الأمور الأساسية فتكون سبب الثغرات.
2- لا بد من إشغال الجوارح بالخير ، والإمام الغزالي يوصي بتكلف الأفعال تكلفا حتى تصبح سجية فمن كان بخيلا يلزم نفسه بأفعال الأسخياء فيتشرب طباعهم ، ومن كان جبانا زج بنفسه في مواقف الشجعان لتذهب الرهبة التي ولدت الجبن في نفسه.
3- التوازن في الأمور: فليس الأمر حماسة طائشة تمتد أياما ثم تذهب. يحتاج الأمر إلي نفس طويل وصبر جميل وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السأمة علينا8. إن بعض الاخوة يظنون أن الإنسان إذا التزم بالدين غادرته الابتسامة وودع اللطف وهجر الترويح المباح وكل ذلك وهم ؛ فالسنة تقول: أعط كل ذي حق حقه9 ، والتدين القائم على ردود الأفعال لا نتيجة منه إلا التعب والملل ، وبالمناسبة فقد قرأت مرة لأحد العلماء مقالة يتحدث فيها عن التدين اليوم وتدين الصحابة ، وخلاصة الموضوع أننا لا نحس اليوم بالالتزام أو عزة الإسلام أو صفائه أو سموه إلا في مجالس خاصة شديدة التركيز، وفقد كثير منا القدرة على الإحساس بالالتزام ونحن نبيع ونشتري ونسافر ونلعب ونمرح أصبح التزامنا نوعا من ردة الفعل التي تحتاج إلى تربة نادرة لتنمو خلالها. أما التزام الصحابة الأول فكان التزاما شاملا مرنا مستوعبا للحياة كلها ؛ موقف الجد لا يكون فيه إلا الجد وموقف الاستشهاد ليس فيه إلا الاستشهاد ، وموقف الابتسامة الحلوة والدعابة اللطيفة لا يكون فيه إلا الأنس واللطف ، ومجلس العلم ليس فيه إلا أدب العلم ، وقد سئلت عائشة عن سلوك رسول الله في بيته فقالت: (كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة)10 أما بعض المتدينين فيريدون أن يكونوا وليتهم يستطيعون ؛ يريدون أن يكونوا مثل عمر بن الخطاب في البيت وفي السوق وعلى المنبر ، ويريدون أن يكون الناس كلهم كذلك ، وهذا ليس بالإنصاف فالمشمر لا يلام وصاحب السبق يسعى إلى الاقتداء به لينشد الناس إليه أما إلزام الناس كلهم بذلك فهذا مما لا يطيقونه ولا يستطيعه أكثرهم.
4- احرص على صاحب يعينك على الخير إن ذكرته ويذكرك إن نسيت ؛ فـ (يد الله مع الجماعة)11 و(الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)12 ، ومن كان كل أصحابه لا يعينونه على الخير فكيف ينجو؟
5- الذكر لله وأفضلها المأثور من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة13 ، وذلك أنه يزيد الصلة مع الله ورسوله ويعين على الخيرات ويحجز عن السيئات فلا يجتمع أمران متضادان في القلب أبدا.
هذه باختصار مقدمة الموضوع وللبحث بقية نسأل الله التوفيق.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم الى ربكم ترجعون..

بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه
( رد على مناهج التجهيل)
الحمد لله(وسِعَ رَبُنا كل شيء علماً على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)1، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله رحمة للعالمين أرسله.
عباد الله (اتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)2، أما بعد فإن الحق عز وجل يقول في محكم كتابه : (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مِثْلِه وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويلُه كذلك كَذَّبَ الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين * وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون)3.
إعجاز القرآن لا يتناهى ، والتكذيب إنما يأتي ممن لم يحط بعلمه ولم يأته تأويله ، وكلمة العلم واشتقاقاتها وردت في مئات الآيات ، ونزع هذا القرآن من أيدي الأمة المسلمة خطة لا تخفى على أحد جهر بها وزير للمستعمرات يوماً لما قال: (ما دام هذا القرآن في أيدي المسلمين فلن يَقِرَّ لنا قرار) وإذا بأمثال هذه المنطلقات تحولُ إلى مناهج تحطيمية تمتد بين المسلمين لتنزِعَ القرآن من بين أيديهم لا نُسَخاً وأوراقاً بل حكماً ونظاما ً.. عقيدةً ومنهجا ...ً شمولاً وأحكاما ً؛ قائداً وإماماً. لقد فقد المسلمون القوة لما جهلوا القرآن ، وفقدوا الطريق لما جهلوا القرآن ، وفقدوا أسباب النصر لما جهلوا القرآن فضاعت سعادتهم وسيادتهم.
راحوا يظنون أن الدين جلســتهم في جانب المسجد المهجور باكينا
يشكون ما حل بالأيـــام من محن ٍ مسالمين وللبـلوى معـانينـا
وحاربوا البغي بالآهــات مترعـةً من الجراحِ حيارى ليس يدرونا
وبات شرع الهدى من سوء ما صنعوا بالوهن والذل والآهات مقرونا
وكلمـا طفـح الطغيـان أقعدهـم عن النهوض فعاشوا في الأذلينا
من جهل شيئاً عاداه ... من جهل دينه عاداه ... من جهل عقيدته رماها ... من جهل القرآن حاربه ومن عرفه يموت دونه.
الجهل آفة خطيرة تؤدي إلى التكذيب (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله)4 أي سارعوا إلى التكذيب به قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره وقبل أن يتدبروه ويقفوا على معانيه وما في تضاعيفه من الشواهد على إعجازه ، والآية إيذان بكمال جهلهم به ، وأن تكذيبهم به إنما هو بسبب عدم علمهم به ، كما ذكر الإمام القاسمي نقلاً عن الكشاف وأبي السعود.
وقد فكرنا كثيراً في طريقة تحث الناس على العلم ثم وجدنا أن هناك طوائف واسعة من أبناء المسلمين في شتى الأقطار تجهل قيمة العلم والتعلم ابتداءً فكيف تنطلق إلى هدف سلاح الوصول إليه صدئ خرب..ثم بحثنا فوجدنا أن التجهيل قد أتى بنتائج هائلة بين المسلمين!! فهذا لا يدري عن القرآن شيئاً وهذا يجهل شموله وتوازنه وهذا لا يعرف حقوقه وهذا لم يفطن لمراميه ومقاصده وهذا يحسبه للبركة فقط وقوم لا يسمعونه إلا عندما يموت لهم ميت ، وشباب رأوا النصارى يضعون الصلبان في صدورهم فوضعوا هم على صدورهم رمزاً للقرآن وحياتهم في بعد شديد عنه ، ونساءٌ يحلفن بالقرآن وليس لهن معه صحبة! وآخرون علقوه على الجدران وليس لهم منه حظ ولا نصيب ، وأقوام وشعوب بعضها لا يحمله إلا كحملة الأسفار الذين ذمهم ربنا عز وجل في كتابه وقوم حملوه هوى وشهوة .. يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، وقومٌ خبثاء هذا يريد تطويعه للرأسمالية وهذا يريد إخضاعه للماركسية ، والجهل مخيم وأعان الله أمة فيها مثل تلك النماذج المشوهة المنحرفة ، ورحم الله إقبال إذ يقول: أيها المسلم إن القرآن الذي يجب أن يحييك أصبح يقرأ ليسهل لك موتك ؛ وهي عبارة لاذعة والعلم حياة والجهل موت ، وربنا عز وجل لفت أنظارنا في آيات كثيرة إلى أهمية العلم ؛ أما قال تعالى: (يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)5، أما قال تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون)6، أما قال تعالى (وقل رب زدني علماً)7، أما قال تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)8، أما قال (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)9، أما نهى ربنا عن اتباع الشياطين بسبب فوات العلم (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد)10، أما أمر ربنا بالتعلم من أهل العلم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)11.
إن من إعجاز القرآن وشموله تضمنه لهذه الآيات ؛ مازال إدراك منزلة العلم فينا هزيلاً ، وأمم الأرض التي لا تعرف الله أدركت قيمة العلم في ميادين الحياة من باب الضرورة الحياتية ، وطائفة كبيرة من المسلمين تصفعها النوائب والمصائب فما تستيقظ من سكرتها ، وتنسى أن العلم الصحيح ضرورة حياتية كما هو ضرورة إيمانية وضرورة أخروية ودنيوية معاً.
في أوائل السبعينات كتب باحث غربي كتاباً سماه (صدمة المستقبل) طبع أكثر من ثلاثين مرة وبيعت منه ملايين النسخ ، وما كل ما في الكتاب يناسبنا ولكن فيه فكرة وجيهة جداً ومخيفة! تساءل الباحث: من الذي سيحكم العالم في المستقبل؟ أميركا .. الشيوعية .. اليابان .. الصين .. المسلمون .. اليهود .. مَنْ؟ الجواب: من يسبق إلى أمر واحد! فسيحكم كائناً من كان : من يمتلك معلومات أكثر! لماذا؟ لأن المعلومات أهم أسلحة الحياة ومن يمتلكه يسيطر ويتحكم بل ويبرمج الآخرين ، ونقص المعلومات أو عدم كفايتها كارثة على كل صعيد ، والإحاطة بها تمكنٌ ونصر. أضرب لذلك أمثلة معاصرة ؛ احتلت القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية بعض الجزر جنوب شرق آسيا وأنهكتها حرب العصابات الليلية في غابات كثيفة ، ولم تلجأ إلى الإبادة البشرية ؛ رغم كونها من أصحابها وقادتها ؛ لكنها لم تكن سلاحاً مجدياً هناك! فماذا فعلوا؟ أرسلوا خبراء يدرسون عادات السكان وعقائدهم فوجدوا أن لديهم اعتقاداً بأن أحد الأرواح المجسدة في خفاش دموي مرعب عندما سيظهر في الليل فسيقتل أي أحد يصادفه ، واختطف الأميركان بعض الأشخاص فقتلوهم بفتح ثقبين في رقابهم ، ورمَوهُم في الغابة وسرى الرعب والخوف في السكان فلم يعد أحد منهم يجرؤ على مغادرة بيته في الليل وتوقفت حرب العصابات الليلية تماماً! استخدام ذكي جداً للمعلومات ، والقبيلة المسكينة كانت تجهل أن ذلك الخفاش الدموي المرعب خرافة فتحكموا فيها من خلال أقل كلفة ممكنة.
وفي تمثيلية حرب الخليج التي كان هدفها احتلال منابع النفط وإذلال العرب وتحطيم معنويات المسلمين وقع العراق في الفخ لنقص معلوماته وغرور حكامه ؛ فمن يملك معلومات أكثر يحكم الآخر ، ولقد ظن ذلك النظام أن له قراراً في الموضوع ، وأوحت إليه الولايات المتحدة أنه لا مانع من حملة صغيرة إلى الكويت (استخدمت كفخ كان من عاقبته تدمير العراق) واستنفار كل الدول الطامعة لغزو بلادنا واحتلال نفطنا وإهانة مقدساتنا وإذلال علمائنا وتشتيت شملنا ، وظن من وقعوا في الفخ أنهم قادرون على المقاومة بأسلحة مستوردة من أعدائهم ؛ فإذا بمن يمتلك المعلومات يتحكم في اللعبة ، وقد نشرت صحيفة ألمانية خبراً مفاده أن المخابرات الأميركية قد سربت إلى منظومة الدفاع الجوي العراقي قبل أيام من الصدام فيروساً أحرق الأخضر واليابس في شبكة اتصالات التحكم الإلكترونية المبرمجة ، ولم يستطع العراق القضاء على الفيروس لنقص كفاءته التقنية فمن يمتلك المعلومات يتحكم.
وسمعت يوماً شاباً يَسُبُّ هذه الأمة وينعتها بأقذع النعوت ويقول أن الإسلام هو السبب! وقلت له: يا هذا إن كثيراً من البلاد الإسلامية حكمت في العصر الحديث بغير الإسلام فماذا أجدى الأمة ذلك ، ويكفيك نموذج تركية ؛ فأيام الخلافة كانت مع كل نقائصها وعيوبها دولة ترهبها دول الأرض فلما أتى الماسوني أتاتورك سار بحملة تغريب فيها ؛ حرمت الدولة فيها الأذان ومنعت اللغة العربية وألبست الناس لباس الإفرنج ومنعت الحجاب و..و.. فهل تقدمت تركية؟ اللهم لا .. بل تحولت من دولة من الدرجة الثالثة أيام الخلافة إلى دولة من الدرجة العاشرة على يد أدعياء التقدم الذين لا يفهمونه إلا من ذنبه كما يقال! ولقد كانت عصورنا الوسطى رغم كل مآسيها أزهى من واقعنا المخجل اليوم ؛ لنا خمسون عاماً نحارب اليهود الكفرة فما خرجنا بطائل .. بل صارت لهم الشرعية أكثر منا.
لقد أصبت يا أخي لنقص علمك باحتقار حضارتك والتنكر لأمتك ودينك ؛ لقد أوهموك أن عقيدتك لا تحمل الحضارة ولا تبني التقدم الحق فهل سمعت في عصورنا الغابرة ؛ بل قل في أوقات ضعفنا بأمثال المستشفى المنصوري الكبير الذي كان كما يصفه الدكتور السباعي رحمه الله في كتابه من روائع حضارتنا بما خلاصته :
(كان آية من آيات الدنيا في التنظيم والترتيب جعل الدخول إليه والانتفاع منه مباحاً لجميع الناس من ذكر وأنثى وحر وعبد ومَلِك ورعية ولا يخرج منه المريض إلا ويعطى كِسوة للباسه ، ودراهم لنفقاته حتى لا يضطر للعمل الشاق فور خروجه ، ومن مات جهز وكفن ودفن ، وكان لكل مريض شخصان يقومان بخدمته ولكل مريض سرير وفراش كامل ، ولكل طائفة من المرضى أماكن تختص بهم ومن طلب العلاج وهو في بيته أرسل إليه ما يحتاج من الأدوية والأغذية وكان يعالج فيه كل يوم من المرضى أربعة آلاف نَفْس ، وقد نُص في نظامه على أن يقدم طعام كل مريض بزبدية خاصة به من غير أن يستعملها مريض آخر وينبغي أن تغطى وتوصل إلى المريض بغطائها ، وأن المؤرقين من المرضى كانوا يوضعون في مكان خاص يستمعون فيه إلى أروع الألحان الموسيقية كعلاج نفسي ، أو تمثل لهم الروايات الظريفة ومشاهد من الرقص البلدي المباح ترويحاً عن أنفسهم وكان المؤذنون أصحاب الأصوات الشجية ينشدون قبل الفجر بساعتين أناشيد تحرك القلب وتجدد الذكرى وتحيي نفوس المرضى (وقد بني هذا المشفى في نهاية القرن السابع الهجري- الثالث عشر ميلادي واستمر حتى دخول الحملة الفرنسية إلى مصر في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي) فقل لي أين تضيع الحضارة فينا؟ أغرَّكَ أن يقال إن المسلمين إرهابيون متعصبون أصوليون ليسحبوا ذلك على الإسلام كله ، وما صار بعضهم إلى ذلك إلا لكثرة جراحاتهم ولعنف الحرب ضدهم وإرهابهم واحتقار دينهم وعقيدتهم وقرآنهم. إن خدعت بهذا فاستمع لما يقوله المؤرخون عن تسامحنا وفضلنا وحضارتنا حتى مع من نعتقد كفرهم وانحرافهم قال خلف بن المثنى : لقد شهدنا عَشَرَة في البصرة يجتمعون في مجلس لا يعرف مثلهم في الدنيا علماً ونباهة وهم : الخليل بن أحمد صاحب النحو (وهو سني) والحِميَرِي الشاعر (وهو شيعي) وصالح بن عبد القدوس (وهو زنديق ثنوي) وسفيان بن مجاشع وهو (خارجي صفوي) , وبشار بن برد (وهو شعوبي خليع ماجن) وحماد عجرد (وهو زنديق شعوبي) وابن رأس الجالوت الشاعر (وهو يهودي) وابن نظير المتكلم (وهو نصراني) وعمر بن المؤيد (وهو مجوسي) وابن سنان الحراني الشاعر (وهو صابئي) كانوا يجتمعون فيتداولون أخبارهم وعلومهم في أوج قوة الدولة المسلمة (من روائع حضارتنا للسباعي).
فقل لي أشهدت الأرض كلها أمة فسحت صدرها لمخالفيها مثل أمة القرآن ، وقل لي أتتحمل عقيدة على ظهر الأرض مخالفيها مثل عقيدة القرآن ، وقل لي بعدها لماذا تجهل دينكَ وعقيدتكَ وقرآنكَ ..ثم تذهب إلى رأسمالي جشع فتتعلم منه أو تذهب إلى ماركسي منحرف فتقتدي به؟ لقد جهلت فتحكموا فيك ، وضاع عنك العلم الصحيح فملئوك جهلاً وضياعاً وانحرافاً ، وغابت عنك المعلومات الصحيحة فعشت في ركام زائف تجهل آيات القرآن وجلالهَا .. تجهل العقيدة وصفائَها .. تترك مجالس الإيمان وإخائَها .. أنسوك الجنة وضيائَها ، وأنسوك النار ووبالَها!! فالعلم العلم يا فتى الإسلام ، وإن العلم مفتاحك للخيرات ، ومن أضاع العلم أضاع الفلاح والرشد والعقل والدنيا.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ؛ حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً فَسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)12.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون)13.

أسماء الله الحسنى بعيداً عن الخرافة
الحمد لله المتفضل على من شاء بما شاء ، ونشهد أن لا إله إلا هو الله وحده لا شريك له نعبده مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، ونشهد أن الهادي محمدا عبده ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
أيها الناس: إنما الدنيا أمل مخترم وأجل منتقض وبلاغ إلى دار غيرها ، وسير إلى الموت ليس فيه تعريج فرحم الله امرؤاً فكر في أمره ونصح لنفسه وراقب ربه واستقال ذنبه ونور قلبه ، وخرج من ظلمة نفسه وسار إلى الله تعالى يدعوه بأسمائه الحسنى متبرئا من كل شرك يعلمه مستغفرا لما لا يعلمه ؛ قال تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)1.
وقد ورد في الصحيح أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ؛ إنه وتر يحب الوتر)2 ، وذكر الإمام البيهقي في كتاب الأسماء والصفات أن من معاني إحصائها إطاقتها بحُسن المراعاة لها والمحافظة على حدودها في معاملة الرب بها ، وقيل معناها: من عرفها وعقل معانيها وآمن بها ، وروى الإمام النووي في الأذكار عن ابن السني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه هم أو حزن فليدع بهذه الكلمات يقول: أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي ؛ فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن المغبون لمن غبن هذه الكلمات ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: أجل ؛ فقولوهن وعلموهن فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه)3.. أفأدركتم سر الاستجابة أيها الناس؟ من قالهن التماس ما فيهن (إيمانا وتصديقا وجزما) أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه. أما الدعاء مع الغفلة كما نفعل اليوم فهو أقرب للعقوبة منه إلى الاستجابة ، ولما صار هذا هو الحال ماعاد للدعاء في قلوبنا أثر وأصبح مثل الفلكلور الشعبي في حياتنا ، وربما يذكر اسم فاجر من فجار الأرض فتقوم الأرض وتقعد معه وينسى الله تعالى! وصدق رب العالمين (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير)4 إن كان الأمر لله خالصا هبتم أهل الأرض ومستكبريها ، وخضتم وقعدتم وإن رضي أهل الباطل وسمحوا لكم بشيء من دينكم أخذتموه ؛ فكيف ترفعون أيديكم إلى الله ولا تستحيون منه وأنتم تقولون يا رب .. يا الله .. يا من يجيب المضطر إذا دعاه .. كيف تأتي الاستجابة مع الشرك الخفي أو الجلي ؛ كيف يتنزل نصر الله ، وهناك بقاع من بلاد المسلمين لا يدرس فيها الإسلام إلا كما تهوى الولايات المتحدة الأميركية وأخرى كما يريد اليهود! كيف يأتي عون الله وفي الأمة من يستحيي بدينه ويخجل من صلاته ويعبد هواه ويخاف من أن يعلنها على رؤوس الأشهاد : لا إله إلا الله محمد رسول الله.
(وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا)5.
(يارسول الله : أنهلك وفينا الصالحون؟ نعم إذا كثر الخبث)6 ؛ أما ميت القلب فيكون مع الخبث وصاحب الإيمان لا يرتضي لنفسه ذلك فيسارع إلى الخير ، ويغمس نفسه في حلبات التجرد لله فيزداد الصالحون واحدا ويكون لانغماسه نظر من الله وتوفيق فيهز قلوبا غافلة فتستغفر وتشد عزيمتها وراءه ؛ فيزداد الصالحون قوة ويبرؤون إلى الله من أهل الباطل ويتحققون بقوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)7.
وأسماء الله الحسنى ذكرها الترمذي في روايته : (هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء
المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر
المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور)8 جل جلاله.
ولله تعالى أسماء أخرى وردت في غير الحديث المذكور جاءت إما في كتاب الله كأسمائه تعالى: المولى، الكفيل والحافظ والناصر والنصير والرب وذو الفضل وذو العرش وذو المعارج ، وبعضها ورد في الأحاديث الشريفة كأسمائه تعالى: الديان والمنان والفرد وغير ذلك ، ومما يجب أن يعلم أن الاسم هو ما دل على الذات بمجردها ، أو باعتبار الصفة ؛ وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية فلا يسمى الله تعالى ولا يوصف بصفة لم يُسم أو يصف بها نفسه ، والمختار في مذهب الجمهور ذلك ؛ فيتوقف جواز إطلاق الأسماء والصفات على ما ورد من ذلك في الكتاب أو السنة الصحيحة أو الحسنة أو إجماع العلماء فلا يسمى الله تعالى مثلا المهندس الأعظم ، ولا يجوز أن يقال عنه المخترع أو مفجر الطاقات أو العقل المدهش أو غير ذلك من الأسماء أو الصفات التي لم يأت بها دليل شرعي ، وإنما أتت من توهمات أصحاب الشرود الذين لم يعانق الأدب مع الله نفوسهم فأطلقوا عليه ما لم يأذن به وحرموا اليقين بأسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه. وانطلقوا إلى مخترعات لهم باردة هامدة ليس لها في القلب أثر ولا مع الإيمان وشيجة ، وما قدرت أن تسكب لواحدهم دمعة ولا تخرجه عن مال في سبيل الله ولا تدفعه إلى بذل روح في سبيله تعالى ، وقد شرحنا في عدة خطب سابقة يسيرا من آفاق أسماء الله الحسنى ، وانعكاساتها في عقيدة المسلم وسلوكه وتفكيره (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه)9 وفي عصور الجهل برزت بين بعض المسلمين أفكار هزيلة فانصرفوا عن العمل وعشق بعضهم الكسل فاستبدلوا عن السعي في الأرض فيما يرضي الله قعودا بليدا وأصبحت أسماء الله الحسنى عندها مادة للارتزاق والتدجيل على الناس ، وادعوا أن هناك علما للحروف ولها حسابات ،وكل ذلك خزعبلات باطلة ، ولا تزال هذه الأمور سارية بين كثير من جهلة المسلمين ويغذيها فيهم دجاجلة كبار.
ورد في أحد كتب هؤلاء حول اسمه تعالى (مالك الملك) : إذا نقش على فص خاتم من الذهب والياقوت الأحمر وتختم به عند الدخول على حاكم أو جبار ذل له ، ولا يطيق النظر إليه وقد وضعه أفلاطون لذي القرنين فكانت الأسد تهرب منه. إن جبابرة الأرض لا يحتاجون إلى من يبدأ حربه معهم بمخالفة سنة نبيه في لبس خاتم الذهب ، وأما اسمه الجبار فزعموا أن من لازم على ذكره ونقشه في صحيفة من نحاس وألقاه في دار ظالم جائر خربت وهو يصلح للملوك لأنهم إذا داوموا عليه خافهم من سواهم ، وأما اسمه تعالى متكبر فزعموا أن من كتبه على سور مدينة أو حائط أو دار أو بستان أو غيره في أربعة وتسعين موضعا في الساعة السابعة من يوم الجمعة حرس الله تلك المدينة أو الدار أو غيرها من كل طارق سوء ، ومن نقشه في خاتم مثلث في شرف المريخ وحمله ذل له كل جبار عنيد ؛ فانظروا إلى استغباء الناس والكذب على الله وإشغال الناس فيما لا جدوى منه وما عاد ينقص المسلمين والأرض تشتعل من تحتهم في سائر الأرض إلا بضعة أشخاص يطوفون ليكتب كل واحد منهم اسم الله تعالى أربعة وتسعين مرة وتنتهي بذلك المشاكل وتستعصي سراييفو على الصليبيين ، وجنوب لبنان على الصهاينة وديار المسلمين على الأميركان ، ولا تظنوا أن قلة من الناس من يفكر بذلك فهناك جمهور عريض لهذه الأكاذيب المفتراة على الله ؛ كما ذكرت بعض الكتب ما يلي: من اللطائف العزيزة لتيسير كل أمر عسير وقضاء المهمات تقول : بييوهن .. بسمسيم بيلههن .. سبريوش .. شيموش .. صعي كعي ارميال .. [وبقية العبارة لا يجوز أن تجاور هذا الكلام المبتذل وننقلها للتنبيه] وهي: يا من العسير عليه يسير ؛ ألطف بي ويسر كل عسير بحق البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم. من ذكر ذلك ألف مرة وقصد حاجة قضيت أيا كانت! ومثل تلك الأسماء الغامضة تدير رؤوس الجهلة فيعتقدون فيها اعتقادات باطلة لا تجوز ، وتصور أمة تنخر فيها مثل تلك الأمور.
إن دين الله تعالى واضح بين ، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة على بياض ونقاء (لا يزيغ عنه إلا هالك)10.. وكل ما لم يرد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم في كتاب الله وسنة رسوله فهو باطل باطل.
ما ذكرناه من الأمور قد يتجاوزه البعض ، ولكن هناك نوعا آخر من التحايل على العقل المسلم وعلى المثقفين بالذات! واسمعوا إلى هذا الخبر الذي ورد في مجلة العربي العدد رقم أربعمائة وسبعة عشر في مقالة عنوانها : الرقابة في مواجهة الطوفان للكاتب شوقي رافع يقول: أن هناك رواية عن رائد الفضاء الأميركي نيل آرمسترونغ الذي كان يسير في شوارع القاهرة فسمع صوت المؤذن فسأل مرافقه ما هذا الصوت؟ فقيل له: إنه الأذان ؛ فقال الرائد: ولكنه الصوت نفسه الذي سمعته وأنا أسير فوق سطح القمر ثم أشهر الرائد إسلامه! والرواية انتشرت بين المسلمين وتحمسوا لها وأصل فريتها يقع على عاتق مجلة ماليزية نقلت عنها مجلة عربية اتصل رئيس تحريرها بالكاتب ليجري حوارا مع آرمسترونغ حول الموضوع وكان الرائد مشغولا فطلب إرسال الأسئلة إليه ليجيب عنها ؛ فوضع الكاتب أكثر من ثلاثين سؤالا أحدها عن علاقته بزوجته بعد إشهار إسلامه ، وإن كان يفكر في الإقامة بمصر!! وبعد يومين أتى الرد في اثنا عشر سطرا [وصورته موجودة في مجلة العربي] يشكر الرائد فيها الكاتب ، ويقول أن الأسئلة لا تقوم على أساس! وقصة إسلامه [مفبركة] تماما وأنه لم يعتنق الإسلام ولم يسمع الأذان أو أي صوت آخر على القمر ولم يزر مصر في حياته ويعتذر عن إزعاجات الصحافة التي تفتقر إلى المصداقية!
وأخذ كاتب العربي رد آرمسترونغ لينشر في الصحيفة التي أعلنت إسلامه فاعتذروا بعد قرار هيئة التحرير! وكانت الخلاصة ما يلي: قالوا للكاتب : يا أستاذ لو نشرنا الرد لقامت علينا القيامة وسيعتبر الكثيرون أننا رددناه عن إسلامه! وبقي آرمسترونغ مسلما!!!
وصدق تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)11. ونحن لا ندري كيف ينجرف المسلمون مع تلك الأخبار ؛ أهو نقص يحسه الغافلون فيسدونه بالتمويه على أنفسهم ؛ أم هو نوم طويل لا يريدون الاعتراف به فيستعيضون عن الاصطدام بحقيقته بقصص مفتراة تملؤهم نشوة ، وتقول لهم: الإسلام بخير .. أم هم شركاء من دون علم في الضعضعة النفسية لعوام المسلمين والتشويه الإعلامي للإسلام؟ أم هي أحلام وأوهام يظنونها تقوم مقام الجهاد في الحياة في سبيل الله علما وتعلما ودعوة وإرشادا وجهادا واستشهادا؟ أم أنهم عجزوا عن الشهادة للإسلام بسلوكهم واستقامتهم ودمائهم فجاءوا بشهداء آخرين! لا يملكون للإسلام نفعا ولا قوة ولا حياة ولا يكنون له حرصا ولا يملئون به الأرض عدلا وخيرا وإيمانا وسعادة وسرورا.
وقبل ذلك سمعنا عن جراح قلب تركي رأى لوحده من دون آلاف الجراحين المسلمين: لا إله إلا الله محمد رسول الله على قلب أحدهم! وفي السوق صور تطبع بالآلاف عن غابة عجيبة في ألمانية وصدق أو لا تصدق أن أشجارها ملتفة بطريقة طريفة وقد رسمت لا إله إلا الله محمد رسول الله! وقبلها سمعنا عن سيدة باكستانية كان الجنين في بطنها يقرأ القرآن! وبصوت القارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد! وتناقلت الأمر وكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون ؛ حتى اضطر وفد من علماء الأزهر للذهاب للتقصي وإعطاء فتوى في الموضوع ، وهربت المرأة ولاحقتها الشرطة الباكستانية فأقرت أن جهة تنصيرية دفعت لها من أجل هذه التمثيلية للتغرير ببسطاء المسلمين [ثم صدمهم نفسيا عندما يتبينون التدجيل وقد ارتبط إيمانهم به] ثم تشويه صورة الإسلام في أعين الذين يريدون الإقبال عليه! وسمعنا وقرأنا عن رجل بمصر متخصص في الكيمياء ادعى أنه اكتشف في القرآن شيئا مذهلا! وأجرى الرجل حسابات مدهشة ووضع كتبا وألقى محاضرات عن التوافق والنسب المعجزة لرقم تسعة عشر! وبعد أن التف معه من التف ادعى النبوة في أميركة ثم تبين أنه دجال من دجاجلة البهائية ؛ دخل عليه كافر برسالته فطعنه في مطبخه في (تكساس) فأنهى هذه النبوة المزعومة سليلة الحقد اليهودي على الإسلام. وصدق تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)12.
أيها المسلمون : يا تلاميذ الهادي محمد .. يا من اتخذتم الله تعالى ربا والقرآن دستورا والإسلام دينا ومحمدا نبيا ورسولا.
إن دينكم قد أكمله الله لكم ، ولا يحتاج إلى دجل ولا تخريف ؛ لا يحتاج إلى خزعبلات وطامات وشطحات لا يحتاج إلى مخترعات ومبتدعات ؛ يحتاج منكم إلى إخلاص وصدق وعزيمة وتجرد ، ولقد ضعنا عندما تركنا الاستعانة الحقة بالله ، وذللنا عندما تركنا ديننا ، واستعبدتنا الأمم عندما غفلنا عن إسلامنا ، وعندما كثرت الإمعية فينا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عنها فيقول: (لا يكن أحدكم إمعة [لا استقلال له ولا علم ولا فهم .. مع الغالب] تقولون إن أحسن الناس أحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا)13 وفي رواية أخرى (أن تجتنبوا إساءتهم). إن الإقبال على الله والدعاء له والاستمداد منه إنما يحصل كما أمر الله ورسوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ومن استغاث بمخلوق [يعتقد أنه النافع الضار من دون الله فقد أشرك] واسم الله تعالى مما ينبغي لك أيها المسلم أن تحمله في قلبك وروحك وجوانحك وتعيش له وتموت عليه.
وقد أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك اللهم أحيا وأموت)14 فشمر يا مسلم في مقام العزيمة والصدق مع الله ، وانف عن قلبك أكدار الجهلة وتفريط المبطلين ولهو الغافلين وحيل الخبثاء ، واذكر دائما قوله تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون * وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)15.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى