مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* ضوابط الإعجاز الرقمي

اذهب الى الأسفل

* ضوابط الإعجاز الرقمي Empty * ضوابط الإعجاز الرقمي

مُساهمة  طارق فتحي السبت يناير 08, 2011 7:46 pm

ضوابط الإعجاز الرقمي
في القرآن الكريم
اعداد طارق فتحي
لنبدأ بطرح كل التساؤلات والانتقادات التي أُثيرت مؤخراً حول موضوع الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم، ونجيب عنها بكل صراحة ووضوح.
ومن هذه التساؤلات: ما هي الفوائد من دراسة الإعجاز الرقمي؟ وهل هنالك علاقة بين الأرقام وعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟ وما هي قصة رشاد خليفة وانحرافاته؟ وماذا عن حساب الجُمَّل؟ وماذا عن قراءات القرآن العشر وهل فيها إعجاز رقمي؟
سوف نحاول أيضاً من خلال الصفحات الآتية وضع ضوابط لهذا العلم الناشئ، هذه الضوابط هي الأساس العلمي والشرعي الذي اعتمدنا عليه في استنباط الحقائق الرقمية الثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ.
مقدمة
بيّنت الدراسة والبحث المنهجي لآيات القرآن الكريم أن التناسق والإحكام لا يقتصر على معاني ودلالات الكلمات فحسب، إنما هنالك تناسق في أعداد هذه الكلمات وتكرار حروفها. فإذا ما نظرنا إلى هذا الكتاب العظيم على أنه بناء مُحكَم من الحروف، سوف نستنتج أن الله جل وعلا كما رتَّب كل ذرة في هذا الكون بنظام مُحكَم ودقيق، كذلك رتَّب كل حرف في هذا القرآن بتناسق مُحكَم ودقيق.
وهذا هو موضوع بحثنا في رحاب حروف وكلمات كتاب الله تعالى، واستخراج العلاقات الرقمية والتناسقات العددية، لهذه الكلمات والحروف، والتي أثبت البحث الطويل أنها تقوم على الرقم سبعة. وأن التناسق مع الرقم سبعة له مدلول كبير، وهو أن هذا القرآن صادر من ربّ السماوات السبع سبحانه، وأن الله تعالى قد حفظ كتابه من التحريف، وأنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن، بمثل ألفاظه ومعانيه أو بمثل أعداد كلماته وحروفه.
ولكن قبل أن نبدأ رحلتنا في رحاب الرقم سبعة نودُّ أن نجيب عن الأسئلة التي قد تخطر ببال من يقرأ هذه الموسوعة في الإعجاز الرقمي، لاسيما أن هذا العلم الناشئ قد تعرَّض في بداياته إلى شيءٍ من الخطأ والمبالغة والغلوّ. وقد شاهدنا بعض الانحرافات من بعض من استغلّ الأرقام لأهداف شيطانية، فأساء لهذا العلم البريء من أمثال هؤلاء.
شبهات وانحرافات
شُبهات كثيرة أُثيرت ولا تزال حول موضوع الإعجاز العددي في القرآن الكريم، فبعضهم يعتقد أن لا فائدة من دراسة الأرقام القرآنية، باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع وأحكام، وليس كتاب رياضيات وأرقام!
ومن العلماء من يعتقد أن إعجاز القرآن إنما يكون ببلاغته ولغته وبيانه، وليس بأرقامه! ويتساءل بعض السادة القرّاء حول مصداقية كتب الإعجاز الرقمي، ومدى صِدق النتائج التي تقدمها أبحاث هذا النوع من الإعجاز. والعجيب أن الأمر قد تطور لدى بعض المعارضين إلى إنكار الإعجاز العددي برمّته بسبب عدم اقتناعهم بوجود علاقات رقمية في كتاب الله تعالى.
ولكن لماذا ينأى علماء المسلمين بأنفسهم عن علم الرياضيات في القرآن؟ وهل هنالك أحكام مسبقة تجاه هذا العلم بسبب بعض الانحرافات والأخطاء التي وقع بها (رشاد خليفة) أول من تناول هذا الموضوع منذ ربع قرن وغيره ممن بحثوا في هذا المجال؟
حول هذه التساؤلات سيكون لنا وقفات في هذا المبحث نجيب من خلالها عن بعض الانتقادات التي يواجهها الإعجاز الرقمي اليوم، ونبيّن فيها ما لهذا العلم الناشئ من حقّ علينا، ونبيّن كذلك الأشياء الواجب على من يبحث في هذا الجانب الإعجازي أن يلتزم بها أو يبتعد عنها.
وسوف نطرح جميع الانتقادات بتجرّد، ونجيب عنها بإذن الله بكل صراحة. وسيكون الدافع من وراء ذلك هو الحرص على كتاب الله سبحانه تعالى، وإظهار الحقّ والحقيقة، ونسأل الله أن يلهمنا الإخلاص والصواب. ونبدأ بهذا السؤال:
ما هي قصة رشاد خليفة؟
منذ أكثر من ألف سنة بحث كثير من علماء المسلمين في الجانب الرقمي للقرآن الكريم، فعدُّوا آياته وسورَه وأجزاءَه وكلماته وحروفَه. وغالباً ما كانت الإحصاءات تتعرض لشيء من عدم الدقة بسبب صعوبة البحث. وإذا تتبعنا الكتابات الصادرة حول هذا العلم منذ زمن ابن عربي وحساب الجُمَّل، وحتى زمن رشاد خليفة ونظريته في الرقم 19، لوجدنا الكثير من الأخطاء والتأويلات البعيدة عن المنطق العلمي.
لقد استغلّ الدكتور رشاد بعض الحقائق الرقمية الصحيحة والواردة في كتاب الله تعالى، والمتعلقة بالرقم 19، واعتبر أن القرآن كلَّه منظَّم على هذا الرقم. ولكن اتّضح فيما بعد زَيْف ادعائه وكَذِب نتائجه، وتبيّن بأن معظم الأرقام التي ساقها في كتابه (معجزة القرآن الكريم) بعيدة عن الصواب.
ومن أهم الأمثلة التي ذكرها في بحثه وبنى عليها دراسته، أن أول آية في القرآن: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، تتكرّر كلماتُها في القرآن عدداً من المرّات من مضاعفات الرقم 19. وقد ثَبُت أن هذا الكلام غير دقيق.
فهو يقول بأن كلمة: (بِسْمِ) وأصلها (اسم) قد وردت في القرآن كله 19 مرة، والصواب أنها وردت 22 مرة، وهذا العدد ليس من مضاعفات الرقم 19.
ويقول بأن كلمة (الله) وردت في القرآن 2698 مرة، أي 19×142، وهذا العدد غير دقيق أيضاً! والصواب أن كلمة (الله) عزّ وجلّ تكررت في القرآن كلّه 2699 مرة، وهذا العدد لا ينقسم على 19.
أما قوله بأن كلمة (الرَّحْمنِ) وردت في القرآن 57 مرة، أي 19×3 فهذا صحيح.
وقوله بأن كلمة (الرَّحِيمِ) وردت 114 مرة، أي 19×6، فهذا غير صحيح، والحقيقة أن هذه الكلمة تكررت في القرآن كله 115 مرة. إذن، قدّم رشاد رقماً واحداً صحيحاً من أصل أربعة أرقام، وهكذا يفعل مع بقية الأرقام التي قدّمها، فتجد أنه يسوق رقماً صحيحاً ويخلط به عدة أرقام ليجعلها جميعاً من مضاعفات الرقم 19. وبالتالي يمكن اعتبار النظرية غير صحيحة.
لقد حصل رشاد خليفة على نتائج مهمة في إعجاز الرقم 19. فقد اكتشف ملامح لبناء يقوم على هذا الرقم، فعدد سور القرآن هو 114 سورة وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19. وكذلك عدد حروف أول آية في القرآن هو 19 حرفاً.
وعدد حروف القاف في سورة (ق) هو 57 حرفاً، وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19 أي يساوي 19×3. وكذلك عدد حروف الياء والسين في سورة (يس) هو 285 حرفاً أي 19×15.
ولكنه تسرَّع ونسي بقية الأعداد القرآنية وعلى رأسها الرقم سبعة، وقدَّم إحصائيات عن الحروف المقطعة أو المميزة في أوائل السور، ونتيجة هذه الإحصائيات أن جميع هذه الحروف تتكرر بشكل يتناسب مع الرقم 19، وتبين فيما بعد أن هذه الإحصائيات غير صحيحة، بل قدَّم أرقاماً بعيدة كثيراً عن الحقيقة، وهدفه من وراء ذلك ليبهر الناس باكتشافاته.
كما أنه تجاوز الحدود بمحاولة حسابه لموعد قيام الساعة الذي لا يعلمه إلا الله تعالى! وقام بحساب كل حرف من الحروف الواردة في أوائل بعض السور وهي الحروف المميزة (أو المقطعة كما يسميها البعض)، وفقاً لحساب الجُمَّل، هذا الحساب الذي لا يستند إلى أي أساس علمي، وجمع ثم طرح على طريقته ليخرج من ذلك بتحديد موعد يوم القيامة عام 1710 وهذا العدد من مضاعفات الرقم 19!!!
ماذا عن بقية الباحثين؟
إن معظم الباحثين الذين اعتمدوا الرقم 19 أساساً لأبحاثهم، قد وقعوا في خطاٍ غير مقصود، إما في عدّ الحروف، وإما في منهج الحساب. وهذا لا يعني بأن التناسقات العددية القائمة على العدد 19 ليست موجودة، بل إننا نجد إعجازاً مذهلاً لهذا الرقم الذي ذكره الله تعالى في قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر: 74/30].
كما أن هنالك أرقاماً أخرى جاء فيها التناسق مثل الرقم 11 الذي يشير إلى وحدانية الله تعالى. لأنه عدد أولي لا ينقسم إلا على نفسه وعلى الواحد وهو يتألف من 1 و 1.
ومن عجائب أرقام القرآن أن كلمة (الشهر) قد تكررت في القرآن كله 12 مرة بعدد أشهر السنة؟ أما كلمة (اليوم) فقد تكررت في كتاب الله تعالى 365 مرة بعدد أيام السنة؟
وقد جاء عدد مرات ذكر كلمة (الدنيا) في القرآن كلّه مساوياً لعدد مرات ذكر كلمة (الآخرة)، وقد تكررت كل كلمة من هاتين الكلمتين 115 مرة بالتمام والكمال!
ويمكن القول بأن معظم الباحثين الموجودين حالياً في العالم الإسلامي يتمتعون بالإخلاص إن شاء الله تعالى، وإن صدرت منهم بعض الهفوات أو الأخطاء الحسابية فذلك بسبب صعوبة البحث في هذا الوجه الإعجازي الحديث. وبسبب عدم وجود مراجع أو ضوابط في هذا العلم. ونأمل منهم أن يتحرّوا المنهج العلمي الثابت والمدعوم بآلاف النتائج الرقمية التي تُثبت نتائجهم بشكل قاطع.
هذا. وإن الذي يطلع على ما كُتب في الإعجاز العددي يلاحظ عدداً ضخماً من النتائج التي وصل إليها الباحثون في هذا العلم. ولكن نرى أن هذه النتائج قد خُلطت بنتائج أخرى تعتمد على المصادفة والاحتمالات. ومن الصعب جداً على القارئ العادي التمييز بينها، وهنا تكمن المشكلة.
فنجد أن القارئ العادي يأخذ جميع هذه النتائج على أنها معجزات! بينما القارئ الحذر غالباً ما يعتبر أن هذه النتائج هي محض مصادفات. ونحن لسنا مع كلا الطرفين.
بل يجب على المؤمن أن يتحرى الحقَّ أينما وُجد ويأخذ به، وفي الوقت نفسه يبحث عن الأخطاء ويتجنّبها.
وقد يكون من أهم الأخطاء التي يقع فيها من يبحث في هذا العلم، ما يُسمّى بالترميزات العددية، أي إبدال كل حرف من حروف القرآن الكريم برقم، وجمع الأرقام الناتجة بهدف الحصول على توافق مع رقم ما، أو للحصول على تاريخ لحدث ما. وقد يكون من أكثر أنواع التراميز شيوعاً ما سُمّي بحساب الجُمّل.
ماذا عن حساب الجُمّل؟
دأب كثير من الباحثين على إقحام حساب الجُمّل في كتاب الله تعالى، فما هي حقيقة هذا النوع من الحساب؟ وهل قدّم حساب الجُمَّل نتائج علمية صحيحة؟
يُعتبر هذا النوع من الحساب الأقدم بين ما هو معروف في الإعجاز العددي. ويعتمد على إبدال كل حرف برقم، فحرف الألف يأخذ الرقم 1، وحرف الباء 2، وحرف الجيم 3، وهكذا وفق قاعدة أبجد هوّز.
وإنني أوجه سؤالاً لكل من يبحث في هذه الطريقة: ما هو الأساس العلمي لهذا الترقيم؟ وأظن بأنه لا يوجد جواب منطقي وعلمي عن سبب إعطاء حرف الألف الرقم 1، وحرف الباء الرقم 2، ... لماذا لايكون الباء 3 أو 4 مثلاً؟
فتجد أحدهم يقول إن جُمَّل كلمة (البيِّنة) هو 98 ، أي لو أعطينا لكل حرف من حروف هذه الكلمة رقماً يساوي قيمته في حساب الجمل وجمعنا الأرقام نجد العدد 98 وهذا هو رقم سورة البيِّنة في المصحف. وينطبق هذا الحساب على كلمة الحديد التي مجموع حروفها في حساب الجمَّل هو 57 وهذا هو رقم سورة (الحديد) في القرآن.
ولو أن الحال استمر على هذا المنهج لكانت النتائج مقبولة وليس هنالك أي احتمال للمصادفة، ولكن لدينا في المصحف 114 سورة، ووجود توافق ما لسورتين فقط هو أمر تتدخل فيه المصادفة بشكل كبير.
وعندما حاول بعضهم دراسة بقية السور لم تنضبط حساباته مع أرقام السور، لذلك فقد لجأ إلى تغيير المنهج وذلك مع سورة (النمل) التي رقمها في المصحف هو 27. ولكن هذه الكلمة في حساب الجمَّل تساوي 151 وهذا الرقم بعيد جداً عن رقم السورة. فلجأ هذا الباحث إلى عدد الآيات لسورة النمل وهو 93 وكان هذا الرقم بعيداً أيضاً عن جُمَّل الكلمة، فجمع رقم السورة مع عدد آياتها ليحصل على العدد 27+93 = 120 وهذا الأخير أيضاً بعيد عن قيمة الكلمة.
فحذف من كلمة (النمل) التعريف لتصبح غير معرفة هكذا (نمل)، وكانت المفاجأة بالنسبة له وجود تطابق بين جُمَّل كلمة (نمل) وهو 120 وبين مجموع رقم سورة النمل وعدد آياتها وهو 120 أيضاً.
والسؤال هنا: هل يُسمح للباحث بسلوك مناهج متعددة أو حذف حروف من أسماء السور للحصول على توافقات معينة؟ وهل يُسمح له أثناء تعامله مع كتاب الله تعالى أن يجمع عدد الآيات مع رقم السورة مرة، ثم يكتفي برقم السورة مرة ثم يأخذ اسم السورة كما هو مرة وفي الأخرى يحذف حروفاً من هذا الاسم؟؟
إن هذا الحساب لم يقدّم أية نتائج إعجازية، وإن كنا نلاحظ أحياناً بعض التوافقات العددية الناتجة عن هذا الحساب عن طريق المصادفة. ولكن إقحام حساب الجمّل في كتاب الله تعالى، قد يكون أمراً غير شرعي، وقد لا يُرضي الله تعالى.
لذلك فالأسلم أن نبتعد عن هذا النوع وما يشبهه من ترميزات عددية للأحرف القرآنية، والتي لا تقوم على أساس علمي أو شرعي، حتى يثبُت صِدْقُها يقيناً. وينبغي علينا أن نعلم بأننا نتعامل مع أعظم وأقدس كتاب على وجه الأرض.
ما فائدة الإعجاز العددي؟
قد يقول بعضهم ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام في القرآن الكريم لاسيما أن هناك علوماً قرآنية كالفقه والعبادات والأحكام والقصص والتفسير جديرة بالاهتمام أكثر؟
أولاً وقبل كل شيء يجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شريحة من الناس، ومنهم علماء وباحثون، للتقليل من شأن المعجزة الرقمية في القرآن الكريم. فنحن نعلم جميعاً الأهمية الفائقة للغة الأرقام في العصر الحديث، حتى يمكن تسمية هذا العصر بعصر التكنولوجيا الرقمية، فقد سيطرت لغة الرقم على معظم الأشياء التي نراها من حولنا. وبما أن القرآن هو كتاب صالح لكل زمان ومكان فلابدّ أن نجد فيه إعجازاً رقمياً يتحدّى كل علماء البشر في القرن الواحد والعشرين.
فالذين يظنون بأنه لا فائدة من الإعجاز الرقمي، إنما هم بعيدون عن تطورات العصر، وغالباً ليس لديهم اختصاص في الرياضيات. والغريب: كيف يمكن لإنسان لم يدرس الرياضيات أن ينتقد معجزة رياضية في كتاب الله تعالى أو ينكر هذه المعجزة الثابتة؟!!
الإعجاز العددي هو أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا، الهدف منه هو زيادة إيمان المؤمن كما قال تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) [المدثر: 74/31].
هذه المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة، كما قال تعالىSadوَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ).
ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا؟ يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً). هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.
مبالغات يجب الابتعاد عنها
يُلاحظ على معظم الباحثين في الإعجاز العددي أنهم يركزون بحثهم في الأرقام، ويضخّمون حجم النتائج التي وصلوا إليها، ويُغفلون بقية جوانب الإعجاز القرآني، كالإعجاز البلاغي والتشريعي، أليس في ذلك مبالغة ينبغي الابتعاد عنها؟
إن هذه الملاحظة موجودة فعلاً، ولها ما يبرِّرها! فالبحث عن معجزة رقمية في كتابٍ هو القرآن لا يحوي أية معادلات أو أرقام باستثناء أرقام السور والآيات، هذه المهمة صعبة للغاية، وتتطلب من الباحث أن يكرِّس كل وقته وجهده وعمله لهذا البحث الشائك.
وتزداد المهمة صعوبة إذا علمنا أنه لا توجد مراجع لهذا العلم الناشئ. ومع ذلك فإنني على يقين بأن معجزات القرآن لا تنفصل عن بعضها. فالإعجاز العددي تابع للإعجاز البلاغي، وكلاهما يقوم على الحروف والكلمات. وقد تقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية!
وعلى كل حال ينبغي على من يبحث في الإعجاز العددي أن يهتم ويستفيد من بقية وجوه الإعجاز القرآني، ويدرك بأن المعجزة الرقمية ما هي إلا جزء يسير من بحر إعجاز كتاب الله تعالى.
الإعجاز العددي: هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات؟
 ولكن بعض علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعدّ كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن دلالات ومعاني الآيات ليهتدي بها إلى طريق الله تعالى!
هذا فهم خاطىء أيضاً! فكيف يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئاً في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا الكتاب؟!! إن كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة لغوية وعددية تستحق التدبُّر والتفكُّر والتأمل.
وبما أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله، ولا ينبغي لمؤمن حقيقي راسخ  في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن أصلاً، بل لسان حال المؤمن يقول دائما: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آل عمران: 3/7].
إن تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظاً واستحضاراً لهذه الآيات، وهذا الكلام عن تجربة طويلة تتجاوز عشر سنوات مع الإعجاز الرقمي.
وبالرغم من أنني أنفق وقتاً طويلاً على دراسة وتأمُّل المعجزات الرقمية، إلا أنني لم أنصرف عن دلالات الآيات، بل على العكس اكتسبتُ شيئاً جديداً وهو الدقة في تلاوة هذه الآيات، والحرص على كل حرف من حروف القرآن،  وأن كتاب الله تعالى أعظم وأكبر مما كنت أتصور!
هذا وإن المؤمن الذي أحبَّ الله ورسوله وأصبح القرآن منهجاً له في حياته لا ينبغي له أن ينأى بنفسه عن علوم العصر وتطوراته. وحال المؤمن دائماً في لهفةٍ لجديد هذا القرآن وجديد إعجازه، وما يُعلي شأن كلام الله وشأن هذا الدين. أما عن الأخطاء وبعض الانحرافات التي وقع بها بعض من بحثوا في لغة الأرقام القرآنية فيجب ألا تُثنيَنا عن دراسة هذا العلم الناشئ، بل يجب أن تكون حافزاً لنا لمعرفة الأخطاء لينمكّن من تجنّبها.
هل يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذه المعجزات؟
وقد يسأل من ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات القرآنية، أليس من السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف، إذاً أين الإعجاز؟
في كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين: مقياس لغوي ومقياس رقمي. فلا نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره، وفي الوقت نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية، فهو كتاب مُحكم لغوياً ورقمياً.
إن محاولة تقليد القرآن رقمياً سيُخل بالجانب اللغوي، فلا يستطيع أحد مهما حاول أن يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية، سيبقى النقص والاختلاف في كلام البشر، وهذا قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه، وهذا مانجد تصديقاً له في قول الحقّ تبارك وتعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 4/82]. أليس في هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى، وتمييزه عن الاضطراب والاختلاف الموجود في كلام البشر؟ أليست هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر التناسق الموجود في كتاب الله تعالى من الناحية البيانيّة والعددية؟      
هل ينطبق الإعجاز العددي على قراءات القرآن العشر؟
إن الأرقام في القرآن الكريم هي مثار خلاف عند كثير من العلماء والباحثين، وعدد قراءات القرآن عشر، وهذه قد تختلف من حيث عدد الآيات لكل سورة، فكيف نسمي هذه الأرقام حقائق يقينيّة، وهي قد تختلف من مصحف إلى آخر؟
والجواب عن هذه الشبهة نجده في قول الله عز وجل عن القرآن الكريم: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 4/82]. إذاً في كتاب الله ليس هناك اختلاف، بل تعدّد القراءات وتعدّد الأرقام، وهذا يعني تعدّد المعجزات وزيادة في الإعجاز. ويمكنني أن أقول بأن الإعجاز الرقمي يشمل جميع قراءات القرآن، ويشمل جميع كلماته وحروفَه وآياته وسورَه، حتى النقطة في كتاب الله تعالى لها نظام مُعْجِزْ!
ولكن أبحاث الإعجاز العددي تقتصر حالياً على قراءة حفص عن عاصم وهو المصحف الإمام، فهذه القراءة هي الأوسع انتشاراً في العالم الإسلامي  وهي الموجودة بين أيدينا اليوم. وحتى نكتشف معجزة جديدة يجب علينا إجراء دراسة مقارنة لهذه القراءات من الناحية الرقمية، والنتيجة المؤكدة لهذه الدراسة أن كل قراءة فيها معجزة خاصة بها. وأن وجود عدد من القراءات هدفه زيادة عجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء: 17/88].
ولكن يجب أن نعلم بأن هذه القراءات متشابهة باستثناء حروف معدودة، ولكن طريقة اللفظ تتنوع من قراءة لأخرى تيسيراً من الله تعالى على عباده.
لذلك يمكن اعتبار أن النتائج العددية الصحيحة تنطبق بنسبة كبيرة على جميع روايات القرآن الكريم.
وينبغي على كل مؤمن أن يعلم بأن القرآن بجميع رواياته متناسق في ألفاظه ومعانيه، وفي آياته وسوره، وفي بيانه ودلالاته، وفي عدد كلماته وحروفه. وقد يُخفي هذا التعدّد لقراءات القرآن معجزة عظيمة، بيانيّة وعددية، ولكن عدم رؤية المعجزة، لا يعني أبداً أنها غير موجودة، إنما يعني أن رؤيتنا نحن البشر محدودة.  
هل يوجد إعجاز عددي في لفظ كلمات القرآن؟
وهنالك سؤال مهمّ: إلى أي حد تراعي أبحاث الإعجاز الرقمي لفظ  كلمات القرآن، إذ كما نعلم أن القرآن نزل مقروءاً وليس مكتوباً؟
إن الذي يقرأ كتاب الله يرى أن عدد الحروف المرسومة لا يساوي عدد الحروف الملفوظة غالباً، أي أن هناك تعدّداً في الأرقام، وتتعدد هذه الأرقام أكثر إذا لفظنا كلمات الآية باستمرار أو كل كلمة بمفردها.  وأن هنالك حروفاً تُكتب ولا تُلفظ، وحروفاً أخرى تُلفظ ولا تُكتب.
ومن هنا يمكن استنتاج الحقيقة المهمة وهي أن المعجزة تشمل رسم الكلمات ولفظها معاً! وهذا يزيد في الإعجاز. بل يجب أن نتساءل:
هل يوجد كتاب واحد في العالم يُقرأ على عشرة أوجه مثل القرآن؟؟ فكيف إذا علمنا بأن كل قراءة من هذه القراءات تحوي معجزة رقمية مذهلة؟!

المصدر الكحيل
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى