مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الحروب الصليبية المعاصرة - تفجير الكنيسة وتفجير المسَلَّمات.

اذهب الى الأسفل

* الحروب الصليبية المعاصرة -  تفجير الكنيسة وتفجير المسَلَّمات. Empty * الحروب الصليبية المعاصرة - تفجير الكنيسة وتفجير المسَلَّمات.

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة يناير 07, 2011 6:23 pm

الحروب الصليبية المعاصرة
مُساهمة  طارق فتحي في الجمعة 28 يناير 2011 - 23:37
اعداد : طارق فتحي
إن التصادم بين حضارة الحق و"حضارة" الباطل حقيقة قدرية لا داعي لإنكارها، ومعطى قائم على امتداد التاريخ، سواء كان هذا التصادم بسبب اختلاف المنطلقات الحضارية أو كان بسبب تضارب المصالح أو كان بهما معًا. وأي محاولة تَطرح إمكانية التعايش الدائم في ظل هذا الاختلاف تبدو ضربا من خيال الحالمين، أو لنقل: إنها – في حقيقة الأمر – ممارسة هروبية لن يستفيد منها إلاّ العدو. خاصة عندما تأتي في مثل الأوضاع الراهنة، والتي تتسم بانتشار النفوذ الغربي، وتنامي أطماعه في مقدرات العالم الإسلامي.
لقد ظل البعض يدعو إلى "الانسجام" الحضاري (في مقابل الصراع الحضاري) طيلة العقود الماضية، واجتهد في هذا الاتجاه إلى الحد الذي جعله يتهم المخالفين له بالتطرف الفكري، فما الذي – يا ترى – جنته الأمة من هذه الدعوة؟ هل تحقق السلام؟ هل عادت فلسطين..؟ باختصار: لا، لم يتحقق شيء، بل – على العكس – لقد ساعدت هذه الدعوة على تمييع القضية في عقل ووجدان المسلمين، مما رسخ نفسية الاسترخاء بينهم، في حين أن العدو كان يتحرك بجد في خط الصراع، ويستجمع كل ما أتيح لـه من المقدمات الضرورية لذلك.. وها هي النتيجة أمام أعين الجميع، إنها الحرب الصليبية تشن على الأمة من جديد، في محاولة واضحة لتكرار تجربة الماضي، وكأن التاريخ – كما قيل – يعيد نفسه مرة أخرى.
ويمكننا من خلال التتبع الموجز لمسيرة هذه الحروب، أن نضع أيدينا على الخلفية الدينية الكامنة وراءها، وأنها كانت دائما تستند إلى تحالف وطيد بين رجال السياسة ورجال الكنيسة، سواء أعلن الصليبيون عن ذلك صراحة أم حاولوا إخفاءه رعاية للمصالح. ولعل هذا ما ظهر بوضوح في الحملة المعاصرة، والتي أعلن "بوش" بصراحة أنها حرب صليبية شاملة.
وقد كان من المطلوب – شرعا وعقلا – أن يقف المسلمون على الدلالات التاريخية التي تحملها هذه الكلمة، أولاً ليستنبطوا منها نوع وطبيعة الحرب معلنة عليهم، وثانياً ليلتقطوا من خلال إيحاءاتها طبيعة الدور المطلوب في هذه المرحلة. لكن الإرث السلبي لعقود القعود، وعمليات التدليس التي مارسها البعض على العقل الإسلامي كلها عوامل ساعدت على إفراز حالة من التفاعلات الهزيلة لا ترتقي إلى مستوى الحدث الذي يهدد الأمة في مقوماتها الحضارية ووجودها الحقيقي.
وفي هذا الكتاب "الحرب الصليبية المعاصرة: الحقيقة المفضوحة والدور المطلوب" حاول الباحثون أن يقدموا رؤية متكاملة للحدث الذي يواجه الأمة الإسلامية في المرحلة الراهنة، آملين من الله تعالى أن نكون قد وقفنا إلى المساعدة على توعية الأمة بحقيقة الواقع القائم، ورسمنا لها معالم عامة على الطريق المؤدي إلى غد أفضل.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الحملة الصليبية المعاصرة
رؤية إسلامية
سيف الدين الأنصاري
لقد كانت المقالة الشهيرة "صدام الحضارات" لـ"صموئيل هانتغتون" التي نشرها سنة 1993 م، والتي تحولت فيما بعد إلى كتاب، إشارة واضحة إلى ما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في المستقبل، خاصة أن المقالة كثفت من استدعاء الدلائل التي تبرز أن الحضارة الإسلامية هي أول المرشحين للتصادم مع الحضارة الغربية، وأن هذا التصادم يرجع أساسا إلى العامل الديني، والذي – حسب تعبير الكاتب – "يقسم الناس بشكل أكثر حدة وشمولاً". وخاصة – كذلك – أن "هانتغتون" ليس مجرد كاتب عادي، فهو البروفيسور هانتغتون، المقرب من دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي غالبا ما تستند في مشاريعها الاستراتيجية إلى الأطروحات الفكرية لمثل هؤلاء المنظرين. فكان من المفترض – إذن – أن يأخذ قادة الفكر والسياسة هذه الإشارة مأخذ الجد، وأن يتعاملوا معها على أساس أنها استشراف لمعالم الهدف المستقبلي، وتسريب لثوابت الرؤية الغربية اتجاه العالم الإسلامي.
لكن بينما كان الغرب يطرح فكرة حتمية الصدام بين حضارته والحضارة الإسلامية، ويجتهد في بلورة هذه الفكرة إلى رؤية استراتيجية يتحرك من خلالها إلى تحقيق مصالحه في بلادنا، كان مثقفو الأمة يعيشون حالة من الارتباك الفكري، جعلتهم يتعاملون مع الموضوع بروح هاربة من مواجهة الواقع، بحيث اجتهدوا فقط في إسقاط هذه الفكرة وإثبات أنها فرضية متهافتة، لا تعبر إلاّ عن مثالٍ للتفكير الأصولي الشاذ، ولذلك لم يسمحوا لها أن تعكر عليهم أجواء التلذذ بموائد الحوار وأماني السلام.
وازدادت آثار المشكلة سوءً عندما ساهم في هذا التغافل بعض مثقفي التيار الإسلامي، حيث بدأت – في سبيل إبراز الوجه الحضاري للدعوة – عملية "تزييف الوعي"، وهي العملية التي تمت عن طريق التشويش على مجموعة من الثوابت العقدية والمفاهيم المنهجية، والضغط عليها لتتلاءم مع الصورة الوردية للإسلام، فبدأنا نسمع عن "إخواننا النصارى" و"الملة الإبراهيمية لتقارب الأديان الثلاثة" و"خط اللاعنف مطلقا" و"التسامح بلا حدود" و"مذهب غاندي"، وغيرها من المفاهيم الانهزامية التي ساعدت على تكريس حالة الاسترخاء اتجاه العدو، في الوقت الذي كان فيه هذا العدو يستعد لصدام حضاري بالمعنى الكامل للكلمة.
وقد كانت الحرب على العراق – بما صاحبها من التدمير والتنكيل الذي تجاوز موضوع تحرير الكويت – علامة واضحة على طبيعة النية المبيتة، حيث ظهر بجلاء أن الهدف الحقيقي هو استعمار المنطقة، وزرع الوجود الغربي في قلب العالم الإسلامي. ويومها قال العقلاء إنها حرب صليبية جديدة، وإن هذه الخطوة – رغم فظاعتها – ما هي إلاّ إجراء تحضيري يستهدف التمهيد لحرب شاملة.
ثم جاءت الحرب على أفغانستان، وظهر بجلاء – كذلك – أن المحرك الأول للاعتداء هو الحقد النصراني على المسلمين والرغبة في الوصول إلى خيرات بلدانهم، وإلاّ لماذا تُستهدف دولة قائمة بحجة أن هناك بعض "الإرهابيين" في البلاد!! ولماذا بدأ الاعتداء قبل ظهور ولو نصف دليل على مسؤولية "القاعدة"؟ ولماذا هذا التحالف النصراني على التنكيل بالشعب الأفغاني المسلم؟ ثم لماذا تفرض عليه حكومة مرتدة عميلة لأمريكا؟!! كل هذه الأسئلة يجيب عنها القيصر "بوش الصغير" بالواضح: "إنها حرب صليبية شاملة".
نعم لقد استعمل بوش هذه العبارة عند بداية الحملة، وكان بالإمكان أن ترن في آذان المسلمين ليستيقظوا من سباتهم، وليراجعوا حساباتهم، إلاّ أن العكس هو الذي وقع، لقد أوّلها المنافقون، وتغافل عنها الأكثرون، إصرارا منهم على استبعاد فكرة الحرب الدينية وإحسانا للظن بالإدارة الأمريكية "المتحضرة". لكن "بوش" عاد مرة ثانية وأكد أنه يعي ما يقول، حيث جاء في حديثه إلى الجنود الكنديين "وقِفوا إلى جانبنا في هذه الحملة الصليبية الهامة"، حتى لقد قال "روبرت فيسك" في إحدى مقالاته: "يبدو أن الرئيس بوش يعتقد حقيقة أنه يقود حملة صليبية، فقد عاد ليستعمل العبارة قبل أيام رغم أنه حُذر من ذلك".
وها هي الأحداث تؤكد أن أفغانستان وجماعات الجهاد لم تكن إلاّ المحطة الأولى في هذه الحملة، وأن شعار مكافحة "الإرهاب" لم يكن إلاّ عنوانا مغلوطا يتم تحته الاجتهاد في طمس هوية الأمة الإسلامية، وقتل الشرفاء من أبنائها، واستغلال خيراتها، بل والتدخل السافر في كل شؤونها، فيما يبدو أنها محاولة جديدة للعودة إلى الاستعمار المباشر، بعد أن ظهر أن الاستعمار بالوكالة قد بدأ يفقد قدرته على الإمساك بزمام الأمور. وها هي جنود الصليب ترابط اليوم على أبواب جزيرة العرب، وتطوق قلب العالم الإسلامي، وقد أعدت نفسها لتنفيذ المشروع الصهيوني في المنطقة، في تناسق كامل بين المصالح السياسية والخلفية الدينية، تماما كما هي الحقيقة الثابتة للحروب الصليبية على امتداد التاريخ.

أولاً: الحملة المعاصرة والامتداد التاريخي

يعتبر التاريخ أهمَ العوامل المؤثرة في تشكيل الوعي عند الإنسان، لأنه يعرّفه بالجذور العميقة للتفاعلات الحضارية، ويفتح أمامه آفاق الاستفادة من التجارب البشرية التي سبقته، خاصة عندما تكون عملية قراءة الأحداث خاضعة لمنهج علمي دقيق، بحيث يعمل على تمحيص الأخبار، ويحرص على استخراج السنن القدرية التي تحكم حركة الحياة، مما يُكسب المطلع على التاريخ خبرات عديدة تساعده على امتلاك رؤية جيدة للواقع، وتقترب به كثيرا نحو التقدير الصحيح للموقف.
وقد حرص القرآن الكريم على ترسيخ الاهتمام بدراسة التاريخ، وأمر مرارا بالنظر في أحداثه لاستفادة العبر والدروس التي يحتاجها المسلمون في مسيرة الحياة. إضافة إلى أنه عرض صفحات طويلة من التاريخ البشري، خاصة فيما يتعلق بالتفاعل بين حضارة الحق و"حضارة" الباطل، وقرر في هذا الموضوع خطوطا عريضة تصلح أن تكون بمثابة السجل الذي يمكّن المسلمين من معرفة العدو، والقواعد العلمية التي تساعد على استشفاف الدلالات الخفية لمواقفه، لكي لا نبقى ضحيةَ الإيحاءاتِ التي تحملها المواقف التكتيكية والتي غالبا ما تتحول تبعا للمصالح المتحركة.
ولكن – وللأسف – قليل هم الذين يهتمون بالتاريخ من المسلمين المعاصرين، وحتى من يفعل فإنه يعرف عن تاريخ العالم الغربي أكثر مما يعرف عن تاريخ أمته الإسلامية، مما أتاح للغرب فرصة تزييف التاريخ الإسلامي، حيث اجتهد في قلب الحقائق والتحكم في تفسير الأحداث، مستغلا في ذلك ضعف الذاكرة عند المتأخرين من المسلمين.

1 – لمحة تاريخية لاستعادة الذاكرة
لقد كانت الانتصارات التي حققتها الفتوحات الإسلامية – خاصة في بلاد الشام وشمال إفريقية – سببا أساسيا في تغلغل الحقد الدفين لدى الدول النصرانية اتجاه المسلمين، إذ رأى هؤلاء في هذه الفتوحات تقليصا لنفوذهم السياسي الذي كان يستعبد الشعوب، وتضررا لمصالحهم الاقتصادية التي كانوا يجنونها من الدول المستعمَرة، فناصبوا المسلمين العداء والحرب من أجل ذلك. وزاد من هذا العداء دخول الكنيسة على الخط، لأن مصالحها كانت مرتبطة بمصالح الأمراء الإقطاعيين، ولأن الدعوة الإسلامية ساعدت على تحرير العقل الأوروبي من الخرافات الكهنوتية، مما أدى إلى تراجع حاد في سلطان الكنيسة على الإنسان المسيحي، فردت هي بشن حملة فكرية سعت من خلالها إلى تشويه صورة الإسلام، ورسخت ذلك ببث الأفكار العدائية وجعْلها من صلب العقائد المسيحية، الأمر الذي ضاعف من مستوى كراهية النصارى للمسلمين، وجعل منهم مادة أولية للحروب الصليبية التي شُنت على العالم الإسلامي.
فبعد الهزائم المتكررة أمام حركة الفتح الإسلامي تنادت الدول النصرانية إلى التكتل لتوجيه ضربة قوية واستباقية إلى العالم الإسلامي، مستغلة في ذلك خصوصيةَ المرحلة التي كانت تمر بها الأمة (التمزق الداخلي)، ودخولَ عناصر همجية محاربة (القبائل الجرمانية والمجرية) في النصرانية، فتشكل من ذلك التكتل حلفا نصرانيا تدعمه كل الكنائس الغربية، وتوجهوا لغزو العالم الإسلامي.
ففي سنة 489 هـ (1095 م)جمع البابا "أوربان الثاني" في فرنسا جمعا غفيرا من رجال الدين، ودعا إلى الحرب الصليبية على العالم الإسلامي، وطلب من النصارى أن يحتلوا بيت المقدس. وقد تولى بطرس الناسك التنفيذ السريع لهذا الطلب، حيث سار بجموع المتطوعين – الذين كان أغلبهم يعاني من عقدة الحرمان والجوع – إلى أن وصلوا إلى بلاد المسلمين، وعندها صبّوا جام غضبهم عليها فأهلكوا الزرع والضرع، وأحرقوا الأخضر واليابس، وقتلوا ومثّلوا وانتهكوا الحرمات، إلى أن تدخلت دولة السلاجقة (الإسلامية) وصدت هذا الهجوم الهمجي، فأفشلت هذه الحملةَ ومنعتها من تحقيق أهدافها.
لكن تلتها حملة أخرى بعد أعوام، وقد كانت أكثر تنظيما من الأولى، مما مكنهم من تحقيق أهدافهم، حيث دخلوا أنطاكية سنة 491 هـ، ثم اتجهوا بعدها نحو القدس ودخلوها سنة 492 هـ (1099 م)، ثم حيفا سنة 494 هـ، وعكا سنة 497 هـ، وطرابلس وجبلة سنة 503 هـ، ثم أخذوا صيدا سنة 504. وقد كان لدولة العبيديين (الدولة المرتدة) الأثر الكبير في التمهيد لهذه الحملة، لأنهم هم الذين استعانوا بالصليبيين على دولة السلاجقة، وتحالفوا معهم على الإطاحة بها على أساس أن يتقاسموا حكم الشام بعدها.
ثم جاءت حملة ثالثة أرادت أن توطد أركان الاستعمار وأن تتوسع أكثر في العالم الإسلامي، لكن تصدت لها جماعات الجهاد ودولة آل زنكي المجاهدة، وكانت الحرب سجالا بين الطرفين، إلى أن انتهت في عهد صلاح الدين الأيوبي بالانتصار في معركة حطين سنة 583 هـ، وهو الانتصار الذي لم يتحقق إلاّ بعد القضاء على دولة العبيديين (الدولة المرتدة) في مصر، لأنها كانت بمثابة العدو الذي ينخر في الجسم الإسلامي من الداخل، ويقدم الخدمات الكبيرة للعدو الخارجي!!
لكن الدول الصليبية كانت قد ذاقت لذة الغزو، فعادت إلى الحملات مرات أخرى، واستهدفت مناطق متعددة في العالم الإسلامي، وفي كل مرة كانت تلقى مقاومة شرسة – إما رسمية أو من طرف الجماعات المجاهدة – تتكبد فيها خسائر كبيرة، حتى لقد أُسِر في بعض الحملات لويس التاسع عشر ملك فرنسا على يد الظاهر بيبرس رحمه الله.
ثم غيَّر الصليبيون استراتيجياتهم لغزو العالم الإسلامي، فبدأت هذه المرة حركة الاكتشاف التي مهدت لما عرف بالاستعمار الأوروبي، وقد كان من أشهرها رحلة "فاسكودي جاما"، وهي الرحلة التي قالوا بعد نجاحها: "الآن طوقنا رقبة العالم الإسلامي، فلم يبق إلا جذْب الحبل فيخنق". وهو ما وقع بالفعل، فقد تدفقت حملة استعمارية تحمل الروح الصليبية بكل ما تعنيه الكلمة من التوافق بين المصالح السياسية والخلفية الدينية، حيث كانت هذه الحملة تتم بدعم لامحدود من قيادات الكنيسة، وعلى رأسهم الأب "نيقولا الخامس" الذي كان يحرص على تغذية الحرب بالمشاعر الدينية، حتى لقد قال الجنرال غورو وهو يقف على أرض الشام: "ها قد عدنا ثانية يا صلاح الدين".
وفي الماضي القريب اتخذت أمريكا من حادث الهجوم على الكويت ذريعة لشن حملة على العراق، وقد كانت حملة صليبية بالمعنى الكامل للكلمة، أولاً لأنها تجاوزت موضوع تحرير الكويت إلى الاستيطان في المنطقة بكل ما يعنيه ذلك من التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانياً لأنها حملت حقدا نصرانيا تجلى في الحرص على تدمير كل العراق، وقتل وتجويع وتجهيل كل الشعب العراقي، بل والعمل على تنصيره كما يقع في الشمال. وهذه هي ملامح الحروب الصليبية على امتداد التاريخ. ولازالت ذيول هذه الحرب تمتد إلى يومنا هذا، وربما كانت أهم الأسرار الكامنة وراء الحملة الصليبية المعاصرة.

2 – الحملة المعاصرة: الحلقة الجديدة
مباشرة بعد غزوتي ثلاثاء الفتح – وقبل أن يظهر أيُّ دليل على مسؤولية القاعدة – أعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان، مخالفة بذلك كل ما يعرف بالأعراف الدولية، وضاربة بكل قيمها الديموقراطية عرض الحائط، حيث أعطت لنفسها الحق في كل شيء.. العدوان من غير دليل، والقصف الوحشي للأبرياء، والتدخل في الشؤون الخاصة للدول، وفرض الأنظمة التابعة لها على الشعوب.. إلخ، وكلها تجاوزات أسقطت عن أمريكا وحلفائها الأقنعة التي كانت تتجمل بها، فظهرت على حقيقتها أمام الجميع، خاصة أن بوش لم يتمالك نفسه فأعلن بعظمة لِسَانه أن الحرب صليبيةٌ شاملة.
ولأنها كذلك فقد تجاوزت حد الاعتداء على أفغانستان لتدخِل في دائرتها كل الجماعات المجاهدة على امتداد العالم، حتى تلك التي تقاوم الاحتلال الأجنبي، كالجماعات المجاهدة في فلسطين وفي الشيشان وفي كشمير، وفي غيرها من ديار المسلمين، حتى لقد ظهر بجلاء أن النية المبيتة عند العدو هي الإجهاز على كل عرق نابض بالحياة في هذه الأمة، لتصبح كالدجاج والنعاج، يُعتدى عليها فلا ترد، وتُغتصب أرضها فلا تدافع، وينتهك عرضها فلا تغضب، وتداس مقدساتها فلا تثور، ويُنصّب عليها العملاء فلا تتحرك، وإلاّ فهي أمة إرهابية.. وللغرب النصراني الحق في مكافحة الإرهاب!!
بل لقد امتدت هذه المكافحة للإرهاب إلى كل ما هو إسلامي، بدءً بمدارس العلوم الشرعية ومرورا بالجمعيات الخيرية، ولم تنته بعدُ بالعمل على تغيير المناهج التعليمية والتوطيد للنظم السياسية والاجتماعية الجاهلية، لأنها – كما يقول بوش – حرب صليبية شاملة، تستهدف القضاء على الهوية الإسلامية للأمة، لتصبح مسخا مشوها مفتقدا لكل مقوماته الحضارية، من تم يسهل على الغرب النصراني ابتلاعه، أو على الأقل دمجه في حظيرة الأمم التابعة.
وها هي أمريكا – بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية في أفغانستان – تتوجه إلى العراق، وتحشد لضرب أبناء الأمة الإسلامية هناك ما يُظهر مستوى الحقد ونوعية المقاصد المبيتة، وأنها أولاً التمكين للكيان الصهيوني في المنطقة، والوصول إلى خيرات البلاد العربية، في خطوة يظهر عليها بوضوح أنها تجمع بين المصالح السياسية والخلفية الدينية للحرب، تماما كما هي الحقيقة الثابتة للحروب الصليبية.

ثانياً: الحملة المعاصرة والحضور الديني

لقد استبعد البعض أن تكون الحرب التي تشنها أمريكا وحلفاؤها على الأمة الإسلامية حربا صليبية، لأن هذا التوصيف يوحي بالحمولة الدينية للحرب، وفكرة الحرب الدينية عند هؤلاء فكرة رجعية لا تليق إلاّ بقاموس "القرون الوسطى"، في حين أن الدول الغربية دول متحضرة، يجب أن تُنزه عن التلبس بالأفكار المتخلفة. وإذا كان "بوش" قد قال إنها حرب صليبية، فإن عقلانية الرؤية تفرض علينا أن نعتبرها مجرد فلتة لسان قابلة للتأويل!!
هكذا يقول أصحاب الورع "المتأمرك"، وهي محاولة لخلط الأوراق الفكرية على المسلمين، تهدف إلى خلق حالة من الارتباك في التعامل مع الموقف، بحيث تؤدي إلى تجميد العدد الأكبر من الطاقات الإسلامية، ومن تم يتسنى لأمريكا الوصول إلى أهدافها بأقل الخسائر الممكنة. ولذلك أريد أن أركز – قبل الدخول في التفاصيل – على مسألة معينة، وهي أنه سواء كانت هذه الحرب حربا دينية صليبية أم لا فإن الواجب الشرعي يفرض على المسلمين أن يجاهدوا الاعتداء وأن يردوا على عدوان الكافرين حتى ولو كانوا من عالم الجن والشياطين، قال تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين}[البقرة: 191].
ولكن لا بأس بتوضيح المشهد الراهن ليكون المسلمون أكثر وعيا بالواقع القائم، لعل ذلك يساعد على تحريك العناصر الصادقة في هذه الأمة، ويدفع بها إلى أخذ موقعها في الصراع قبل فوات الأوان.

1 – ما معنى حرب دينية؟
عندما تكون محاربتنا للعدو الكافر مستندة في دوافعها إلى الدين الإسلامي فإنها بالنسبة إلينا حرب دينية، وهي التي نسميها في عرفنا الشرعي الجهاد، ولا يهمنا في تحديد هذا التوصيف لطبيعة حربنا للعدو هل العدو هو الآخر يخوض ضدنا حربا دينية أم لا، فذاك موضوع ثان، المهم في الحكم على طبيعة حربنا نحن هو طبيعة الدوافع ومدى ارتباطها بالدين الإسلامي.
فالحرب مع التتار مثلا كانت بالنسبة إلينا حربا دينية، رغم أن التتار همج لم يكونوا يحاربون من أجل دين معين، أي أنها من جهتهم لم تكن حربا دينية، لأنها كانت فقط من أجل النهب والسلب، ولكن من جهتنا نحن كانت حربا دينية، لأننا كنا نستند إلى ديننا الإسلامي في وجوب الدفاع عن النفس ووجوب الرد على العدوان.
وهكذا هي الحرب في الإسلام، دائما يجب أن تكون دينية، لأنها دائما يجب أن تستند إلى الدوافع التي حددها الدين. فإذا كان العدو هو الآخر مستندا في حربه لنا إلى دين معين فإن الحرب في هذه الحالة أصبحت دينية من الجهتين، وغالبا ما تكون هذه الحالة هي صورة الحروب التي قد نخوضها مع أصحاب الأديان السماوية المحرّفة (اليهود والنصارى)، أو مع أصحاب العقائد الأرضية الكفرية (الوثنية والشيوعية والعلمانية مثلا).
لكن إلى أي حد يمكن اعتبار الحرب التي تشنها أمريكا على المسلمين هي حرب دينية؟
للجواب عن هذا السؤال نحتاج – أولاً – إلى استحضار معنى الدين، وأنه قد يكون أرضيا كما يكون سماويا، وأنه أكبر من أن يختزل في الجانب العقدي وبعض الشعائر التعبدية، وإنما المعنى العام للدين هو أنه عبارة عن نظام للحياة يستند إلى تصور معين ، فإن كان هذا النظام يرجع إلى الوحي الإلهي – وبالضبط القرآن الكريم والسنة المحمدية – فهو الدين الحق، وإن كان لا يرجع إلى الوحي الإلهي فهو الدين الباطل، سواء كان سماويا محرفا أو كان أرضياً من وضع البشر للبشر.
وقد أعلنت أمريكا أنها تستند في حربها على الأمة الإسلامية إلى قيمها الأمريكية، بدءًا من العلمانية في السياسة وليس انتهاء بالإباحية في الاجتماع، وأنها تريد فرض هذه القيم على المسلمين تحت مسمى القيم الديموقراطية، لتصبح بديلا عن القيم الإسلامية. أي أن المسألة تتجاوز الحرب السياسية بمعنى الصراع على المصالح الخالية من الحضور الديني، فهناك قيم أمريكية يراد لها أن تفرض علينا في مقابل قيمنا الإسلامية، وهناك حرب إفرنجية – بكل ما تحمله من الإرث العقدي المتصهين والحاضر العلماني – يشنها العالم الغربي على الأمة الإسلامية، فالتحالف النصراني إذن يشن علينا حربا دينية بالمعنى الواضح للكلمة، مهما حاول البعض دس رأسه في الرمال للهروب من هذه الحقيقة.
وبما أن طلائع الأمة الإسلامية (الجماعات المجاهدة) تقابل هذه الحرب بجهاد إسلامي يجتهد في الدفع والمواجهة فإن الحرب تصبح دينية من الجهتين، أو على حد تعبير المستشرق "برنارد لويس" النصراني ذو الاتجاه الصهيوني، في إحدى مقالاته: "إن ما يحدث لا يمكن أن يكون غير وأقل من صدام حضارات"!!.
أما عندما تقول أمريكا وحلفاؤها أننا لسنا ضد الإسلام فإنهم يقصدون إسلاما أمريكيا، أي إسلاما هجينا يقبل الخضوع لأمريكا، بل ويعطيها الشرعية لأن تبسط سلطانها على العالم الإسلامي، إسلاما يجعل من المسلم جنديا أمريكيا مخلصا لوطنه مجتهدا في قتل المسلمين، إسلاما يقبل العلمانية في السياسة، ويقبل الإباحية في الاجتماع، ويقبل اللبرالية في الاقتصاد،.. يقبل كل شيء، يعني في الأخير إسلاما لأمريكا وليس إسلاما لله. أما الإسلام الذي يدعو إلى التوحيد، ويعمل على إزالة دولة إسرائيل، ويعمل على إخراج المستوطنات العسكرية من جزيرة العرب،.. أما هذا الإسلام فإن العالم الغربي يؤمن ويصرح بأنه معه في صراع حضاري.

2 – ثم هي حرب صليبية
قد يكون من نافلة القول التأكيد على أنها حملة صليبية، خاصة بعد أن صرح قائدها بوش بذلك، ولكن لا بأس أن نشير إلى أننا لا نحتاج لكي نعتبر حربا ما أنها صليبية أن يصرح أصحابها بمكنونهم النفسي، لأننا لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة، إذ يكفي أن ننظر إلى المشاركين فيها هل هم نصارى أم لا؟ ثم هل تغذي العقيدة النصرانية هذه الحرب أم لا؟ فإذا اجتمع هذان الأمران فهي حرب صليبية، ويجب على المسلمين أن يتعاملوا معها على هذا الأساس، مهما اجتهد أصحابها في إخفاء الهوية بمساحيق التجميل وأدوات التنكر.
ومن هنا فإن الحرب التي يشنها اليوم العالم الغربي بقيادة أمريكا على العالم الإسلامي هي – بالواضح – حرب صليبية، بمعنى أنها حرب جديدة للنصارى على المسلمين، تُستحضر فيها – بشكل أساسي – الخلفية الدينية للمواجهة، لأنه كما يقول "مايكل كورتب وزوجته" (وهما أستاذان في جامعة بول الأمريكية) في كتاب بعنوان "الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية": "توجد الجذور الدينية للمواقف الأمريكية اتجاه الحرب والسلام في الكتب المُقدسة المسيحية واليهودية،... حيث أن المسيحية كانت لها السيادة في تشكيل المواقف في الولايات المتحدة اتجاه الحرب". ثم يُعدد المؤلفان مواقف الأمريكان فيقولان: تنقسم الحروب إلى ثلاثة أنواع هي:
- الحرب المُقدسة: "..كان منهج الحرب المقدسة أو الحرب الصليبية هو أحد المظاهر المهمة للمواقف في الولايات المتحدة اتجاه الحروب، ومصطلح الحرب المقدسة يعني حربًا يشنها الصالحون نيابة عن الرب ضد الكفار والمهرطقين سياسيًا أو دينياً".
- الحرب العادلة: "..إن النموذج السائد للحرب والذي شكل مواقف الناس كان بطريقة أو بأخرى صورة من صور الحرب العادلة، ما دام إعلان الحرب يكون من جانب السلطة الصحيحة وما دامت أسبابـها عادلة فيجوز للأفراد المشاركة فيها بنية حسنة، ويجوز إجبارهم على ذلك إذا استدعى الأمر... وعلى هذا النحو أصبحت الحرب أقرب ما تكون للحرب المقدسة".
- الحرب السَّلامية: "أي التي ترفض الحرب من وجهة نظر دينية باعتبارها أمرًا يتنافى مع تعاليم المسيح عليه السلام.. لكن عنوان الاتجاهات السّلامية هذه تقف لتؤيد الحرب وتنخرط في أعمال اجتماعية لمساعدة المُتضررين منها حين تقع" .
إذن رغم أن الدين يتراجع باستمرار في معظم المواقف الحياتية للعالم الغربي إلاّ أنه في حالة الحرب يكون أول الحاضرين، بحيث أنه هو الذي يتولى عملية تفسير الحالة وعملية تحديد الموقف المبدئي فيها، لأن الحرب هي لحظة الأزمة الكبرى في العقل الغربي، وخاصة عند المجتمع الأمريكي، لأنه مجتمع طارئ لم يتأسس إلاّ بفعل الحروب الأوروبية على سكان البلد الأصليين، ولذلك عندما تقع الحرب فإن الوجدان الأمريكي يستدعي – وبسرعة – المعاني الدينية لتكون هي الأساس الأول في تفسير الحرب.
وليست هناك حرب خاضتها أمريكا لم يكن الدين حاضرا فيها بقوة، حتى الحرب العالمية الأولى، بل حتى حرب الإبادة التي طالت السكان الأصليين للبلاد، فعلاقة الدين بالحرب في العقل والوجدان الأمريكي علاقة وطيدة ومتداخلة، وما هذا التناغم الأمريكي- الصهيوني في حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني إلاّ صورة من تجليات هذه العلاقة، خاصة عندما نعلم أن الدين في العقلية الأمريكية هو خليط مفبرك من العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل)، أي تحالف قذر بين اليهودية الصهيونية والمسيحية المتصهينة. بل لقد فُسرت حرب الخليج الثانية على أنـها خطوة نحو الإعداد لحرب "هرمجدون"، وهي الحرب التي لها شأن كبير في العقل والوجدان النصراني.
وعندما قال "بوش" أنـها حرب صليبية لم يكن مُخطئًا ولا ناسيا ولا نائما، وإنما كان يُعبر عن الضمير الأمريكي في أوقات الحروب، وعن حقيقة الوجدان الغربي اتجاه العالم الإسلامي. وحتى العبارات الأخرى التي أطلقها في حملته مثل "مواجهة الشر" و" الطيبين والأشرار" و"العادلة المطلقة"، هي في الواقع تعبيرات دينية ذات طابع صليبي، يُقصد بها المسيحية والمسيحيون في مواجهة الإسلام والمسلمين.
أما المحاولات التي استهدفت الترويج لمقولة أن الإسلام يختلف عن الإرهاب فلم تكن إلاّ لذر الرماد في العيون، ولم تكن إلاّ خدعة سياسية قصد بها إرباك الموقف الإسلامي، أولاً لتحييد البعض – مؤقتا – من ساحة المواجهة، وثانياً لإفساح المجال أمام الأنظمة العميلة في العالم الإسلامي لتساهم في الحرب على الإسلام والمسلمين تحت دعوى الحرب على الإرهاب. لأن العالم الغربي النصراني يعلم أن الإسلام هو الوحيد الذي يُمثل بالفعل تحديًا للحضارة الغربية اليهودية - المسيحية، وأن المسلمين المجاهدين هم العائق الأكبر – أو ربما الوحيد – في طريق بسط هذا الغرب سيطرته على العالم الإسلامي.
ثالثاً: النصارى والحملة: مشهد التداخل

من المعلوم عندنا أن اليهود أشد عداوة للمسلمين من النصارى، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، ولعل هذا هو السبب في الحساسية العالية التي تجدها في إرثنا الثقافي اتجاههم، فنحن نبغض اليهود أكثر من بغضنا للنصارى، لكن إذا تأملنا التاريخ فإننا نجد أن جل حروبنا في الماضي كانت مع النصارى ولم تكن مع اليهود!! فاليهود لم يدخلوا حربا مع المسلمين طيلة أربعة عشر قرناً إلا مرة في زمن النبوة، ثم عند الاحتلال الأخير لفلسطين، بخلاف النصارى فإن الحرب معهم لم تكن تهدأ إلاّ قليلا!!
ومن المهم جدا أن نقف أمام هذا المعطى التاريخي الهام، لا لنبحث عن الأسباب الكامنة وراء قلة الحروب مع اليهود، فهي معروفة، ولكن لنتأمل في الدلالات التي تحملها كثرة الحروب مع النصارى، هذه الحروب التي لازالت مستمرة إلى الآن، والتي لا تعد دولة اليهود في فلسطين إلاّ واحدة من آثارها، لعل هذا التأمل يساعدنا على استعادة التوازن إلى نظرتنا العقدية اتجاه النصارى، وأنهم في الحقيقة ليسوا "إخواننا النصارى" كما يحلو للبعض أن يصفهم، وإنما هم أعداؤنا النصارى، الكفار الذين كانوا دائما أعداء، والذين كثيرا ما كانوا كأنهم الذراع التنفيذي للمشروع اليهودي، لأنهم ينطلقون من تحالف عقدي يضع الإسلام هو العدو الأول في حياته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51].
يجب أن لا تغطي كراهيتنا لليهود الدورَ الخبيث لأوليائهم النصارى، كلهم أعداء، وإذا كان اليهود هم الأشد عداوة للذين آمنوا، فإن النصارى هم الأكثر قتالا للذين أسلموا، إضافة إلى أن التطور العقدي للمسيحية لم يترك فرقا يذكر بين النصارى واليهود، فجلهم صار من أتباع الحركة الصهيونية، إلاّ ما استثناه الدليل.

1 – الحملات الصليبية والخلفية النصرانية.
لقد تبين لنا من خلال اللّمحة التاريخية أن الحملات الصليبية مرتبطة بشكل مباشر بالنصارى، فهم مادتها الأولية.. القادة نصارى، والجنود نصارى، والمجتمعات النصرانية مستعدة دائما لتزويد الجيوش الصليبية بالعناصر المطلوبة. إذن هناك تداخل كبير بين النصارى والحملات الصليبية، ومن الصعوبة بمكان التفريق بينهما، إلاّ في حالات استثنائية ضيقة لا تعبر عن حقيقة الواقع من جهة، ولا تصلح لتأسيس الموقف المبدئي اتجاه هؤلاء النصارى من جهة أخرى.
وحقيقة هذا التداخل معروفة غير خافية، وهذا التاريخ أمام الجميع، لقد كانوا دائما أعداء، وفي أكثر الأوقات محاربين، ويمكن مشاهدة هذه الحقيقة في الماضي البعيد كما يمكن مشاهدتها في الماضي القريب، فهي موجودة في الحملات على العالم الإسلامي في التاريخ القديم، وفي الحملات الاستعمارية في التاريخ الحديث، وفي الحملات على البلقان وعلى العراق وعلى أفغانستان في التاريخ المعاصر.. إلخ. ويكفي أن نستحضر أن دولة اليهود التي تعد أم المشاكل الإسلامية في الوقت الراهن هي – في حقيقة الأمر – إنتاج إنجليزي، توطد في الماضي بفعل التواطؤ الغربي، ولازال مستمرا بفعل الدعم الأمريكي اللامحدود. بل ويمكن ملاحظة مشهد التداخل بين النصرانية والصليبية في المواقف الرسمية كما يمكن ملاحظتها على المستوى الشعبي، فأثناء حرب الخليج الثانية ظهرت شعارات في بريطانيا تُكتب على جدران الأحياء التي يسكنها المسلمون، تقول: (سنقتل طِفلَيْن مسلمَيْن، مقابل كل جنديٍ بريطانيٍ يُقتَل في العراق)!! أما ما يعانيه المسلمون في بلاد الغرب هذه الأيام من الاضطهاد والتمييز والتضييق فلا يحتاج إلى تعليق.
وعموما العالم الغربي كلُّه مسكون بفكرة الحروب الصليبية، وهي عميقة في الجذور النفسية والفكرية للشخصية الغربية، وتكفي الإشارة إلى أنه لم توجد دولة مسيحية واحدة اعترضت على العدوان الأمريكي على أفغانستان، حتى العالم الشرقي الأرثوذكسي والذي تقوده روسيا وقف هو الآخر في صف أمريكا، لأن العدو هذه المرة هو "الإرهاب" الإسلامي الذي يريد التحرر من ربقة الاحتلال النصراني.
إن العقل الغربي المعاصر ما هو إلاّ امتداد للعقل الغربي في القرون الوسطى، وكما كان رجال الكنيسة يعملون على ترغيب الناس في الحرب من خلال وعدهم بأن احتلال القدس يساوي الذهاب إلى الجنة, فإن رجال الكنيسة "الغربية" يعملون اليوم على الترغيب في محاربة العالم الإسلامي لنصرة القيم الأمريكية، ولقتال الإرهابيين الذين يهددون "إله الحرية" ويقفون في وجه عولمة القيم الغربية، ولذلك فليبارك الرب الحرب الصليبية على كل المسلمين، لنبدأ بالمجاهدين، فـ "ليس الجهاد إلا "صاعقاً" لقنبلةٍ هيدروجينيةٍ من نوعٍ جديد، اسمها: الإسلام) !..
وللتوضيح، فإن الخلفية النصرانية للحروب الصليبية لا تعني أن يكون هؤلاء النصارى متدينون بالمعنى العملي، كـلا، فهم غالبا ما يكونون من أبعد الناس عن الارتباط بالتعاليم المسيحية، فلا هم مسيحيون و"لا هم يحزنون"، وإنما هم مجرد نصارى حاقدين على المسلمين وطامعين في خيراتهم، ولا بأس أن يكون بعضهم متدين بالمعنى الاعتقادي، أي يحمل في رأسه وقلبه مجموعة من الأفكار المشبعة بالروح التلمودية، والتي تدعو إلى إبادة كل ما هو إسلامي وإلى التعجيل بإقامة دولة إسرائيل الكبرى لأنها مفتاح الخروج الثاني للمسيح عليه السلام!!
فعقدة الحروب الصليبية إذن هي أساس المفاهيم التي ينظر من خلالها الغرب إلى العالم الإسلامي، وإذا وجد بعض النصارى الطيبين والعقلاء فهذا لا ينفي القاعدة العامة، لأنهم استثناء من الأصل، وغالبا ما يكونون أبعدَ الناس عن مواقع التأثير. ومن الخطأ الكبير أن نروج لهذه الحالات الاستثنائية على أنها الوجه الحقيقي للعالم الغربي.

تفجير الكنيسة وتفجير المسَلَّمات
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد، فقد تناقلت وكالات الأنباء خبر تفجير كنيسة الإسكندرية، ويشرع في هذا المقام بيان الحكم الشرعي من قبل أهل العلم ولاسيما من سئل من المفتين وتمكن من تصور المسألة على وجهها الصحيح فيتأكد الجواب في حقه وهذا من فروض الكفايات إذا قام به بعض علماء الأمة سقط عن الباقين.

وقد بين أهل العلم في هذه البلاد وغيرها في أكثر من مناسبة أنهم يجرمون التفجيرات في بلدان المسلمين غير المحتلة بعساكر الكفار الذين لا يختلف في كفرهم وجواز قتلهم، كاليهود في فلسطين مع وجوب مراعاة الشروط اللازمة في ذلك حتى لا يكون من قتل النفس بدون حق أو يترتب على ذلك مفاسد أعظم من المصلحة المراد تحقيقها وليس هذا مكان بيان وتفصيل هذا الأمر وإنما يرجع إليه في مظانه كما بين العلماء أما التفجير في بلاد المسلمين فهو محرم لأنه ينال معاهدين أو مستأمنين أو من لهم شبهة عهد أو أمان بل قد علم من الواقع أنها تنال بعض المسلمين أيضاً، وكل هؤلاء لهم ما يعصم دماءهم، ولا يجوز أن تستباح الدماء بالشبه، بل الشبهة توجب عصمة الدم حتى في الحدود، ولا يصح عند أهل العلم قياس التعدي على الدماء المعصومة لمن ذكروا بمسألة التترس (إذ لا خوف استئصال ولا مصلحة عظيمة كفتح دار الكفر هنا ولا ما يقارب ذلك مما نص عليه العلماء في مسألة التترس) بل المفاسد المترتبة على هذه الأعمال أكبر، وهذا مقرر عند سواد طلاب العلم وأهل الدعوة في هذه البلاد ناهيك عن علمائها، قديماً وحديثاً.

مع أنه حتى هذه الساعة لم يتحقق هل الذي قام بتلك التفجيرات بمصر مسلمون أم غير مسلمين؟
وهل من قاموا بها إن كانوا من المسلمين قاموا بها لشبهات دينية أو ثارات وإحن شخصية؟

وهل من الممكن أن تكون هذه التفجيرات بمباشرة أو دفع أو دعم لوجستي من قبل استخبارات دول أخرى كالموساد أو غيرها من أجل إثارة الفتن بين المسلمين وغيرهم؟ كل ذلك ممكن فلا نستبق التحقيقات ولا نرمي بريئاً بالظنة.

وبهذه المناسبة نحذر شباب المسلمين من التسرع في الحكم على هذه النوازل قبل الرجوع إلى علمائهم الراسخين التزاماً بقوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً).

لكن مما يسترعي الانتباه في زخم الحدث وضوضائه طائفة من المنافقين والعلمانيين، تعودت استثمار الفتن، فاستغلت تلك الضوضاء للمتاجرة بقضية الكنيسة ودماء الأقباط! بل والقيام بتفجيرات أخرى لا تقل خطورة عن تفجير الكنيسة، بل هي أخطر! إذ قاموا بمحاولات لتفجير المسلمات الشرعية، وزعزعة العقيدة الإسلامية! في انتهازية أيدلوجية لا دليل شرعي أو منطق عقلي صحيح يؤيدها.

ومن المعروف عن تلك العصابة من المنافقين والعلمانيين أنها (وسواسة خناسة) إذا فجر مسجد للمسلمين من قبل اليهود أو الوثنيين أو الصليبيين، خنسوا وبدؤوا في الهمس والوسوسة والدعوة للتهدئة وضبط النفس، فدماء المسلمين لا تساوي عندهم شيئاً، وربما اعتذروا للصليبي الغازي أو الهندوسي المعتدي أو اليهودي المجرم، وحملوا المسؤولية المصلين بمن فيهم الأطفال الصغار والشيوخ الكبار، أما إذا فجرت كنيسة فينتفشون ويرفعون صراخهم ويحملون المسؤولية كافة الإرهابيين والصحويين (زعموا)، وربما اتهموا كل المتدينين في المجتمع بل قد يجرمون التدين في الأمة وقد فعل هذا بعضهم قبل أن تُظهِر نتائج التحقيقات شيئاً!

وكعادتهم حاول بعض الحمقى النيل من المناهج الشرعية، وآخر من الخطب والخطباء، وثالث اتهم الوعي الإسلامي في المجتمع، ولم يكتف حتى زعم أن "التخلّف هو واقع اجتماعي إسلامي يجب أن يقتلع"! إلى غير هذا من دعاوى العريضة الكاذبة التي يرددونها لهدم التدين في الأمة والسبب المساعد على بث هذا الزعم تصرفات حفنة لا يدرى من هي وما انتماؤها ومن دعمها في تفجير الكنيسة! أما الأصل الدافع لتبني تلك الدعوى فليس حادث التفجير في حد ذاته بل هم لا يفرقون بين من يقوم بالتفجيرات المحرمة وبين من يرى الجهاد الصحيح المنضبط بالشروط الشرعية، فأي جبل يناطح هؤلاء المهزومون؟! أيحق لعاقل إن كان يهرف بما يعرف أن يصم الإسلام في بلداننا بالتخلف، لقيام شرذمة لا تمثل سواد المسلمين بتبني التفجيرات ضد من عصم دمه وماله، بينما يعظم هؤلاء المنافقون بكل غباء حضارة دول قد دنس بعض موظفيها الرسميين بل بعض كبار مسؤوليها مساجد المسلمين وديارهم وانتهكوا حرماتهم! أم أن هذا هو سرَّ تقدمهم الحضاري عنده؟!

فهذه طائفة، وطائفة أخرى قبل أن ينجلي غبار الحدث عن مرتكبيه طفقوا في محاولات خاسرة لتفجير بعض (مسلمات الشريعة)، ولا سيما فيما يتعلق بالولاء والبراء، حتى قال قائلهم: موتاهم في النار وموتى الكنيسة في الجنة مع الشهداء والأبرار! فانظر كيف يتحول اللبراليون والمنافقون إلى تكفيريين كبار يعلنون التكفير ويحكمون بالخلود في النار على صفحات الجرائد الرسمية دون بينة أو دليل، ثم يرمون الدعاة والناصحين بالتكفير! وفي مقابل تكفيرهم هذا! يبالغون في تولي إخوانهم من أهل الكتاب وإظهار أخوتهم لهم، وتقديم التعازي وصناعة المراثي والمطالبة بكفالة ما لم يفكروا يوماً من الدهر بالمطالبة بكفالته للمسلمين المضطهدين في بلدانهم المحتلة أو الأصلية! ولم يبق لهم إلاّ إظهار اللطم وشق الجيوب والمطالبة بإقالة الحكام ورد الحق المسلوب، ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا ًأبداً وإن قوتلتم لننصرنكم).

وأخيراً.. قد لا نعجب من انتفاضة البابا في روما لأبناء ملته، ومطالبته الحكومة المصرية بحماية أتباع مذهبه، ولكني أعجب من سكون كثير من المسلمين –ولاسيما أهل الفضل- وبرودهم تجاه قضاياهم، كما أعجب من جرأة بعض المنافقين والعلمانيين وأشباههم الذين فاقت انتفاضتهم انتفاضة البابا لأبناء شريعته، فذاك لم يتجرأ على استغلال الحدث من أجل الطعن على التدين في المجتمع، ولا على الدين الإسلامي، أما هؤلاء فقد فعلوا! مع أننا نعلم من سلبيتهم تجاه الحوادث التي تنزل بالمسلمين ومساجدهم أن الدافع لهم هنا غير إنساني خلافاً لما يدعون! وإني لأخشى أن يجيء اليوم الذي ينتهزون فيه تصرفات بعض الغلاة في الدعوة إلى نبذ المصلين وترك الصلاة لأن الغلاة يصلون! وهم الآن حول هذا يحومون ويدندنون، فإذا رأيتموهم فاعلموا أنهم الذين سمى الله فاحذروهم (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)!
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى