مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العلمانيون يدعمون العصرانيين!!

اذهب الى الأسفل

العلمانيون يدعمون العصرانيين!!  Empty العلمانيون يدعمون العصرانيين!!

مُساهمة  طارق فتحي الأحد أغسطس 14, 2016 4:58 pm

لقد عرف العلمانيون حقيقة أفكار العصرانيين، وأنها نفس أفكارهم، ولكنها تجد القبول من سُذج المسلمين نظراً لواجهتها الإسلامية، وكونها تستتر خلف الشيخ!! فلان، والداعية!! علان، بخلاف أفكارهم العلمانية الصرفة، ولهذا فقد تترسوا بهم، ووجدوا فيهم خير مطية يمتطونها لاختراق المجتمعات الإسلامية التي لم تجد العلمانية فيها موطئ قدم، وجعلوهم طليعة لهم في غزو تلك المجتمعات وخلخلتها بطرح الأفكار المتنوعة المناسبة لهم، التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، وكسر هيبة كبار العلماء، وشق وحدة الصف فيها؛ ليسهل عليهم بعد ذلك التمكن منها.
ولهذا كله: فلا تعجب إن سمعت أو قرأت بأن فلاناً (العصراني) يُكال له المديح من جماعة العلمانيين، ويُصدر مجالسهم وندواتهم، وتُفتح له وسائلهم، ويكتب في صحفهم؛ لأن الجميع قد التقوا على أهداف واحدة؛ فانطبق عليهم قوله تعالى (ربنا استمتع بعضنا ببعض… الآية) .

ودعم العلمانيين للعصرانيين يكون بالآتي:
1-إفساح المجال لهم ليبثوا أفكارهم عبر الوسائل الإعلامية التي يسيطرون عليها في مقابل تهميشهم لأهل الإسلام من دعاة الكتاب والسنة، الثابتين على الحق، غير المتلونين أو المتذبذبين.
2-المبالغة في مدحهم ووصفهم بصفات الاعتدال والوسطية وسعة الصدر للآخرين….الخ. مع لمز أهل الإسلام ودعاة الكتاب والسنة بضيق الأفق، والتحجر!، وعدم قبول الآخر!!..الخ
فعلى سبيل المثال: هذا (العلماني) الشهير الدكتور جابر عصفور في كتابه "هوامش على دفتر التنوير" يهاجم علماء ودعاة الكتاب والسنة من أمثال الشيخ ابن باز –رحمه الله- والدكتور عوض القرني وغيرهم. ثم في المقابل يكيل المديح لمحمد عبده وتلاميذه ويختم مديحه قائلاً: "إن كرامة هذه الأمة في التاريخ قد أخذت في الضياع حين ضاعت الحرية العقلية والحرية السياسية والحرية الاجتماعية، وحين لم نبدأ من حيث انتهى إليه أمثال طه حسين وأحمد زكي أبو شادي، وحين قمعنا العقل بالتقليد، والشك بالتصديق، وحين استبدلنا بأمثال الشيخ محمد عبده ومحمد فريد وجدي قوماً آخرين" قلت: وهذا من قبيل "ليس حباً في علي وإنما بغضاً لمعاوية"!
ويقول في مقدمته لكتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق: "وبقي الكتاب نفسه وثيقة رائعة من وثائق التنوير، وثيقة تعلمنا أننا ننتمي إلى تراث عظيم، وأن لنا من المشايخ ما نفخر به: رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وأمثالهم، هؤلاء هم الذين ننتهي إليهم، وهؤلاء هم الذين أسهموا في صنع وعينا الحديث وإيماننا الراسخ بالدولة المدنية وبالمجتمع المدني، وهؤلاء هم الذين علمونا أن لا تناقض ولا تعارض بين الدين والدولة المدنية التي تسعى إلى التقدم، أو بين رجل الدين والمجتمع المدني الذي يتسلح بالعلم، ويبني مستقبله بهذا العلم، وإذا أضفنا إلى هؤلاء المشايخ العظام أقرانهم من الأفندية دعاة التنوير، أدركنا أن ما تقوم عليه نهضتنا وثقافتنا أقوى وأعظم من أن يتأثر بأية هبة من هبات الإظلام"!!
3-عدم السماح لأحد بنقدهم أو النيل منهم، بل إحاطتهم بهالة من القداسة المصطنعة .
يقول الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله: "ومن شاء أن يعرف المكان الصحيح والقيمة الحقيقية لمحمد عبده وللأفغاني أن ينظر في الصحف اليومية والمجلات الدورية وفي كتب الكتاب اللبراليين الذين لا يسمحون بأن يُمس أي منهما، والذين يهاجمون بفظاظة وشراسة كل من يمسهما من قريب أو بعيد، مع أن هذه الصحف والمجلات والكتاب لا يُعرفُ عنهم غيرة على الإسلام في غير هذا الموضع، بل إنهم لا يثورون حين يُمس رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويرون أن ذلك مما تسعه حرية الفكر واختلاف الرأي، بل إنهم يلتزمون التزاماً دقيقاً أن لا يُذكر اسم محمد عبده إلا مقروناً بلقب (الإمام)، ويذكرون اسم الرسول صلى الله عليه وسلم مجرداً، ويستكثرون إذا ذُكر الرجل من أصحابه أن يقولوا "سيدنا فلان" أو يُتبعوه، كما تعود المسلمين أن يقولوا في الدعاء له: رضي الله عنه"
4-التحسر عليهم وتكريمهم حتى بعد مماتهم !
وقد سبق تحسر العلماني جابر عصفور على أئمة العصرانية.
ويشهد لهذا ما قام به العلمانيون في مصر من تأبين لمحمد عبده بعد وفاته، وعمل حفلة خاصة به في الجامعة المصرية؛ لتعداد مآثره!
نهاية العصرانية :
لقد قام العصرانيون بمهمتهم خير قيام، ثم اختفوا بعد أن عبَّدوا الطريق لطلائع العلمانيين الذين تولوا قيادة المجتمع المسلم بعد أن تمت خلخلته من قِبَل أفراد التيار العصراني؛ فقطفت الجماعة العلمانية بقيادة (جمال عبد الناصر وإخوانه) الثمرة بعد حين، عند سقوط الملكية في مصر ، فقاموا –أخزاهم الله- بتنفيذ مخططات الغرب في علمنة وتغريب المجتمع المسلم علانية ودون خفاء.
أما العصرانيون بعد ذلك فلا تُحس منهم أحدًا أو تسمع لهم ركزا ؟! لقد اختفوا من الساحة يندبون حظهم ويجرون أذيال الخيبة والذل الذي أورثوه قومهم عندما جعلوا منهم لقمة هنيئة لبني علمان، فهل من معتبر ؟
نتائج مهمـــة :
أولاً: أن العداوة بين المسلمين والغرب (اليهودي النصراني) مستمرة إلى يوم القيامة؛ بنصوص الكتاب والسنة. قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقال: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وقال: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً).. إلى غير ذلك من الآيات.
ثانياً: أن الغرب الكافر استغل تأخر المسلمين واصطدامهم بحضارته المادية في صنع العصرانية ليتخذها وسيلة لمسخ بلاد المسلمين.
ثالثاً: أن لجوء بعض الإسلاميين للثورة والتهييج قادهم بعد فشل مشروعهم المخالف للكتاب والسنة إلى الارتداد للفكر العصراني؛ لأن لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومخالفة له في الوجهة. ولو لزم هؤلاء المسلك الشرعي منذ البداية لما تورطوا في تبني طرفي النقيض: التهييج ثم العصرنة .
رابعاً: قام بعض الإسلاميين –وقد يكون ذلك عن حسن نية منهم وبسبب تقصير بعض العلماء - بكسر هيبة كبار العلماء، وتنفير الشباب منهم؛ مما أدى بالشباب إلى الإنصراف عن علمائه ولجوئه –تعويضاً للمرجعية- إلى غيرهم من أهل الطموح السياسي، قليلي العلم والورع، ممن قد لا يرتضيهم ذلك البعض من الإسلاميين الذين يحق فيهم المثل العربي: (يداك أوكتا وفوك نفخ).
يقول الشيخ مصطفى صبري عن الشيخ العصراني محمد عبده: "لما أراد النهوض بالأزهر حارب علماءه القدماء، وفض المسلمين وخصيصًا الشباب المتعلمين من حولهم، حاربهم حتى أماتهم، أو على الأقل أنساهم نسيان الموتى، فأصبح بفضل النهضة التي نادى بها الشيخ محمد عبده يقول رجل مثل الدكتور زكي مبارك "الرسالة" عدد 572: "نزعنا راية الإسلام من أيدي الجهلة (يريد بهم علماء الدين) وصار إلى أقلامنا المرجع في شرح أصول الدين" .
خامساً: أن تقصير كبار العلماء –إما في مكافحة الانحراف أو التصدي لقضايا المسلمين أو للظلم ونحو ذلك- ليس مسوغًا لصرف الشباب المسلم عنهم؛ لأنهم –أي الشباب- كما سبق سيلجئون إلى غيرهم من أهل الزيغ الذين يفوق زيغهم وانحرافهم تقصير أولئك العلماء الكبار . إنما كان الواجب على دعاة الإسلام أن يوثقوا العلاقة بعلمائهم ويربطوا الشباب بهم، ويناصحوهم في تقصيرهم، ويشدوا من أزرهم في الوقوف صفًا واحدًا أمام أعداء الإسلام ممن يريد خلخلة المجتمع المسلم ويستغل بخبث هذا الفصام بين الفئتين المؤمنتين. قال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
سادساً: أن الطائفة العصرانية لابد لها من (شيخ) متزود بالعلم الشرعي -الذي يحجزه عن كثير من انحرافاتهم- تقف وتتترس وراءه! أما بدون هذا (الشيخ) فإنها لن تفلح في مسعاها؛ لعدم قبول المسلمين لها؛ نظرًا لضحالتها الشرعية وزيغها الواضح.
وقد كان هذا (الشيخ) يتمثل في محمد عبده.
يقول الأستاذ بسطامي سعيد: "نلمح عند محمد عبده بعض ملامح المنهج العصراني؛ من صرف القرآن عن غير معانيه الظاهرة أحياناً؛ بحجة أنها تمثيل وتصوير، ورد للسنة الصحيحة أحياناً لمعارضتها ما يظن أنه علوم العصر، واستخدام المنهج التاريخي لمعالجة قضايا وأحكام الشريعة وربطها بظروف وملابسات مؤقتة. وإذا كانت هذه النـزعات عند محمد عبده نزعات ضعيفة ومصغرة، ربما بحكم ثقافته الأزهرية، إلا أنها قد تركت آثارها في تلامذته من بعده، فتضخمت في مجموعة منهم، وصارت مضاعفة مكبرة"
سابعاً: أن هذه الفئة المتترسة خلف (الشيخ) العصراني، لن تكتفي باجتهادات (شيخها)، أو تقف عند الحدود التي حدها لهم ويرى أن في تجاوزها خطرًا على دينهم؛ نظرًا لمعرفته بالنصوص الشرعية! بل ستتجاوزها وتتخطاها باجتهادات كثيرة لا خطام لها ولا زمام؛ لأنه لا ضابط لهم حينها؛ نظرًا لضحالتهم الشرعية. لاسيما وقد استفادوا من (شيخهم) العصراني روح التجديد! والاجتهاد! وتجاوز الأعراف والتقاليد!… الخ زخارف القوم.
ولقد تنبه أحد الأذكياء (وهو المنفلوطي) إلى خطورة هذا الأمر في دعوة شيخه العصراني محمد عبده فخص هذا بمقالة جميلة تخيل فيها أنه استمع إلى حوار بين شيخه محمد عبده وقاسم أمين في عرصات يوم القيامة ! فتأمل ماذا دار بينهما.
يقول المنفلوطي: "وبينما أنا أحدث نفسي بهذا الحديث، وأقلّب النظر في وجوه تلك المواعظ والعبر، إذ قال لي صاحبي: أتعرف هذين؟ وأشار إلى رجلين واقفين ناحية يتناجيان: أحدهما شيخ جليل أبيض اللحية، وثانيهما كهل نحيف قد اختلط مبيضه بمسودّه، فما هي إلا النظرة الأولى حتى عرفت الرجلين العظيمين(!!) رجل الإسلام "محمد عبده" ورجل المرأة "قاسم أمين" فقلت لصاحبي: هل لك في أن ندنو منهما ونسترق نجواهما من حيث لا يشعران؟ ففعلنا، فسمعنا الأول يقول للثاني: ليتك يا قاسم أخذت برأيي وأحللت نصحي لك محلاً من نفسك، فقد كنت أنهاك أن تفاجئ المرأة المصرية برأيك في الحجاب قبل أن تأخذ له عدّته من الأدب والدين، فجنى كتابك عليها ما جناه من هتك حرمتها وفسادها وتبذُّلها وإراقة تلك البقية الصالحة التي كانت في وجهها من ماء الحياء، فقال له صاحبه: إني أشرت عليها أن تتعلم قبل أن تسفر، وأن لا ترفع بُرقُعها قبل أن تنسج لها برقعاً من الأدب والحياء، قال له: ولكن فاتك ما كنت تنبّأت به من أنها جاهلة لا تفهم هذه التفاصيل، وضعيفة لا تعبأ بهذا الاستثناء، فكنت كمن أعطى الجاهل سيفاً ليقتل به غيره، فقتل نفسه.
فقال: أتأذن لي يا مولاي أن أقول لك: إنك قد وقعت في مثل ما وقعت فيه من الخطأ، وإنك نصحتني بما لم تنتصح به، أنا أردت أن أنصح المرأة فأفسدتها كما تقول. وأنت أردت أن تحيي الإسلام فقتلته، إنك فاجأت جهلة المسلمين بما لا يفهمون من الآراء الدينية الصحيحة والمقاصد العالية الشريفة، فأرادوا غير ما أردت: وفهموا غير ما فهمت. فأصبحوا ملحدين، بعد أن كانوا مخرفين، وأنت تعلم أن ديناً خرافياً خير من لا دين . أوَّلت لهم بعض آيات الكتاب فاتخذوا التأويل قاعدة حتى أولوا الملك والشيطان والجنة والنار! وبيّنت لهم حكم العبادات وأسرارها وسفّهت لهم رأيهم في الأخذ بقشورها دون لبابها، فتركوها
جملة واحدة! وقلت لهم: إن الولي إله باطل، والله إله حق؛ فأنكروا الألوهية حقها وباطلها، فتهلل وجه الشيخ وقال له: ما زلت يا قاسم في أخراك، مثلك في دنياك، لا تضطرب في حجة، ولا تنام عن ثأر"
ثامنًا : أن المستفيد من نشوء العصرانية هو الغرب وإذنابه من العلمانيين المنافقين ، وأهل البدع . والخاسر هو المجتمع المسلم، ودعاة الإسلام وولاة الأمور. وهذا واضح.
شبهة وجوابـها :
قد يقول قائل : نحن معك في أن الفكر العصراني خطرٌ على الإسلام وأهله، وأن المستفيد الوحيد منه هم الأعداء (كفارًا وأهل بدع ومنافقين) كما رأينا في الحالة المصرية، ولكن: ألا ترى بأن انتشار هذا الفكر المتميع والمتمسح بالإسلام يخدم ولاة الأمور ؛ حيث يحققون من خلاله بعض ما يريدون من المشاريع والأفكار الاجتماعية (لا سيما المتعلقة بالمرأة!) التي لن يتقبلها المجتمع المسلم؛ لأنه يرى تعارضها مع أحكام الإسلام، ولكنه يقبلها إذا ما تحلت بالزي الشرعي الذي سيُلبسه إياها أولئك العصرانيون، فيستفيد ولاة الأمور تمرير هذه المشاريع والأفكار التي يرون في قبول المجتمع المسلم لها تخفيفًا من ضغوط أعداء الإسلام عليهم ؟! .
ولهذا كله سيقوم ولاة الأمور بدعم هذه الفئة العصرانية والتمكين لها، وتصديرها، وتهميش من يعارضها !
فأقول : الجواب عن هذه الشبهة يكون بفهم هذه الأمور:
أولاً: أن صاحب الشبهة جزم بأن ولاة الأمور يريدون تحقيق بعض المشاريع والأفكار الإجتماعية التي تخالف أحكام الشرع. وهذا سينازعه فيه آخرون يرون خلاف ذلك ومعهم من الأدلة أضعاف مامعه ، والأصل إحسان الظن .
ثانياً : أن صاحب هذه الشبهة لم يفهم العصرانية حق الفهم ! وظن أن طموح أصحابها هو مجرد تحقيق بعض المشاريع والأفكار في المجال (الاجتماعي) فقط، ناسيًا أو متغافلاً أن هذا الفكر لا يقتصر على هذا المجال وحده؛ بل يزامله أو يفوقه المجال السياسي والاقتصادي ، وما تجربه عصرانيي مصر عنا ببعيد. حيث كانت معظم جهودهم منصبة على المجال السياسي، أما غيره فيأتي تبعاً له؛ مع ملاحظة أن تلك المجالات تأتي متكاملة في منظومة هذا الفكر الذي خلاصته "تطويع الإسلام في جميع المجالات بما يناسب العصر" .
ولهذا : فمن يريد قبول أفكار ومشاريع العصرانيين في المجال (الاجتماعي) دون غيره من المجالات فهو واهم؛ لأن هذا أمر لن يتحقق؛ لأن الفكر العصراني لا يمكن تحقيق بعضه دون بعض .
وولاة الأمور لدينا ليسوا سُذجًا أو غافلين عن حقيقة هذا الفكر ومنتهاه.
ثالثا : أن في تجربة العصرانية في مصر عبرة للمعتبرين؛ وعلى رأسهم ولاة الأمور في بلاد المسلمين، حيث تسبب انتشار هذا الفكر في المجتمع إلى تقويضه. وسقوط دولته بعد تنازع أهله واختلافهم، وجرأتهم على حكامهم وعلمائهم، ثم وقوعه تحت سيطرة الأعداء وتهاويه إلى أقصى درجات الذل والمهانة .
فهل يرضى عاقل بمثل هذه النهاية الموجعة لبلاده ؟! (وما ربك بظلام للعبيد).
رابعًا: أن (الفكر العصراني) و(فكر التهييج) وجهان لعملة واحدة ! حيث خرج الفكران عن دعوة الكتاب والسنة ، وجرا على المجتمع المسلم الإنقسامات والتحزبات ، وأضعفا قوته واجتماعه .
فكيف يظن أحد أن ولاة الأمـور قد يثقـون في أصحاب هذا الفـكر (بشقيه ) ، وهذا تاريخهم، وتلك مواقفهم تشهد عليهم بأنهم أصحاب (تقلب) و(تلون) ؟! .
وقارن هؤلاء بالعلماء الكبار من أتباع الكتاب والسنة، من الذين يصدرون في مواقفهم وأفكارهم عن عقيدة سلفية واضحة ثابتة تجاه ولاة أمور المسلمين، حيث يرون ولايتهم ولاية شرعية، ويطيعونهم في غير معصية الله ديانة واتباعًا للنصوص، بخلاف غيرهم من أهل (التهييج) أو (العصرنة) أصحاب (التقلب) و(التلون)، ممن يصدرون في مواقفهم تجاه ولاة الأمر من خلال (المصالح) وما يسمى (التكتيك المرحلي)!
فأي الفريقين أحق بثقة ولاة الأمور وتصديرهم والتمكين لهم ؟! .
يضاف إلى هذا أن كبار العلماء كانوا نعم النصير لولاة الأمور وقت الفتن والملمات، بخلاف غيرهم. فـ(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ؟
خامسًا : أن ولاة الأمور –ولله الحمد- في غنية عن أفكار العصرانيين وطموحاتهم التي لا يخفى ضررها على عاقل، وذلك بما فضلهم الله به من قيام دولتهم على الكتاب والسنة، وبما أعانهم به من وجود علماء أجلاء ينيرون لهم الطريق وينبهونهم على ما يعترضهم من عقبات تخالف شرع الله. وما كان من تقصير فإنه يعالج بالنصيحة الشرعية المستمرة، دون (تهييج) أو (عصرنة).
سادساً: أن العاقل يعلم أن العبرة بالمسميات لا بالأسماء وتبديلها، فالأمور المحرمة والمخالفة لشرع الله لا يمكن أن تنقلب حلالاً وتصير موافقة للشريعة بمجرد تبني العصرانيين لها وادعائهم شرعيتها. فهذا كله ليس مسوغًا لأحد –وعلى رأسهم ولاة الأمور- أن يرتكب تلك الأمور المحرمة ويقرها. وهو ليس معذورًا عند الله تعالى بصنيـعه هذا؛ لأن البــينة قد جاءته، والحق قد ظهر له
بنصوص الكتاب والسنة وبفتاوى كبار العلماء الموثوق بعلمهم . فهل تظن -مثلاً- أن الربا سيكون حلالاً بمجرد التحايل عليه وتسميته (فائدة) ؟! وقل مثل ذلك في المحرمات الأخرى. لا شك بأن هذا أعظم جرمًا عند الله ممن يقع في هذه المحرمات دون تحايل أو مخادعة لله ولعباده المؤمنين، إنما عن تقصير وتساهل.
سابعاً : أن مواجهة الضغوط المتنوعة على بلاد التوحيد من قبل (اليهود والنصارى) لا تكون بالتساهل والتفريط في أحكام الشريعة؛ لأن عاقبة ذلك ستكون وبالاً على هذه البلاد؛ بسبب أن هذه الضغوط لن تنتهي بمجرد التساهل والتهاون في عدة أمور، بل ستزداد ضراوة وشدة؛ لأن العدو سيطمع في غيرها عندما يرى ذاك الانصياع لمطالبه. "ومن يهن يسهل الهوان عليه" .
فتلك المطالب ستكون نهايتها –والعياذ بالله- قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
أما الحل الشرعي لهذه الضغوط فيكون بالتالي:
1-أن يعلم ولاة الأمور –وفقهم الله-: أن الله قد أخبرنا عن عداوة اليهود والنصارى لكل من يرفع راية الإسلام، منذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأنهم يتمنون أن يطاوعهم في كفرهم لكي لا يتميز عنهم. قال سبحانه (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم) وقال (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم)
2-أن يعلم ولاة الأمور –وفقهم الله-: بأن الله قد أخبر بأن كل مسلم محكم لشرع الله سيسمع الأذى ويلقى الضغوط من الكفار. قال تعالى (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيرًا). ولكن هذا الأمر –ما لم يستجب له المسلم- سيبقى في دائرة الأذى الذي يصيب كل مسلم مستقيم على شرع الله يحتسب الأجر من الله في سماعه والتعرض له. قال تعالى (لن يضروكم إلا أذى).
3-أن يعلم ولاة الأمور –وفقهم الله-: أن عاقبة الثبات على الحق أمام مثل هذه الضغوط ستكون سعادة وتمكينًا وعزًا نصرًا، وزوالاً لهذه الشدة، وفرجًا لهذا العُسْر. قال تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) فالمطلوب هو: الصبر على الأذى، والتقوى بلزوم أمر الله، والانتهاء عن معاصيه.
وقال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا)، وقال (سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا). وهذا الأمر شامل للأفراد وللدول.
4-أن يعلم ولاة الأمور –وفقهم الله-: أن الاستجابة لضغوط الأعداء ومداهنتهم –ولو في أمر يسير- هو مما يسبب سخط الله وتسليطه العذاب والذل على من يسارع في رضا عدوه على رضاه سبحانه وتعالى.
قال سبحانه محذرًا من هذا الأمر الشنيع: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)
قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدًا . فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله".
وقال سبحانه: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين). وقال: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق).
وقال صلى الله عليه وسلم : "من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" .
5-أن يتأمل ولاة الأمور –وفقهم الله-: حال من تابع الأعداء من الدول الإسلامية طالبًا رضاهم، وخائفاً من سخطهم، كيف تسلطوا عليه، وأذلوه واستباحوا حرمته، وأفقدوه حريته.
فخسر آخرته بمسارعته في رضا الكفار على حساب دينه. وخسر العيش السعيد العزيز بتحكم العدو في بلاده وتسلطهم عليه وإن كان يتخيل له خلاف ذلك!! فهو كما قال تعالى (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين).
أما من حكم شرع الله واستقام وثبت عليه، ولم يأبه بضغوط العدو وتخويفه فإن عاقبته حميدة في الدنيا والآخرة، على هذا جرت سنن الله تعالى "ومن يتصبر يصبره الله".
أسأل الله أن يثبت ولاة أمورنا على الحق، وأن يوفقهم للبطانة الصالحة، ويجنبهم البطانة الفاسدة.
نصيحة أخيرة لكلٍ من :
1-علماء الإسلام ودعاته: بأن يحذروا تسلل الأفكار العصرانية إلى عقولهم ولو لم يكن ذلك عن تقصد منهم، وأن يثبتوا على الحق دون تنازلات أو مداهنة لأحد، وأن يكونوا ممن قال الله فيهم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) قال ابن كثير: "استمروا على ما عاهدوا الله عليه، وما نقضوه، كفعل المنافقين".
وأن تكون مواقفهم مشرفة وقت الملمات التي تمر بالأمة، مبرئة لذمتهم أمام الله؛ لكي لا يلجأ الشباب إلى غيرهم –كما سبق-.
وأن يحذر بعض الدعاة بتستره على أهل العصرنة، ومجاملته لهم، والشد من أزرهم، أن يكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من آوى محدثًا" قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-: "والإحداث يشمل الإحداث في الدين؛ كالبدع التي أحدثها الجهمية والمعتزلة وغيرهم.. فمن آوى محدثًا فهو ملعون، وكذا من ناصرهم"
2- شباب الإسلام: بأن يلزموا الراسخين في العلم ويلتفوا حولهم، ويناصحوهم في تقصيرهم، ويَحْذروا ويُحَذّروا من المتلبسين بالفكر العصراني المفسد، مهما حاولوا التضليل عليهم أو مخادعتهم بترويجه بينهم.
3- ولاة الأمور: بأن يقضوا على هذا الفكر المتسلل إلى بلاد التوحيد قبل أن يستفحل، فيكون وبالاً على بلادهم؛ وذلك بالتمكين لأهل العلم ودعاة الكتاب والسنة، وتصديرهم، وتمكينهم من توجيه الشباب، والاستماع إلى نصحهم.
وأن يعلموا أنه لا عز لهم ولا تمكين، ولا أمن، إلا بالثبات على دعوة الكتاب والسنة، دون تفريط أو تتبع لأهواء العصرانيين وانحرافاتهم .
أسأل الله أن يحمي بلادنا من الفتن، وأن يرد الكيد عنها، ويثبتها على الحق، ويباعد بينها وبين معاصيه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى