مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* طلوع الشمس (رع) من عين الشمس في معبد أمون في واحة سيوه

اذهب الى الأسفل

* طلوع الشمس (رع) من عين الشمس في معبد أمون في واحة سيوه Empty * طلوع الشمس (رع) من عين الشمس في معبد أمون في واحة سيوه

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين أغسطس 15, 2016 1:21 pm

تأليف: عيسى عبدالرحمن
رأينا في الاجزاء السابقة من الموضوع ان الاله رع (الشمس) يغرب في أرض الحياة في هليوبولس القديمة، ويطلع من العالم السفلي (من تحت الارض) في أمنتا، الارض الخفية.
كلمة «أمن» تعني خفي، وكلمة «تا» تعني أرض. الإله أمون باللغة المصرية القديمة يُسمى «أمن»، أمّا أمون فهو الاسم الاغريقي، ويسميه الاغريق أيضا «همون». ومن اسمه يتضح ان له علاقة بالارض الخفية ، أمنتا.
ومما يدل على ان أمنتا ارض خفية حتى على القوم الذين عاشوا في ذلك الزمن هو قصة أوزيريس التي كتبها المؤرخ الاغريقي بلوتارك، ورأيناها في الجزء الثالث، حيث قال عن أوزيريس انه تم تنصيبه ملكا على أمنتي، العالم الآخر. فلو كان بلوتارك يعرف ان أمنتي (أمنتا، أمنتت) هي واحة سيوه، لقال انه تم تنصيبه ملكا على واحة سيوه، أو كما يسميها الاغريق «واحة أمون».
وإن كانت أمنتا ارض خفية على القدماء، فمن المفروض أن لا تكون خفية على المعاصرين، وذلك ان التراث المصري قد انكشف واصبح في متناول الباحثين. وما كان خفي على الأولين، بإمكان المعاصرين أن يصلوا اليه. ولكن المفروض شيئ، والواقع شيئ ثاني. المناطق النائية، ومن ضمنها واحة سيوه، لم تنل أي اهتمام يُذكر من قِبل الباحثين والدارسين في التراث المصري، وكان تركيزهم بالدرجة الاولى على اراضي مصر الرئيسية. بالاضافة الى ذلك ان الديانة المصرية بحد ذاتها يشوبها الكثير من الغموض والسرية، ليس فقط الان، ولكن حتى في الزمن الذي كانت فيه الديانة قائمه. وذلك لأنها كانت غنوصية، سرية، لا يعرف مفاهيمها الاساسية إلا الكهنة وخاصة الناس فقط.
"أمنتا أو أمنتت، ، كانت في الاصل المكان الذي تغرب فيه الشمس، ولكن بعد ذلك تم اطلاق المصطلح على جميع المقابر التي بُنيت على المرتفعات والجبال على الضفة الغربية من النيل. يعتقد البعض ان أمنتا، في البداية، كانت محافظة صغيرة ليس لها أهمية جنائزية أو دينية."
ما هو موجود في الاقتباس اعلاه هو رأي المترجم. نفس المترجم كان له فيها رأي آخر أيضا رأيناه في الجزء السابق، قال فيه: "الارض الخفية الجميلة: مُتعذر تطبيقها على أي شيئ إلا أن تكون عناوين تشريفية لمملكة الموتى" ، وغيره يفترض انها منطقة خيالية روحانية أو سماويه (موجودة في السماء). وتعني العالم السفلي بالنسبة للاقباط المصريين، ويلفظونها أمنتي، ويستخدمونها لترجمة الكلمة الاغريقية هيديس (hades)، العالم السفلي أو الجحيم.
نصوص البرديات تعطي صورة جيدة عنها، وأمنية الميت أن يصل إليها، ويصفونها بالجميلة: "إجعل أوزيريس آني، الذي كلمته حق، ان تكون له قوة مجيدة، في أمنتت الجميلة."
سوف نرى في هذه الصفحة ان هذه المدينة المسماة أمنتا هي واحة سيوه، مدينة حقيقية موجودة على ارض الواقع، فوق الارض وليس تحتها، وهي المكان الذي يولد فيه الاله رع (الشمس) في كل صباح، بعد ان يخرج من العالم السفلي.
جاء في الاقتباس السابق: "يعتقد البعض ان أمنتا في البداية كانت محافظة صغيرة ليس لها أهمية جنائزية أو دينية" -- من الممكن ان تكون في الاصل محافظة صغيرة ليس لها أي أهمية، ولكن بعد أن قام قدماء المصريين باختراع دينهم (أو تطويره، أو تحريفه)، أصبحت مهمة جدا، وجزء رئيسي من الدين.
يوجد في قاموس «واليس بدج» تعريفين مهمين لمقاطعة أمنتا (أمنتت)، وهما الظاهران في الصورة المقابلة.
الرموز الظاهرة في التعريف الاول تدل على انها أرض الموتى، ومؤلف القاموس كتب هذا. وهنا الرموز لا تحدد موقعها بدقة، ولكن تدل على انها تقع في مكان ما في جهة الغرب، وأيضا يمكن ان تكون ارض حقيقية أو خياليه.
الرموز الموجودة أمام التعريف الثاني، المعلمة بالاصفر، تدل على انها تقع في غرب نهر النيل، وأيضا مؤلف القاموس كتب ذلك. الرمز الاصفر يدل على انها بلدة حقيقية وليست مجرد تعبير روحاني أو خيالي.
وبما أن المنطق السليم يفرض علينا الأخذ بالمعلوم حتى نصل الى المجهول، فهذا هو المعلوم لدينا الان، ومن العبث البحث عنها في مكان آخر غير غرب النيل، أو افتراض الخيال بينما المعلوم يشير الى وجودها على أرض الواقع.
في كتاب الميثولوحيا المصرية (A to Z)، كتب المؤلف عن الآلهة أمنت (أمنت مؤنث أمن)، وقال في فقرة: "من بيتها في غصون شجرة على حافة الصحراء، أمنتت [أمنت] تترقب قدوم الارواح وهم يقتربون من مدخل العالم السفلي، أو العالم الآخر."من الاقتباس في الاعلى نجد ان الآلهة أمنت (وهي احدى الآلهة الرئيسية في أمنتا) تسكن على حافة الصحراء. وتترقب قدوم الموتى القادمين الى أمنتي (العالم الآخر). ومن هنا يتضح ان العالم الآخر، الارض الخفية، أمنتا، تقع على حافة صحراء غرب النيل -- الآلهة أمنت هي المسؤولة عن تقديم الطعام والحليب للموتى القادمين الى أمنتا، وقد تحدثنا عنها في الجزء السابق.
الآن أصبح لدينا صورة أوضح عن موقع المقاطعة الصغيرة أمنتا. تقع على حافة صحراء غرب النيل.
الصورة في الاعلى تظهر الاله رع وهو يعطي العنخ لملك ميت، وعلى رأسه قرص شمس "الصباح"، والاله أمون يجلس خلفه. وفي هذا دلالة على ان الالهين يجتمعان مع بعض في الصباح الباكر. وبما ان رع يتجسد في قرص الشمس في النهار، ويذهب في المساء الى العالم السفلي، فلا يمكن لهذا اللقاء ان يحصل إلا في الصباح، في الارض الخفية، أمنتا، في الموقع الذي فيه أمون.
http://en.wikipedia.org/wiki/File:Cyrenaica_Marmarica.jpg
الخارطة في الاعلى تعود الى العصر الروماني، وهي جزء من خارطة أكبر موجودة على الرابط الذي تحت الخارطه. اللون الابيض هو صحراء مصر الغربية، واللون البرتقالي يعود الى دولة كانت تسمى مرمرة. وبعد أن احتل المقدونيين مصر، ومن بعدهم الرومان، أطلقوا على المنطقة التي تشمل الصحراء الغربية ودولة مرمرة اسم المحافظة الليبية (Libycus Nomus). الاوربيين الان يطلقون اسم الصحراء الليبية على صحراء مصر الغربية لان الاغريق كانوا يسمونها بهذا الاسم.
المدينة في الدائرة الزرقاء، في اعلى الخارطه، تسمى أبيس (هابي باللغة المصرية)، وكانت ميناء بحري مهم، أمّا الآن فلا يوجد لها أثر، وربما ابتلعها البحر.
المدينة في الدائرة الحمراء، الموجودة على حافة الصحراء، هي واحة سيوه، ومكتوب عليها معبد أمون، كلمة (civitas) تعني انها منطقة تابعة للامبراطورية الرومانية (مستعمرة رومانية).
تشير بعض نصوص البرديات الى انه كان لدى قدماء المصريين هضبة مقدسة تظهر منها الآلهة حتحور تستقبل الموتى.
هذه الهضبة المقدسة تقع في أمنتا (أمنت، أمنتت، أمنتي).
إقتباس: "تحية لكم، يا من تسكنون الهضبة المقدسة (ست شيزرت) في أمنتت." -- (ست = هضبة) ، (شيزرت = مقدس)
إقتباس: "يقترب الميت من جبل الموتى، الذي تظهر منه الآلهة حتحور."
إقتباس: "حبا وتعظيما لحتحور، سيدة الغرب، انحنيت ساجدا أمام مح أورت. أتيتُ إليكِ ، لأرى جمالكِ، اجعليني على رأس اتباعك، ومن بين الحضور الإلهي الذي معك."
الرجل الجالس على الكرسي في الصورة على اليمين في الاعلى هو أوزايريس. وخلفه الهضبة المقدسة التي تظهر منها حتحور، ويقف بجوارها آني في الصور السابقة. الصورة الثانية على اليسار اعلاه فيها شخص غير واضح الملامح. نص البردية التي منها الصورة يخاطب شخص اسمه سيباك (أو سبك).
الصورة على اليسار (سيباك) منقولة من كتاب الموتى لمؤلفه (بيتر رينوف). يتحدث الفصل عن مواصفات الهضبة، طولها 300 ذراع وعرضها 200 ذراع، وعن ثعبان طوله 500 ذراع يجلس عليها، ويقول ان سيباك على الجانب الشرقي من الهضبة، ومعبده عليها.
إقتباس: "فيما يخص هضبة بخو التي عليها تستند السماء، تُبدي نفسها (300) ذراع في الطول و (200) ذراع في العرض. سيباك، رب بخو، على الجانب الشرقي من الهضبة، ومعبده عليها. يوجد ثعبان على جبين الهضبة، طوله (500) ذراع، ثلاثة أذرع من مقدمته مطعون بالسيوف."
الاعتقاد السائد عن التمساح سبك هو انه إله مستقل، ولكن لا يبدو في الحقيقة كذلك، وإنما شكل من أشكال أوزيريس.
قدماء المصريين كانت لديهم طوائف متعددة، وكل طائفة تتميز نوعا ما عن غيرها فيما يتعلق بالمعتقدات. وقد كتب المؤرخ الاغريقي هيرودوت، طبقا لـ «واليس بدج» في كتاب آلهة المصريين، انه في بعض المدن المصرية كان الناس يكرهون التماسيح ويقتلونهم، بينما في مدن أخرى كانوا يقدسونهم.
في الفصل الذي منه الاقتباس في الاعلى، قال كاتب البردية ان سيباك و تيمو (إله الشمس الميت) وحتحور هم قوة الغرب. ونرى سيباك في الصورة يجلس في معبد في نفس المكان الذي فيه معبد أوزيريس، وفي النص: "سيباك، رب بخو، على الجانب الشرقي من الهضبة، ومعبده عليها".

يجلس سيباك على رستاو عين الشمس
مصطلح بخو مشتق من الولادة (بخ)، وقد تحدثنا عنه بالتفصيل في الجزء السابق.
في التمثال الظاهر في الصورة يجلس سيباك على رستاو عين الشمس، ويُضاف الى اسمه المكتوب بالهيروغليفي رمز رستاو . وكل هذه الاشياء تدل على انه شكل من أشكال أوزيريس، أو على الاقل تشبيه أوزيريس بالتمساح سبك. وقد كانوا يشبهون الآلهة بالبشر والحيوانات والطيور والحشرات. فربما كان لديهم تمساح ذو صفات مميزة، فقامت احدى الطوائف التي تقدس التماسيح بتشبيه أوزيريس بذاك التمساح.
توجد في واحة سيوه هضبة صخرية مختلطة بالرمال تسمى جبل الموتى، وهي الظاهرة في الصورة المقابلة.
طبقا للنص الذي سبق ذكره في الاعلى، يوجد "ثعبان" طوله 500 ذراع على جبين الهضبة.
إذا نظرت الان الى قمة الهضبه، تراه على شكل حلزوني، لولوبي ، وكأن ثعبان كان يلتف عليها!
هذه الشكل الحلزوني على مايبدو هو الاساس في اعتقادهم بالثعبان الذي يجلس على الهضبة.
الصورة في الاسفل تبين مقاييس الهضبة بالمتر، بحسب موقع ويكيمابيا (wikimapia)، على الرابط الموجود تحت الصورة.
فإذا كان طولها 300 ذراع، والذراع المصري = 52.8 سم ، فهذا يعطينا 160 متر تقريبا.
300 × 52.8 ÷ 100 = 158.4
والعرض 200 ذراع = 106 متر تقريبا.
200 × 52.8 ÷ 100 = 105.6
http://wikimapia.org/#lang=en&lat=29.211085&lon=25.526020&z=18&m=b
يقول المؤلف تعليقا على أبعاد الهضبة: "البرديات المتقدمة تعطي الابعاد للإثنين (الطول والعرض)، ولكن تجعلها صغيرة جدا حتى ان الثعبان لا يقدر ان يستقر عليها. البرديات المتأخرة البادئة بأحرف (Pf) صححت النصوص لتعطي طول الهضبة 300 ذراع... بردية نبسيني تعطي عرض الهضبة 300 ذراع. كتاب الموتى في تورينو يعطي الطول 370 ذراع ، والعرض 140 ذراع."
ما نراه في الارقام المعطاه هو ان الذين كتبوا البرديات لم يتفقوا على ابعاد معينة. ويدل هذا على بعد المسافة بينهم وبين موقع الهضبة، وإلا لذهبوا اليها وأخذوا المقاييس بدقة. قول المؤلف ان البرديات المتأخرة اعطت طول الهضبة 300 ذراع، يدل على ان مجموعة من البرديات اتفقت على هذا الرقم. ثم يقول المؤلف ان بردية نبسني اعطت العرض 300 ذراع. وعلى هذا نجد أن الارقام التي حصلنا عليها (160 × 160) متر، (300 × 300) ذراع، لم تخرج من الاحتمالات الموجودة.
وبالاضافة الى موقعها الكائن على حافة الصحراء، مقاييس الهضبة تضيف شاهدا آخر، ومعلم جغرافي حقيقي، يدل على ان واحة سيوه هي أمنتا الجميلة، الارض التي يسكنها الموتى.
http://www.touregypt.net/featurestories/niperpathot.htm
يوجد في جبل الموتى في واحة سيوه الكثير من القبور. أغلبها يعود لفترة الحكم الروماني، أو ربما أعيد استخدامها في العهد الروماني. أقدم قبر مكتشف الى الان يعود لشخص اسمه «نبربا تحوت»، ويعني (الذي ينتمي الى بيت الاله تحوت). وكان عنوانه اثناء حياته (نبي أوزايريس)، وكاتب النصوص المقدسة. وهو الظاهر في الصورة المقابلة يؤدي التحية لأوزايريس، وتقف خلف أوزايريس الآلهة حتحور برأس بقرة، بحسب موقع السياحة المصري على الرابط الموجود تحت الصورة.
وأيضا بحسب موقع السياحة، فإن عنوان الميت (نبي أوزايريس) يدل على أن أوزايريس كان له معبد في الواحة. وقد رأينا في فقرة سابقة ان معبد أوزايريس يقع على الجانب الشرقي من الهضبة. ولكن لم يُكتشف أي معبد لأوزايريس في واحة سيوه لحد الان، ربما يكون قد تهدم أو مدفون تحت الرمال.
http://www.touregypt.net/featurestories/si-amun.htm
يوجد قبر آخر في جبل الموتى لرجل يدعى (سي-أمون)، وهو على ما يبدو انه أغريقي اعتنق دين المصريين. وفي هذا القبر ورد أيضا اسم أوزايريس كإله رئيسي في الواحة.
إقتباس: "وعلى الجانب الآخر فقد ورد اسم (ثا)، و (ثاي) أكثر من مرة على جدران معبد (أم عبيده) في أغورمي. وفي مقبرة (سي - أمون) في جبل الموتى، ورد هذا الاسم مرتبطا بالإلهين أمون رع و أوزير، كإلهين رئيسين في المنطقة." (مهاب درويش، مطروح بوابة مصر الغربية، ص 19).
ما يمكن استنتاجه من هذين القبرين هو ان أوزايريس كان إله رئيسي في الواحة، وكان يوجد له معبد فيها. وبما أن أحد القبرين يعود للفترة المقدونية أو الرومانية، فمن المحتمل جدا أن يكون للمعبد ذكر في الكتابات الاغريقية أو الرومانية القديمة. ولكن لا يزال الكثير من الكتابات الرومانية والاغريقية لم تترجم بعد، فالاحتمال وارد ان يكشف المستقبل عن معلومات عن هذا المعبد، وموقعه في الواحة. أو ربما تنكشف آثار جديدة في الواحة تدل على مكان وجوده. ونفترض مبدئيا انه كان موجودا على الجانب الشرقي من الهضبه، كما ورد في النص.
الشاهد الثالث هو عين الشمس، وهي أيضا معلم تاريخي وجغرافي حقيقي.
نجد في الصورة في الاعلى رجل ميت يقف أمام الاله أمون، وتقف حتحور (ابنة رع) خلف الميت، أكليلها قرص الشمس بين قرنين، وتعلوهما ريشتين. وفي المشهد الثاني، الرجل الميت يؤدي التحية لحتحور، تُمسك في احدى يديها الصولجان وفي الاخرى العنخ (رمز الحياة الابدية). وفي الصورة أيضا عين الشمس، خلف أمون. كل هذه الاشياء تدل على ان أمون موجود في الموقع الذي فيه حتحور ويخرج فيه الموتى من العالم السفلي من عين الشمس.
الاعتقاد السائد هذه الايام عن عين الشمس التي في واحة سيوه هو انها عين الماء التي يُطلق عليها اسم عين كليوبترا. هذه العين تبعد مسافة ليست بالقصيرة عن معبد أمون (واحد كلم تقريبا). كما أن ماؤها ليس بالمواصفات التي ذكرها المؤرخين القدماء، الاغريق والرومان، وشكلها بعيد كل البعد عن شكل العين التي يُولد فيها الاله رع (الشمس).
الاقتباس التالي من كتاب عالم المصريات البريطاني «واليس بدج» عن تاريخ مصر، وفيه يتحدث عن مسبح كليوبترا، عين الشمس المفترضه:
"هنا كانت عين الشمس، التي كان ماءها دافئ عند شروق الشمس، بارد جدا عند الظهر، وحار يغلي في منتصف الليل [1]"
ملاحظة المؤلف: 1. في الواقع ان ماء هذه العين كان منتظم الحرارة، 73.5 فهرنهايت [23 درجة مئوية].
اثنين من المؤرخين القدماء على الاقل حددوا مكان عين الشمس التاريخية، وقالوا انها تقع في ساحة معبد أمون، بجوار المعبد بالضبط. وجدنا هذا القول في كتاب أصدره معهد ألماني متخصص في دراسة الحضارات، والكتاب موجود في مكتبة جوجول، والتالي جزء من الصفحة المعروضة في موقع جوجل:
يذكر الكتاب انه توجد الان بئر تبعد مسافة (37) متر من مدخل المعبد. ويقول ان هذا الموقع يتناسب مع ما ذكره ديودوروس (Diodorus) وما كتبه كارتيوس روفوس (Curtius Rufus) عن عين الشمس، ثم يذكر ما كتبوا: "في وسط الفناء المقدس" و "بجوار الحرم مباشرة"
الاحداثيات التي ذكرها المؤرخين في الاقتباس أعلاه هو الكلام المضبوط ، وهم عاشوا في زمن كانت فيه العين موجودة والواحة مزدهرة، وبغض النظر سواءا كانت البئر القديمة التي ذكرها الكتاب، الموجودة حاليا، هي نفسها عين الشمس أم لا. ونفترض مقدما انها هي الى ان يثبت العكس، وذلك ان عين الشمس في الرسوم المصرية تشبه البئر، والكتاب أيضا يرجح ان البئر الموجودة هي عين الشمس التاريخية، لأن مكانها يتناسب مع الاحداثيات التي ذكرها. بحثنا عن صورة لها على الانترنت فلم نجد شيئ. كل الصور الموجودة عن عين كليوبترا (عين الشمس المفترضه).
أسماء المدن والمناطق تتغير مع الزمن، على حسب الظروف والموقع الاستراتيجي. وما ينطبق على كافة مدن العالم، ينطبق أيضا على واحة سيوه. وقد رأينا في اقتباس في الاعلى قول بعض الباحثين ان أمنتا كانت في الاصل محافظة صغيرة ليس لها أهمية دينية أو جنائزية. ثم أتى زمن فأصبحت ركن اساسي من الدين.
يبدو ان المصريين، وفي فترة من الزمن، أطلقوا اسم أمنتا على كل الصحراء الغربية، وأصبحت واحة سيوه هي العاصمة. وفي تلك الفترة كانت الواحة تسمى «سيخيت آم»، ومعناها أرض النخيل. بينما كانت الصحراء الغربية تسمى «نوم أمنت»، كلمة نوم (Nome) بالاغريقي تعني محافظة (محافظة أمنت
سيوه:واحة في الصحراء الليبية
الإقتباس التالي من الموسوعة البريطانية
سيوه، واحة في الصحراء الليبية، سياسيا تابعة لمصر. وتسمى أيضا واحة أمون أو جوبتر أمون. اسمها المصري القديم هو سيخيت آم، أرض النخيل."
لا يبدو ان «واليس بدج»، أو فريق العمل الذي جمع له القاموس، ربط علاقة بين ارض النخيل التي وصفها بعاصمة نوم أمنت ، وبين واحة جوبتر أمون (سيوه)، وبين القوم الذين كتب انهم ينتمون الى واحة جوبتر أمون. ولكن بمقارنة الرموز نجد انها نفس المدينة. والذين ينتمون اليها لقبهم آمتيو، مشتق من كلمة آم.
كلمة سيخيت تعني حقل، والاسم الكامل لواحة سيوه: أرض حقول النخيل.
ربما يستغرب البعض من ان تكون مدينة واقعة في آخر الصحراء عاصمة المحافظة!
كان الناس في الماضي يستخدمون المدن الحدودية كمواقع لتصدير واستيراد البضائع، يتم فيها تخزين المواد المصدرة والمستورده، مثل الموانئ البحرية. وكونها تقع في آخر الصحراء المصرية، فهي من ناحية تجارية تعتبر صالحة جدا في ان تكون ميناء صحراوي. وعلى هذا الاساس جعلوها عاصمة المحافظة، في حقبة من الزمن.
لابد من التنويه هنا الى ان الاسم الديني شيئ، والاسم العام شيئ ثاني. وإن كانوا سموها سيخت آم، أو أطلق عليها الرومان اسم واحة جوبتر أمون، فإن الاسم أمنتا "الديني" يبقى اسم المكان الذي يقع على حافة الصحراء. وما يدرينا، فلعلهم أطلقوا اسم أمنتا على الصحراء الغربية بشكل عام بقصد التمويه، لأن ديانتهم كانت غنوصية سرية، والارض الخفية مكان سري، وإلا لما سموها خفية. لا أحد يعلم بالضبط كيف بدأت الديانة وكيف تطورت وعلى ماذا رست.
وبعد أن كانت «سيخيت آم» عاصمة نوم أمنت، أتت حقبة أخرى من الزمن فأصبحت مدينة أبيس، الميناء البحري، التي رأيناها في الخارطة الرومانية في الاعلى في الدائرة الزرقاء، هي العاصمة.
في كتاب المومياء لـ «واليس بدج»، أورد المؤلف قائمة بأسماء بعض المحافظات المصرية وعواصمها. الصورة المقابلة جزء من القائمة. أحد الرموز الموجودة في القائمة، شكل طير وأمامه ريشه، يقف على صحن دائري، وهذه هي محافظة أمنت، وعاصمتها مدينة أبيس (هابي). الصحن الدائري هو رمز المحافظات، وأينما رأيت هذا الصحن، فإنه يدل على ان المقصود به محافظه. وعلى اساس هذه الرموز يمكن الاستنتاج ان «سيخيت آم» لم تعد عاصمة المحافظة في فترة أخرى من الزمن.
ملاحظة جانبية: كلمة نوم الاغريقية ليست جزء من الرمز الهيروغليفي، وانما هو اصطلاح يستخدمه المترجمون في الاشارة الى المحافظات. وقول المترجم ان «سيخيت آم» أو «هابي» عاصمة نوم أمنت، لا يعني بالضرورة ان تكون هذه التغيرات قد حصلت في العهد المقدوني، بسبب ان المترجم استخدم كلمة اغريقية في وصف المحافظه. لا يوجد تاريخ يحدد الازمان عن هذه المدن.
اذا نظرنا الان الى الصورة في الاعلى (يمين)، نجد ان شعار «أرض الموتى» يشبه شعار محافظة أمنت. والصورة الثانية فيها الاموات في زورق العالم السفلي، على هيئة طيور يقفون على رمز المحافظات، ويخرجون من عين الشمس. نستنتج من هذا الرسم انه من وقفة الطيور على الصحن الدائري، وبالاضافة الى ريشة ماعت، أتى شعار المحافظة، والذي هو أيضا شعار أرض الموتى.
وفي الصورة الاخيرة (يسار)، شعار المحافظة موجود على رأس الآلهة أمنت.
الطير هو رمز الروح، والريشة هي ريشة الحقيقة (ماعت) التي توزن بها قلوب الموتى.
الصورة على اليسار من قاموس «واليس بدج»، وفيها رموز الاله أمون (amen). الرمز الثاني فيه شعار المحافظة أمنت (ارض الموتى)، وفي هذا دلالة على ارتباط هذا الاله بهذه المحافظه.
الى الان لا يزال أمر الاله أمون مجهول، ولا يعرف الباحثين من أين أتى به ملك طيبه (الأقصر حاليا). فتجد بعضهم ينسبه للنوبه، لأنهم وجدوا اناشيد نوبية لهذا الاله. مع العلم ان النوبيين كانوا أصلا على دين المصريين. ومن الطبيعي جدا أن يقوموا بتأليف أناشيد له ولغيره من آلهة المصريين. وغيرهم يرجح نسبته الى البربر، لوجود آثار له في معتقدات البربر القديمه. طبعا كل شيئ وارد، وشعوب الارض كانت، ولا زالت، تتبادل العادات والمعتقدات.
إذا نظرنا الان الى "اسم" هذا الاله، فهل نجده مشتق من كلمة مصرية أو غير مصرية؟
بتحديد مصدر الاسم، والكلمة المشتق منها، يمكن معرفة أصل الاله وفصله، والمنطقة التي أتى منها. كلمة "أمن" تعني "خفي" باللغة المصرية القديمه. "أمنت" مؤنث أمن. «تا أمنت» أو «أمنتا» تعني أرض أمنت (الأرض الخفية). وهي أرض حقيقية، وليست خيالية، أو مصطلح عام يمكن اطلاقه على المقابر التي بُنيت على المرتفعات والجبال الموجودة في غرب النيل. الآن، وبعد ان وجدنا ما يكفي من الشواهد التي تدل على وجود هذه المنطقة في صحراء غرب النيل، فهل من المنطق ان نبحث عن مصدر هذا الاله، الذي اسمه أيضا يدل على انتمائه للمنطقة، ان نبحث عنه في مكان آخر؟
وبعد الاثار والرموز المصرية، لدينا المؤرخين الاغريق والرومان. فهل كتب أحد من هؤلاء المؤرخين عن وجود أمون في مكان ثاني، في الصحراء الغربية، غير واحة سيوه. من أيام هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، الى بلوتارك في القرن الثاني الميلادي، وهم يكتبون عن وجوده في واحة سيوه فقط. وكان يأتي الى معبده زعماءهم من الاغريق والرومان بقصد التنبؤات.
حورس يُقدم الاميرة نفرتاري بعد موتها للاله رع والآلهة أمنت. يجلس رع وعلى رأسه قرص الشمس الذي تلفه حية الكوبرى، وهو قرص شمس الصباح.
الحقيقة هي انه لم يبحث أحد في أهمية واحة سيوه في الديانة المصرية، وافترضوا ان الارض الخفية هي مجرد ارض خيالية، أو انها عبارة عن القبور المبنية على الجانب الغربي من النهر.
كما ان الباحثين تعاملوا مع الديانة المصرية على اساس الشمس فقط ، تغيب في الغرب وتطلع من الشرق، فافترضوا ان رحلة الاله تتبع دورة الشمس الحقيقية، تبدأ من تحت الارض في الغرب، وتنتهي صباحا في الشرق، بعكس حركة الشمس في النهار! مع ان الموتى معه في نفس الزورق، فكيف يطلع هو في مكان، وهم يطلعون في مكان ثاني، 180 درجه بالعكس؟
بالنسبة لعين الشمس، فيبدو ان المصدر في انها عين كليوبترا هو سكان الواحة. سألوا السكان فأخبروهم انها مسبح كليوبترا. وكأن سكان الواحة في هذا الزمن هم نفس القوم الذين سكنوها قبل آلاف السنين، أو ان لديهم تاريخ مكتوب، ورثوه عن أجدادهم، عن معالم الواحة. وبما أنها اشهر العيون في الواحة الآن، رجح الباحثين انها هي العين التي كتب عنها هيرودوت وغيره (ولم يحددوا مكانها)، وانها واصلت شهرتها من الماضي السحيق الى الزمن الحاضر.
وبهذه الفرضيات لم تأتي الابحاث بنتائج صحيحه، ودائما تتوقف من حيث تبدأ. ولا تزال الديانة المصرية، منذ يداية ترجمة نصوصها وطباعة البرديات، قبل أكثر من مائة عام والى الآن، رموز مُشفرة وطلاسم مبهمة. ومع ذلك، ما يبدو غامضا بعض الشيئ في يومنا هذا، فبكل تأكيد سوف يظهر بوضوح في المستقبل، مثلما عادت الكتابة الهيروغليفة الى الوجود بعد ان كانت نسيا منسيا. وبهذه الفقرة نكون قد وصلنا الى نهاية هذا الجزء من الموضوع
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى