مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الغش والتزوير في الاناجيل

اذهب الى الأسفل

* الغش والتزوير في الاناجيل Empty * الغش والتزوير في الاناجيل

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين سبتمبر 28, 2015 7:22 pm

*لا تلمسيني! وحقيقة المسامير والطعنه؟
يوحنا يُلمح برجم يسوع: لا تلمسيني! وحقيقة المسامير والطعنه؟
لا تلمسيني!
لماذا قال يسوع لمريم المجدلية "لا تلمسيني؟"-- السبب هو أن يوحنا يعرف ان يسوع مرجوم. يوحنا ذكي وخبيث، وكان يرسل رسائل مبطنة في انجيله موجهة لأناس في عصره يعرفون الحدث بتفاصيله.
اذا كان يسوع قد قام من الموت، فيجب ان يكون بشكل نوراني مشع، ملاك، لا على شكل بستاني. ولكن الظاهر ان الرجم، كما تصور يوحنا، قد أثر على كل جسده، بما فيه الوجه. ولم تتعرف عليه المجدلية الا من صوته. وعندما ارادت لمسه لم يسمح لها، بسبب آثار الرجم التي لا تزال طرية في جسده، طبقا للرواية المبطنة التي اراد يوحنا تمريرها.
يبدو ان قصة البستاني التي كتبها يوحنا مستوحاة من الادب الاغريقي المسرحي: المرأة تبكي حزنا على البطل المفقود. يعود البطل الى المشهد. يسألها وهو يعرف السبب، لماذا تبكين يا امرأة؟ من تطلبين؟ وهي لا تتعرف عليه لسبب غامض، وظنت انه البستاني. فتقول: يا سيد، هل اخذته من هنا؟ فيخاطبها البطل بإسمها: مريم. فتجيب: ربوني!
يوحنا كتب انجيله في سوريا أو تركيا ما بين سنة 90 الى 110 ميلادي، وكان يكره اليهود كرها شديدا، بسبب ان اليهود في هذه الفترة منعوا المسيحيين من دخول المعابد اليهودية، وكانوا يضطهدونهم، لذا لم يترك فرصة في انجيله تسمح له في التهجم على اليهود الا واستغلها. ليس على عامة اليهود فقط، ولكن حتى على انبيائهم. فنجده يصف انبياء بني اسرائيل باللصوص وقطاع الطرق، فيقول على لسان يسوع: "جميع الذين اتوا قبلي هم سراق و لصوص و لكن الخراف لم تسمع لهم. انا هو الباب ان دخل بي احد فيخلص و يدخل و يخرج و يجد مرعى" (يوحنا 10 : 8 - 9).
وبسبب احتكاكه المباشر باليهود واحتكاك جماعته بهم، وقربهم من موطن الحدث، فإنهم يعلمون ان يسوع مرجوم. لذا كان لابد له من طريقة لتسويق قصة الصلب، لأن فيها إثارة أكثر من الرجم. فجاء بقصة فيها تلميح الى رجمه، مع جعل هذه التلميحات جانبية، بينما جعل اضواء المسرح مركزة على الصلب. فعندما يقرأ القصة أحد الذين يعلمون برجمه، سيحاول الجمع بين المشهدين. مثلما يفعل الناس في هذا الزمن عندما يسمعون قصتين مختلفتين. تجدهم يحاولون الجمع بينهما بقدر الامكان. فيقولون مثلا: ربما شاهد هذا الراوي شيء لم يشاهده الرواي الاخر.
وهنا يوحنا عامل نفسه لا يعرف شيئا البتة عن الرجم، وفي نفس الوقت يعطيك تلميحات تشير الى حدوثه. في هذه الحاله سيخرج القارئ العارف برجمه بنتيجة ان يسوع رجم، ولكن يوحنا "المسكين" لم يكن يعلم بهذه الجزئية، هذا الرجم لم يؤدي الى مقتله، وبعد ذلك صلبوه، كما قال يوحنا.
إذا لم يأتي يوحنا بمثل هذه التلميحات، وتنكر للرجم جملة وتفصيلا، فإن الاحتمال كبير ان يُرفض انجيله من قِبل الناس.
مرقس ولوقا كتبوا اناجيلهم في روما، مكانا بعيدا جدا عن موطن الحدث، ومن معاشرتهم للناس الذين معهم، فإنهم قد علموا انه لا أحد يعلم بالضبط كيف مات يسوع. أمّا المعلومات السطحية التي سبق ذكرها فيمكن تركيبها على الصلب الروماني بسهوله.
مرقس كتب القصة، فنقلها عنه لوقا بلا تحرج ومن غير أي ضغط نفسي. ثم نقلها عنهم يوحنا، ولكن وضعه الجغرافي يختلف، كان يسكن في سوريا، وقد علم ممن عاشرهم وخالطهم في تلك المنطقة ان الكثير منهم يعلمون برجمه، ولهذا السبب جاء بقصة تحمل حدثين.
وبعد ان طعنوه خرج منه دم وماء! -- لم تكن قصة البستاني هي القصة الوحيدة التي يغلف فيها يوحنا رسالة مشفرة. ففي قصة الصلب قال ان يسوع طعنوه في جنبه فخرج منه دم وماء.
توجد الكثير من الكتابات والمقالات يحاول اصحابها تفسير هذه الحالة الغريبه، ولماذا خرج منه دم وماء وهو ميت. أصحاب نظرية الاغماء اتخذوا هذه الجزئية دليل على ان يسوع لم يمت على الصليب، وإنما أغمي عليه فقط. يعتقدون ان ما كتبه يوحنا صحيح، وإنه كان صادقا فيما يقول. والحقيقة هي انه اراد ايصال رسالة خاصة من خلال هذا الموقف. لنقرأ أولا ماكتب، ثم نرى بعد ذلك موقع الرساله:
19: 33 و اما يسوع فلما جاءوا اليه لم يكسروا ساقيه لانهم راوه قد مات
19: 34 لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة و للوقت خرج دم و ماء
19: 35 والذي عاين شهد و شهادته حق و هو يعلم انه يقول الحق لتؤمنوا انتم
بعد ان كتب النص الذي ذكر فيه الماء والدم، مباشرة بعده جاء بالشاهد: "الذي عاين شهد و شهادته حق...". هذا التعبير استخدمه يوحنا في نهاية الكتاب، كخاتمة ختم بها كتابه، فقال: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم ان شهادته حق" (21: 24). ولكن في مسألة الماء والدم، لم يختم الفصل عند هذا الحد، واتبعه بسبع آيات أخرى. وكأن ما جرى بعد الماء والدم لا يحتاج الى شاهد! فقط الماء والدم بحاجة الى شهاده!
الظاهر انه في الزمن الذي عاش فيه يوحنا كاتب الانجيل، كان بعض الناس يعتقدون في يسوع اعتقادات لا تتفق مع اعتقادات وتوجهات يوحنا وجماعته. ويبدو ان منهم من كان يعتقد ان المسيح مصنوع من "ماء" فقط، وليس كبقية البشر من ماء ودم. فنجد في رسالة يوحنا التلميذ، وهو ليس يوحنا كاتب الانجيل، انه يقول: "هذا هو الذي اتى بماء و دم يسوع المسيح لا بالماء فقط بل بالماء و الدم و الروح هو الذي يشهد لان الروح هو الحق" (يوحنا الاولى 5: 6).
بعد الماء والدم مباشرة جاءت الشهاده، وكذلك فعل يوحنا كاتب الانجيل في وصف يسوع بعد ان طعنوه!
الماء والدم دائما يحتاج الى شهاده... صدفه!
كاتب الرسالة، يوحنا التلميذ، جعل الروح القدس شاهدا على ان المسيح ماء ودم، وليس ماء فقط. فجاء من بعده كاتب الانجيل وجعل التلميذ أيضا شاهدا على ان يسوع ماء ودم. ولماذا؟ كما قال هو في النص: "لتؤمنوا انتم" ان يسوع ماء ودم، وليس ماء فقط.
يبدو ان رسالة التلميذ لم تأتي بالنتيجة المطلوبه، لأن الروح لا يمكن سؤاله والتأكد من أقواله. أما التلميذ فقد كان موجودا على قيد الحياة، اختلط بالناس وعاشرهم، سألوه فأجابهم، وبالدليل القاطع: عندما طعنوه خرج منه ماء ودم!
وكما ترى فإن مشهد الماء والدم من قصة الصلب لم يكن القصد منه الا تمرير رسالة الى الناس الذين يعتقدون ان يسوع مصنوع من ماء فقط.
وكذلك مشهد البستاني في قصة القيامه -- الكثير من الناس في فلسطين وما جاورها يعلمون ان يسوع مرجوم. وما يؤكد هذا القول هو روايات التلمود. ها هي روايات التلمود التي يعود تاريخها بحسب التقديرات الى نفس الفترة تقريبا التي عاش فيها يوحنا تقول ان يسوع مرجوم. فجاء يوحنا بالبستاني لهؤلاء الذين سمعوا برجمه، ومن غير ان يقولها بصراحه. مثل الماء والدم، لم يصرح عن السبب الذي جعل يسوع يخرج منه ماء ودم، ولكننا رأينا انه يرد على قوم يقولون ان يسوع مخلوق من ماء فقط.
وربما يتسائل أناس في ذلك العصر: ما الذي يؤكد ان يسوع مات مصلوبا؟ ألا يحتمل ان يكون يوحنا توهم صلبه، بينما هو في الحقيقة عُلق بحبل من يديه بعد رجمه؟

توما يتأكد من المسامير والطعنة التي خرج منها الماء والدم!
لم تفت على يوحنا هذه التساؤلات. وللتأكيد على انه صلب على صليب روماني، استحدث يوحنا المسامير. والشاهد على هذه المسامير هو توماس التلميذ: "فقال له التلاميذ الاخرون قد راينا الرب فقال [توما] لهم ان لم ابصر في يديه اثر «المسامير» و اضع اصبعي في اثر «المسامير» و اضع يدي في جنبه لا اؤمن" (يو 20: 25). يقصد بالجنب موضع الطعنه التي خرج منها الماء والدم!
قال له التلاميذ انهم رأوا يسوع، والرد الطبيعي المفترض: ان لم أره لا أؤمن. ولكن مشاهدته بالنسبة لتوما لا تعني شيئ، لابد ان يرى اثر المسامير، ويضع اصبعه في أثر المسامير، وإلا فإنه لن يصدق! وكأن المسامير ماركه مسجله في كف يسوع من يوم ولدته أمه.
إذا كان قد طلب رؤية علامة مميزة يعرفه بها مسبقا، مثل علامة خال أو وشم، لكان الطلب معقول، أمّا أن يطلب رؤية شيئ في يسوع لم يره فيه في أي وقت مضى، فهذا طلب غريب!
في قصة الماء والدم كان القصد من شهادة التلميذ "لتؤمنوا أنتم". وفي قصة المسامير القصد أيضا نفس الشيئ، "لتؤمنوا أنتم"، ولكن هذه المره على لسان يسوع: "طوبى للذين امنوا و لم يروا" المسامير.
لقد سبق ورأينا ان يوحنا كتب انجيله، بحسب التقديرات، ما بين سنة 90 الى 110 ميلادي. في هذا الوقت كان الرومان قد استحدثوا استخدام المسامير في الصلب، ولكن في الوقت الذي عاش فيه يسوع، لم تكن تستخدم. بمعنى آخر: جاء يوحنا يكحلها فعماها.
Swedish scholar: 'Jesus was not crucified' - عالم سويدي: يسوع لم يصلب
http://www.thelocal.se/27480/20100628/
"اذا كنت تبحث عن نصوص تصور مسمرة اشخاص على الصلبان فلن تجد شيئا بجانب الاناجيل." "If you are looking for texts that depict the act of nailing persons to a cross you will not find any beside the Gospels."
الباحث السويدي صامويلسون يقصد انجيل يوحنا، لأن الكتبة الاخرين لم يتطرقوا للمسامير، وتركوا وسيلة الصلب لإكمال الفراغ على حسب الذوق والمزاج. لم يقولوا حبل ولم يقولوا مسمار، اختر ما يحلو لك.

*لماذا يسوع سمح لتوما ومنع المجدلية من لمسه؟
كتب يوحنا ان يسوع منع مريم المجدلية من لمسه، وقال لها «لا تلمسيني»، ولكنه سمح لتوما ان يلمسه ويضع اصبعه في أثر المسامير. فما هو السبب؟
يسوع سمح لتوما بلمسه بعد ثمانية أيام من القيامة المزعومه. بينما مريم المجدلية حاولت لمسه مباشرة بعد قيامته. فلو جاءت المجدلية بعد ثمانية أيام، لما كان يسوع قد منعها، ولربما حثها على وضع يدها في أثر المسامير والطعنة أيضا.
فأين ذهب يسوع يا ترى في هذه الايام الثمانيه؟
الاجابة بسيطه: ذهب لتلقي العلاج من أثر الرجم.
كتب يوحنا: "قال لها يسوع: لا تلمسيني لأنّي «لم أصعد» بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: «إنّي أصعد» إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 20: 17).
في هذا النص لم يترك يوحنا مجالا للتفسير والتخمين، وأعطاك السبب الذي جعل يسوع يمنع المجدلية من لمسه. منعها من لمسه لأنه لم يصعد بعد إلى أبيه. ولماذا يصعد؟ للعلاج طبعا. والدليل هو انه لمّا عاد من عند ابيه بعد ثمانية أيام، سمح لتوما بلمسه. المسألة لا تحتاج الى لف ودوران. هناك شيئ قد تغير بعد الثمانية أيام، وهذا الشيئ له علاقة مباشرة بجسمه.
لاحظ استخدام الفعل المضارع "إني أصعد"، بما يعني ان هذا الصعود سيحصل الان في القريب العاجل جدا، في نفس اليوم تقريبا. ويكتبونها بالانجليزي (I ascend)، الفعل المضارع من غير ادنى التباس. وقال لها في البدايه، "لا تلمسيني لأنّي لم أصعد..."، بما يعني: ولكن بعد أن أصعد وأتعالج، سأعود مرة أخرى، حينها بإمكانك لمسي. وكانت عودته من تلقي العلاج بعد ثمانية أيام. وبعد الثمانية أيام سمح لتوما بلمسه ووضع يده في اثر المسامير.
بعد أن قابل المجدليه، ذهب يسوع وقابل التلاميذ، وفرحوا برؤيته فرحا شديدا، ولكن توما لم يكن معهم، لأن دوره لم يحن بعد. وبعد ثمانية أيام جاء دور توما، وكان المشهد الذي رأينا.
طبعا هذا الكلام لا يتفق مع معتقدات المسيحيين في انه صعد الى ابيه بعد اربعين يوم. ولهذا السبب لديهم مشكلة عويصة في تفسير النص الذي كتبه يوحنا، ولماذا يسوع سمح لتوما بلمسه ومنع مريم المجدليه، وماذا يقصد بقوله «اني أصعد».
ولكن المعتقدات شيئ، والمكتوب شيئ ثاني. نحن نحكم على ما نقرأ، وليس على ما هم يعتقدون. وإن كان قد حصل تناقض وتضارب بين ما كتبه يوحنا وما كتبه لوقا، فهذا راجع الى ان هذه الكتب المسماة قانونية قد كُتبت في أزمنة متفرقة ومن غير تنسيق. ولم يخطر ببال الكاتب منهم ان كتابه سوف يُجمع مع غيره

*الغش والتزوير في الاناجيل: اذا اختلف اللصان انكشفت السرقه!
من بداية الموضوع والى الان ونحن نتحدث عن كتبة الاناجيل على انهم كذابين ومزورين. الشواهد التي رأيناها من مسامير وبستاني ودم وماء ويسوع باراباس وغيرها كلها تدل على انهم لا يقولون الصدق. ولعل هناك من يريد ان يتأكد أكثر، لذا كان هذا الفصل.
رأينا في بداية الموضوع ما ذهب اليه السياسي البريطاني انوخ پاول في رجم يسوع. أحد الذين تعاطفوا معه كان رئيسا للجنة المعتقد في كنيسة انكلترا. نقلت عنه صحيفة الاندبندنت البريطانية ما يلي:
پاول يكسب أتباع قليليين (قلة):قادة دينيون يردون ببرود على نظرية السياسي القائلة برجم يسوع حتى الموت
"قال الرئيس السابق للجنة المذهب في كنيسة انكلترا، الاسقف المتقاعد، القس جون بيكر: بوضوح، الاعتقاد يمكن بناءه مع عدد لا بأس به من الاخطاء في الاناجيل. هناك اختلافات واضحة في الاناجيل كما نعلم جميعا: لا يمكن ان تكون كلها صحيحة... ولكن الايمان مبني على أشياء حدثت في التاريخ، وبمجرد إلغاء التاريخ تكون قد ألغيت الايمان. فإذا اضطررت الى القول ان الناس الذين كتبوا الاناجيل... قاموا باختراع اشياء، تعرف انها غير صحيحه، فإن الاناجيل تفقد مصداقيتها."
هذه القس ليس من العلماء الليبراليين، أو من العلمانيين، وإنما رئيس سابق للجنة المعتقد في كنيسة انكلترا. وهو يقر بوجود اختلافات واضحة في الاناجيل، ويقول، "كما نعلم جميعا"، اختلافات معلومة للجميع، ولا يمكن ان تكون كلها صحيحه. بما يعني انه يَبني ايمانه على الحد الادنى. بعبارة أخرى: بغض النظر عن حجم تلك الاخطاء، الحدث بحد ذاته لابد ان يكون صحيح. بإختصار: يسوع صلب وبس.
انجيل كيو (Q)
لاحظ الدارسون لكتب الاناجيل ان لوقا ومتىّ اعتمدا بشكل اساسي على مصدرين في  كتابة اناجيلهم. أحدهما انجيل مرقص، والمصدر الثاني انجيل لم يعد له وجود الآن، اطلقو عليه مصطلح (Q) أو انجيل كيو. وذلك نظرا للتشابه الكبير في بعض النصوص بين لوقا ومتى، وليست موجودة في مرقس.
http://www.earlychristianwritings.com/q.html
أول ما ظهرت نظرية الانجيل المفقود كانت في ألمانيا في القرن الثامن عشر. ولعدم وجود مخطوطة أخرى تؤكد هذه النظرية، افترض أغلب الباحثين عدم وجود انجيل مفقود، والتفسير للتشابه هو اما ان يكون لوقا قد نقل من متىّ أو العكس. الى ان جاء اكتشاف مكتبة نجع حمادي في مصر في خمسينات القرن العشرين. وكان من بين الكتب المكتشفة انجيل توما. وهنا كانت المفاجأه. تضمن انجيل توما جزءا كبيرا من النصوص الموجودة في لوقا ومتى، والتي يفتقدها مرقس. انجيل توما تجاهل قصة الصلب جملة وتفصيلا. وعلى هذا فلا يمكن القول ان كاتب انجيل توما قد نسخ من لوقا أو متى، وإنما من المصدر المفقود الذي اعتمد عليه لوقا ومتى.
مسألة النقل هذه لا يمكن أن ينكرها أحد، لأن لوقا بنفسه أكدها في بداية كتابه، فقال: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقنة عندنا. كما سلّمها إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين وخدّاما للكلمة" -- وعلى هذا فإنه كان كثيرون يكتبون اناجيل، مستندين الى الامور التي استلموها ممن كان قبلهم. وطبعا مسألة "استلموها" لا تعني بالضرورة التسليم يد بيد، وإنما وصلتهم بطريقة أو بأخرى.
بعض الاناجيل صادقت عليها الكنيسة وأعتبرتها قانونية، وهي الاربعة الموجودة حاليا، والتي لم تحظى بموافقة الكنيسة تم اتلافها، مع انهم جميعا كتبوا اناجيلهم مستندين الى المصادر التي استلموها، بحسب ما يقوله لوقا!
هذه المصادر التي استلموها، ونقلوا منها الى اناجيلهم، لم يعد لها وجود الآن! نقولها مرة أخرى: المصدر مفقود! هذا المصدر المفقود هو ما تم الاصطلاح على تسميته بإنجيل كيو (Q).
وبعد هذه المقدمة الموجزة، لنرى الان أمثلة على قيام لوقا ومتى بتحريف النص المقتبس من المصدر المفقود، انجيل كيو (Q).
آية يونان النبي:
لوقا متىّ
11: 29 ... هذا الجيل شرير يطلب اية و لا تعطى له اية الا اية يونان النبي
11: 30 لانه كما كان يونان اية لاهل نينوى كذلك يكون ابن الانسان ايضا لهذا الجيل
11: 32 رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل و يدينونه لانهم «تابوا بمناداة يونان» و هوذا اعظم من يونان ههنا 12: 39 ... جيل شرّير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلاّ آية يونان النّبيّ.
12: 40 لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيّام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليال.
12: 41 رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنّهم «تابوا بمناداة يونان» وهوذا أعظم من يونان ههنا
اختلاف الالفاظ بعض الشيئ ليس بالمشكله، والاناجيل بأي حال مكتوبة بالمعنى.
لاحظ كيف قام متىّ بتحريف النص في الاية 12: 40 وإخراجه من مضمونه، وقارنه بالاية 11: 30 من انجيل لوقا. متىّ غير النص عن مساره وأدخل فيه فكرة جديدة تختلف اختلافا كليا عمّا كتبه لوقا!
يونان النبي رجل ابتلعه حوت ثم ألقى به على الشاطئ ، بطريقة سرية لم يرها أحد ولم يسمع بها أحد. نفتح كتاب يونان في العهد القديم ولانجد ان هذه الاية كانت لأحد سوى ليونان نفسه. لم يخبر بها يونان أحد ولم يعلم بها أحد من أهل نينوي، فكيف يمكن ان تكون آية لهم وهم لم يروها. فإذا أخبرتك مثلا ان حوت ابتلعني، فهل ستصدقني؟
آية يونان التي قصدها يسوع لا علاقة لها بالحوت كما توهم متىّ وكتب وحرف في انجيله. تجد تفسير آية يونان التي قصدها يسوع في الاية الاخيرة ، "لانهم تابوا بمناداة يونان". مناداة يونان ، الطريقة التي كان ينادي بها يونان أهل نينوي هذه كانت آيته. المسألة واضحه، تابو بمناداته، ولا علاقة للحوت بتوبتهم. شاهدوه وهو يدعوهم بلا كلل ولا ملل من بداية اليوم الى آخره فتأثروا به وآمنوا. قالوا لا يمكن ان يكون هذا الرجل كاذب وهو يبذل هذا المجهود الجبار، لابد انه صادق فيما يقول. بالمعنى المختصر ان يونان بنفسه كشخص ، والطريقة التي كان يدعوهم ويناديهم بها ، هذه هي آيته. وليس لأنه دخل في حوت أو خرج من حوت.
هذا النص كتبه مرقس بطريقة مختصرة جدا، ولكن المعنى لم يتغير كثيرا، فقال: "لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحقّ أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية" (مرقس 8 : 12). لا يونان ولا غيره - أتريد آية؟ إنسى، نجوم السما أقرب لك.
مثال ثاني، الخيرات عند متىّ أصبحت الروح القدس عند لوقا:
لوقا متىّ
11: 9 وانا اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم
11: 10 لان كل من يسال ياخذ و من يطلب يجد و من يقرع يفتح له
11: 11 فمن منكم و هو اب يساله ابنه خبزا افيعطيه حجرا او سمكة افيعطيه حية بدل السمكة
11: 12 او اذا ساله بيضة افيعطيه عقربا
11: 13 فان كنتم و انتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الاب الذي من السماء يعطي «الروح القدس» للذين يسالونه 7: 7 اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم
7: 8 لان كل من يسال ياخذ و من يطلب يجد و من يقرع يفتح له
7: 9 ام اي انسان منكم اذا ساله ابنه خبزا يعطيه حجرا
7: 10 و ان ساله سمكة يعطيه حية
7: 11 فان كنتم و انتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب «خيرات» للذين يسالونه
يسوع يضرب لاتباعه مثل بسيط ، فيقول ، اذا كنتم انتم الاشرار لا تعاملون ابنائكم الا احسن معاملة ، فما بالكم بأباكم الذي في السموات. فالاب منكم اذا سأله ابنه خبزا لا يعطيه حجرا، أو يسأله سمكة فيعطيه حيّه. فقام لواقا وحرف في النص، واستبدل السمكة بالروح القدس! جعل الروح القدس بدلا من الخيرات الدنيوية البسيطة التي قصدها يسوع!
طبعا نحن لا نحاول أخذ كل شاردة وواردة على انها تحريف. فمثلا الاية (11: 12) في لوقا لا يقابلها شيئ في متىّ، ولكن بما ان المعنى نفس الشيئ، فلا مشكلة في ذلك. المشكلة تكمن في تغير المعنى الذي يقود الى تغير الاعتقاد، هذه هي الطامة الكبرى.
ها نحن الان نراهم يكذبون ويلفقون أشياء لا اساس لها من الصحة، فكيف يمكن تصديقهم في أشياء لم يؤكدها مصدر مستقل؟
مرقس لا يزايد عليه أحد... يزعم انه أعاد اكتشاف يسوع وفهم رسالته التي لم يفهمها تلاميذه وأقرب المقربين إليه!
فمثلا نجده يقول: "لانه كان يعلم تلاميذه و يقول لهم ان «ابن الانسان يُسلم الى ايدي الناس فيقتلونه و بعد ان يقتل يقوم في اليوم الثالث». و اما هم ((فلم يفهموا))" (مرقس 9: 31 - 32).
لاحظ قوله في الاية 31، "يُعلم تلاميذه"، صيغة الحاضر، أي ان هذه ليست المرة الاولى، وانما كان يعلمهم باستمرار، ولكنهم لا يفهمون!
الوحيد الذي فهم ما يقوله يسوع هو مرقس فقط. حتى أن كاتب انجيل متىّ لم يفهم، واستعصى عليه هذا اللغز العجيب الغريب! فنجده كتب النص الذي نسخه عن مرقس بطريقة تختلف بعض الشيئ: "قال لهم يسوع: «ابن الإنسان سوف يسلّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وفي اليوم الثّالث يقوم» ((فحزنوا جدّا))." (متىّ 17: 22). لم يستوعب متىّ كيف يمكن لهذه الجملة السلسة البسيطه ان لا يفهمها التلاميذ، فاستبدل «لم يفهموا» بـ «حزنوا جدا». المسكين متىّ على نياته، لم يكن يعلم ما كان يدور في خيال مرقس.
توجد رسالة كتبها يعقوب رئيس كنيسة القدس، أول كنيسة في العالم. وفي العرف المسيحي يعتبر يعقوب أخو يسوع. رسالة يعقوب موجودة من ضمن كتب العهد الجديد، وهي من الرسائل التي اعتبرتها الكنيسة قانونية. كتب رسالته في حدود سنة خمسين ميلادي. ولم يتحدث في رسالته عن أي آلام ومعاناة وجدها أخاه. ولم يذكر موته على الاطلاق، ناهيك ان يقول انه جاء ليموت من اجلكم أو ليحرركم من لعنة الناموس. وعن هذه الرسالة يقول احد مؤرخي العهد الجديد:
رسالة يعقوب
http://www.earlychristianwritings.com/james.html
"إذا كان يعقوب، اخ الرب يسوع، هو مؤلف الرسالة، فإنه شيئ مدهش ان نجد في الاية (5: 10 - 11) ان أيوب وليس يسوع، هو المثل الذي يقتدى به في الاستعداد لتحمل المعاناة." "If James the Lord's brother were the author of the Letter, then it is amazing that in James 5.10-11 it is Job and not Jesus who serves as an example of willingness to suffer."
وعلى هذا نرى ان يسوع في نظر أخيه يختلف اختلافا كليا عن يسوع الذي ذكره مرقس في انجيله. فهل يعقل ان يكون مرقس الذي كتب انجيله في روما، ولم يقابل يسوع قط، عرف يسوع أكثر من أخيه؟
مرقس سار على خطى بولس وزاد عليه. بولس كان مصيره الطرد من كنيسة القدس، ولم يتعاطف معه سوى بطرس وبرنابا، وبعد ان اكتشفوا أمره وعلموا بنواياه في انه يعمل على تأسيس دين جديد، مستغلا اسم يسوع، خاصموه. شخص يبحث عن الشهرة بأي طريقة كانت.
وشيئا شيئا تطور يسوع من نبي مرسل الى بني اسرائيل، ثم الى ابن الله الذي افتدى البشرية. وبعد ذلك الى الإله المتجسد، وكان هذا بعد 300 سنة من موته!

* تهمة لا يعاقب عليها القانون
قال كتبة الاناجيل ان التهمة التي وجهها اليهود ليسوع هي التجديف على الله وادعائه انه ابن الله أو المسيح ابن المبارك.
"فسأله رئيس الكهنة أيضا: أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو...  فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود؟" (مرقس 14: 61...63)
تخيل القاضي وهو واقف على منصة القضاء يمزق ثيابه!
ما قال عنه مرقس والذين نسخوا عنه تجديف، هو ليس في الحقيقة كذلك. في العرف اليهودي مصطلح المسيح ابن المبارك ليس بتهمة على الاطلاق. لأن اي شخص مسح بالزيت ممكن ان يطلق على نفسه، أو يطلق عليه الناس مسيح. وقوله ابن الله، هذه ايضا ليست بتهمة عند اليهود. لأنه في عرفهم ان أي شخص ملتزم بدينه يُدعى ابن الله. ولكن مرقس الاغريقي الذي لا يعرف شيئا عن مفاهيم اليهود اعتقد ان هذا التعبير يعني انه ابن الله بحق وحقيقه، جاء من صلبه! نظر لها بالنظرة الاغريقية وليست اليهودية.
الاقتباس التالي لأحد اليهود، ألف كتابا عن يسوع بعنوان، "يسوع في العرف اليهودي":
http://www.rejectionofpascalswager.net/sanhedrin.html
"استخدام العبارة «ابن المبارك» أو «ابن الله» ليست بجريمة تستحق الموت. والاشارة الى الجلوس عن يمين القوة (مرقس 14: 62) لا تفرق كثيرا عن تلميح الملك داوود عن نفسه يجلس عن يمين الله (مزمور 110: 1)، وفي أي حال من الاحوال، ليس في هذه التعابير ما يشير الى التجديف."
لا صليب ولا مسامير ولا تهمة صحيحه، عن أي يسوع تتحدث هذه الاناجيل؟
في الرواية التلمودية التي سبق ورأينا كانت تهمته السحر. وها هي الرواية مرة اخرى بصيغتها المختصرة:
Jesus in the Talmud - يسوع في التلمود
http://en.wikipedia.org/wiki/Jesus_in_the_Talmud
ساحر – السنهدرين 43a يروي محاكمة واعدام ساحر اسمه يسوع ("يشو" في العبريه) وخمسة من تلاميذه. الساحر رُجم وعُلق في عشية عيد الفصح.
لا يوجد في جميع الاناجيل الاربعة على الاطلاق ما يشير الى ان اليهود اتهموه بالسحر، أو حتى نظروا اليه على انه ساحر، ولكن يحتمل ان تكون هذه هي التهمة التي ادانوه بها، وذلك لأن القرآن ألمح الى شيئ من هذا القبيل: "واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا «سحر» مبين" (المائدة 110).
الاسم المكتوب يشو (Yeshu) لا يعني يسوع كما يتوهم المسيحيين، وإنما رمز مختصر من عدة كلمات في العبرية استخدمه اليهود للاشارة اليه، ومعناه «لعل إسمه وذكره يُطمس الى الابد» (may his name and memory be obliterated)، ويعادله بإختصار "الملعون"!
وطبعا هو اسمه عيسى، وليس يسوع أو يشو -- في بداية القرن العشرين تم اكتشاف نقش حجري في تركيا، يعود تاريخه الكربوني الى سنة 70 ميلادي، عليه نقش لإمرأة تحتضن طفلها، ومكتوب عليه بالاغريقي (Esa our Lord) ومعناها «سيدنا عيسى». وهذا يعتبر أقدم أثر تاريخي مُكتشف ليسوع على الاطلاق. وفيه تأكيد على ان الاسم الحقيقي للمسيح كان عيسى وليس يسوع أو يشو.

*بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما
يخبرنا يوحنا انه قبل وصول جند الهيكل قال يسوع لربه وخالقه: "العمل الّذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يوحنا 17: 4). ويفترض ان أي شيئ يحدث بعد ان اكتملت الرسالة لا قيمة له، وليس جزء من المهمة. فكيف بعد هذا يمكن القول ان المهمة الاساسية، الصلب، لم تبدأ بعد؟ فأي عمل اكتمل إذن؟
المشكلة هي ان النصوص اختلط فيها الحابل بالنابل. لا يوجد نص إلا ويوجد نقيضه. ومسألة الترجيح بين نص وغيره لا تقوم على اسـس منطقيه وعقلانية، وإنما على أساس تغليب نص على غيره، على حسب المزاج والاعتقاد السائد بين اتباعه. أي نص لا يقود الى الصليب يتجاوزون عنه أو يحملونه على غير معناه الظاهر!
جميع النصوص التي تقود الى الصليب الروماني نسبت الى يسوع في أوقات متأخرة جدا، وذلك لتبرير عملية الصلب. ولو كانت تلك النصوص صحيحة لذكرتها الاناجيل الاقدم، ولو حتى بالمعنى. ولكن لا يوجد شيئ من ذلك. إنجيل كيو المفقود، وبعد استثناء آية يونان التي اخترعها متّى، لن تجد فيه نص واحد يدل على ان يسوع جاء ليقتل نفسه من أجل أتباعه!
(1) رسالة الى اليهود: "سمع الفرّيسيّون الجمع يتناجون بهذا من نحوه فأرسل الفرّيسيّون ورؤساء الكهنة خدّاما ليمسكوه. فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيرا بعد ثمّ أمضي إلى الّذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود فيما بينهم: إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتّى لا نجده نحن؟ ألعلّه مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيّين ويعلّم اليونانيّين؟" (يوحنا 7: 32 - 35). أمضي الى الذي أرسلني وليس الى شتات اليونانيين.
(2) رسالة مماثلة الى التلاميذ: "يا أولادي أنا معكم زمانا قليلا بعد. ستطلبونني وكما قلت لليهود: حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم أنتم الآن" (يو 13: 33). وأين سيذهب؟ كما قال لليهود: أمضي الى الذي أرسلني.
(3) حان وقت الرحيل: "أمّا الآن فأنا ماض إلى الّذي أرسلني" (يو 16: 5). وكان هذا الكلام قبل وصول جند الهيكل بلحظات.
(4) هروب التلاميذ: "هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرّقون فيها كلّ واحد إلى خاصّته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأنّ الاب معي" (يو 16: 32). ما نجد هنا انه ستأتي عليه لحظة زمنية يبقي فيها وحده، ليس معه أحد سوى الله. لا أحد يعلم ما الذي حدث في اللحظة التي بقي فيها وحده.
(5) النداء الاخير قبل الاقلاع: "أَمَّا الآن فَإِنِّي آتي إِلَيك" (يو 17: 13).
(6) حلقة الوصل: شُبّهَ لهم.
وبعد التخلص من كافة النصوص الملفقة التي تقود الى السراب، والقصة التي ألفها مرقس في روما، ثم نقرأ النصوص في الاعلى، مع الاخذ بعين الاعتبار الضريح الفارغ، وصورة يهوذا الاسخريوطي وهو محطم الجمجمة ومنشق من الوسط، فلن يكون أمامنا من استنتاج سوى انه "شبه لهم".
المكان الذي ذهب اليه يسوع لا يقدر التلاميذ ان يصلوا اليه: "حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، وقال نفس الكلام لليهود في الهيكل.
لم يطلبه اليهود سوى مرة واحدة فقط وهي عندما جاؤوا للقبض عليه. فإن كانوا قد وجدوه فقد باءت نبؤته بالفشل. التلاميذ أيضا سعوا في طلبه بعد ظهور الاشاعات عن قيامته، وربما ذهبوا الى الجليل ومدن أخرى، ولكنهم لم يجدوه، لأنه ذهب الى مكان لا يقدرون الوصول اليه، لا هم ولا اليهود، "أمضي الى الذي أرسلني".
بعد وصول جند الهيكل، كل التلاميذ هربوا وتركوه وحده، ولكن، وبحسب قوله، لم يكن وحده لأن الاب معه.
ربما يقول قائل ان النصوص في الاعلى واضحة جلية، فكيف جهلها اتباعه وبنوا تصوراتهم على الظنون؟ صحيح انها واضحة وضوح الشمس، ولكن ينقصها كلمة السر: "شُبّه لهم". فإذا لم تأخذ مفتاح اللغز بعين الاعتبار فلن تستطيع حل اللغز أبدا، وستبدو لك النصوص ضبابية، وربما ستقول انه ذهب الى ربه بعد موته. ولكن "الآن" تعني "الآن"، قبل ان يجدوه ويمسكوا به: "ستطلبونني ولا تجدونني"، "أمّا الآن فأنا ماض إلى الّذي أرسلني". المشكلة ان حلقة الوصل مفقوده: شبه لهم!
"بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما" -- الله عزيز جبار قادر على فعل ما لا يتصوره عقل بشر، ولكنه حكيم، يفعل الاشياء لسبب. ثم نجد من يقول لماذا لم يظهره الله لليهود لكي يؤمنوا به ان كان فعلا قد انجاه من الموت؟ يظنون ان العملية وما فيها هي فقط استعراض. رفعه اليه لسبب هو ادرى به، وليس للاستعراض، ولا حتى ميزة له على غيره من الرسل، ولكن مهمة هذا الرسول تختلف عن غيره. حتى ولو اظهره لهم، كيف علمتم انهم سيؤمنون؟ سيقولون ساحر. وبدلا من ان يحاولوا قتله لكي لا يقعوا في الفخ مرة أخرى، فالاحتمال الوارد انهم سيقتلون كل من يتبعه. من ناحية أخرى، اعتقد فيه الجميع انه قتل ثم عُلق على خشبة مثل الفأر الميت، ومع ذلك جعله اتباعه إله! فماذا عساهم جاعليه لو عرفوا الامر على حقيقته؟ "وكان الله عزيزا حكيما"
الختــــــــــــــــــــام
المقدمات الصحيحة تقود الى نتائج صحيحة. والمقدمات الخاطئة تقود الى نتائج خاطئة.
قصة الصلب بشكل خاص، ومعاناة المسيح بشكل عام، شغلت الباحثين عن الحقيقة منذ زمن بعيد جدا، ولكنها تبلورت وزاد عدد الباحثين عنها في العصر الحديث أكثر من أي وقت مضى. وقد سبق وتحدثنا في فصل سابق عن بحث بعنوان «رواية معاناة المسيح قبل مرقس»، (pre-markan passion narrative). هدف البحث هو ايجاد كتابات سبقت مرقس، تصور يسوع بالطريقة التي صورها مرقس، والطريقة التي مات عليها. جميع المحاولات التي أجريت في هذا الخصوص باءت بالفشل الذريع. "لا توجد اشارة الى موت يسوع بطريقة الصلب في أي مادة عن يسوع سبقت مرقس" -- (بَرتون ماك، باحث ومؤلف في التاريخ المسيحي وكتب العهد الجديد).
وكما كان شأن الجهود السابقة، فإن جميع الجهود المستقبلية في البحث عن يسوع مرقس سوف تفشل أيضا. والسبب الذي سيؤدي الى فشلها، كما ادى الى فشل سابقاتها، هو المقدمات الخاطئة التي تبدأ بها. جميعها تبدأ بإلغاء جملة من المصطلحات والنصوص أو حملها على غير معناها. وإن أُخذت كما هي، من غير تجاوز ولا استثناء، لأدت الى نتيجة مغايره.
لابد للباحث من قراءة النصوص بالمعنى الذي تحمله النصوص، لا تحميلها المعني الذي يريده الباحث. وإن كان لا محاله، خذ الاحتمالين، ثم ابحث عن أيهما الاصح. بالاضافة الى الاحتمالين، لابد من أخذ العبارة القرآنية "شبه لهم" بعين الاعتبار. وإن فعلت ذلك، لتوصلت الى نفس النتيجة التى تجدها في هذا التقرير!
وبهذه الخاتمة يصل موضوعنا الى نهايته.

*
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى