مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الاندلس بين عصرين - اول مشفى في بغداد

اذهب الى الأسفل

* الاندلس بين عصرين - اول مشفى في بغداد   Empty * الاندلس بين عصرين - اول مشفى في بغداد

مُساهمة  طارق فتحي السبت يناير 29, 2011 10:14 am

الأندلس بين عصرين
مُساهمة طارق فتحي في الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 17:28

الأندلس… تاريخ الفردوس المنسي
بعد أن سيطر المرابطون على الأندلس، حولوها لولاية تابعة لهم، لتدخل الأندلس عصرا جديدا عادت فيه إلى عصر ما قبل حكم الأمويين، عندما كانت ولاية تابعة للخلافة في دمشق تدار من الخارج، وهو أمر أثار روح الكبرياء لدى الأندلسيين الذين بدأوا ينظرون للمرابطين على أنهم قوات احتلال، وبدأوا يبحثون عن حريتهم المفقودة، ما سيكون له أكبر الأثر على مجرى الحوادث في الأندلس.
قسمت بلاد الأندلس إلى ست ولايات في عصر المرابطين، هي قرطبة وإشبيلية وغرناطة وبلنسية ومرسية وسرقسطة، تولى إدارتها المرابطون الذين اختصوا أنفسهم بالولايات الكبرى في الأندلس وجعلوا أهل البلاد في الوظائف الإدارية، ولضمان سيطرتهم على البلاد من جهة وللوقوف في وجه التقدم الإسباني تقرر تخصيص جيش مرابطي مقيم في الأندلس قدر بـ17 ألف جندي تولى عملية متابعة الجهاد ضد تحركات ألفونسو السادس، واستطاعت القوات المرابطية استعادة عدد من الحصون الإسلامية المهمة كان على رأسها بلنسية.

استغل ألفونسو السادس وفاة عاهل المغرب يوسف بن تاشفين في سنة 500هـ/ 1106م، معتقدا أن الفوضى ستدب في جسد دولة المرابطين عند اعتلاء الحاكم الجديد علي بن يوسف بن تاشفين، فهاجم بلاد الأندلس وأرسل حملة عاثت فوضى في إقليم إشبيلية، وهدد المدينة بالغزو، لذلك أمر أمير المرابطين الجديد أخيه تميما حاكم غرناطة لمواجهة ألفونسو ورده عن بلاد المسلمين، وبالفعل خرج تميم على رأس قوات الأندلس وحاصر حصن أقليش شرقي طليطلة.
أراد ألفونسو السادس نجدة الحصن وهزيمة القوات المرابطية هزيمة ساحقة في الوقت ذاته، لذلك أرسل حملة من سبعة آلاف جندي بقيادة أكبر قواده ألبر هانش، وليزيد من حماسة جنده أرسل مع الحملة ولده سانشو (شانجة) الذي لم يكن قد بلغ الحادية عشرة من عمره، إلا أن الحملة منيت بهزيمة ساحقة تحت أسوار أقليش في سنة 501هـ/1108م، أعادت ذكرى انتصار الزلاقة الساحق، وقتل تحت أسوار أقليش الأمير سانشو بن ألفونسو السادس، وسقط حصن أقليش في أيدي المسلمين هو وعدد من الحصون المجاورة، وكان انتصار أقليش أعظم انتصار حققه المرابطون في الأندلس على قوات قشتالة بعد انتصار الزلاقة.
لكن النتيجة الأهم كانت متمثلة في أن خبر مقتل الأمير سانشو ما كاد يصل إلى والده الملك ألفونسو، حتى انزوى وأصيب بالاكتئاب حزنا عليه، ولم يلبث أن مات في سنة 503هـ/1109م، لتنتهي بذلك حياة هذا الرجل الذي دوخ بلاد الأندلس، وأحرج ملوك الطوائف، وشكل خطرا داهما على وجود الإسلام في الأندلس عقودا، وكانت وفاته نذيرا باندلاع الحرب الأهلية بين الممالك الإسبانية لوراثة عرش ألفونسو الذي لم يترك وريثا ذكرا، ما أراح الأندلسيين من هجمات الإسبان إلى حين.
كان انتصار أقليش ووفاة ألفونسو السادس، بداية نشاط حربي مكثف للقوات المرابطية في الأندلس، فقد عبر أمير المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين إلى بلاد الأندلس في عام 504هـ، بغرض “الجهاد، ونصر الملة، وإعزاز الكلمة”،
وكان غرضه استعادة مدينة طليطلة، لذلك انطلق صوب المدينة الحصينة عاصمة قشتالة، وفي طريقه استعاد مدينة طلبيرة، وعددا من حصون إقليم طليطلة، وبدأ حصار المرابطين لطليطلة إلا أن مناعة أسوارها الشاهقة ووعورة الطريق الجبلي المحيط بالمدينة، فضلا عن قيادة ألبار هانيس أكبر قواد قشتالة، أجبر علي بن يوسف على فك الحصار عن طليطلة.
سقوط سرقسطة
وفي أثناء محاصرة أمير المرابطين لمدينة طليطلة، كان جيش مرابطي آخر بقيادة سير بن أبي بكر يتصدى للخطر الذي نجم في غرب الأندلس المتمثل في قيام إمارة البرتغال، بعد أن استقل بها الأمير هنري البرجوني، صهر الملك ألفونسو السادس وزوج ابنته الذي اتخذ من قُلُمرية عاصمة لولايته، واستطاع سير بن أبي بكر تقليم أظافر البرتغال واسترد مدن أشبونة وشنترين، كذلك استعاد الأسطول المرابطي الجزر الشرقية (جزر البليار: ميورقة ومنورقة) من قوات المدن الإيطالية جنوا وبيزة.
انتصارات المرابطين لم تمض بلا منغصات، فقد تلقت القوات المرابطية ضربة لنفوذها العسكري بعد ضياع مدينة سرقسطة (قاعدة الثغر الأعلى) التي كانت البوابة الحصينة للأندلس ضد أطماع دوقية برشلونة في الشرق ومملكة أراجون الإسبانية في الشمال.
كان ألفونسو الأول “المحارب”، ملك أراجون، يسعى إلى غزو سرقسطة، وحاول مهاجمتها أكثر من مرة إلا أن القوات المرابطية صدته بنجاح، لذلك استعان ملك أراجون بالفرسان الصليبيين من فرنسا وإيطاليا، وكانت انتصارات الحملة الصليبية في المشرق باعثا لموجة من الحماس الديني في أوروبا ضد الإسلام،
وهي مشاعر استغلها ملك أراجون لمصلحته، وهاجم سرقسطة بجيوشه والإمدادات الصليبية، وضرب الحصار على المدينة في شهر صفر سنة 512هـ/مايو 1118م، ورغم المعارك الطاحنة بين الفريقين، التي استبسل فيها أهالي سرقسطة، فإن الحصار استمر مدة سبعة أشهر حتى آتى على معنويات أهالي سرقسطة، وكان فصل الخطاب وفاة والي المدينة عبدالله بن مزدلي، فلم يجد أهالي المدينة إلا التسليم في 3 رمضان سنة 512هـ/18 ديسمبر سنة 1118م، وحول ملك أراجون المدينة فور دخولها إلى عاصمة لمملكته وجعل منها مركز أسقفية، وهكذا سقطت سرقسطة بعد أن حكمها الإسلام مدة أربعة قرون كانت خلالها سدا منيعا أمام هجمات الإسبان والفرنسيين.
ضربة موجعة
كان ضياع سرقسطة ضربة موجعة بعد سقوط طليطلة، وانكمشت بلاد الإسلام في الأندلس في إثرها لصالح مملكة إراجون التي لم تكن تعدو أن تكون مجرد نتوء بجوار ضخامة ولاية سرقسطة، إلا أنها أخذت في التوسع على حساب المسلمين سريعا، كذلك ألحق ضياع سرقسطة ضربة موجعة لجهود المرابطين وسمعتهم الحربية وأعاد الثقة من جديد للممالك الإسبانية في مواصلة حرب الاسترداد.
حاول المرابطون استعادة سرقسطة إلا أنهم تعرضوا لهزيمة ساحقة في كتندة سنة 514هـ/1120م، أنهت التفوق المرابطي على الإسبان، وعاد الأندلسيون إلى خانة الدفاع من جديد، فأقيمت الأسوار والحصون لحماية المدن الأندلسية.
في ذلك الوقت، كانت دولة المرابطين تمر بمرحلة عنفوان قوتها إلا أن عوامل الانهيار برزت بغتة عندما بدأ محمد بن تومرت في نشر دعوة دينية جديدة قائمة على التوحيد، ودخلت الدعوة الجديدة في حروب طويلة ضد دولة المرابطين طوال عهد علي بن يوسف بن تاشفين، وعندما تُوفي في سنة 537هـ/1143م بدأت دولة المرابطين في الانحلال،
واستطاع قائد الموحدين عبدالمؤمن بن علي أن يدخل مراكش عاصمة المرابطين في 18 من شوال 541هـ/24 مارس 1147م، ليزيل دولة المرابطين من صفحة الوجود ويعلن قيام الدولة الموحدية الجديدة، التي ضمت تحت لوائها بلاد المغرب من طنجة غربا حتى حدود مصر الغربية شرقا.
وبدأ عبدالمؤمن بن علي يمد بصره صوب الأندلس، ليمد نفوذه إليها كما كان الحال في عهد المرابطين، وكانت الحرب بين المرابطين والموحدين أنهكت الجبهة الأندلسية وضربت الفوضى البلاد، وهي فرصة استغلها الإسبان جيدا، وهاجموا مدينة ألمرية الساحلية، التي كانت تعد معقل الأسطول الأندلسي، وسقطت المدينة بمساعدة فرنسية،
واستشهد الآلاف وأسر العديد من أهالي المدينة “وأحصي عدد من سبي من أبكارها فكان أربعة عشر ألفا” كما أورد المقري، كذلك سقطت مدن طرطوشة ولاردة في شرق البلاد في سنة 543هـ/1148م. في وقت كان ألفونسو السابع قد نجح في استعادة وحدة البلاد الإسبانية تحت زعامة قشتالة من جديد، بعد أن اعترفت به جميع ممالك الإسبان قيصرا عليهم.
لذلك أرسل عبدالمؤمن بن علي قواته صوب الأندلس بهدف القضاء على بقايا المرابطين والدفاع عن الأندلس، واستطاعت قواته أن تنشر النفوذ الموحدي سريعا، وعبر عبدالمؤمن بن علي على رأس جيش كبير قُدر بـ200 ألف مقاتل إلى جبل طارق في سنة 558هـ/ 1163م، استعدادا لدخول الأندلس وفي رأسه مشروع لإعادة فتح جميع المعاقل الإسبانية وليس فقط مواجهة أطماع ملك البرتغال في مدن غرب الأندلس، إلا أن الأقدار لم تمهله، فوافاه أجله.
موقعة الأرك
خلف أبويعقوب يوسف والده في حكم دولة الموحدين، الذي تهيأ لحملة كبيرة في سنة 580هـ/1184م في محاولة لاستعادة مدينة شنترين من ملك البرتغال، إلا أن الخليفة الموحدي فك الحصار عن المدينة بعد أنباء وصلت إليه بتقدم ملك ليون لنجدة بني جلدته، وأثناء انسحاب ملك المغرب تعرض
لهجوم برتغالي أصيب على إثره بجراح قاتلة، وخلفه ولده أبو يوسف الذي تلقب بالمنصور، ويعد عصره ذروة العظمة للدولة الموحدية، في وقت اشتد هجوم الملوك الإسبان والبرتغال على مدن الأندلس، وكانت قمة المأساة هجوم ملك البرتغال سانشو الأول على مدينة شلب الحصينة سنة 585هـ، فأمر المنصور الموحدي بالنفير العام للجهاد، وكانت الأجواء ممهدة لعمل جهادي ضخم في الأندلس بعد أنباء الانتصار التاريخي الذي حققه صلاح الدين الأيوبي في موقعة حطين سنة 583هـ/1187م،
واسترداد مدينة بيت المقدس من الصليبيين فاندلعت موجة حماسة دينية للجهاد في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، فانسالت على المنصور الموحدي جموع المجاهدين من كل حدب وصوب، حتى اجتمع لديه مئة ألف مقاتل، خرج بهم للجهاد في سبيل الله واسترداد مدينة “شلب”.
عندما علم ملك قشتالة ألفونسو الثامن بوصول جيش الموحدين إلى الأندلس قرر الاستعانة بجميع ملوك إسبانيا، وخرج على رأس قواته التي قدرت بمئتي ألف مقاتل بين فارس ورجل، وعسكر بجوار حصن الأرك بالقرب من طليطلة، في النقطة الفاصلة بين مملكة قشتالة والأندلس، وعندما علم المنصور الموحدي بخروجه أمر بالتوجه فورا صوب المعسكر القشتالي.
وضع المنصور الموحدي خطة المعركة بمساعدة أبو عبدالله بن صناديد كبير القادة الأندلسيين الذي كان من أعقل وأخبر زعماء الأندلس بمكائد الحروب، وعلى معرفة كاملة بتحركات الإسبان وطرق الإيقاع بهم، فأشار على السلطان المنصور باختيار قائد موحد للجيش، فوقع الاختيار على أبي يحيى بن أبي حفص المغربي كقائد عام على الجيوش الإسلامية.
كما أشار ابن صناديد على المنصور بتنفيذ خطة شبيهة بتلك التي نفذت في موقعة الزلاقة، بتقسيم الجيش إلى نصفين، الجيش الرئيسي في المقدمة، والنصف الثاني كقوة احتياطية لترقب سير المعركة.
تولى ابن صناديد قيادة ميمنة الجيش التي تضم الفرق الأندلسية، بينما احتل الجيش الموحدي النظامي القلب، وكانت فرق العرب الهلالية والبربر في الميسرة، في حين شغلت القوات المتطوعة مؤخرة الجيش، ووقف الخليفة الموحدي على رأس القوات الاحتياطية وحرسه الخاص فوق أحد التلال يترقب سير المعركة.
وقبل المعركة الفاصلة أرسل الخليفة المنصور رسالة إلى جميع جنوده قال فيها: “إن الأمير يقول لكم: اغفروا له؛ فإنَّ هذا موضع غفران، وتغافروا فيما بينكم، وطيبوا نفوسكم، وأخلصوا لله نياتكم”. ثم قام الخطباء يخطبون عن الجهاد ويذكرون بفضله وشرفه ومكانته ويحمسون الجند له.
وفي 9 من شهر شعبان سنة 591هـ، التقى الفريقان في معركة شرسة، بدأ فرسان قشتالة الهجوم، لكن ابن صناديد نادى بأعلى صوته “أثبتوا معشر المسلمين، ثبت الله أقدامكم بالعزمة الصادقة”.
قوات الاحتياط
ركز الملك ألفونسو الثامن هجومه على قلب الجيش الإسلامي ظنا منه أن من يقوده هو الخليفة الموحدي، وهو الهجوم الذي زعزع صفوف المسلمين رغم بسالة دفاعهم، وسقط قائد الجيش العام أبي يحيى بن أبي حفص شهيدا، فأمر ابن صناديد بالهجوم العام على الربوة التي يتمركز بها ألفونسو الثامن، و”أخذوا في قتال مَنْ بها فاشتد القتال، وعظمت الأهوال، وكثر القتل في النصارى”.
هنا أمر الخليفة الموحدي قواته الاحتياطية بالنزول إلى ساحة الوغي “فضربت الطبول، ونشرت الرايات، وارتفعت الأصوات بالشهادة، وتسابقت لقتال أعداء الله الأبطالُ والجنودُ، وزحف أمير المؤمنين بجيوش الموحدين، قاصداً لقتال أعداء الله الكافرين، فتسابقت الخيل وأسرع الرجال، وقصدوا نحو الكفرة، للطعان والنزال، فبينما ألفونسو الثامن قد همَّ وعزم أن يحمل على المسلمين بجميع جيوشه،
ويصدهم بجنوده وحشوده؛ إذ سمع الطبول عن يمينه قد ملأت الأرض، والأبواق قد طبقت الرُّبَا والبطاح، فرفع رأسه لينظر فيها، فرأى رايات الموحدين قد أقبلت، واللواء الأبيض المنصور في أولها عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا غالبَ إلا الله، وأبطال المسلمين قد تسابقت وجيوشهم قد تناسقت وتتابعت،
وأصواتهم بالشهادة ارتفعت، فقال: ما هذا؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين قد أقبل، وما قاتلك اليوم كله إلا طلائع جيوشه، ومُقَدِّمات عساكره، فقذف الله عز وجل الرعب في قلوب الكافرين، ووَلَّوا الأدبار منهزمين، وعلى أعقابهم ناكصين “على حد وصف المؤرخ المعاصر ابن أبي زرع”.
انقشعت غبار المعركة عن انتصار الجيش الإسلامي وهرب ملك قشتالة إلى بلاده يحمد ربه على النجاة، كان انتصار الأرك قرينا بانتصار الزلاقة، وتخليدا لذكرى هذا الانتصار بنى الخليفة الموحدي مأذنة ضخمة شاهقة الارتفاع لمسجد إشبيلية لا تزال موجودة حتى الآن.
إلا أن عظمة الانتصار لم يعقبه استثمار حقيقي لهذا النصر الكبير، فكان من المنتظر أن يتابع المنصور الموحدي انتصاره الكبير بعمل حاسم بفتح طليطلة، أو استعادة سرقسطة أو غيرها من مدن الأندلس الرئيسية التي سقطت في قبضة الإسبان.
لم يكسب المسلمون شيئاً سوى النصر، من موقعة الأرك فلم نجد عملاً حربياً حقيقياً يكرس لانتصار المسلمين بفتح مدينة أو إسقاط حصن، فقط مظاهرات حربية جوفاء لم تنجح إلا في تقليم أظفار ملك قشتالة ألفونسو الثامن إلى حين.
من ناحيته، لم ينس ألفونسو الثامن هزيمته أمام الموحدين أبدا، وبدأ على الفور في العمل على بناء جيش جديد ينازل به المسلمين، ويقول المؤرخ عبدالواحد المراكشي “وخرج الأذفنش (أي ألفونسو) لعنه الله، إلى قاصية الروم مستنفرا من أجابه من عظماء الروم وفرسانهم وذوي النجدة منهم، فاجتمعت له جموع عظيمة من الجزيرة نفسها ومن ألمان، حتى بلغ نفيره القسطنطينية، وجاء معه صاحب بلاد أرغن المعروف بالبرشنوني لعنه الله”.
واجتمع لديه قوات منظمة قدرت بمئة ألف جندي، وانتظر في بلاده ثغرة ينفذ منها إلى الأندلس، وجاءت الثغرة عندما تُوفي بطل الأرك الخليفة الموحدي المنصور في سنة 595هـ/1199م، وخلفه ولده أبو عبدالله محمد الناصر، الذي أهمل شأن الأندلس نتيجة انشغاله بثورات إفريقية.
اضطر الخليفة الناصر لدخول الأندلس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإيقاف التقدم القشتالي، فدخل الخليفة الموحدي الأندلس في جيش جبار قدر بمئتي ألف مقاتل، وعندما علم ألفونسو الثامن بوصول الجيش الموحدي للأندلس خرج من طليطلة على رأس قواته فهاجم حصن رباح واستعاده، وارتد قائد الحصن ابن قادس الأندلسي، وعندما قابله الخليفة الناصر رفض عذره وأمر بقتله.
كان لقتل ابن قادس وقع سيئ على الأندلسيين الذين وجدوا أحد رؤسائهم يقتل بلا ذنب، فعزموا على الانتقام من قاتله، وكانوا يشكلون ميمنة الجيش، وعندما تقابل الجيشان في سهل “العقاب” صباح (الاثنين) 15 من صفر سنة 609هـ/16 من يوليو 1212م، هجم القشتاليون على مقدمة الجيش، وقد ثبت لهم هؤلاء، فارتد الجيش القشتالي بعد أن فشا القتل فيه وفشل الهجوم الأول، وفي الوقت ذاته ردت ميمنة الجيش الإسلامي وميسرته الهجوم القشتالي، وبدا أن النصر انحاز للمسلمين بعد أن فشا القتل في الجيش القشتالي.
كان ألفونسو الثامن تعلم من معركة الأرك، فقام بإعداد قوات احتياطية، وعندما وجد الهزيمة قد بدأت تحيق بجيشه الرئيسي علم أنه لن يستطيع أن يعيد بناء قواته من جديد فألقى بجميع موارد بلاده في هذه المعركة، ولسان حاله إما النصر وإما الموت، فاندفع ومعه قواته الاحتياطية يقاتل قتال اليائس، فانتظمت صفوف الجيش القشتالي خلفه، وركز هجومه على قلب الجيش الإسلامي حيث الخليفة الموحدي الناصر،
وحمى وطيس المعركة، ورغم استبسال الخليفة وتفاني حرسه الخاص في الدفاع عنه فإنه لم يجد مفرا من الانسحاب من أرض المعركة، بعد أن انسحبت الفرق الأندلسية من الجيش الإسلامي وفاء لانتقامها من مقتل كبيرها ابن قادس، ولم ينسحب الناصر من المعركة إلا بعد أن فني حرسه الخاص، وكاد يفقد حياته، وانتهت المعركة بهزيمة الجيش الموحدي، ومقتل معظم جنوده أثناء محاولتهم الفرار من ساحة المعركة.
كانت خسائر الموحدين في معركة العقاب فادحة، فقد قتل في المعركة ما لا يقل عن مئة ألف جندي، فكان المرء يتجول في بلاد المغرب في أعقاب المعركة فلا يجد شابا قادرا على حمل السلاح، وخيمت أجواء الحزن على بلاد المغرب والأندلس حتى قال الشاعر ابن الدباغ الإشبيلي:
وقائلة أراك تطل تفكرا
كأنك قد وقفت لدى الحساب
فقلت لها أفكر في عقاب
غدا سببا لمعركة العقاب
فما في أرض أندلس مقيم
وقد دخل البلا من كل باب
إلا أن الخسارة الكبرى تمثلت في خسارة الموحدين لسمعتهم الحربية ليس في الأندلس فقط بل في المغرب أيضا، وقوضت هذه الهزيمة بنيان الدولة الموحدية فدخلت في نفق الفوضى، وضعفت قبضتها في الأندلس فانسلت مدنها تباعا في وقت اشتدت هجمة الممالك الإسبانية، فكانت معركة العقاب خاتمة تعيسة للأعمال الحربية الكبيرة للمسلمين لوقف التساقط الأندلسي، فعدت فاتحة لانهيار الأندلس، على الجانب الآخر عمت الاحتفالات ممالك الإسبان وتقرر تخليد الانتصار الإسباني في موقعة العقاب الموافق 16 يوليو عيدا قوميا يحتفل به في سائر أنحاء مملكة قشتالة سمي بعيد “ظفر الصليب”.
حسن حافظ

خستخانة الغرباء .. اول مستشفى في بغداد
يعتبر المستشفى الذي بناه مدحت باشا في بغداد على شاطئ دجله في جانب الكرخ هو اول مستشفى في العراق, قد استمد طابوقه من سور بغداد حاله حال بقية المباني في ذلك الحين وقد تم افتتاح هذا المستشفى في عام 1872 تحت اسم (خستخانة الغرباء) اي(مستشفى الغرباء).وهذا المستشفى لم يكن في الواقع مستشفى بالمعنى المتعارف عليه في ايامنا بل كان اشبه شيء بدار للعجزة
فلم يكن الاهالي في تلك الايام يستسيغون ايداع مرضاهم في مستشفى حكومي بل جرت العادة ان يعتنوا برضاهم في المستشفى حكومي بل جرت العاده على ان يعتنوا بمرضاهم في بيوتهم وكانوا يعتقدون ان الحكومة من شانها قتل المرضى لا علاجهم ولهذا كانت المستشفى التي بناها مدحت باشا مخصصا للغرباء الذين ليس لهم اقارب يعتنون بهم في بيوتهم ولم يلجه في الواقع سوى المعوزين والمتسولين من العجزة وكان قد خصص للمسجلين و المعتوهين .
وقد اهمل المستشفى بعد مدحت باشا وقلت المنفعة منه تدريجيان حتى كانت تنعدم واصيبت بنايته بشقوق وفي عام 1879 عمل الوالي عبد الرحمن باشا على اصلاحه وتجهيزها بالادوات والادوية بمقدار ما ساعدته الظروف في تلك الايام وفي 6 نيسان من تلك السنة اعيد افتتاحه مجددا وحضر حفل افتتاح جمع كبير من الناس وفي عام 1896 قررت الحكومة الاستغناء عنه نهائيا .
وكانت المستشفى الثانية في العراق هو الذي اسسه الوالي نامق باشا الصغير في باب المعظم في الموضع الذي اقيمت عليه بناية السجن المركزي فيما بعد وقد اهتم به نامق باشا اهتماما كبيرا وكانه اراد ان يجعله خيرا من مستشفى مدحت باشا فغرس امامه حديقة واستورد لها الادوية .

شارع النهر حكايات ذهب وفضّة وغزل يشتهي الزغاريد
لكل شارع حياة عاشها، تميزه عن الشوارع الأخرى بنكهة خاصة وتاريخ يروي حكايات العقود التي مر بها وينشد للناس أغاني الأجيال الماضية ، محال تجارية ، قصص العرائس ترويها المحكمة التي أبرمت عقود الزواج ، الصاغة .. الروافون ، صانعو الأحذية والحقائب .. كل شيء في شارع النهر يمد لك يدا من ماض مترف لم يعد موجودا ، غادرنا إلى سجل الذكريات ، فما أجمل ماضينا وما أتعس حاضرنا ، والقلق ديدننا حين نفكر بمستقبلنا المجهول . بين جسرين دخلنا شارع النهر من جهة الجنوب متجهين صوب شماله ، فالشارع يقع بين جسرين ، هما جسرا الشهداء والأحرار . محال لبيع الملابس بالجملة، علما أن الشارع كان لبيع المفرد .. وكان يعج بالنساء والعشاق ، وله دور معروف بالعديد من الزيجات، حتى سمي بشارع العرائس، لأن شراء جميع مستلزمات العرس من محاله التجارية ، فالملابس أو ما يسمى بالنيشان هو من هناك ، وكذلك الحلي الذهبية أو الفضية أيضاً منه .. يقول محمد مجيد صاحب محل كماليات، النهر كان يسمى أيضا بشارع الفرح، لأنه يعج بالعشاق او ما يسمون (بالعشقية) ، مضيفا أن الزغاريد التي يطلقها أهل العرسان في المحكمة أو عند شراء الذهب كانت عنوانا للشارع ، وكانت الأغاني تصدح من المحال مثل "نيشان الخطوبة اليوم جابولي ، ومحبس من ذهب وكلادة صاغولي" ، وما أجملها يقول محمد حين كانت تغنى بصوت المطربة لميعة توفيق، ويضيف أن الأهازيج البغدادية كانت تردد أيضا بعد انتهاء مراسيم العقد مثل " شايف خير ومستاهلها " وغيرها من الأهازيج البغدادية المعروفة ، وأحيانا يجلب أهل العريس فرقاً موسيقية تقوم بالعزف بعد انتهاء عقد القران في المحكمة . شارع الذهب.. ذهب في أول دخولك للشارع تشدك حتما محال الذهب وما أكثرها بمسمياتها الجميلة وبضاعتها التي اختفت عنها العرائس بسبب اختفاء ظاهرة البيع بالمفرد، وتخصصت تلك المحال ببيع الجملة .. مثل مجوهرات الزهراء، المبارك الملوك، الياقوت، ملاك .. وغيرها ، دخلنا أحد المحال المتخصصة ببيع الأحجار الكريمة، حيث يقول صاحب محل فيروز حميد لطيف: إن الأحجار التي عليها طلب هي الفيروز والزاركون ، والعقيق والفيروز الهندي واللؤلؤ ، مضيفا أن سعر البيع 750 ديناراً للغرام الواحد ، وهو يبيع بالجملة ، ويقول أن اغلب الزبائن هم من المحافظات ، وعن مناشئ تلك الأحجار بيّن حميد ان المنشأ الآن هو من الهند وتايلند ، ويرى أن الحركة الآن غير مشجعة ولا يمكن مقارنتها بأيام زمان ، حيث كان يعج بالنساء الجميلات ومن عوائل بغدادية معروفة صائغ السلاطين والملوك يسمى بالأصفر لزحمة محال الذهب ،وتجد واجهات المحال تزهو بالقلائد والأساور والأقراط . وذكر أقدم صاحب محل لصياغة الفضة في الشارع أن المكان غابت عنه النساء في الوقت الحالي ، في زمن كان فيه هو عين المرأة العراقية على القفزات التي تمر بها الموضة في العالم ، لكونه يزدحم بمحال لأحدث موديلات الملابس والإكسسوارات والمصوغات الذهبية والفضية ، وكذلك أرقى أنواع العطور والماكياج ، ويضيف حسام سبتي زهرون الذي جلسنا في محله البالغ من العمر مئة عام: أنا ورثت المحل أباً عن جد ، وكان جدي الصائغ المعروف زهرون عمارة - لكونه ينحدر من مدينة العمارة - يلقب بصائغ الملك ، وقد قام بصياغة الناركيلة الخاصة بالسلطان عبد الحميد ، وعندما كان العراق مستعمرا من القوات البريطانية ، كلفته الحكومة آنذاك بصياغة علبة سيكار لرئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل ، وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني من ضمن مقتنيات تشرشل ، وقد نقش جدي صورته على الوجه الأول وهو رافعا يده ويرتدي قبعته، وفي الوجه الثاني نقش صورة المدمرة البريطانية فكتوريا ، ويضيف حسام أن تشرشل بعث بكتاب شكر إلى جدي لإعجابه بالعلبة . زهرون ملك النقش يقول حفيد زهرون إن الكثير من هدايا المملكة العراقية السابقة من حلي وتحف فضية إلى المملكة البريطانية سواء لملكها أو رؤساء حكوماتها كان جدي هو من يقوم بصياغتها، وفي عام 1922 أرسل له الملك أدور كتاب شكر ، وأثناء الاحتلال البريطاني للعراق زاره الجنرال مود في محله هذا، وقد أعطى لجدي شهرة في سائر بلدان العالم، وهذا ما دفع الحكومة الفرنسية آنذاك الى دعوته لفرنسا ، والمشاركة في معرض باريس للصياغة عام 1932 ، وما تزال إلى الآن أعماله محفوظة في متحف اللوفر ، ويؤكد أن العديد من مقتنياته التي كانت لدى الشخصيات الفرنسية ، هي من مقتنيات المتحف ، وبيّن أن الحكومة الفرنسية آنذاك حاولت إغراءه في البقاء هناك ، لكنه رفض ذلك وعاد إلى الوطن ، وكذلك عمل العديد من الأعمال لشخصيات بولونية ، وفي أيام الحصار عمل والدي أساور من ذهب لإحدى المفتشات الانكليزيات ، فقامت بعد رؤيتها تلك الأساور بتقبيل يد والدي، وفي عام 2003 فوجئنا بدخول احد قادة قوات الجيش الأميركي الى المحل وطلب مني العديد من المصوغات الفضية. ويضيف حسام: إنه فضلا عن الملوك والرؤساء فقد زار المحل أثناء تمثيله لأحد الأفلام في العراق الممثل انطوني كوين حيث عمل له والدي قوبجة حزام فضية موردة، وكذلك في أحد المهرجانات دخل علينا الفنان نور الشريف وزوجته بوسي وابنته مي التي هي الآن مخرجة معروفة، وعملنا له خاتم نقشنا عليه لفظ الجلالة وكان يرتديه في إحدى المسلسلات التلفزيونية، وقمنا بصياغة أقراط اسمها صباح الخير لبوسي وابنتها مي. كان حسام يتحدث إلينا وعلى رأسه تقف العدسات المكبرة وبين الحين والآخر يستذكر الشارع القديم بحسرة وألم، نادبا حظ ذلك الشارع الثري في كل شيء ، وقد ودعنا بودٍ بعد أن قام الزميل المصور محمود بتصويره أثناء انشغاله بالعمل . مركز الموضة العالمية يروي لنا حسين فاضل وهو صاحب محل لبيع الكماليات بالجملة أن الشارع كان نسائياً وليس ذكورياً كما تراه الآن ، وكان الشباب يأتون الى هنا لغرض رؤية الجمال والتغزل به ، وتصدف الكثير من الحالات التي يتم بها الزواج بعد التعارف وهذا يعني أن الشباب لم يأت للتبضع وإنما ليعيشوا اجواء الأغنية المعروفة (مالي شغل بالسوك مريت أشوفك) ، ويضيف حسين أن الشارع كان مركزا للموضة العالمية لان الاستيراد يكون من أرقى المناشئ العالمية بكل شيء، سواء بالكماليات او الأزياء او الإكسسوارات، فكان الشارع هو عين المرأة على القفزات التي تمر بها الموضة، وكانت المرأة البغدادية ترتاد الشارع بأحلى واحدث الملابس العالمية، ولا وجود لأية جهة تفرض عليها زيا محددا فتجد السافرة تسير بجنبها امرأة ترتدي العباءة .فيما يرى احمد نور صاحب محل لبيع الملابس النسائية أن الشارع فقد بريقه بغياب المرأة عنه التي كانت زينته الحقيقية، فضلا عن الزينات الأخرى ، وقد خصصت للمرأة العديد من المقاهي التي ترتادها بعد نهاية عملية التبضع وتقدم في تلك المقاهي القهوة والمرطبات، فضلا عن المشروبات الغازية اعتقد أن المرأة اليوم لو تواجدت في مقهى ما لكانت حصتها رصاصات من كاتم الصوت لا ترحم ، لان حصتها اليوم المزيد التحريمات والتهميش وطقوس وأوامر ما انزل الله بها من سلطان ،المهم لا يهم ما دام الإصغاء أبكم. حمّام حيدر والبانيو الفضي في الشارع كان هناك أقدم حمامات بغداد وهو حمام حيدر حيث الحمام الخاص للخلفاء العباسيين ولزوجاتهم وحاشيتهم ، وكانت صفريات هذا الحمام مصنوعة من الفضة وكذلك بقية الأواني وكانت الصفرية هي بحجم البانيو الغربي حيث يجلس فيه الخليفة أو الأمير ، ثم تحول الحمام بعد ذلك إلى عامة الناس ، لكنه اندثر وأصبح عبارة عن مخازن، وشهدت طارمة هذا الحمام عملية شواء الشلغم الذي قدمه احد وجهاء بغداد لأم كلثوم أثناء زيارتها للشارع . وفي الشارع العديد من المعالم التاريخية كالجوامع والمخازن وكذلك تقع في بدايته من الجهة الجنوبية غرفة تجارة بغداد التي تأسست عام 1926 وقد صممت واجهتها لتكون مطلة على الشارع ،أما خلفيتها فتقع على نهر دجلة، وسوق النهر سمي بهذا الاسم لمحاذاته لدجلة أما الاسم الرسمي له فهو شارع المستنصر .يقول ماجد علوان صاحب محل لبيع العباءة الرجالية في سوق الخفافين... إن الشارع في بداياته كان يعج بالعديد من الجوامع والخانات التي هي عبارة عن مبيت للمسافرين ،ومن تلك الجوامع؛ التكية الخالدية وجامع العادلية الكبير ، فضلا عن أقدم جوامعه وهو الخفافين وسمي بهذا الاسم كونه يقع في سوق صناعة الخفاف وهي جمع خف وتعني الحذاء . وكذلك هناكجامع الباجة جي الذي بني في ثلاثينات القرن الماضي ، ومن الخانات التي فيه الباججي والنملة ودلة نسبة إلى بائع ذهب بالجملة وهو من أصل يهودي والنبكة، وجميعها تحولت إلى محال أو مخازن للبضائع . رائحة القمامة بديلا عن العطور فوزي أبو زينب صاحب محل أحذية وحقائب قال بحرقة وهو يشير بيديه الى العربات الخشبية التي تملأ المكان: العربات دمرت الشارع .... انظر إليها فالحمالون أكثر من الزبائن ، في حين انه أيام زمان ليس فيه غير حمالين اثنين هما المرحومان أبو داود ولطيف ، وكانا بمنتهى الأمانة والحرص ، أما اليوم فأنت تذهب مع الحمال في سبيل التأمين على بضاعتك، مضيفا أن الشارع الذي عبّد بالمقرنص الإسمنتي في ثمانينات القرن الماضي اخذ بالتخسف نتيجة تلك العربات التي لا تعد ، ويعاني الإهمال من ناحية النظافة، ومحاله التي كانت تفوح بالعطور والروائح الزكية تجدها اليوم تعاني تراكمات القاذورات والبرك الآسنة حسب قول ابو زينب الذي ترك محله وذهب معنا لتصوير المعبد اليهودي والذي هو عبارة عن دار زينته الشناشيل كما هي حال بيوت وأبنية الشارع ، ولكن وللأسف توسدت بابه المغلق مكبات القاذورات وأثناء عودتنا قال أبو زينب: أتمنى أن تنقلوا شكوى جميع أصحاب المحال التجارية ، فالقدرة على البيع ليست كما كانت قبل التغيير فهي شبه معدومة ومع ذلك أصحاب الملك رفعوا الإيجارات علينا من مبلغ 500 ألف دينار الى خمسة ملايين دينار سنويا ونحن لا نقوى على ذلك .حمام حيدر تحول في أربعينات القرن الماضي إلى اورزدي كما يقول رضا نوري صاحب محل كماليات، مضيفا انه بالإضافة الى وجود بناية البنك المركزي في الشارع المجاور لجامع العادلية الكبير، هناك فرعان لمصرفي الرافدين والرشيد وأيضا تتواجد فيها محال للصيرفة وهذا ما جعل بورصة الدولار تتخذ الشارع موقعا لها، وبين نوري أن التحول من مهنة الى أخرى أصبح صفة عامة في الشارع، فالشارع الذي كان يعج بمعامل الأحذية والحقائب ، أصبح شبه معدوم وتحولت تلك المعامل الى مخازن وبالتالي فقد العاملون فيها مصدر رزقهم الوحيد . ومن أسواقه المهمة سوق دانيال وهو اسم لرجل يهودي ومتخصص ببيع لوازم الخياطة ، ثم يليه سوق القبلانية الذي يوجد فيه مرقد الشيخ علي بن محمد السمري وهو احد سفراء الإمام المهدي، والذي يزوره الكثير من الناس وهناك محال الروافين للعباءات والملابس الممزقة، ومحل الأفراح للسجاد بأنواعه وكذلك عالم الأطفال كوكو ،حيث اندثرت جميعها ، وصلنا نهاية الشارع حيث المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 1227 ميلادي ... وبهذا نغادر حياة شارع النساء . . هذا الشارع كان من اهم الشوارع الاقتصادية في بغداد وللاسف الشديد وصل به الحال الى هذا المستوى من الاهمال والركود رغم تنوع نشاطاته الاقتصادية وعدم اقتصارها على مهنة واحدة . واذكر من المحلات المشهورة كاهي المصبغة اللذيذ جدا وموقعه كما اذكر قرب سوق الاقمشة بين شارع النهر وسوق الصفافير والذي لم يصل طعم الكاهي فيه اي محل اخر رغم انتشار صناعة الكاهي في كل مكان في بغداد . واذكر الحاج ابو احمد رحمه الله (اعتقد كان هذا اسمه) صاحب ركن تصليح وشحن القداحات وقد علق يافطة صغيرة مكتوب فيها (وبدرهم شحن القداحه) وحاج اخر كان يمتلك ركنا يبيع فيه الطرشي المحشي قرب سوق دانيال وسوق الساعاتيين واذكر فيه الحاج فخري الساعاتي رحمه الله وغيرهم من التجار الطيبين الذين لا يعرفون الغش او الكذب في تعاملهم مع الناس . بل كانت سمعتهم اعز واهم مايملكونه. ..شارع النهر شارع عزيز على قلوب البغداديين وفيه من الذكريات الكثير .. ومن اهم المعالم التي كانت في شارع النهر (المحكمه الشرعيه ) التي كان لها اثر خاص في نفوس الكثيرين وهناك ايضا اكبر محلات لبيع مستلزمات الاعراس (مغازه) وهو (الافراح) الذي كان قبلة العرسان والتسوق منه كان تتباهى به العروسه . واليوم هذا الشارع اضحى منزلا مستوحشا حين غابت عنه اقمار.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى