مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة : ذات الرداء الاسود - همهمة في جوف الليل - نبوءة تحققت - لقاء الاحبة - في غرفة نومي - شبح في الصالة - اشباح طريق زاخو - رجماً من الغيب - حياة جديدة

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة :  ذات الرداء الاسود - همهمة في جوف الليل - نبوءة تحققت -  لقاء الاحبة -  في غرفة نومي - شبح في الصالة - اشباح طريق زاخو -   رجماً من الغيب - حياة جديدة   Empty * قصص قصيرة : ذات الرداء الاسود - همهمة في جوف الليل - نبوءة تحققت - لقاء الاحبة - في غرفة نومي - شبح في الصالة - اشباح طريق زاخو - رجماً من الغيب - حياة جديدة

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء أبريل 02, 2014 3:33 am


ذات الرداء الاسود
طارق فتحي
قصصت ما جرى لي مع ابن اختي باسل لاحد الاصدقاء المهتمين يالباراسايكولوجي وعلوم ما وراء الطبيعة فلم يحر جواباً الا انه سرد لي قصة مماثلة جرت معه مه ابنة اخية الصغيرة ذات الاعوام الخمسة . قال كانت ابنة اخي الصغيرة جنان تأتي لغرفة خلسة من والديها ليلاً وتجلس بقربي هادئة ساكنة لا تلوي على شيء ومرات عديدة تغفو على جنبي فاضعها في سريري وعندما تكرر الامر اكثر من مرة وكادت ان تصبح عادة لديها . سألتها بعفوية لماذا تتركين والديك وتأتين لتنامين عندي فقالت لي عمي عندما ينام والدي تأتين امرأة ترتدي رداءا اسود قاتم اللون لتأخذني معها لا ادري الى اين فيتملكني الرعب والخوف منها خصوصاً الدماء تسيل من عينيها حتى يغطي كامل وجهها . فعلمت منها انها تهيؤات طفلة لم تتجاوز سنواتها الخمسة وعندما قلت لها ما اسم هذه المرأة قالت اسمها سميرة فصعفت للامر فقلت ممكن تصفيها لي فاعطتني اوصاف اختي المتوفاة في حادث سيارة منذ زمن بعيد يسبق سنين عمرها واضافت انها لا تمشي مثلنا على الارض بل تطفو في الهواء ولا اظن انها اختلقت هذه الاشياء مالم تكن قد رأتها رؤى العين . فلفنا الصمت انا وصديقي من عجائب وغرائب النفس البشرية التي جلنا لم يعرف اسرارارها

همهمة في جوف الليل
طارق فتحي
كان يوماً حافلاً بالنسبة لي لم استطع إكمال فلم الخيال العلمي الرهيب الذي كنت أشاهده النعاس يستولي علي . قررت أن اذهب إلى الفراش باكراً تلك الليلة . غرفتي تقع في الطابق الثاني إنها معزولة عن باقي غرف البيت لأنني أحب الهدوء . نمت في سريري لكن هناك أنفاس..
نعم .! صوت أنفاس وهمهمة غير مفهومة أنا متأكد . ربما كانت أنفاسي حسناً. عليً الكف.عن خذا التفكير السقيم . لكن لحظة.. الانفاس والهمهمة تزداد وتيرتها صعودا وعبوطاً حتى بت اسمعها بشكل جيد وهي تزداد شيئاً فشيئاً ..ما الذي يحدث سوف اكتم انفاسي اكتم أنفاسي .
انا واثق إنها أنفاسي . لكن للتأكد فقط . وكتمت أنفاسي ..وما زلت اسمع صوت الأنفاس والهمهمة لازال موجودا إنها تزداد أكثر وتتسارع .. من أين؟ من اين يأتي الصوت يا ترى . ممكن انه ياتي من تحت سريري . نعم انه يأتي من تحت سريري مباشرة .. ملأ الرعب قلبي وأخت تتسارع دقاته ..شلت حركتي لدقائقً معدودات . هل سأبقى هكذا؟ ماعساه ان يكون ...؟
بعد دقائق لم أحتمل قررت المجازفة سأنزل من السرير واجري بأقصى سرعة ممكنة وبما لدي من قوة لأصل للطابق الارضي حيث امي وابي وبقية اخوتي . وكان لي ما اردت ..وأخبرت والدي بالامر . ذهبنا معاً لنتفقد الغرفة العلوية ..لكننا لم نجد شيئاً ذي بال ..ولا شيء تحت السرير..!..

نبوءة تحققت
طارق فتحي
تنبأت بوفاة شقيقتي وعائلتها قبل عشرة اعوام
في العام 1975 كنت في اوج نشاطي الروحي في تمارين اليوكا وتنقية النفس والصفاء الروحي . اتصلت بي شقيقتي الكبرى تدعوني لتناول العشاء عندهم.
كان في دار شقيقتي ارنباً كبيراً من المطاط الملون سموه مانو ذو اذنان كبيرتان وبقامة طفل وضعته في المطبخ فوق البراد . وكانت جلساتنا معاً لا تحلو الا في المطبخ حيث الطعام وفير لنتناول ما لذ لنا وطاب من المأكولات والمشروبات .
بينما كنا نتحدث حول مواضيع مختلفة حرك الارنب مانو احدى اذنيه الكبيرتين وتدلىت الاذن على وجهه مغطيةً عينيه الشمال وبما ان هيئة الارنب كانت مبتسمه . فظهر كأن الارنب مانو يغمزني بين الحين والآخر .
فقلت لشقيقتي ان الارنب تحرك من ذاته . فردت عليً مفسرة الامر فيزيائياً وطبيعياً واعتذرت منها بعد ان اعتقدت بجوابها العلمي الرصين حيث عدنا الى تجاذب اطراف الحديث مرة ثانية .
تحرك الارنب مانو ثانية بشكل ملفت للنظر بحيث انه ادار وجنته وتهطلت اذناه الكبيرتان وانحنى كمن يؤدي التحية بخشوع فافزعني ما شاهدت ونهضت من فوري واعتذرت من شقيقتي وذهبت مسرعاً الى دارنا .
في اليوم التالي التقينا معاً في حديقة دارنا وعاتبتني بشدة على سوء تصرفي معها امس مساءاً فقلت لها ارنبكم هذا فيه سر عجيب وامر غريب وانت تفسري الامر لي كأنه شيء طبيعي الحرارة والبرودة وغير ذلك . وبعدها لم اعد ادخل دار اختي لاي سبب كان . ذات يوم بعد مرور اشهر قلائل اتت اختي الى دارنا مكفهرة الوجه جاحظة عيناها متقطعة انفاسها وكانت على هيئة مخيفة جدا ً .
وبعد السلام والتحية قلت لها ما الخبر. قالت ابنتي شاهدت الارنب مانو وهو يمر من امام باب غرفة نومها متوجهاً الى غرفة اخرى خالية , ولما ذهبت مسرعة الخطى سمعت ابنتي تغني وبعد ان تنصتت جيدا فاذا بها تغني مع الارنب مانو وكنت اسمع صوت غناء ها دون صوت الارنب مانو . عندها قررت اقتحام الغرفة واذا بي اجدها ممسكة بلعبة ارنب صغيرة مصنوعة من الفرو الابيض وهي تغني حيث ابتسمت الصغيرة وقالت لها وهي تغني ان الارنب مانو اعطاها هذه اللعبة الصغيرة .
وعندها جن جنوني فذهبت من فوري الى المطبخ فوجدت الارنب مانو على حاله وهيئته فوق البراد . فقلت لها طيب . لماذا هذا الخوف اذاً والجزع الذي بادي على محياك . ؟ فقالت اني اعرف ابنتي جيداً وهي لا تعتقد في هكذا امور ولا تؤمن اطلاقاً في مثل هذه المواضيع . وهذا يعني ان كلامها مع الارنب مانو حقيقة قد وقعت لا محالة وانت اول من تنبه للامر .
فقلت لها طيب . هل استطيع ان اكلم ابنتك الصغيرة حول الموضوع . فردت عليً بكل سرور في الحقيقة ابنتي هي التي بعثتني اليك .
عندما حل مساء هذا اليوم ذهبت الى دار اختي حيث غرفة ابنتها وكم كانت المفاجئة مدهشة وعقدت لساني اذ وجدت الارنب مانو ينتصب بقامته في الزاوية القريبة من خلف سرير الطفلة قريباً من رأسها .
قلت لها ما هذا .؟
هذا بحسب رغبة ابنتي جلبنا لها الارنب مانو من المطبخ الى غرفتها وهي تقول مانو اخبرني بذلك . وهي تقول ايضاً عندما تعد من الواحد ولغاية الاربعة يتحرك مانو ويتكلم معها ويعد ( 1-2-3-4 ) مكرراً العد معها .
عندها كنت استمع وانا اقف في وسط باب غرفة ابنتي. وبين الفينة والاخرى كنت استرق النظر نحو الارنب مانو كأني انتظر ان يكلمني الارنب هذا كان هاجسي في لحظتها .وبعد ان خاب ظني ودعت الصغيرة وهي مستلقية على سريرها ومانو خلف رأسها منتصباً في الزاوية . فقمت باطفاءت مصباح النور عندها رأيت مانو وقد تحرك من مكانه وعدت مباشرة الى اضاءة المصباح فاذا بي اجده في مكانه ولم يتحرك قيد انملة . وكررت الامر مرتين وثلاثة . فهمست اختي في اذني ماذا رأيت .؟
لماذا تفعل ذلك .؟ فلم احر لها جواباً ولم ارد عليها .
بعدها جلسنا معاً انا واختي وزوجها في الصالة وارتشفنا الشاي على حكايات شبيه ومماثلة . وختاماً قلت لهم . لماذا لا ترمون الارنب مانو وتتخلصون منه . فقالت شقيقتي نعم قررت ذلك في احد الليالي واذا بي اشاهده يمر من امام باب غرفة نومي مثلما اخبرك زوجي . ومنذ ذلك الوقت وطفلتنا تبكي بحرقة ومرارة وتصرخ عالياً وتريد ان نجلب لها مانو الى غرفتها . وهي التي لم تكن تعره اهتمامها من قبل مطلقاً . وهذا امر غريب وفيه السر عجيب لتصرفات طفلتنا ونحن خائفون جداً عليها .
نحن دائماً نسمعها تغني مع مانو وتعد معه ( 1-2-3-4) ويحدث ذلك مراراً وتكراراً ليلاً ونهاراً . ولا اخفي عليك مشاعري احسست بداخلي ان الارنب مانو يكرهني بشدة عظيمة اذ اني حاولت معه عدة مرات التخلص منه حتى اني في احد المرات ثقبت بطنه بابرة كانت في يدي لانه كان يصدر اصوات مخيفة ينكمش ثم ينتفخ وبين هذا وذاك تصدر الاصوات كان شخصاً ما يهمس في اذني بكلام مبهم وغامض وغير مفهوم .
وامهلتم وقتاً ريثما اتفكر بالامر ودعوتهم الى ترك الامور على حالها ريثما نجد حلاً مناسباً للموضوع . وعدت ادراجي الى دارنا وانا مستغرق بالكلية في الاخبار العقلية لا النقلية ( كيف .. ولماذ .. ومتى .. واين ..) تلك الكلمات التي ما انفكت البشرية تلهج بها في قارات العالم هذه الكلمات الازلية . وعندها انتبهت الى مسألة الاعداد فقلت في سري السر يكمن في الاعداد بما ان الارنب مانو لم يتكلم ولم يسمعه احد ان تكلم . فقمت بجمع هذه الاعداد (1+2+3+4=10) فقلت الحاصل عشرة ولا اعلم ما سر هذا الرقم .
تناولت عشائي على عجل واخبرت والدتي اني ذاهب الى دار شقيقتي لامر ما . حيث دلفت الى دارهم متحمساً للامر . وبعد سكون الهيئة واعتدال الاحوال ذهبنا جميعا الى غرفة الصغيرة فقلت لهم السر يكمن في العدد والمعدود وحاصل جمع الاعداد هو (عشرة) ولا اعلم ما سر هذا العدد وعلاقته بابنتكم وحانت مني التفاته الى الارنب مانو واشحت بوجهي نحو شفيفتي متحفزاً الحديث معها . فرايت وجهها نصفه تماما على هيئة الجمجمة حيث نصف صف الاسنان بارزة تماما بفكيها العلوي والسفلي ومحجر العين اليسرى كبيرا جدا يلفة الظلام الدامس . ونصف الايمن من الوجه لا تبدوا عليه اية ملامح بشرية وهو مغطى بالكامل بالسواد التام . ففزعت من هيئتها كثيراً . فخرجت مسرعاً من عندهم لا الوي على شيء .
ومرت الايام والشهور والسنون الطوال .
ذات يوم من العام 1985 طرق بابنا زوج اختي يدعوني للسفر معه الى محافظة نينوى مع اسرته لحضور مناسبة ( طهور اولاد اخيه مع ابنه الصغير ) حيث الطريق طويلة يستغرق 6 - 7 ساعات وكانت وجهتم قرية الرشيدية شمال مدينة الموصل . فاعتذرت له بشدة لبعض اشغالي . وفي اليوم التالي تم سفرهم جميعا . وكان من عادته السفر ليلا . وبعد اسبوع تقريبا شاءت الصدف ان اسافر انا ايضا الى محافظة نينوى مع عائلتي . والتقينا هناك في ذات القرية . وكانت الافراح والمسرات وعمليات الختان للاطفال تجري على قد وساق .
وبعد انقضاء عشرة يام على مكوثنا هناك تشاورت مع زوج اختي ان نعود الى بغداد معا . للاستئناس في الطريق لطول المسافة والملل الذي يصاحب من يقود السيارة . واختلفنا مع بعضنا فهو يروم السفر ليلا . اما انا فافضل السفر عند الفجر واخشى كثيرا السفر ليلا . وهكذا عدت ادراجي الى بغداد .
وبعد مرور شهر تقريبا تم الاتصال بنا من المستشفى الجمهوري في تكريت من شعبة الطواري يعلمونا فيها ان حادث سير قد وقع على طريق صلاح الدين - موصل في منطقة مكحول حيث كانت هناك اعمال ترميم وصيانة للطريق وهناك شارع واحد ضيق للذهاب والاياب لمسافة تزيد على 5 كيلو متر . وبناءا على هويات المصابين وارقام التلفونات التي بحوزتهم تم الاتصال بكم .
فهرعت من فوري حالما وضعت سماعة الهاتف واصطحبت اخي الكبير معي وذهبنا بسيارتي الى مدينة تكريت المشفى العام . فوصلنا وجهتنا بعد ساعات قليلة جدا . ودلفنا الى شعبة الطواري وعرفنا نفسينا للاستعلامات . وبعد هنيئة جاء احد الاطباء واصطحبنا الى غرفة التجميد ( الثلاجات ) وهي قاعة صغيرة مبردة لحفظ الموتى . فعلمت حينها انهم متوفين جميعا .
وقد تم التعرف على الجثث وزودتهم بالاسماء الكاملة للموتى . وبعد الانتهاء من اترتيبات
ذهبت الى ثلاجة شقيقتي فازلت عنها الغطاء لأتأكد كونها هي بذاتها . وما ان ازحت الغطاء عن وجهها حتى اخذتني الصدمة بعيدا جدا جدا الى العام 1975 حيث اقسم اني رايت هذا المنظر البشع على وجه شقيقتي قبل عشرة اعوام .
ولا زلت لغاية يومنا هذا تعقد الدهشة لساني اذ ما تذكرت ما حدث معي وشقيقتي الكبرى المرحومة . فعلمت ان الانسان هو ذلك المجهول الغامض الذي لم يكتشف اسراره العلم والعلماء الى يوم الدين .
فكانت حينئذ حياتهم متوقفة بين عامي 1975 - 1985 بالتمام والكمال . وانا لله وانا اليه راجعون .

لقاء الاحبة
طارق فتحي
اهداء الى البروفسور الاستشاري طارق الكبيسي
في مرحلة الطفولة والصبا والشباب المبكر . كنا صديقين مقربين جدا بلغة هذا العصر . وبلغة عصرنا الماضي كنا اخوين يحملان الاسم ذاته . مرت سنوات الدراسة الابتدائية والمتوسطة ونحن نتزاور باستمرار لاغراض الدراسة وكان تعلقي بهذه العائلة العراقية الشريفة شديداً . يكاد لا يهدأ لي بال حتى اكون وسط عائلتي واهلي الطيبين .
في الدراسة الاعدادية تفرق كل منا الا اني لم انقطع عن زيارتهم يوما . وبعد الانتهاء من الدراسة الاعدادية زاد البعد بيننا حيث درس اخي وسمي في كلية الطب بجامعة الموصل وانا في الجامعة المستنصرية في بغداد .
كانت والدة اخي تذكرني في ولدها الغائب عنها ولازلت اتزاور معهم حتي امسيت ابناً لهم مع مرور الزمن . كانت الاخلاق الحميدة هي القاسم المشترك بيننا . ورغم انهم عائلة كبيرة من اولاد وبنات الا انهم كانوا يحتفون بي كلما مررت عليهم مستفسرا منهم احوال اخي الحبيب
وبدأً من التفاصيل الدقيقة لعشر سنوات خلت حتى غادر اخي العراق لدراسة الماجستير في النمسا . وانهمكت انا في وظيفة حكومية بعد تخرجي . ومن النمسا الى لندن لاكمال دراسة الدكتوراه . انها عشر سنوات أخر مرت دون روياه ومازال قلبي يخفق بشدة كلما اتذكر اسمه ورسمه .
لم تحضرني الذاكرة جيدا بلقائي معه في العام 1996 اذ حل ضيفاً عزيزاً غالياً في شقتي ببغداد عمارات الصالحية . وبعدها انغمس كل منا في عمله ودارت دوائر الحياة بنا حتى اخذت بتلابيبنا في تكوين مستقبلاً لنا ولاولادنا واستقرارنا في بيت العمر وكان لنا ذلك بحق بعد جهد جهيد ليس باليسير .
في العام 2003 المشئوم على العراق وابنائة النجباء الشرفاء انقطعت بيننا كل وشائج الاتصال ولم اعد اعرف عنه شيئأ . وقادتني الصدفة يوماً الى معرفة صفحته الشخصية وعلمت لاحقاً انه سافر الى لندن بمعية عائلته واولاده . يعمل بصفة استشاري في الطب النفسي السلوكي .
فحمدت الله على سلامته وسلامة عائلته . ومرت سنوات عجاف والعراق يرزخ تحت نير حكومة طائفية مقيته قبيحة الوجه والاخلاق اذ تفرق العراقيون بسببهم في امصار العالم المختلفة تاركين خيرات البلاد لمن هب ودب من لصوص العصر العراق الجديد . فتذكرت الاخلاق الحميدة التي كانت سبة للعراقيين جميعاً .
اليوم كان لي شرف اللقاء باخي وسمي البروف طارق الكبيسي في صوفيا بلغاريا وكانت المفاجئة شديدة الوقع على سني حياتي برمتها . وتم العناق بعد فراق عشرون عاما حزينة لكلينا . وكل منا يتفرس وجه اخيه بتمعن ليلتقط خطوط الحياة وتعرجاتها واخاديدها . والحق اقول لكم لم نجد ماكنا نخشاه من حفر الزمن فقط الشعر الاشيب وهو للرجال وقار .
نعم احبتي اسرتي الحبيبة هكذا كانت العلاقات الحميمة قبل ستون عاماً مضت في العراق الاغر . وهكذا كانت اقرب الى الاخوة بكل تفاصيلها المملة من الصداقة العابرة مثلما يحدث في صداقات ايامنا هذه .
اهلا وسهلا ومرحبا بك بروف طارق الكبيسي اخي وسمي وصديقي منذ ما يزيد عن الستون عاما مضت . نسأل الله لنا ولك موفور الصحة والعافية وان يمد الله في عمرك . وللجميع الصحة والسلامة .

كوابيس بيت الجدة
طارق فتحي
بيت الجدة من البيوتات البغدادية العتيقة بمنطقة الفضل . قيل عنه انه بني منذ ما يزيد عن القرن من الزمان . وكعادة البناء في ذلك الوقت كان فيه قبواً كبيراً تسميه الجدة السرداب باللهجة البغدادية المحلية الدارجة آنذاك .
ما انفكت جدتي تحدثنا عنه بشيء من الرعب وتنسج حوله الاساطير مما توارثته من الحكايات والموروثات الشعبية القديمة قدم الدهر. ونحن كاطفال كنا نصدق جدتنا في كل ما تقوله لنا بل ننتظر بشوق عجيب ان يحل الغروب لنرتقي سطح المنزل ونستمع الى حكايات جدتي حتى تغلبنا سنة من النوم .
وذات يوم اختلفت مع احد اخوتي وقررت عدم تناول العشاء معهم على سطح المنزل . ومكثت في الغرفة السفلية الخاصة بوالدي وكانت مجاورة للسرداب تماماً . بقيت لوحدي وشعرت بالملل فغلبني النوم .
واذا بي اسمع صوت شيء ما يعبث في قفل الباب ومن ثم صرير صوت باب يفتح وما ان فتحت عيناي على طرقات خفيفة على باب غرفتي حتى نهضت من فوري واتجهت نحو الباب لارى من الطارق واذا به اخي الكبير جاء يسألني عن غرض له نسيه ولا يدري اين فتنحيت جانباً مفسحاً له الدخول. فاذا به يعثر على غرضه فالتقطه وابتسم بوجهي على غير عادته وغمزني وخرج مسرعا حتى اني سمعت صوت اقدامه وهي ترتقي درجات السلم بسرعة في سرور وبهجة كمن فاز بجائزة كبرى .
عدت ثانيةً الى سرير ابي واستسلمت للنوم .
وفجأةً نهضت من نومتي القصيرة وانا اصرخ يا الهي .. ما هذا .. ما الذي يجري هنا .؟
ان اخي الكبير سافر مع ابي الى الموصل منذ يومين . فتحول لون وجهي الى الازرق .. وجريت بسرعة البرق وانا اطوي الارض طياً واقفز السلالم الحجرية كل سلمتين بقفزة ,واحدة حتى انتهى بي المطاف في احضان جدتي وعندها نمت نوماً عميقا لازلت اشعر بلذته لغاية يومنا هذا بعد ان سكن كل شيء فيً وهدأ روعي وانا اتسائل في سري .
يا الهي .. من هذا الذي دخل غرفتي اذاً . وبقيت بلا اجابات مقنعة .

في غرفة نومي
طارق فتحي
في غرفة نومي سرير كبير يتسع لشخصين وبما اننا كنا خمسة اخوة احيانا ينام اخي الصغير معي على السرير ذاته عندما يعييه التعب او النعاس فيغفو مباشرة ولم اشأ ان اوقظه ليذهب الى سريره في الغرفة المجاورة لغرفتي .
وسادة سريري طويلة جداً لولبية الشكل تسع لرأسينا كلينا . اخذتني سنة من النوم فوضعت راسي على الوسادة مواجها لوجه اخي الصغير وهو يغط في نوم عميق . اصبح الظلام حالك عندما اطفأت المصباح . حانت مني التفاته الى وجه اخي فوجدته فاغراً فاه جاحظاً عيناه فهالني ما رأيت منه ومن بشاعة ودمامه خلقتة مع انه في الحقيقة وسيم جداً .
فاشحت بوجهي عنه خوفا منه وانا مشغول بما حصل معي للتو فالتفت اليه ثانية فوجدته يغط في نوم عميق . واستمرت نظراتي تراقبه فترة من الزمن فاذا به نائم نوما حقيقيا لا شائبة فيه فاشحت بوجهي عنه ثانيةً واستغرقت في نوم عميق وانا مصعوقاً ومذهولاُ بما رأيت .

شبح في الصالة
طارق فتحي
مكتبي يتوسط الصالة تماما ومن خلفي بابين احدهما عن يميني وهي غرفة النوم الكبيرة والآخر عن يساري وهي غرفة الاطفال الصغار وغرفة اخرى لا استطيع ان اراها وانا على مكتبي للاولاد الكبار .
جرت العادة عندي ان اضيء مكتبي بعد الساعة العاشرة ليلا وافترش ادواتي قارئاً غارقاً في افكاري ومحققاً جيدا يغوص في المعاني . وبين الفينة والفينة اتناول ريشتي لاخط بها افكاري وتعليقاتي على قرطاس ابيض جاثم امامي . ومن طبعي الغوص في الاشياء والتوغل عميقا في الذات حتى نتحد معا جميعنا الروح والنفس والجسد . فينبري لنا العقل وهو متوشح بوظيفته الراقية الا وهي التفكير .
في خضم هذا الهول الفظيع من السكون تنقطع عني كل الاصوات والصور وتتجمد لدي الحواس الخمسة . فتبدأ الحرارة تتصاعد ابخرتها عاليا من جميع اجزاء وذرات بدني نحو الدماغ لتسخينه ويبدا هو الاخر ماراثون المشوار بالتجوال في متاهات المعقول واللامعقول
وانا استوي جيدا على مكتبي معطيا ظهري نحو البابين خلفي .
بينما انا مستغرق بالكلية في الاخبار العقلية لا النقلية فاذا بابنتي ذات الربيعين تطل براسها من فتحة الباب الضيقة فالتفت عن يساري ورمقتها بنظرة تساؤل واستغراب فهربت مسرعة نحو الداخل . وعاد الهدوء القاتل من جديد وانهمكت ثانية في امري ولا اعلم كم من الوقت مضى حتى سمعت صرير صوت باب يفتح بهدوء حينها التفت مسرعا فاذا بي ارى ذات الربيعين ثانية .
فاستدرت نصف استدارة نحوها وانا جالس . فحدقت بي مليا بشكل مخيف موسعة حدقات عينيها وفاغرة فاهها منفوشة الشعر وهيئتها تبعث على الرعب . وتصارعت معها بلغة العيون فكانت تحدق بي كانها تتحداني وهذا على غير عادتها طبعا . فهممت بالنهوض من على مقعدي عندها اوصدت باب غرفتها على عجل . واعتدلت انا على هيئتي كالعادة . الا اني هذه المرة كنت مغتاضاً وغاضباً بشدة لانقطاع سلسلة افكاري .
قررت حينها ان ادخل غرفة الاطفال الصغار الا اني عدلت عن رأي خشية ايقاظ بقية الاطفال . فعدت نحو مكتبي وانا الوم زوجتي في سري . الم اقل لها ان وقتي بعد العاشرة مساءا . الم تقل للاطفال ان لا تعبثوا مع ابيكم بعد الساعة العاشرة . يا الهي من اين ابدأ وقد تشتت جميع افكاري . فتحملت الامر وعدت ثانية كعادتي في ممارسة هوايتي المفضلة البحث في المخطوطات العربية .
بعد فنجان قهوة وآخر وثالث عادت لي هيئتي في التفكر والاسترسال فانهمكت اكتب بشدة ملاحظاتي محاولا فك رموز الماضي من الكلمات والمعاني المطلسمة منذ قرون طويلة . وكم كانت فرحتي شديدة وافكاري تؤتي ثمارها بفك العاصي من المعاني وغريب القول في الكلمات . كان عدت للتو منتصراً من معركة حاسمة مع العقل . ومن شدة فرحتي كدت اصرخ ولولا اني انتبهت في اللحظات الاخيرة من مهرجان الفوز الى الاطفال النيام فعدلت عن الفكرة ولم اصرخ قط .
هذا فنجاني الخامس وانا منهمك في توسلاتي بمحرابي واذا بي اسمع حفيف اصوات اقدام ناعمة قطعت انفاسي وسكنت كل احوالي واستمعت جيدا هذه المرة فالتفت بسرعة فوجدت ذات الربيعين تقف منتصبة وسط الصالة باتجاه غرفة نوم امها وهي الى بابها اقرب من غرفة الاطفال . تحدق بي كعادتها هذه الليلة . فقمت بنصف قامة فاذا بها تهرب كالبرق الخاطف الى غرفة نوم امها .
استمريت في التحديق بباب غرفة نومي كثيرا وانا استعرض احتمالات ما سوف اقوم به بعد ان تملكني الغضب الشديد . فقررت ان اوقظ امها لاعلامها بمشكلة ذات الربيعين لهذه الليلة دونما الليالي السابقة .
فنهضت من فوري ودلفت غرفة نومي وما ان ازحت غطاء النوم عن السرير فاذا بي افاجاً باختفاء ذات الربيعين . يا الهي اين ذهبت انها دخلت الغرفة امام ناظري للحظة والتو . فاعدت الغطاء بهدوء وذهبت مسرعا الى غرفة نوم الاطفال فوجدتهم يغطون في نوم عميق وفي وسطهم ذات الربيعين .

اشباح طريق زاخو
طارق فتحي
جرت أحداث هذه القصة في قرية صغيرة من قرى اقصى الشمال العراقي الحبيب قرب معبر ابراهيم الخليل الحدودي . حتى ولو بدت أحداث هذه القصة كقصص الخيال لكنها حقيقية .
قمت بزيارة سياحية الى مدينة زاخو بدعوة من ابن خالي الذي كان يتاجر بالشاي والسمن في منطقة ابراهيم الخليل . واثناء عودتنا للمنزل تناولنا عشاءاً فاخراً احتفاءاً بمقدمي اليه وتلبية لدعوته . وبعد ان انتهينا من تناول الطعام مكثنا ما شاء الله ان نمكث نتسامر ونتجاذب اطراف احاديث متنوعة بصحبة الاقارب والخلان . وعندما حدثتهم عن عالم الارواح والاشباح والليالي الملاح انبرى احدهم يسرد لي هذه القصة العجيبة والمرعبة والمضحكة في آن واحد باعتباره شاهد عيان كان في المقهى وقت حدوثها . حيث قال:
في يوم شتائي بارد تعلوه الرطوبة والضباب الكثيف حيث انك بالكاد ترى اصابع يديك . وقف هذا الرجل على جانب الطريق ينتظر ان توصله سيارة عابرة بعد ان تعطلت سيارته . فهو يروم الذهاب الى اقرب بلدة مجاورة . في هذه الليلة شديدة الظلام ووسط عاصفة هوجاء. الوقت يمر ببطي شديد ولم تمر هذه السيارة العابرة مرت ساعات وساعات وهو واقف لا يلوي على شيء .
كانت العاصفة شديدة والليل حالك لم يكن يستطيع ان يرى مكان قدمه . واخيراً بعد طول انتظار ممل مرت سيارة تسير ببطيء كانها شبح شبابيكا سوداء خرجت من خلف الظلام وبلا اضواء مرت ببطيء متجهة نحوه حتى توقفت امامه . ركب الرجل داخل السيارة واخلق الباب مبتسما ممتناً شاكرا الله على انقاذه في مثل هذه الساعة من الليل .
فجأةً شاهد ما لم يتوقعه ابداً لا يوجد سائق في هذه السيارة . السيارة بدأت تتحرك ببطيء مرة اخرى . بدأ الرعب يدب في قلب الرجل وبدأت تسرع قليلاً . في لحظة ما اقتربت من منعطف خطير جداً يفضي الى وادي لم يستطيع استطلاع قراره لعمقة . بدأ الرجل يدعو ربه من اجل بقائة على قيد الحياة . لا محالة ان السيارة سوف تخرج عن الطريق وتسقط في الوادي وسوف يكون مع الموت وجهاً لوجه .
وبينما هم يتلو صلواته الاخيرة ولم يقرر بعد هل يرمي بنفسه من السيارة وليكن ما يكون ام ينتظر مصيره المجهول وعلامات الرعب بادية عليه والخوف قد استحكم قيضته منه جيداً وفجأة قبل المنعطف بمسافة تكاد لا تذكر دخلت يد من نافذة السيارة وامسكت المقود وعبرت المنعطف بآمان وسلام . تجمد الدم في عروق الرجل وهو في حالة الهستيريا بين السقوط في الوادي وهذه المعجزة التي شاهدها في يد تمتد من الفراغ نحو المقود فاستحكم عليه التيه الفكري وسط هذا الرعب المزدوح والمهول .
ففرح كثيراً في سره الا انه لم يخرج من حالة الرعب والخوف اللذان تملكان منه بصورة جيدة . ومع تكرار المسير تارة ببطيء شديد وتارةً بسرعات قليلة تكررايضاُ مشهد اليد التي تدخل وتخرج من النافذة عند كل منعطف وزاوية
واخيراً قرر الرجل الهروب من السيارة ففتح بابها وقفز منها ولاذ بالفرار . فوجد مقهى على قارعة الطريق قريبة منه فدخلها وهو بحالته المزرية مبتل الملابس بادية على ملامحه علامات الخوف والرعب والهول والفزع . وبدأ يخبر كل من صادفهم في المقهى عن قصته المخيفة . وروى قصته لجميع من كان موجداً في المقهى بانفاس متقطعة وهالكة والجهد قد اخذ منه مأخذاً .
وبعد ان تأكدوا من هيئته انه ليس ثملاً او مجنوناً وكان الجميع ينصت لقصته بتعجب واستغراب شديدين وفي تلك الاثناء وبعد مرور نصف ساعة او ما يزيد قليلاً . دخل رجلان الى نفس المقهى . وعندما شاهدوا الرجل المرعوب . قال احدهم للآخر .
اليس هذا هو الرجل الاهبل الذي ركب السيارة ونحن ندفعها بسبب عطلها .
فاجابه الاخر نعم انه هو ومن يكون غيره .؟

رجماً من الغيب
طارق فتحي
كان عبدو كما يحلوا لنا ان نسميه شاب عراقي ضخم الجثة اسمر اللون غليظ الشفتين عبل البدن ذو اصابع يد تظنها انها متورمة من فرط السمنة والبدانة. نستقبله كعادتنا يوميا عند باب المدرسة وهو يترجل من سيارته الشوفرليت الامريكية برقم كويت خصوصي وعائلته يسكنون الكويت وكان غنجه ودلاله لا يلقان به لاشكلا ولا مضمونا اضف الى ذلك انه جبان ويخاف من كل شيء كانه مخلوق من خارج هذا الكوكب .
نحن شلة من الاصدقاء لا يتجاوز عددنا الخمسة طلاب لا يحلو لنا الا مصاحبة عبدو والتنزه بعد دوام المدرسة بسيارته الفارهة التنته بدون غطاء للسقف وكانت مدرسة الشرقية للبنات غير بعيدة عنا في في الفرع المجاور لمدرستنا وان كنت انا حقيقة غير مهتم بالبنات الا ان شلة المراهقين الذين كنت بمعيتهم يخالفوني الرأي اذ هم مهتمون اكثر فاكثر .
ذات يوم ذاع خبر سفرة بنات الاعدادية الشرقية في اروقة مدرستنا وتلقفت الشلة الخبر بسعادة غامرة وقبل نهاية الدوام الرسمي قررنا الذهاب الى منطقة الصدور في محافظة ديالى القريبة جدا من بغداد واللحاق بسفرة البنات هربنا قبل الدرسين الاخيرين وتناولنا الغداء مسرعين وكانت سندويجات اللحم من همبركر ابو يونان سعر السندويجة الواحدة على ما اذكر كان 35 فلسا عراقيا فقط واخذنا معنا وجبة ثانية سفري للاحتياط وانطلقنا الى منطقة الصدور بصحبة عبدو وباقي الشلة .
وبعد تعرجات ومتاهات الطريق الترابي الذي سلكناه وكل يدعي انه القافه ويعلم الدرب جيداً تهنا في وسط التلول والوديان والوقت تجاوز الظهيرة بشوط بعيد ومع لملة الشمس لخيوطها وذبول لون النهار المشرق قررنا تناول طعامنا بعد ان اخذ الجوع مآخذه ويفتك بسائقنا عبدو . ترجلنا جميعا قرب سفح تل كبير . وافترشنا طعامنا والبعض منا ذهب لقضاء حاجته . وبينما نحن كذلك فاذا بالحجارة اخذت تنهار علينا من خلف التل فاصابة طعامنا ومنها ما اصاب السيارة ايضا حيث كنا نسمع فرقعة الاحجار ونحن مذهولون . واخذ عبدو يرتعد خوفا ورهبة . الا اني طمأنته وقلت له ان خالد الطويل نصب لنا فخا وهو يرمينا بالحجارة من خلف التل لاخافتك لما نعلمه جميعا من شدة رعبك وجبنك . وما ان اتممت كلامي حتى رايت خالد الطويل ووسمي قادمين نحونا من غير الجهة التي نرى فيها الحجارة تنهش وتفتك بنا .
وما ان وصلا اخذ عبدو يسرد لهم ما حصل لنا في غيابهم واذا بالحجارة ترشقنا مرة ثانية ونحن جميعا حاضرون على سفرة الطعام واضواء سيارات تضيء وتنطفى بصورة متتابعة ومتتالية . فنهضنا جميعنا لنتبين ماوراء هذا التل اللعين وبعد جهد جهيد وصلنا الى قمته واذهلنا ما رأينا مساحة فارهة من الارض الفلاة شبيه بالصحراء خالية من اي وسائل للحياة جتى ان لا نبات فيها .
فهبطنا جميها كاننا في سباق للماراثون وما ان وصلنا السيارة حتى دخلناها تباعا مسرعين خائفين وجلين . وكانت المفاجئة ان السيارة مليئة بالاحجار بالرغم من ان النوافذ كانت مغلقة جميعها . فقال عبدو من فوره . كيف دخلت الحجارة في السيارة ونوافذها مغلقة دون ان تهشم او تكسر زجاج النوافذ . حتى وصلنا بغداد عند غروب الشمس تماماً والذهول والرعب يلفنا جميعا .

حياة جديدة ...
طارق فتحي
هيا لنخرج الى التسوق عزيزي المطبخ تنقصه بعض الاشياء الضرورية لاعداد وجبة الغداء . انت دوما معتكف على الحاسوب اخرج لتنفس الهواء الطلق ربما ترتاح اكثر اضافة الى ان السير يفيدك ويلين مفاصلك ويحرك كل اعضاء جسدك وربما بذهب عنك هذا التصلب المزمن لديك في جميع انحاء بدنك .
نهضت من فوري تاركا كل شيء خلفي حتى اني لم اغلق حاسبتي . فارتديت ملابسي على عجل وما هي الا دقائق معدودات ونحن نسير في الطريق نحو سوق الخضار . مررنا بحديقة كبيرة يلفها الخريف من كل جانب والاوراق تفترش الارض وتشكل صورة ولا في الخيال واشعة الشمس تخترقها بين الفينة والاخرى ليخيل اليك انك في عالم والت ديزني حقيقة واقعة على الارض .
ماذا تقولين لو جلسنا هنا قليلا لنتمتع بهذه الحياة الجميلة والرائعة . جلسنا معا ونحن نستذكر مصير اولادنا وماذا سيحل بهم على مر الدهر من بعدنا ووووووو. الخ . بعد جولة قصيرة اتممنا مشترياتنا وعدنا قافلين الى شقتنا . ما رأيك عزيزتي ان نتاول الطعام في المطعم التركي بعد ان فاتنا وقت الغداء . في الحقيقة ان لم تقلها لقلتها لك للتو.
وبعد خروجنا من المطعم اشتد البرد علينا ونحن غير مهيأين له ببذلتي الصيفية وملابسي الخفيفة بعض الشيء . وبعد مسير زهاء نصف ساعة من الزمن وانا ترتعد فرائصي من شدة البرد . وصلنا شقتنا سالمين واحسست حينها بصداع عنيف يلف النصف الايسر من دماغي مع نحول عام ومفاجيء في اعضاء بدني فاستلقيت على سريري غير مصدق ما يحدث معي . حيث كنت لا اشكو من خطب ما او مرض حصوصا من امراض الشتاء .
وبينما انا كذلك لازمتني سلسلة طويلة من التقيؤ وسعال مستمر طيلة نصف ساعة تقريبا . اعتقدت اني حينها غبت عن الوعي وبعد اتخاذ الاجراءات اللازمة من الفرك والتدليك على الظهر وغيره استعدت صحوتي كأنني كنت في عالم أخر . اودع فيه اولادي واقبل احفادي واوصيهم ببعضهم خيرا. وان يكونوا كالبنيان المرصوص لبعضهم البعض . وان لا يفلتوا حبل التقوى والورع والايمان بكل ما هو خير وطيب .
فصحوت وزوجتي تهزني هزا عنيفا كمجنونة وهي تنادي باسمي وبصوت عال .
لماذا تهزيني بعنف .؟
ما بالك .؟
ما جرى لك .؟.
انت !!! انت !!! واخذت تبكي بدموع حارة وهي ما زالت تمارس معي عملية التدليك . انت لم تتنفس اطلاقا خلال اكثر من خمس دقائق وهذا ما اقلقني فيك . فانتبهت الى نفسي فوجدتني فعلا لا اتنفس اطلاقا . اذا كيف انا لازلت حياً .
اخذت الحرارة ترتفع تدريجيا في جسدي وكلما ارتفعت قليلا كلما خلعت احد ملابسي واخذ العرق يتفصد من جبيني ويقطر من منخري عندها لم يبقى لي ما اخلعه سوى ملابسي الداخلية . وانا لا زلت اشعر بالاختناق وبدون تنفس تقريباً وزوجتي ترمقني بنظرات بوهيمية يصعب على اعتى اطباء علماء النفس تفسيرها . وهي ملتحفة باطنان من الملابس الثقيلة .
ومر شريط حياتي امامي 67 عاما من الامل والالم والحزن والسرور والنجاح والفشل حيث كنت امني النفس ان اضيف الى هذا العالم شيء الا اني تأكدت بنفسي ما انا الا قشة في محيط متلاطم الامواج .
افتحوا الشبابيك ليدخل الهواء النقي انا لا اتمكن من التنفس ... يا الهي .. انا لا اتنفس بالمرة . خذوني الى الشباك وفعلا اخذتني زوجتي قرب نافذة مفتوحة من اجلي فلم اشعر لا بالبرد وبالهواء يلامس منخري فاخذت اتنفس من فمي بشدة انفاس عميقة متلاحقة ولا شيء يحصل مرت الثواني ثقيلة وربما دقائق قليلة معدودات وانا على هذه الحال .
استمرأت العذاب المهين لساعتين وربما اكثر قليلا . وانا بين شد وجذب يشدني الموت من ناحية وتجذبني الحياة من الناحية الاخرى واستمر الوضع هكذا حتى الساعة الحادية عشر ليلا . وانا اشبه ما يكون بالميت الحي او الحي الميت .
حتى دخل ولدي الشقة وبعد ان اخبرته والدته بما حصل لي اخذني مسرعا الى مشفى الطواريء القريبة من محل سكننا وانا لا زلت بين اليقظة الوهمية والحقيقية البوهيمية والتنفس ومن عدمه وموجات شديدة تقبض روحي تارة وتفلته
على حين غره تارة اخرى .
صدقوا او لا تصدقوا ما ان وضعت على سرير الفحص الطبي في شعبة الطواري حتى ذهب عني كل شيء عدت اتنفس من جديد وبشكل طبيعي وما عادت هناك الام او انقباضات وما الى ذلك . حتى ان الطبيبات وبعد فحص استغرق ساعتان ونصف الساعة نهرن ولدي وقلن له هذه شعبة للطواري نستقبل الاموات والحالات الخطرة . وانا فحصنا اباك بتخطيط القلب وفحص الضغط وتحليل الدم وفحص موضعي على جميع اجزاء بدنه فليس في اباك من بأس وهو يتمتع بروح الشباب . فقفلنا عائدين الى شقتنا ونحن غير مصدقين ما جرى لي . وتبين ان الموت سهل جدا وليس كما كنا نعتقد وانه يأتي بغتة .
ومن حياة جديد اكرر حبي وتقديري واحترامي الى جميع اولادي والى جميع الاحباب والخلان والاصدقاء .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى