مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* بشارات رجال العهد القديم - ا شعيا - بشارة حزقيال

اذهب الى الأسفل

* بشارات رجال العهد القديم - ا شعيا - بشارة حزقيال Empty * بشارات رجال العهد القديم - ا شعيا - بشارة حزقيال

مُساهمة  طارق فتحي السبت نوفمبر 24, 2012 3:58 pm

بشارات رجال العهد القديم
مُساهمة  طارق فتحي في السبت 24 نوفمبر 2012 - 4:58

البشارة الحادية عشر: قول إشعاء في الفصل الحادي والعشرين: (لتسبحني وتحمدني حيوانات البر من بنات آوى حتى النعائم، لأني أظهرت الماء في البدو، وأجريت الأنهار في بلد أشيمون، لتشرب منها أمتي المصطفاة فلتشرب منه أمتي التي اصطفيتها) وما ورد في هذه النبوة يؤكد ما جاء في النبوة السابقة، ويؤكد أيضاً تأويل الماء بالرسالة.
البشارة الثانية عشر: قول إشعياء في الفصل الثالث والعشرين متحدثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اسمعي أيتها الجزائر، وتفهمي يا أيتها الأمم، إن الرب أهاب بي من بعيد، وذكر اسمي وأنا في الرحم، جعل لساني كالسيف الصارم وأنا في البطن، وأحاطني بظل يمينه، وجعلني في كنانته كالسهم المختار وخزنتي لسره، وقال لي: إنك عبدي. فصرفي وعدلي قدام الرب حقا، وأعمالي بني يدي إلهي، وصرت محمداً عند الرب، وبإلهي حولي وقوتي) قال المهتدي الطبري: فإن أنكر منكر اسم محمد في الباب. فليكن محموداً، فلن يجد إلى غير ذلك من الدعاوي سبيلاً.
البشارة الثالثة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل للذي كانت نفسه مسترذلة مهانة، ولمن كانت الأمم تستخف به، وأتباع السلطان يهينونه، ستقوم له الملوك إذا رأوه، وتسجد له السلاطين، لأن وعد الله حق، وهو قدوس إسرائيل الذي انتخبك واختارك، وهو الذي يقول أجبتك عند الرضى، وترث تواريث الخرابات، وتقول للأسرى: أخرجوا وانفكوا، وللمحبسين اظهروا وانطلقوا.. ويتوافى القوم من بلد شاسع بعيد: بعض من جهة الجريباء، وبعض من البحر، وبعض من بحر سنيم. فسبحي أيتها السماء، واهتزي أيتها الأرض فرحاً، وابتهجي أيتها الجبال بالحمد، فقد تلاقى الرب شعبه، ورحم المساكين من خلقه) ولم تتحقق هذه المعاني مجتمعة إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أمته قبل بعثته أمة مسترذلة مستضعفة، وببعثته صلى الله عليه وسلم أذعنت لهم الملوك، واستسلمت لهم الجبابرة، وقضوا على الإمبراطوريات القائمة، وحكموا البلاد والعباد.
أما قوله: (جعلتك ميثاقاً للشعوب). فهو متفق مع قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).
أما قوله: نوراً للأمم. فهو متفق أيضاً مع قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). وقوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) وقوله تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا).
أما قوله: (لتطمئن بك الأرض)، فهو مماثل لقوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم يذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أما قوله: (وترث ثواريث الخرابات) فتستطيع أن تلمح منه وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف كما في قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم .. ). أما بقية هذه البشارة فهي تصوير لتوافد الأمة الإسلامية في موسم الحج، وإقامة شعائر الله في تلك البقاع الطاهرة المباركة..
البشارة الرابعة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين مخاطباً مكة وهاجر: (أنا رسمتك على كفي فأسوارك أمامي في كل وقت، وسيأتيك ولدك سراعا، ويخرج عنك من أراد أن يتحيّفك ويخرّبك، فارفعي بصرك إلى ما فوقك، وانظري فإنهم يأتونك ويجتمعون عن آخرهم إليك يقول الله مقسماً باسمه: إني أنا الحي، لتلبسنهم مثل الحلة، ولتتزينين بالإكليل مثل العروس، ولتضيقن عنك قفارك وخراباتك، والأرض التي ألجئوك إليها، وضغطوك فيها من كثرة سكانها والراغبين فيها، وليهربن منك من كان يناويك ويهتضمك، وليقولن لك ولد عقمك: أيتها النزور الرقوب، إنه قد ضاقت بنا البلاد فتزحزحوا وانفرجوا فيها لتتسع في فيافيها، وستحدثين فتقولين: من رزقني هؤلاء كلهم، ومن تكفل لي بهم. وهذه البشارة لا تتطلب الشرح والتعليق لوضوحها، كما أنها لا تقبل أن تؤول على غير مكة أو هاجر، فمن الذي تكفل الله بحمايتها غير مكة؟ ومن الذي تكاثر عددها ونسلها، وضاقت عنهم أرضها، سوى هاجر ؟؟.
البشارة الخامسة عشرة: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (هكذا يقول الرب: ها أنا رافع يدي على الأمم، وناصب لهم آية، وهي أن الناس يأتونك بأبنائك على أيديهم، ويحملون بناتك على أكتافهم وتكون الملوك ظؤوتك، وعقائل نسائهم مرضعاتك، ويخرون على وجوههم سجداً على الأرض، ويلحسون تراب أقدامك، وتعلمين حينئذ أني أنا الرب الذي لا يخزي الراجون لي لدى). وفي هذا النص تقرير لخضوع الأمم لهذه الأمة الإسلامية، فيكون أبناؤها وبناتها خدماً لأبناء الأمة الإسلامية، وتكون نساؤهم مرضعات لأطفال المسلمين، وقد حدث ذلك نتيجة الفتوحات الإسلامية التي أثمرت عن انتشار الرقيق من سبايا الكفار، كما أن في قوله: (ويلحسون تراب أقدامك). تصوير لحال الصغار والذل الذي يلازم دافع الجزية كما في قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). وقد وافق إشعياء داود في هذه النبوة، ولم لا، والمصدر واحد، والموضوع واحد، والوصف واحد، وهو قوله: (ويلحسون تراب أقدامك).
البشارة السادسة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (من الذي أقبل من أدوم؟ وثيابه أشد حمرة من البسر، وأراه بهياً في حلله ولباسه، عزيزاً لكثرة خيله وأجناده، وإني أنا الناطق بالحق والمخلص للأقوام، وإن لدينا ليوم الفتنة نكلاً، ولقد اقتربت ساعة النجاة، وحانت ساعة تخليصي، لأني نظرت فلم أجد من يعينني، وتعجبت إذ ليس من ينيب إلى رأيي، فخلصني عند ذلك ذراعي، وثبت بالغضب قدمي، ودست الأمم برجزي، وأشقيت حدودهم بغيظي واحتدامي، ودفنت عزهم تحت الأرض). تورد هذه النبوة بعضاً من صفاته صلى الله عليه وسلم في هيبته وجلاله، وطرفاً من ذكر بهائه، وإشارة إلى كثرة خيله وأجناده، وأن بمقدمه تتخلص الأقوام من قيد العبودية لغير الله، وتقترب ساعة نجاتها، كما تضمنت هذه النبوة صفة البشرية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ، وأنها لا تسمع لكلام الله، ولا تنصر المؤمنين به، فاستحقت بذلك غضب الله ومقته، فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم عقاباً لأمم الكفر، إذ ناصبهم العداوة، وشهر السيف في وجوههم، وأرغمهم على الإذعان له، ودفن مجد الكافرين تحت الأرض.
وقد يقول قائل: إن هذه البشارة ذكرت أنه أقبل من أدوم. ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في أرض الحجاز، فلا تنطبق عليه هذه النبوة. والجواب على ذلك: أن الصفات الواردة في بقية النبوة لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، أما قوله: أقبل من "أدوم" فمن المعلوم أن المتحدث في هذه البشارة هو أحد أنبياء بني إسرائيل المقيمين في أرضها، و"أدوم" إقليم يقع بين الحجاز وفلسطين، إذ القادم من الحجاز إلى فلسطين لا بد أن يعبر من خلال "أدوم"، ويجب أن لا نغفل أن المتحدث – وهو إشعياء – يتحدث عن أمر غيبي مستقبلي فلا يمكن إذاً أن يقول: من الذي أقبل من الحجاز. لأنه سيقال له: أين منا الحجاز ؟؟. ولكنه يتحدث عن هذا النبي القادم بيقين لا شك فيه، حتى لكأنه يراه في أطراف أرض إسرائيل فيقول لهم: من هذا الذي أقبل من أدوم؟؟ وهو علىيقين منه، لأنه ذكر صفاته، ولكنه طرح الخبر بصيغة التساؤل حتى تستشرف النفوس، وتهفو الأرواح للقائه.
البشارة السابعة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين عن الله عز وجل أنه قال مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: (إني جعلت اسمك محمداً، فانظر من محالك ومساكنك يا محمد، يا قدوس، .. واسمك موجود منذ الأبد) فذكر اسمه مرتين في هذه النبوة، وهذه مماثلة لما ورد في نبوة داود عليه السلام عنه في المزامير من قول داود: (في جبله قدوس ومحمد). فليس وراء هذا مجل لمدعٍ أن يتمحل أو يجادل.
وقال الطبري: (إن القدوس في اللغة السريانية: الرجل البر الطاهر ... فإن غالط مغالط فقال: (يا محمد يا قدوس)، إنما يقع على المساكن التي ذكرها. فإن الكتاب السرياني يكذبه، لأنه لو أراد بذلك المساكن لقال: يا قدوسين ومحمدين. ولم يقل قدوساً ومحمداً.
البشارة الثامنة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (اعبروا اعبروا الباب، وردوا الطريق على الأمة، وسهلوا السبيل وذللوها، ونحوا الحجارة عن سبيلها، وارفعوا للأمة علماً ومناراً، فإن الرب أسمع نداءه من في أقطار الأرض، فقل لابنه صهيون إنه قد قرب مجيء من يخلصك، وأجره معه، وعمله قدامه، ويسمون شعباً طاهراً، يخلصهم الرب، وتسمين أنت أيتها القرية التي أدال الله لها من أعدائها ولم يخذلها ربها) وهذه البشارة شاهدة ومؤكدة للبشارة السابقة لإشعياء التي سبق إبرادها تحت مسمى البشارة التاسعة.
ويماثل قول إشعياء أسمع نداءه من في أقطار الأرض. قوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الدين: (لا يبقي على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل: إما يعزه الله فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم الله فيدينون لها.
أما قوله: فقل لابنة صهيون إنه قد قرب مجيء من يخلصك. فهو شاهد على أن هذا المخلص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه ذكر شيئا من صفاته، وهو أن أجره معه فهو لا يبتغي على رسالته أجراً من أحد سوى الله، كما أنه لا يعمل لدنياه بل يعمل لآخرته فعمله أمامه، ولم تتخلص ابنة صهيون – ولعل ذلك تعبير عن بيت المقدس – من ربقة السيطرة اليهودية، وضلال الوثنية النصرانية إلا على يد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو الذي ألبسها حلة الإيمان، وكساها رونق التوحيد، وكشف عنها ستار الجهالة. ويؤكد اختصاص هذه الأمة بهذه البشارة قوله: (ويسمون شعبا طاهراً ... وتسمين أيتها القرية التي أدال الله لها من أعدائها). فذكر حالهم وهو الطهارة، ولعنايتهم به جعله اسماً لهم، وهذا موافق لقوله r: (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء). وأشار إلى موطنهم وهو مكة، فهي القرية وهي أم القرى.
البشارة التاسعة عشر: قول إشعياء في الفصل السادس والعشرون مخاطباً هاجر عليها السلام: (سبحي أيتها النزور الرقوب، واغتبطي بالحمد أيتها العاقر، فقد زاد ولد الفارغة المجفية على ولد المشغولة الحظية. وقال لها الرب أوسعي مواضع خيامك، ومدي ستور مضاريك، لأنك لا تنفسي ولا تضني، بل طوّلي أطنابك، واستوثقي من أوتادك، من أجل أنك تتبسطين وتنتشرين في الأرض يميناً وشمالاً، وترث ذريتك الأمم، ويسكنون القرى المعطلة اليبات). فذكر حال هاجر عليها السلام. وبشر هاجر بهذه الآمال العظيمة التي تستحق الحمد والشكر والاغتباط، وما ينتظر ذريتها من التوسع والسيطرة والغلبة على سائر الأمم، وبمقارنة هذا الوعد الذي وعد به إشعياء هاجر عليها السلام – مع الفتوحات التي تحققت للأمة الإسلامية على أيدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أنه قد تحقق فعلاً، وليس بعد شهادة الواقع وتصديقه لهذه النبوة مجال لمجادل أن يجادل أو يغالط فيدعي أن هذه البشارة لا تصدق هنا، وأنها دالة على قوم آخرين .. ويكفي في هذه النبوة حجة ودليلاً أنه نص على أن أبناء المجفية قد زادوا على أبناء المشغولة الحظية، ومن المجفية إلا هاجر؟ ومن الحظية إلا سارة؟. ولم تحصل هذه الزيادة، ولم تتحقق هذه الغلبة إلا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
البشارة العشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين مخاطباً هاجر عليها السلام: (أيتها المنغمسة المتغلغلة في الهموم التي لم تنل حظوة ولا سلوا، إن جاعل حجرك بلوراً .. ويعرفني هنالك جميع ولدك ولا ينكرونني، وأعلم أبناءك بالسلم، وتكونين مزينة بالصلاح والبر، فتنحي عن الأذى والمكارة، لأنك آمنة منها، فانحرفي عن الانكسار والانخذال فلن يقرباك، ومن انبعث من بين يدي فإليك يكون وفيك حلوله، وتصيرين وزراً وملجأً لقاطنيك وساكانك). قال الطبري: (فأي شهادة أعظم من شهادة الله لهم أنهم جميعاً يعرفونه ولا يجهلونه؟ وأنه صيّر بلدهم وزراً وملجأً للناس، أي حرماً آمناً).

ثلاثون بشارة لأشعيا
البشارة الواحد والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (يا معشر العطاش توجهوا إلى الماء والورود، ومن ليس له فضة فليذهب ويمتار ويستسقي ويأكل من الخمر واللبن بلا فضة ولا ثمن). قال المهتدي الطبري: (فهذا من نبوة إشعياء دال على ما أنعم الله به على ولد هاجر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى أنهم صائرون إلى ما وعدهم الله تعالى في الآخرة من أنهار من خمر، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين. فانظروا إلى هذه المشاكلة والموافقة التي بين النبوتين جميعاً). وهذا إشارة منه إلى قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم).
البشارة الثانية والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (إني أقمتك شاهداً للشعوب، ومدبراً وسلطاناً للأمم، لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم، وتأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً، من أجل الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك، فاطلبوا ما عند الرب، فإذا عرفتموه فاستجيبوا له، وإذا قرب منكم فليرجع عن خطيئته، والفاجر عن سبيله، وليرجع إليّ لأرحمه، ولينب إلى إلهنا الذي عمّت رحمته وفضله) قال الطبري: (فقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم باسمه، وقال: إن الله جعلك محمداً. فإن آثر المخالف أن يقول: ليس بمحمد، بل محمود وافقناه فيه، لأن معناهما واحد).
أما قوله: (أقمتك شاهداً للشعوب). فهو مماثل لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقوله عز وجل: (ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس). وقوله عز من قائل: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).
أما قوله: سلطاناً للأمم. فيحتمل أن يكون المراد منه المعنى المتبادر للذهن وهو السيادة والقيادة، وقد تحققت له هذه على الأمم في حياته وحياة أصحابه. ويحتمل أن يكون المراد منه أنه سلطان بمعنى حجة على الأمم، لأن السلطان في لغة التنزيل تأتي بمعنى حجة.
وأما قوله: (لتدعو الأمم الذين لم تعرفهم). فقد تحقق ذلك بإرساله صلى الله عليه وسلم الرسل والكتب إلى الملوك كهرقل وكسرى والمقوقس وغيرهم ممن لا يعرفهم كما هو مشهور في كتب السنة والسيرة.
وأما قوله: تأتيك الأمم الذين لم يعرفوك هرولة وشداً. فمصداق ذلك في انضواء الأمم التي لم تكن تعرفه من قبل، والتي لا تعد ولا تحصى تحت لوائه، والإذعان لأمره. كما أن هذه البشارة لا تنطبق على الأنبياء قبله، لأنهم دعوا أقوامهم وهم يعرفونهم، واستجابت لهم الأمم التي تعرفهم، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد دعا من لم يعرفه، واستجاب له من لا يعرفه.
وبقية النص تتعلق بالرحمة والمغفرة والتوبة، وهي معان ظاهرة في شريعته، أظهر من الشمس في رائعة النهار، ولا يمكن أن تكون هذه البشارة دالة على اليهودية أو على النصرانية لما يأتي.
1. أن اليهودية تعتقد أنها دين خاص ببني إسرائيل، وهذه البشارة قد تضمنت أنه يدعو الأمم ، وتأتيه الأمم، وهذا يناقض اعتقادها.
2. أن هذا النص تضمن أن صاحب هذه الرسالة يبشر بالتوبة والمغفرة والرحمة، وهذا يخالف اعتقاد اليهود والنصارى: فاليهود تعتقد أن من حق الكاهن المغفرة ومحو الخطايا كما أن النصرانية تعتقد أن البشرية كانت مثقلة بالخطيئة الموروثة التي رفعت عنهم بعد صلب المسيح – كما زعموا – ثم غفلت النصرانية عن كونها محت الخطيئة الموروثة فمنحت رجال الدين حق مغفرة الخطايا.
3. المسيحية ديانة خاصة ببني إسرائيل، لأن المسيح عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل حيث يقول لتلاميذه: (إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).
البشارة الثالثة والعشرون: قول إشعياء في الفصل الثامن والعشرين عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: (إني أقسمت بنفسي وأخرجت من فمي كلمة الحق التي لا خلف لها ولا تبديل، وإنه تخرّ لي كل ركبة، ويقسم بي كل لسان، ويقولون معا: إن النعمة من عند الرب). قال المهتدي الطبري: (فمن هذه الأمة التي تقسم باسم الله؟ ومن ذا الذي يخر على الركب لاسم الفرد الواحد، ويحدث بنعم الله صباحاً ومساء، ويفرده بالدعاء والابتهال غير هذه الأمة ؟ فأما جماعة النصارى فإنهم ينسبون النعم إلى المسيح).
البشارة الرابعة والعشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (إن الله نظر ولم ير عدلاً، وأنكر ذلك، ورأى أنه ليس أحد يعين على الحق، فعجب الرب منه، وبعث وليه فأنقذه بذراعه، ومهد له بفضله، فاستلأم العفاف كالدرع، ووضع على رأسه سنور الإعانة والفلح، ولبس لباس الخلاص، لينتقم من المبغضين له والمعادين، ويجازي أهل الجزائر جزاءهم أجمعين، ليتقي اسم الله في مغارب الأرض، وليخشع في مشارقها لجلاله) وفي هذه النبوة تصوير لواقع البشرية قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام، كما أن فيها إشارة إلى اختيار الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ووصفاً لجهاده صلى الله عليه وسلم الكافرين والمعاندين، وبياناً للنتيجة التي تحققت على يديه وهي: دخول الأمم في دين الله أفواجاً، حتى شمل ذلك المشرق والمغرب.
البشارة الخامسة والعشرون: قول إشعياء مخاطباً هاجر عليها السلام وبلادها وهي مكة: (قومي وأزهري مصباحك فقد دنا وقتك، وكرامة الله طالعة عليك، فقد تخللت الأرض الظلام، وغطي على الأمم الضباب، فالرب يشرق عليك إشراقاً، وتظهر كرامته عليك، وتسير الأمم إلى نورك، والملوك إلى ضوء طلوعك، ارفعي بصرك إلى ما حولك وتأملي، فإنهم سيجتمعون كلهم إليك ويحجونك، ويأتيك ولدك من بلد بعيد، وتحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك الإبل المربلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، ويساق إليك كباش مدين وكباش أعفا، وتأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه، وتسير إليك أغنام قيدار كلها، وتخدمك رخلات نبايوت، ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني، وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمداً). فذكر هاجر وذكر البلد، وصرح بالحج وما يصاحبه من توافد الأمم، وسوق الهدي، كما صرح بأسماء بعض هذه الأمم الوافدة إلى الحج كأهل سبأ ومدين وغيرهما. أما قوله: (قيدار ونبايوت). فقال الطبري: هما من أولاد إسماعيل عليه السلام.
البشارة السادسة والعشرون: قال إشعياء في الفصل الثامن والعشرين: (سيترجاني أهل الجزائر، ومن في سفن تارسيس كما فعلوا من قبل، ويوردون عليك أبناءك من بلد بعيد ومعهم فضتهم وذهبهم، من أجل اسم الرب إلهك قدوس إسرائيل الذي أحمدك وأكرمك، ويبني أبناء الغرباء سورك، وملوكهم يخدمونك، وتفتح أبوابك في كل وقت وأوان من آناء الليل والنهار فلا تغلق، ويدخل إليك أرسال الأمم، ويقاد إليك ملوكهم أسرى، لأن كل أمة ومملكة لا تخضع لك تتبدد ستورها، وتصطلم الشعوب بالسيف اصطلاماً، وتأتيك الكرامة من صنوبر لبنان البهي، ومن أبهلها ليبخر به بيتي، ويعظم به موضع قدمي ومستقر كرامتي، وتأتيك أبناء القوم الذين كانوا يذلونك، ويقبل آثار أقدامك جميع من كان يؤذيك ويضطهدك، وأجعلك كرامة إلى الأبد، وغبطة وفرحاً إلى دهر الداهرين، وسترضعين ألبان الشعوب، وستصيبين من غنائم الملوك، وتتمززين من غاراتك عليهم ... وأجعل السالمة مدبرك، والصلاح والبر سلطانك، ويكون الرب نورك ومصباحك إلى الأبد). فلم تتحقق هذه الصفات مجتمعة إلا لهذه الأمة الإسلامية، فتغلبت على الأمم، وقادت ملوكهم أسرى، وتبدد من أمامها الأمم التي لم تذعن لها. وكتب الله لها الغلبة والظهور إلى قيام الساعة وهو ما أشار إليه أشعياء في قوله: إلى دهر الداهرين .. إلى الأبد. وهو مماثل لقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال ناس من أمتي ظاهرين، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون).
البشارة السابعة والعشرون: قال إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: (إن عبدي المجتبى عندي، ابن حبيبي اخترته وأرسلته إلى الأمم بأحكام صادقة).
وقد أورد المهتدي الترجمان وغيره هذا النص بصورة أطول، واشتمل على صفات هي ألصق بمحمد صلى الله عليه وسلم من غيره وهو قوله: (إن الرب سبحانه وتعالى سيبعث في آخر الزمان عبده الذي اصطفاه لنفسه، ويبعث له الروح الأمين، يعلمه دينه، ويعلم الناس ما علمه الروح الأمين، ويحكم بين الناس بالحق، ويمشي بينهم بالعدل، وما يقول للناس هو نور يخرجهم من الظلمات التي كانوا فيها، وعليها رقود، وقد عرّفتكم ما عرفني الرب سبحانه قبل أن يكون). فمحمد صلى الله عليه وسلم هو المبعوث في آخر الزمان، وهو الذي نزل عليه الروح الأمين، وهو الذي حكم بين الناس بالعدل وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
البشارة الثامنة والعشرون: قول إشعياء في الإصحاح الثاني والأربعين: (لترفع البرية ومدنها صوتها، والديار التي سكنها قيدار، ولتترنم سالع من رؤوس الجبال، ليهتفوا ليعطوا مجداً، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر الرب كالجبار، يخرج كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ على أعدائه). تضمن هذا النص الإشارة إلى مساكن العرب وهم ذرية قيدار أحد أبناء إسماعيل عليه السلام، والتصريح بذكر جبال المدينة المنورة وهو سالع، إذاً فلا تقبل هذه البشارة أن تنطبق على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقبل الانتقال إلى نبوات إرميا لا بد لي من الإشارة على أن النبوات التي أوردها إشعياء تكاد أن تأخذ طابعاً معيناً وهو: المباشرة في الطرح والتصريح بذكر الأسماء كمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإسماعيل، ومكة والعرب، أو الإشارة إلى صفته وصفات أمته وأصحابه كذكر الدروع والسيوف والجهاد .. كما مر سابقاً.

عشرة بشارات لا شعيا
البشارة الخامسة: قول إشعياء في الفصل العاشر: (هكذا يقول الرب إنك تأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، ومن أرض البادية مسرعاً، مقداً مثل الزعازع من الرياح، ورأينا منظراً رائعاً هائلاً ظالماً يظلم، ومنتهياً ينتهب ... ولتقم السادة والقادة إلى أترستهم، فيدهنوها لأن الرب قال لي: هكذا أمض فأقم الربيئة على المنظرة، ليخبر بما يرى، فكان الذي رأى راكبين: أحدهما راكب حمار، والآخر راكب جمل.. فبينما أنا كذلك إذ أقبل أحد الراكبين وهو يقول: هوت بابل وتكسرت جميع آلهتها المنجورة على الأرض، فهذا الذي سمعت من الرب إله إسرائيل العزيز قد أنبأتكم). ويستنتج من هذا النص الدلالات التالية المؤكدة على أن المعنى بهذه البشارة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
1. أن إشعياء قال: ستأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، من أرض البادية، لئلا يدع حجة لمحتج، لأنه لم يأت أحد بهذه النوبة من أرض التيمن الواقعة في البادية البعيدة عن أرض إسرائيل سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
2. أنه قال: (هوت بابل وانكسرت جميع آلهتها). ولم تزل الأوثان تعبد في بابل حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم ، فأطفأ نيرانهم، وهدم أوثانهم، واذعنوا لدين الله طوعاً أو كرهاً.
3. إذا كان راكب الحمار ينطبق على المسيح، فليس في الدنيا راكب جمل أولى بهذه النبوة من محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أورد المهتدي الإسكندراني النص العبري المتعلق براكب الحمار وراكب الجمل، ثم اتبعه بالترجمة العربية وجاء فيه: (فرأى ركب رديف خيل، ركب رديف حمار، ركب رديف جمل) وقال: هذه حال جيوشه صلى الله عليه وسلم ، خلاف عساكر الملوك، لأن الملوك لا تركب جيوشها مراديف، ولا يركبون الحمير والجمال.
أما قوله: (ظالماً بظلم، ومنتهبا ينتهب). فقصد به الإمبراطورية الفارسية والرومانية.
البشارة السادسة: قول إشعياء في الفصل السادس عشر: (لتفرح أهل البادية العطشى، ولتبتهج البراري والفلوات، ولتخرج نوراً كنور الشسلبذ، ولتستر وتزه مثل الوعل، لأنها ستعطى بأحمد محاسن لبنان، وكمثل الدساكر والرياض، وسيرون جلال الله عز وجل وبهاء إلهنا) وقد اشتملت هذه البشارة على ذكر بلده وحال أمته، وصرحت باسمه، وتضمنت ما وعدوا به من النظر إلى وجهه تعالى في الآخرة.
البشارة السابعة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (هتف هاتف في البدو وقال: خلوا الطريق للرب، وسهلوا لإلهنا السبيل في القفر، فستمتلئ الأودية كلها مياهاً، وتنخفض الجبال انخفاضاً، وتصير الآكام دكا دكاً، والأرض الوعرة ملساء، وتظهر كرامة الرب، ويراه كل أحد، من أجل أن الرب يقول ذلك). ولم تدع أمه من البادية وتكرم هذا التكريم سوى الأمة الإسلامية. وقد أول الطري الجبال والروابي في هذه البشارة على أنهم الملوك والجبابرة، وأن الأودية الواردة هنا حقيقية.
ولعل الأولى أن يتم تأويل هذه الأودية على معنى معنوي كما أول الجبال والآكام فيكون المقصود بفيضان الأودية بالماء هو انتشار الإسلام، وإشاعة العلم الشرعي الذي لا تستغني عنه الأمة، كما أنها لا تستغني عن الماء، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما بُعث به بالغيث أصاب الأرض.
البشارة الثامنة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (من الذي نبه البر من المشرق، ودعاه إلى موطئ قدمه ليسلم إليه الأمم، ويذهل عنه الملوك، ويجعل سيوفه في عدد الثرى .. وقسيه في عدد الحزم المنثورة، فهو يغلبهم ويضرب وجوههم، ثم يحدث سلماً، ولا يطأ برجله سفراً). قال الطبري: (فإن الحجاز والعراق وما ولاها عند أهل الشام مشرق). ومعنى قوله من الذي نبه البر. لعله بمعنى من الذي نبه البار من المشرق، أو لعل المقصود بالبر الإيمان، كما جاء في قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر). أما بقية النص فهو متحقق في النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي سلمت إليه الأمم قيادها، وذهل منه الملوك، وكانت سيوفه بعدد الثرى، وهو الذي تغلب على الكفار وخذلهم، ولم تجتمع هذه الصفات لأحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البشارة التاسعة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (يا آل إبراهيم خليلي الذي قويتك، ودعوتك من أقاصي الأرض، ومن نجودها وعواليها، ناديتك وقلت لك: إنك عبدي وأنا اجتبيتك، ولم أستر ذلك، فلا تخف، لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك، وبيميني العزيزة البرة مهدت لك، ولذلك يبهت ويخزي المستطيلون عليك، ويضمحل ويتلاشى الذين يمارونك ويشاقونك، ويبيد القوم المنازعون لك، وتطلبهم فلا تحس منم أثراً، لأنهم يبطلون، ويصيرون كالنسئ المنسي أمامك لأني أنا الرب قويت يمينك، وقلت لك لا تخف، فإني أنا عونك ومخلصك، هو قدوس إسرائيلل، يقول الله الرب: (أنا جاعلك مثل الجرجر الحديد الذي يدق ما يأتي عليه دقاً، ويسحقه سحقاً، وكذلك تفعل أنت أيضاً، تدوس الجبال، وتدقها، وتجعل المدائن والتلال هشيماً تذروه العواصف، وتلوى به هوج الرياح، وتبتهج أنت حينئذ، وترتاح بالرب، وتكون محمداً بقدوس إسرائيل). وقد استبدل أول هذا النص بـ (وأما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته من نسل إبراهيم). كما استبدل آخره بـ (وأنت لتبتهج بالرب بقدوس إسرائيل تفتخر).
وقد تقدم في البشارات السابقة أن أرض الحجاز واقعة في أقاصي أرض إسرائيل، أما قوله: (فلا تخف لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك). فهو متفق مع قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس). أما قوله: (يبهت ويخزي المستطيلون عليك). فهو متفق مع قوله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) وقوله: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) كما أنه متفق مع حال المناوئين له والمخالفين لأمره ممن كانوا أمما أو أفراداً. ومعنى قوله: (تدوس الجبال وتدقها) .. فقد سبق تأويل الجبال بالملوك والجبابرة، وقد سحقوا أمام جيوشه وجيوش أصحابه، وأصبحوا هشيماً تذروه الرياح.
وقال المهتدي الطبري: (وإن شغب شاغب فأكثر ما يمكنه أن يقول: إن تفسير اللفظة السريانية هو: أن يكون محموداً وليس بمحمد. ومن عرف اللغة وفهم نحوها لم يخالفنا في أن معنى محمود ومحمد شيء واحد).
البشارة العاشرة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (إن المساكين والضعفاء يستسقون ماء ولا ماء لهم، فقد جفت ألسنتهم من الظمأ، وأنا الرب أجيب حينئذ دعوتهم، ولن أهملهم بل أفجر لهم في الجبال والأنهار وأجري بين القفار العيون، وأحدث في البدو آجاماً، وأجري في الأرض ماء معيناً، وأنبت في القفار البلاقع والصنوبر والآس والزيتون، وأغرس في القاع الصفصف والسرو البهية، ليروها جميعاً، وليعلموا ويتدبروا ثم يفهموا معاً أن يد الله فعلت ذلك، قدوس إسرائيل ابتدعه) وقد ذهب الطبري إلى أن الألفاظ الواردة في هذه النبوة على حقيقتها، فقال: (فأين لكم يا بني عمي المحيد عن هذه النبوة الواضحة الناطقة؟ وما عسيتم تقولون فيها؟ وقد سمى البلاد ووصف المعاطش والقفار البلاقع، وما فجر فيها من العيون، وأجرى من الأنهار، وغرس فيها من أنواع الأشجار، وسمي العطاش المساكين من أهل البوادي والحجاز..) ولكنني أرى أن المقصود بهذه الألفاظ هي المعاني المجازية التي يمكن تأويل هذه الألفاظ إليها استئناساً بقرينة الحال والواقع، لا أن المقصود بهذه الألفاظ المعاني الحقيقية، يؤكد ذلك أن الأرض التي أشرقت بنور الرسالة المحمدية لا تزال منذ أن سكنها إسماعيل عليه السلام إلى يوم الناس هذا واد غير ذي زرع، كما قال ذلك الخليل عليه السلام، فلم تنعم بالأنهار،ولم تتفجر فيها العيون، ولم تنبت الزيتون والآس. ولعل المراد من قوله: إن المساكين والضعفاء يستسقون ولا ماء لهم أن هذا كناية عن سؤالهم الله أن يغيثهم بالرسالة، ويزكيهم بالكتاب والحكمة وينزل على قلوبهم السكينة والطمأنينة، امتداداً لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام لما قال – كما أخبر بذلك الله عنه في محكم تنزيله -: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم).
وقد أورد المهتدي الشيخ زيادة نصاً عن إشعياء يتضمن أن "دوما" – وهي إحدى البلاد التي عمرها أحد أبناء إسماعيل عليه السلام – تستغيث بلسان حالها إلى الله سبحانه وتعالى أن يرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ليخرجها من الظلمات إلى النور. فعلى ذلك يتيسر تأويل بقية النص الوارد إلى المعاني المجازية، فيكون المراد بالأنهار والعيون، وازدياد الخير والنماء وتبدل حال القفار ... هو انتشار الرسالة، وعموم نور الإسلام، وكثرة العلماء والدعاة الذين يرد إليهم الناس لسؤالهم والاستفادة من علمهم الذي هو للروح كالماء للجسد. وقد يكون من حكمة الله أن تظل هذه النصوص بهذه الألفاظ، لأنها لو وردت ظاهرة لتلقفتها أيدي اليهود النصارى بالتحريف والتغيير.
وبناء على ذلك يكون هذا النص – سواء كان ظاهراً أم مؤولاً – دالاً على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ذكر الضعفاء والمساكين في البادية العطشى بين الجبال والقفار، وقد كانت أمته قبل بعثته على هذه الحال من الضعف والمسكنة والبداوة والسكنى بين الجبال وفي القفار والأودية العطشى.

سابعاً: بشارة حزقيال:
قال حزقيال في الفصل التاسع: (إن أمّك مغروسة على الماء بدمك، فهي كالكرمة التي أخرجت ثمارها وأغصانها من مياه كثيرة، وتفرعت منها أغصان كالعصى قوية مشرفة على أغصان الأكابر والسادات، وارتفعت وبسقت أفنانهن على غيرهن، وحسنت أقدارهن بارتفاعهن والتفاف سعفهن، فلم تلبث الكرمة أن قلعت بالسخط، ورمى بها على الأرض، وأحرقت السمائم ثمارها، وتفرق قواها، ويبس عصي عزها، وأتت عليها النار فأكلتها، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة العطشى، وخرجت من أغصانه الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصا قوية بعدها ولا قضيب ينهض بأمر السلطان). فتأمل ما في هذا النص من بلاغة في التصوير، ودقة في التعبير، فشبه الأمة اليهودية إبان عزها وسؤددها – لما كانت تعيش تحت مظلة الأنبياء – بالكرمة الحسنة، وبعد أن نزعت منها النبوة، وأغضبت ربها استأصل شأفتها، واقتلع جذورها، فذرتها الرياح، وأكلتها النار، وانتهى مجدها. واستبدل الله بها أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وشبهها بشجرة قد غرست في أرض البادية العطشى من الماء المعنوي والحسي، فأثمرت هذه الشجرة الأغصان الفاضلة التي قضت على تلك الشجرة الأولى ولم تبق فيها عصا ولا قضيباً. وهذا حال الأمة اليهودية والأمة الإسلامية التي أشرق عزها، وتوسع نفوذها، حتى شمل بلاد بني إسرائيل وغيرها.
البشارة الأولى: قال دانيال في الإصحاح السابع: (إن ملكوت الله وعظمة المملكة الممتدة تحت رقعة السماء كلها سوف تعطي لعباد الله تعالى وأوليائه. وسيكون ملكوتهم هذا مملكة أبدية، تخدمها جميع الممالك الأخرى، وتعمل بطاعتها) إن هذه البشارة لتدل بوضوح على أن في الإسلام توجد وحدة لا انفصام لها بين الدين والدولة. فالإسلام ليس ديناً فحسب، بل أيضاً المملكة الدنيوية. ولا بد من إلقاء نظرة خاطفة على التدرج التأريخي لهذا الملكوت حتى بلغ غايته، واكتمل بناؤه على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا التدرج هو كما يلي:
1. أن الإسلام قبل محمد صلى الله عليه وسلم لم تمثله دولة تحكم باسمه وتدافع عنه، وإنما كان الإسلام ديناً قائماً في حياة الأقوام التي آمنت به، ولم تقم له دولة في حياتهم، بل كان السلطان والقوة في أيدي الكفرة الوثنيين، في العموم الغالب، ويستثنى من ذلك فترات حكم كل من سليمان وداود ويوشع عليهم السلام.
2. إن المسيح عليه السلام قد بشر تلاميذه باقتراب ملكوت الله. وهذا الملكوت يعني وجود دين ومجتمع قوي من المؤمنين بالله، وهذا المجتمع يتسلح بالإيمان بالله وبالسيف لقتال أعدائهم الذين يريدون أن يحولوا بينهم وبين تبليغ كلمة الله إلى البشرية، أو بمعنى أوضح: إن ملكوت الله هو الإسلام. إذاً فالمسيح عليه السلام بشر تلاميذه باقتراب ظهور الإسلام على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، وأكد لليهود أن النبي الذي تنتظره اليهود ليس يهودياً، ولا من نسل داود عليه السلام، بل هو من نسل إسماعيل عليه السلام واسمه أحمد، وسيقيم الدولة الإسلامية وفق المنهج الذي ارتضاه الله لهم، وهذه الدولة مؤيدة بنصر الله ثم بسواعد المجاهدين في سبيله.
3. طبيعة هذا الملكوت وتكوينه: يتألف هذا الملكوت من المؤمنين بالله الذين يلازمهم ذكر الله سبحانه وتعالى في كل أحوالهم، فلا يقومون بأي عمل إلا ويبدءونه بذكر الله، ويحمدونه بعد الانتهاء منه.
وطبيعة هذا الملكوت أنه يتكون في جوهره من شقين: الأول: دين صحيح قائم على وجه الأرض وفق المنهج الذي ارتضاه الله في كتابه القرآن. والثاني: دولة إسلامية تقوم على هذا المنهج ويتصف المؤمنون بهذا المنهج بما يأتي:
أ ) أنهم يكونون أمة واحدة تربطهم أخوة واحدة هي أخوة الدين.
ب) أنهم كما وصفهم دانيال: جماعة القديسين. وهذه صفة تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار وعلى سائر المؤمنين بالله.
4. ديمومة هذه المملكة ورفعة شأنها: هذه الحقيقة أكدها دانيال بقوله: إن جميع الأمم تحت قبة السماء تخدم شعب الأبرار العامل بطاعة الله. ولم تتحقق هذه الصفة – وهي خدمة الأمم – إلا للأمة الإسلامية التي خدمتها الأمم في مشارق الأرض ومغاربها. ومن دواعي استمرار هذه الأمة وديمومتها أنها لا تعرف التمييز الطبقي في تشريعاتها بين أفرادها فالكل سواء أمام شرع الله، لا فرق بين الأبيض والأسود أو بين الحاكم والمحكوم.
البشارة الثانية: قال دانيال: (طوبى لمن أمل أن يدرك الأيام الألف والثلاثمائة والخمسة والثلاثين). قال المهتدي الطبري: (فأعملت فيه الفكر فوجدته يوحي إلى هذا الدين، وهذه الدولة العباسية خاصة، وذلك أنه لا يخلو دانيال من أن يكون أراد بهذا العدد: الأيام والشهور والسنين، أو سرا من أسرار النبوة بخرجه الحساب. فإن قال قائل: إنه أراد به الأيام. فإنه لم يحدث لبني إسرائيل، ولا في العالم بعد أربع سنين فرح ولا حادثة سارة، ولا بعد ألف والثلاثمائة وخمسة وثلاثين شهراً، فإن ذلك مائة وإحدى عشر سنة وأشهر. فإن قالوا: عني به السنين. فإنما ينتهي ذلك إلى هذه الدولة، لأن من زمن دانيال إلى المسيح نحواً من خمسمائة سنة... ومن المسيح إلى سنتنا هذه ثمانمائة وسبع وستون سنة ينتهي ذلك إلى هذه الدولة العباسية منذ ثلاثين سنة، أو يزيد شيئاً).
وبمقارنة هذا التاريخ الميلادي بالتاريخ الهجري تكون السنة التي أشار إليها هي سنة 253هـ تقريباً. ولعل في هذه البشارة سراً عجيباً وهو الإشارة إلى بلوغ الدولة الإسلامية غاية مجدها، وكمال سيطرتها، ونهاية فتوحاتها.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى