مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* فاروق الباز العربي الذي إختار موقع الهبوط على سطح القمر

اذهب الى الأسفل

* فاروق الباز العربي الذي إختار موقع الهبوط على سطح القمر Empty * فاروق الباز العربي الذي إختار موقع الهبوط على سطح القمر

مُساهمة  طارق فتحي السبت نوفمبر 17, 2012 8:44 am

أجرى الحوار : مجدي سعد
يشتعل عقله بالذكاء الذي ينساب مع تعليقاته المرحة الى أذهان السامعين . يتحدث معك عن " القمر " وكأنه عائد للتو من سطحه .
يروي لك تاريخ حياته الشاقة بفرح، ويتنقل بين الماضي والمستقبل بعزف على أوتار العقل .
هو فاروق الباز .
وهو أول عالم عربي تفتح معه علم وعالم سلسلة لقاءاتها مع العلماء العرب المغتربين علَّها بمحاورتها لهذا العقل الجميل تجعل من الجمال محفّزا ً للأمل .
س: أود لو نعود الى بداياتك الاولى، الى طفولتك وقريتك.. الى المرحلة التي بدأ يتكون فيها وعي فاروق الباز .

ج: لو أردت أن أعيّن بداية لمسيرتي العلمية الطويلة، لبدأت بحياة والدي وتأثيره علي ّ لجهة إحترام العلم والمعرفة . هذا التأثير أدركته منذ بضع سنوات فقط حين جلست أفكر بمسيرة حياتي . فطيلة العقود الماضية كان تأثير والدي عليَّ موجودا ً في اللاوعي .

وقصة والدي أنه كان فلاحا ً عاديا ً من قرية عادية تدعى طوخ الأقلام قرب المنصورة والزقازيق . وقد أظهر والدي منذ طفولته ذكاءا ً متميزا ً، فاجتمعت كل عائلة الباز على إرساله الى الأزهر الشريف وتحمّل نفقات تعليمه . وكان قبل نهاية تعليميه يطلق عليه في القرية إسم السيد الباز . وبعد أن أنهى تحصيله العلمي أصبح يدعى الشيخ سيد الباز . وكان يجتمع عند والدي كل أبناء القرية حيث كان يقدم لهم النصح والمشورة في شؤونهم الحياتية والإجتماعية .

وكنت أجد أن الذي ساعد أبي في أن يصبح " الشيخ سيد " بدلا من " سيد " فقط هو العلم . أي أن المكانة التي حصل عليها في مجتمعه كان سببها تحصيله للعلم . وقد حرص والدي على زرع إحترام العلم في قلوبنا منذ الصغر. فكنت أشاهده كل ليلة وهو ينهض لأخذ بعض الكتب ليقرأ لنا منها، كيف كان يحملها بكل عناية ومحبة وإحترام .

كان عمري آنذاك 9 سنوات وكانت هذه الصور تنطبع في وجداني وكنت أتشبّع باحترام العلم دون أن أدري . وبالفعل عند وصولي الى المرحلة الثانوية التي تسبق المرحلة الجامعية كنت كأي ولد من أقراني ألعب وأمرح، لكن عندما يحين وقت المذاكرة كان إصراري أن أعطيها كل الجهد . وبالفعل فقد أصبحت طالبا ً متفوقا ً وإستطعت أن أكون الطالب الأول باللغة العربية في كل الجمهورية .

وكان لدينا مادة الأحياء حيث لفت إنتباه استاذي وأنا أقوم بالتشريح اذ كان يقول ان الولد فاروق سيصبح جراحا ً ماهرا ً يوما من الأيام . وكنت اريد آنذاك أن أكمل تخصصي في جراحة المخ .

س: كيف إخترت ان تكمّل تخصصكً في مادة الجيولوجيا ؟

ج: بعد تخرجي من الثانوية العامة وبناءا ً على مجموع علاماتي قررت لجنة التنسيق أن تمنحني حق إكمال تعليمي الجامعي إما في مادة طب الأسنان أو في مواد العلوم . وبما أنني لا اريد أن أصبح طبيب أسنان ، ذهبت الى اللجنة لاسألها عن مواد العلوم، فذكروا لي عدة مواد ومنها مادة الجيولوجيا التي لم أكن قد سمعت بها قط في حياتي . ولما إستفسرت منهم عما يقوم به الجيولوجيون قالوا لي أنهم يذهبون الى الجبل ويأتون بالأحجار والصخور . وقد راق لي هذا الموضوع كثيرا ً، فأنا وأثناء دراستي الإبتدائية كنت أذهب كل نهار جمعة مع الكشافة الى زيارة الأماكن الطبيعية مثل جبل المقطم قرب القاهرة وغيره... وكنت أصطحب إخوتي الى هذه الأماكن لأريهم ماذا شاهدت مع الكشافة . وكنت أقوم بجمع الحجارة الجميلة واحتفظ بها في صندوقي الخاص ... كل هذا ولم أكن اعرف يومها ما هي الجيولوجيا . لذلك عندما كان علىَّ أن أختار إختصاصي العلمي أمام لجنة التنسيق اتجهت فورا ً الى هذا الاختصاص، الذي كان يذكرني بما كنت اقوم به في طفولتي . وبالفعل بعد أن أنهيت تعليمي الجامعي وكنت من الاوائل على مستوى الجمهورية في مواد العلوم تمَّ تعيني في قسم الجيولوجيا في جامعة أسيوط حيث قمنا بتأسيس مركز جيولوجي مهم . وكنا نعمل ليلا ً ونهارا ً إذ كنا مدفوعين بولاء كبير للعلم والجامعة والوطن، وهذه سمة من سمات جيلنا . حتى أننا كنا نفتح مكاتبنا لمساعدة الطلاب في كل المواد العلمية التي كانوا يحتاجون فيها لأي مساعدة .

س: كيف حدث و قررت الذهاب الى الولايات المتحدة الأميركية لإكمال تعليمك الجامعي في الدراسات العليا ؟

ج: أواخر العام 1958 جائتني فرصة للذهاب الى روسيا من ضمن بعثة علمية . وعندما إستشرت عائلتي قال لي أخي الأكبر ( الدكتور أسامة الباز وهو حاليا مستشار رئيس الجمهورية المصري) وكان حينها في وزارة الخارجية و قد زار موسكو وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أن التجربة العلمية في موسكو لن تفيدني لأنه لن يتاح لي أن أجمع خبرة عملية، لأن التعليم النظري والتطبيقي يجري فقط داخل الجامعة .

وبعد بضعة أشهر تمَّ إختياري لبعثة علمية الى الولايات المتحدة بتمويل من مؤسسة فورد Ford Foundation للدراسة في مدرسة ميسوري للمناجم والمعادن

Missouri School of Mines and Metallurgy . وعندما طلبت من المسؤول الأميركي نقلي الى معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا MIT بسبب قربه من جامعة هارفارد حيث كان أخي أسامة يكمل دراسة الدكتوراه فيها، يومها رفض المسؤول طلبي وأصر أن أدرس في ميسوري .

فقلت في نفسي أنني اذا درست لفترة سنة وأثبت قدراتي العالية فعندها لن يكون هناك أي عائق لنقلي الى بوسطن والعيش مع أخي . لكن الذي حدث هو العكس تماما . اذ أن المسؤول عن البعثة العلمية عندما عرف بتفوقي في مدرسة ميسوري أصرّ على بقائي فيها . وقد عرفت فيما بعد سبب إصراره على عدم نقلي منها، اذ أن هذه المدرسة تعتبر من أهم الجامعات في العالم في حقل الجيولوجيا، وهذا الرجل كان خريجا ً منها وأصر على بقائي فيها لعلمه بالافادة الكبيرة التي سأحصل عليها من جراء إكمال دراستي هناك.

س: وهل حققت حلمك بالذهاب الى معهد ماساتشوستس والعيش مع أخيك ؟

ج: أثناء إكمالي دراسة الدكتوراه سنحت لي الفرصة بالانتقال الى هناك بسبب وجود استاذي في اوروبا . وبالفعل أمضيت سنة في بوسطن وحققت نجاحا ً كبيرا ً فيها . اذ أنني قمت باعداد برنامجا ً ناطقا ً باللغة العربية على احدى الاذاعات وساهمت في إصدار صحيفة عربية ناطقة باللغة الانكليزية تعنى بالقضايا العربية . لكن الذي حدث أنني لم أستفد علميا خلال هذه السنة التي قضيتها في جامعة MIT فقررت العودة الى ميسوري .

المهم . انني انجزت شهادة الدكتوراه، وبعدها طلب مني استاذي المجيء الى المانيا للتدريس فيها .

س: قبل الانتقال الى المانيا ماذا فعلت في الولايات المتحدة من جديد خارج مجال الدراسة الجامعية مما ساهم في اغناء تجربتك كعالم ؟

ج: قمت بزيارة أغلب المناجم في الولايات المتحدة الأميركية . واردت بذلك مشاهدة ومعاينة كل شيء في القشرة الأرضية . وهذه خبرة كبيرة جدا ً، حتى أن معظم الجيولوجيين الأميركيين لم يجمعوا الخبرة التي جمعتها من جولاتي المتعددة .

وعندما ذهبت الى اوروبا قمت بجولة اخرى على الأماكن الجيولوجية المهمة ...
س: هل اصبح لديك من خلال الجولات فكرة عملية عن جيولوجيا كوكب الأرض، وهل عاينت القشرة الارضية في أكثر من قارة ومكان ..

ج: لقد أردت أن أجمع عينات جيولوجية من كل الأمكنة المتاحة حتى اذا سألني أحد طلابي عن اي شيء استطيع ان ابرز له عينة حقيقية وكي لا يقتصر تدريسي على الجانب النظري فقط . وبالفعل فقد قمت بجولة في فرنسا واسبانيا والمانيا وقد كانت مفيدة لي لأنني اضطررت للتفاعل مع طلابي طيلة 6 أسابيع حيث اتقنت اللغة الالمانية . وبعد أن أنهيت عملي في المانيا قررت العودة الى مصر .

س: ماذا كان طموحك بعد العودة الى مصر ؟
ج: بعد عودتي من اوروبا كان طموحي الوحيد تأسيس مدرسة في الجيولوجيا الاقتصادية لا مثيل لها في العالم . فقد حرصت خلال جولاتي الجيولوجية في أميركا وأوروبا على جمع عينات جيولوجية تصل الى حوالي 4 طن . وكنت مُصراً على أن هذه المدرسة ستستقطب أهم الباحثين والطلاب من حول العالم لأن العينات التي جمعتها هي ثروة علمية كبيرة، وهي ثروتي الوحيدة . وعندما عدت الى مصر لم أهتم بشحن سيارة او ثلاجة أو غسالة... فأنا لم أكن أملك إلا هذه الحجارة التي قمت بشحنها على حسابي .

س: وماذا فعلت في مصر؟

ج: أسندت لي الحكومة وظيفة مدرس في الكيمياء وأنا أحمل شهادة في الجيولوجيا . وقد حاولت من خلال مراجعاتي الطويلة والكثيرة والمضنية أن أصل الى تغيير وظيفتي بما يتلائم مع إختصاصي لكن كل محاولاتي باءت بالفشل . وقد وصلت بي الامور الى اوضاع اقتصادية سيئة لذلك قررت العودة الى الولايات المتحدة خصوصا وان زوجتي كانت على وشك ولادة إبنتي الثانية .

س: كيف وصلت للعمل في وكالة الفضاء الاميركية ناسا-NASA ؟

ج:عندما وصلت الى الولايات المتحدة كنت بحاجة ان اجد عملاً بأسرع وقت ممكن. و أخذت اتقدم بطلبات العمل الى ان وصلت الى احدى الشركات التي تقوم بالبحث عن المواهب لتوظيفها في وكالة الفضاء الاميركية. يومها حصلت على وظيفة في وكالة الفضاء الاميركية و كان العمل يتعلق بجيولوجيا القمر. و انا لم اكن افقه اي شيء لا بالقمر و لا بجيولوجيته. لكني كنت بحاجة ماسة للعمل لاعالة عائلتي.

المهم انني وصلت الى الناسا و لم أكن حينها اعرف ماذا تعني "ناسا". و شرح لي المسؤول عن طبيعة العمل بتأفف..... فقد كان عملنا عبارة عن استلام تقارير من الجيولوجين الكبار و القيام بتلخيصها و من ثم ارسالها اليهم من جديد.

و في أحد الايام قال لي انه مدعو الى اجتماع مع الجيولوجين الكبار في الناسا و انه لا يريد الذهاب . فاقترحت عليه بالذهاب الى الاجتماع بدلاً عنه، فوافق على الفور.

و ذهبت الى الاجتماع الذي ضمّ نخبة من علماء الجيولوجيا في وكالة الفضاء الاميركية و غيرها. و جلست اصغي الى المتكلمين منهم و هم يتحدثون عن طبيعة الجيولوجيا القمرية.... و لمدة ثلاثة أيام تكرر المشهد نفسه. و الذي لاحظته ان العملية مشوشة و لا يوجد منهج للمواضيع التي طرحت. و في اليوم الثالث نظرت الى احد العلماء الكبار في السن و الذي كان جالساً بقربي و سألته هل يوجد كتيب يحدد أنواع التضاريس القمرية و اماكن تواجدها" . نظر الي و قال نحن نعرف ماهية هذه التضاريس و امكنتها". عندها قلت لنفسي ان الجميع في الاجتماع يعرفون كل شيء إلا انا.

و ذهبت بعدها الى قسم الأرشيف و طلبت من الموظف المسؤول ان يرشدني الى الغرفة التي تحتوي على جميع الصور التي التقطتها مركبة لونر أوربيتر Lunar Orbiter ..... فبدأت و لمدة ثلاثة أيام أقوم بجمع الصور و تنظيفها من الغبار وتبويبها حسب الارقام التسلسلية، و بدأ العمل المضني....

قمت بكتابة التعليقات العلمية لكل صورة. و قد كان عدد الصور 4322 صورة و قد استغرق الامر مني ثلاثة أشهر حتى فهمت كل شيء عن القمر. بعدها أخذت اسأل نفسي " ماذا تريد ناسا من الجيولوجين؟" و لم أجد إلا جواباً واحداً و هو ان الناسا تريد الاستعانة بهم لاختيار المكان الافضل للهبوط على سطح القمر.

والمكان الأفضل يجب أن يحتوي على جميع أنواع التضاريس والصخور المطلوب دراستها لتكوين فكرة شاملة عن الطبيعة القمرية . وبالفعل قمت بعملية تبويب كاملة لكل المواقع الصالحة للإستكشاف والتي ستعود علينا بالفائدة العلمية المرجوة .

واتصلت بمنسق الإجتماع وطلبت منه منحي فرصة الادلاء بمعلوماتي... فدهش وسألني " ومن تكون حضرتك؟" . قلت له من أنا، ثم عاد وسألني ولماذا يجب عليَّ اعطاءك حق الكلام في الاجتماع المقبل . عندها قلت له انني إستطعت تحديد أفضل 16 مكان للهبوط على سطح القمر . فطلب مني عندها أن أعطيه مثلا . فذكرت له احد المواقع وقمت بتفصيل المعلومات المتعلقة به ... عندها وبعد أن أثرت إنتباهه قام بتعيين 10 دقائق لي فقط لاغير لمشاركة المجتمعين بمعلوماتي .

وعندما جاء اليوم المحدد وقفت أمام العلماء الكبار في الناسا وغيرها وقمت في فترة 10 دقائق بالشرح العلمي المفصل والمدعوم بالصور والبيانات لأهم المواقع الصالحة للهبوط على سطح القمر . وبسبب إهتمام الموجودين إستمرت الأسئلة لفترة تصل الى مدة نصف ساعة . عندها وقف العالم العجوز والذي كنت قد سألته منذ ثلاثة أشهر عن وجود كتيب يبين مواقع التضاريس وقال امام الموجودين جميعهم ان " د. باز سألني يوماً ما اذا كنا نعرف كل شيء عن التضاريس ،و اجبته يومها اننا نعرف لكنه اليوم اثبت لنا جميعاً اننا لا نعرف اي شيء، لذلك أود التقدم بالشكر العلني و أمام الجميع من الدكتور باز لانه علمنا درساً كبيراً".

و من يومها أصبحت مرجعاً لكل هؤلاء العلماء و أصبح هاتفي يرن في كل الأوقات ، لدرجة استعانة العلماء المخضرمين بمعلوماتي و مساعدتهم في أمور عديدة و مختلفة.

س: كيف حدث أنك أصبحت عضواً في اللجنة التي ستقررأماكن الهبوط ؟

عندما جاء الوقت لتعيين اعضاء اللجنة المذكورة قام زملائي الجيولوجيين بترشيحي اليها. فأنا و كما قال هؤلاء الأكثر معرفة بجيولوجيا القمر و الأكثر قدرة على شرح هذا الموضوع للمهندسين.

و كانت النقلة النوعية التالية هي البدء بتدريب رواد الفضاء أنفسهم، و كل ذلك يعود الى الجهد الذي بذلته في غرفة الأرشيف.

س: أنت الآن تدرّب رواد فضاء سيحققون شيئاً لم تشهده البشرية من قبل و هو السير على جرم سماوي آخر غير الأرض...... حبذا لو تعود بالذاكرة الى تلك الحقبة المهمة من التاريخ البشري و تعّرف القارئ على مشاعرك و العاملين معك في برنامج الأبولو.

كنا كمجموعة مختلفة من الرواد و العلماء و المهندسين نشعر بأن مشروع أبوللو هو قمة المشاريع لذلك كنا نعتقد بأن "برنامج أبوللوهو الملك و ليس له مثيل". لذلك كنا نبذل له كل طاقاتنا، و في تلك الايام لم أسمح لأي شيء و حتى عائلتي أن تقف عائقاً أمام جهودي لانجاح هذا البرنامج. و كنا كأفراد في برنامج أبوللو نقول لبعضنا البعض بأننا كنا محظوظين لتواجدنا في هذا البرنامج، علماً بأن الذي يدفع لنا كان قليلاً جداً. حتى ان رواد الفضاء كانوا موظفين حكوميين عاديين. و كان رواد الفضاء عندما يأتون الى ناسا يقيمون في منزلي لأن المخصص الذي يصرف لهم كان بسيطاً.

س:و انت تشرح لي أخلاصك و إقبالك على العمل في برنامج أبوللو علماً أن الأجر كان قليلاً.... حبذا و انت في هذا الشعور لو تسمح لي بأسر اللحظة و الطلب منك أن تتوجه بكلمة لأجيالنا العربية اليافعة.... ماذا تقول لها؟

أقول لها الولاء للعلم..... الولاء للمعرفة.... و الولاء لعمل الخيّر. نحن كان لدينا ولاء لعملنا لا تحده اي حدود. و نجاحنا في برنامج أبوللو التاريخي سببه الولاء الكبير جداً لعملنا.و التقدم الكبير في العلوم و التي جاءت بعد برنامج أبوللو ما كانت لتحدث لولا هذا البرنامج و لولا هذا الولاء الغير متناهي الذي حمله العاملون به.

س: يقال ان الادارة الاميركية حينذاك كان همها اثبات تفوق الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي و ايصال انسان الى القمر، و لم يكن هناك اهتمام جدي بأي جدوى علمية من برنامج ابوللو. لكن إصرار العاملين من العلماء أمثالك هو الذي أدى فيما بعد الى وضع برنامج علمي جدّي ...

أتدري ، كانت العواطف السائدة في أوساط العاملين في برنامج الأبوللو تفيض بشعور لا يوصف. كنا نعرف أن هذا البرنامج هو برنامج لكل البشرية و لكل الجنس البشري....

س: ماذا حققت ابوللو للبشرية؟

لقد فتحنا آفاقاً كبيرة للإنسان و كل الاهتمام انصب على دراسة الكواكب و تاريخ النظام الشمسي و حتى دراسة الأرض من الفضاء جاءت جميعها كنتيجة لبرنامج ابوللو.

س:علم جيولوجيا الكواكب و الذي أحرز اليوم تقدماً كبيراً...

نعم حتى هذا العلم تجد جذوره في برنامج الأبوللو و خصوصاً القسم الجيولوجي منه...

س: هل شعرت يوماً بأي تمييز ضدك من زملائك في برنامج الأبوللو كونك عربي؟

أبداً، و على العكس تماماً كان بعض رواد الفضاء يجاهرون و علناً باحترامهم لي و كانوا يطلقون عليّ اسم "الملك فاروق" على سبيل التحبب، حتى ان احد الرواد ذكر و هو على سطح القمر انه و بسبب تدريب "الملك" له شعر و كأنه زار القمر من قبل. و قال رائد آخر أنه لا يوجد في العالم أجمع من يعرف القمر كمعرفته لخطوط كفه الا العالم فاروق الباز.

و قد قال أحد الرواد ايضاً أنه يوجد في مشروع أبوللو بديلاً لكل واحد منا، لكن "الملك فاروق" لا يوجد له بديل.... يوجد فقط ملك واحد في برنامج أبوللو، و هو فاروق الباز.

س: بعد نجاح الصين في إطلاق رائد فضاء للدوران حول الأرض، بدأت وسائل الاعلام تتناقل الاخبار عن عزم الصين العمل على ارسال مهمة مأهولة الى القمر....

أنا أعتقد أن ما تقوم به الصين اليوم سيدفع أميركا للعودة الى القمر . و أنا أتوجه بالتحية للصين لجهودها في هذا المضمار.

س: يقال أن أي قاعدة قمرية يجب أن تبنى على الجانب الآخر من القمر حيث ينعدم التشويش الراديوي من الأرض و ذلك لعدم التأثير على اللواقط الممكن وضعها هناك للتنصت على الكون و محاولة معرفة اذا كان يوجد حضارات ذكية اخرى....

نعم هذا صحيح، كما أن فكرة استخدام المواد القمرية لاستخراج مواد صالحة لصناعة وقود الصواريخ هي فكرة تعود لي منذ أيام برنامج أبوللو. و كانت أفكارنا حينذاك تدور حول ارسال سفن فضائية الى المريخ انطلاقاً من القمر. لكننا اليوم نستطيع ان نفعل ذلك انطلاقاً من مدار حول الأرض.

س: المشاريع التي يدرسها مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory مثل تحويل كوكب المريخ الى كوكب مأهول .... هل تعتقد أن هذه المشاريع قريبة الى الخيال العلمي أكثر منها الى الحقيقة؟

ان الخيال العلمي هو بعيد جداً عن الهراء و هو الذي يؤثر على تطور الانسان و على كل شيء في الدنيا.

تصوّر أن كتاب "من الأرض الى القمر" * الذي كتبه كاتب الخيال العلمي جول فيرن منذ عشرات السنين، توقع فيه أن يقوم الانسان بالسفر الى القمر على متن صاروخ يشبه الى حد بعيد الصاروخ الذي حمل مركبة الأبوللو. حتى أن أحد الزملاء في برنامج
أبوللو قال لنا "لن تصدقوا ماذا سأريكم الآن"و قام بفتح كتاب جول فيرن و نظرنا مدهوشين الى رسم الصاروخ الذي كان مطابقاً لصاروخنا.

و بالفعل قمنا وقتها بالاتصال بمجلة لايف Life Magazine التي نشرت هذا الموضوع. وعندما كلمنا رئيس برنامج الأبوللو قال لنا أنه فاتح مصمم صاروخ ساثورن الذي حمل مركبة الأبوللو، و هو عالم الصواريخ الشهير فيرنر فون براون الذي قال له أن ما قمنا بتنفيذه في برنامج الابوللو انما هو نتيجة لا واعية لقرائتنا لجول فيرن.

لذلك أنا أعتقد أن الخيال العلمي يجب ان يطلق من عقاله حتى يساعد البشر على تجاوز الآفاق الكبرى.
س:انت تعرف تجربة عضو الكونغرس الاميركي و رائد الفضاء السابق جون غلين الذي عاد و صعد الى الفضاء الخارجي و هو في السبعينات من عمره..... لو اتيحت لك الفرصة في المستقبل القريب للذهاب الى القمر ماذا سيكون قرارك؟
لو استمر برنامج أبوللو كنت سأصعد.

س: لو اتخذ القرار ببناء قاعدة قمرية أعتقد و بسبب خبرتك الطويلة انه سيتم استدعائك للمشاركة في هذا الموضوع...
لما لا.... لما لا
س: حسناً أين فاروق الباز اليوم؟
أنا أكمل دراستي للأرض من الفضاء في مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن. وهذه الدراسة تستند الى ما كنا قد انجزناه في برنامج أبوللو.
س:سمعنا أنك إكتشفت كميات من المياه في مصر من خلال أبحاثك في الاستشعار عن بعد عن طريق الاقمار الاصطناعية....
نعم إكتشفنا كميات من المياه في سيناء و كميات أخرى كبيرة صالحة للاستخدام الزراعي في جنوب شرق مصر. كما أننا إنتهينا من دراسة الموارد المائية في سلطنة عمان و نحن الآن بصدد دراسة الموارد المائية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
س:أريد أن أختم المقابلة مع فاروق الباز الأب ... لو تحدثنا قليلاً عن عائلتك .
أنا لدي أربعة بنات و كلهم اتجهوا اتجاه معاكس للعلم، فسلكو درب الفنون متأثرين بوالدتهم التي تخصصت بالفنون و تاريخ الفن الشرقي. لكن يبدو أن تأثيري سيمتد الى أحفادي الذين يقولون نريد ان نكون مثل "جدو".
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى